ويضيف العلامة الهنديّ: " رادها كرشنن " الذي كان نائبا لرئيس جمهورية الهند سنة 1952، أن بوذا لم يكن نبيا لأنه لم يقرر عقائد، ولم يكن كذلك فيلسوفاً لأنه لم يؤسس مذاهب فلسفية، إنما أسس دعوته بناء على تجربته الروحية التي لا يمكن بيانها بألفاظ، فدعوته حكاية عن هذه التجربة، وعن الطريق المؤدي إليها، وبوذا يقول أن الحق لا يُعرف بالنظريات ، بل يُعرف بالسير المتواصل في طريقه. وفي ذلك يقول أيضاً: أن عملي ملكي، وعملي ميراثي، وعملي هو الرحم الذي يحملني، وعملي هو الجنس الذي أنتمي إليه، وعملي هو الملجأ الذي ألتجئ إليه "[12].
2 – هل كان بوذا مخلصاً للبشرية؟؟
زعم هؤلاء الكتاب المشككون ومن سار وراءهم وعلى دربهم وأتبع تلفيقهم أن بوذا والبوذية تقول أن بوذا هو مخلص البشرية وحامل خطاياها!! وانه تحمل عنهم جميع خطاياهم!! هكذا بدون برهان أو دليل؟؟!! مجرد كلام في كلام وتلفيق في تلفيق وتضليل في تضليل!! فالعقيدة البوذية، كما بينا أعلاه، تقوم على أساس البحث عن أسباب المعاناة البشرية والتخلص من تكرار عملية التناسخ، الميلاد والموت وتكرار إعادة الميلاد، وتقول دائرة معارف ويكيبيديا: تقوم العقيدة الأصلية على مبدأين: يتنقل الأحياء أثناء دورة كينونتهم من حياة إلى أخرى، ومن هيئة إلى أخرى: إنسان، إله، حيوان، شخص منبوذ وغير ذلك. تتحدد طبيعة الحياة المقبلة تبعا للأعمال التي أنجزها الكائن الحي في حياته السابقة، ينبعث الذين أدوا أعمال جليلة إلى حياة أفضل، فبينما يعيش الذين أدوا أعمالاً خبيثة حياة بائسة وشاقة. عُرف المبدأ الأول بين الهنود حتى قبل مقدم بوذا، فيما يُرجح أن يكون هو من قام بوضع المبدأ الثاني "[13].
فلا بوذا ولا البوذية قال بأنه قد جاء ليخلص البشرية من خطاياها، ولا أنه هو مخلص أو المخلص للبشرية، على الإطلاق، فالبوذية ليس بها عقيدة ولا فكر يمس الخلاص من الخطية، بل تنادي بفكرتين، كما بينا أعلاه، هما " الكارما " و " النيرفانا ". والكارما كلمة صينية تقليدية وتعني الفعل أو العمل الذي يفعله أو يقوله أو يفكر فيه الإنسان مهما كان، وفي البوذية يستخدم التعبير بصفة محددة للأعمال التي تصدر من الإنسان، سواء كانت عقلية مقصودة أو عقلية مرضية "[14].
كما أن الكارما هي: " الأفعال التي يقوم بها الكائن الحي، والعواقب الأخلاقية الناتجة عنها. إن أي عملٍ، خيِّرا كان أو شّرا، وأي كان مصدره، فعل، قول أو مجرد إعمال فكرة، لا بد أن تترتب عنه عواقب، ما دام قد نَتَج عن وعي وإدراك مسبوق، وتأخذ هذه العواقب شكل ثمارٍ، تنمو وبمجرد أن تنضج تسقط على صاحبها، فيكون جزاؤُه إما الثواب أو العِقاب. قد تطول أو تقصر المدة التي تتطلبها عملية نضوج الثمار (أو عواقب الأعمال)، غير أنها تتجاوز في الأغلب فترة حياة الإنسان، فيتحتم على صاحبها الانبعاث مرة أخرى لينال الجزاء الذي يستحقه ".
والنيرفانا هي " الانطفاء أو الخمود وهي مصطلح تقني يطلق على حالة الفناء الصوفي والتي يصل إليها الإنسان بعد التحرر والاستنارة بعد الموت ويستخدم Jains هذه الكلمة للإشارة إلى المكان الذي تنجح فيه الأرواح المحررة في سماء الكون، ويؤمن البوذيون بأن هذه الكلمة تعني الفناء ولكن ليس بالمعنى الذي يتضمن تدمير الإنسان. ما يتخلص منه هو الرغبة والتي من غيرها يعود الإنسان إلى الأرض ويقوم بدورته في الترحال عبر أرجائها. وتصف النصوص البوذية النيرفانا بالهدوء الذي في قمة الجبل أو قطعة من الجواهر النفيسة "[15]. وهي أيضاً: " نص عام للاستنارة، هدف البوذية "[16].
وكما تقول دائرة المعارف الويكيبيديا[17]: " النيرفانا الهدف الأسمى حسب البوذية هو التحرر التام عبر كَسر دورة الحياة والانبعاث، والتخلص من الآلام والمعاناة التي تحملها. وبما أن الكارما هي عواقب الأفعال التي يقوم الأشخاص، فلا خلاص للكائن ما دامت الكارما موجودة. يستعمل لفظ " نيرفانا " لوصف حالة التيقظ التي تخمُد معها نيران العوامل التي تسبب الآلام (الشهوة، الحقد والجهل). لا يحدُث التبدد الكلي للكارما عند بلوغ النيرفانا، يمكن وصف هذه الحالة بأنها بداية النهاية في طريق الخلاص. النيرفانا حالة من الوعي والإدراك لا يمكن تعريفها ولا حتى فهمها، بعد أن يصلها الكائن الحي، ويُصبح متيقظا، يستمر في العيش ومع الوقت يقوم بتبديد كل الكارما الخاصة به، حتى يبلغ عند مماتِه " النيرفانا الكاملة " -parinirvana- (التبدد الكُلي للكارما). عندما يموت هؤلاء الأشخاص فإنهم لا يُبعثون - فقد استنفذت الكارما -، ولا يمكن لأيٍ كان أن يستوعب حالة الطوبى الأزلية التي يبلغونها (حسب أقوال بوذا نفسه) ".
وكان بوذا يعلم أتباعه أن يعتمدوا على أنفسهم للوصول على حالة النيرفانا للخلاص من الخطايا والشرور، ولم يقل أبداً ولم يؤمن مطلقا بفكرة المخلص الذي يخلص آخرين من خطاياهم، وبالتالي فالبوذية ليس لديها أي فكرة عن الفداء والكفارة والخلاص الني هي جوهر المسيحية، فقط على أن الإنسان يعتمد على نفسه وعلى أعماله. ويقول تاريخ بوذا أنه نادى بأن: " كل شيء مخلوق خاضع للفساد والموت، كل شيء زائل. حقق خلاصك بالاجتهاد بعد المرور من خلال حالات التوسط، يموت البوذي للوصول للبارانيرفانا (التوقف عن الإدراك والإحساس) "[18].
أما المسيحية فتقوم على أساس أن الخطية والموت دخلا إلى العالم عن طريق سقوط الإنسان الأول آدم بغواية إبليس ولابد للتبرير من الخطية والعودة إلى الحالة الأولى التي كان عليها الإنسان أن يقدم المسيح ذاته نيابة عن البشرية: " لأن المسيح إذ كنا بعد ضعفاء مات في الوقت المعيّن لأجل الفجار. فأنه بالجهد يموت احد لأجل بار. ربما لأجل الصالح يجسر احد أيضا أن يموت. ولكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا. فبالأولى كثيرا ونحن متبرّرون الآن بدمه نخلص به من الغضب. لأنه أن كنا ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه فبالأولى كثيرا ونحن مصالحون نخلص بحياته. وليس ذلك فقط بل نفتخر أيضا بالله بربنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة من اجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ اخطأ الجميع " (رو5 :6- 12). أي الخلاص الأبدي بدم المسيح الذي سفكه على الصليب: " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية " (يو3 :16)، " لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت ليخدم بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين " (مر10 :45).
وهذا يعني أنه لا بوذا ولا البوذيين قالوا بهذا الكلام الذي يدعيه هؤلاء المشككون ولا من سار على خطاهم. ولم يكن بوذا فاديا ولا مخلصاً بل كان مجرد مصلحاً دينيا للديانات الهندوسية كما يقول أحد الدارسين للبوذية (Wulf Metz): " جاء بوذا من العالم الديني للهندوسية 000 كان بوذا مصلحا للهندوسية كما كان لوثر مصلحا للكاثوليكية الرومانية. فقط مثلما أجتهد لوثر في كيفية غفران الخطايا، اجتهد جوتاما (بوذا) في السؤال عن كيف يتحرر الإنسان من بؤس إعادة الميلاد (التناسخ) المتكرر بلا نهاية "[19].
3 – هل تجسد بوذا بحلول الروح القدس على العذراء مايا؟!
يزعم هؤلاء المشككون ومن سار على دربهم ومن اهتدى بهداهم!! أن بوذا مثل المسيح ولد بحلول الروح القدس على العذراء مايا، أم بوذا!! وهنا نجد قمة العجب والتلفيق والتضليل لأن بوذا لم يتكلم مطلقا عن الله أو أي إله بأي صورة من الصور، وأن كان أتباعه قد وضعوه هو في مكان الله، ولكن ليس بالمفهوم المسيحي أو الإسلامي، بل آمنوا بالعديد من الآلهة والإلهات التي تموت وتولد من جديد مثل البشر! ولذا فهم لا يؤمنون بعقيدة الله الواحد في ثالوث ولا يعرفون شيء عن الروح القدس، روح الله، تقول دائرة المعارف الويكيبيديا: " كما جردت البوذية الموجودات من مفهوم الأنا فقد جردت الكون من مفهوم الخالق الأزلي - مصدر خلاص الجميع -. لا تعارض في البوذية مع فكرة وجود آلهات عدة، إلا أنها رفضت أن تخصص لها مكانة في عقيدتها. تعيش الآلهات حياةً طويلة وسعيدة في الفردوس، ومع هذا فهي معرضة لمواقف صعبة، على غرار ما يحصل للكائنات الأخرى. يمكن لها أن تخوض تجربة الممات ثم الانبعاث من جديد في كينونة أقل شأنا. ليس للآلهة يدٌ في خلق الكون، كما لا يمكنها التحكم في مصير الكائنات الحية "[20].
وتقول دائرة المعارف البوذية أن البوذيين قد آمنوا بعدد كبير من الآلهة الذين يولدون ويموتون ويعاد ميلادهم من جديد مثل البشر: " منذ بدايتها ميزت البوذية بين عدد كبير من الآلهة المتفاوتة في الدرجات (devas والتي تترجم آلهة). كما أكدت البوذية وبكل شدة على أن بوذا نفسه ليس إلهاً بل إنسان. والآلهة في البوذية باختلاف درجاتها هي كائنات فوق البشرية (superhuman)، وتؤثر في العالم بطرق متعددة. وعلى الرغم من أن الكثير من هذه الآلهة لها أصول فيدية (هندية) فلم تعتبرها التقاليد البوذية الأقدم ككائنات خالدة، بل بالأحرى تخضع للسامسارا (تناسخ الأرواح = تجوال الأرواح)، مثل كل الكائنات الميتافيزيقية الخاضعة لقانون الكارما، وبالتالي تخضع للموت وإعادة الميلاد، التناسخ.
وتذكر النصوص المبكرة لبالي أن الآلهة تسكن في مجالات روحية (سماوات) عديدة مختلفة. ففي المجال الأدنى للشهوة (kamadhatu)، الذي فوق المجال الإنساني، تعيش الآلهة والأرواح المختلفة والذين تحدث معارك كثيرة بينهم وبين جماعات من الآلهة الماكرة والغيورة. وهناك الأشوراس (Asuras جماعة من الآلهة القوية الباحثة والتي يشار إليها في بعض الأحيان كأرواح شريرة أو خاطئة - وهي مثيلة بالتيتانس Titans الإغريقية)[21]. وهذه الآلهة المتنوعة تشمل الملوك الإلهيين؛ الثلاثة والثلاثين إلها الذين يقيمون في (ترياستريماس - Trayastriṃśa)، سماء الآلهة المندمجين من الفيدا ويشرفون على ساكرا (S´akra = أندرا) ومارا (MARA) وياما (Yama)، آلهة الوهم والموت؛ والكائنات المنيرة (BODHISATTVAS) في حياتهم بما يتضمن حالياً ميتريا (MAITREYA)، الذي فوق مجال الوعي، في مجال الشكل الصافي (rupadhatu) الذي يقيد الآلهة المجردة، وأهمهم براهما العظيم وخدامه، وعلى القمة المنيرون (الذين يعيدون الشيء - anagamins) الذين لا يولدون من جديد في العالم الإنساني بعد الموت، ولكن في سماء الإلهيات الصافية الذي يعيشون فيها هم فقط. ويعتبر مارا إله الموت والشهوة والطمع والوهموالضلال أهم الآلهة، والمذكور في كل النصوص البوذية المبكرة والذي كان يحاول خداع بوذا 000 والذي برغم هزيمة بوذا له إلا أنه ظل يسبب له المتاعب "[22].
وتذكر دائرة المعارف البوذية العشرات من الآلهة سواء التي كانت منذ بداية البوذية أو التي أدخلتها التقاليد المختلفة عبر كل عصورها. ونلاحظ هنا تنوع الآلهة بين الخيرة والشريرة، الآلهة الكاملة وأنصاف الآلهة والكائنات الإلهية التي يترجمها البعض أحيانا بالملائكة كما يترجم الأرواح الشريرة والآلهة الشريرة أحيانا بالشياطين تأثرا بالمسيحية والإسلام.
والسؤال الآن: من أين أتى هؤلاء بهذا التلفيق!! فبوذا بحسب ما جاء في الكتب البوذية ولد من أب وأم كسائر البشر، وكان أبوه ملكا هندوسيا أسمه سودهودانا (Shuddhodana) وزوجته اسمها مايا، أي لم تكن عذراء بل زوجة للملك سودهودانا الذي كان ملكاً وزعيماً لإحدى القبائل المشهورة في نيبال، وعندما ولد بوذا أسموه سيدهاتا وقد لُقب ببوذا والتي تعني في اللغة السنسكريتية " المستنير أو المتنور "[23]. وتقول أول أسطورة بوذية كتبت في القرن الأول، كما يقول أحد الذين الذي تخصصوا في البوذية:
" تظهر أقدم روايات أسلاف بوذا ولا تقدم أي شيء غير عادي عن ميلاده، فهي تتكلم بصورة محضة عن ميلاده من نهاية أمه وجانب والده لسبعة أجيال للخلف. وبحسب أخر أسطورة فهو لم يلد مثل الكائنات الأخرى ولكن في نفس الوقت كان ملكاً كونياً نزل من سماء توسيتا (Tusita) باختياره وبهذا فلا اعتبار لوالده ولكن هذا لا يعني ولادته من عذراء بل يمكن أن يسمى parthogenetic، أي أن سودهودانا ليس منجبه "[24].
وتقول دائرة المعارف البوذية: " أن النصوص الموجودة الآن تضم كم كبير من القصص الأسطورية التي تسللت ودخلت إلى البوذية خطوة خطوة وقد غيرت الخصائص الأصلية لسيرة حياة بوذا. وقد دونت هذه التجمعات في شكلها النهائي بعد موت بوذا بقرون طويلة من النقل الشفهي "[25].
ويجب أن نضع في الاعتبار هنا عقيدة تناسخ الأرواح (إعادة الميلاد) والتي تقول أنه عندما يموت الإنسان تنزل روحه في جسد أخر وتولد من جديد كإنسان أخر أو في جسد حيوان 00 الخ ثم يموت ثانية ويعاد ميلاه هكذا إلى يصل إلى مرحلة التطهير والنرفانا. وكذلك الإله الذي يتجلى في عشرات الأجساد والشخصيات!! والتي لعبت دورا كبيرا في تطوير شخصية بوذا وتحوله إلى أسطورة، بل وأحد الآلهة، تجلوا عدة مرات، أي الذين ولدوا وماتوا وعادوا للحياة من جديد في شخصيات جديدة. ومن هنا يقول Wulf Metz نقلا لإحدى هذه الأساطير: " أنه أثناء تجسده الأول (يقصد بوذا) والأخير نظر من سماء توشيتا (Tushita)، " كرسي الآلهة المتنافسة " ليجد الوقت المناسب والمكان والوالدين اللذين سيتناسخ منهما (أي يولد من جديد منهما) فأختار الفترة من التاريخ عندما يمكن أن تستمر حياة الإنسان لمئة سنة لا أطول بكثير ولا أقل بكثير لينشر تعليمه. وكمكان أختار الهند الشمالية باعتبارها الأرض المركزية، وأختار الفاضلة مايا لتكون أمه زوجة سودهودانا التي بينت طهارة وسموا أثناء حيواتها السابقة في 100,000 عمر للعالم "!! أي أثناء ميلادها على الأرض وتناسخها آلاف المرات!!
وكانت أول وأفضل سيرة ذاتية عن بوذا هي التي كتبها Ashvaghosha في القرن الأول وتمسمى Buddhacarita (أي أعمال بوذا) والتي تقدم صورة واضحة عن ميلاه لا من عذراء بل من امرأة متزوجة، حيث تقول: " وكان له [ ملك ساكياس (the Sakyas)] ملكة رائعة وجميلة ومخلصة وكانت تسمى مايا من تشابهها مع مايا الإلهة. وتذوق الاثنان بهجة الحب ويوم ما حبلت هي بثمرة بطنها ولكن دون دنس بنفس الطريقة التي ترتبط بها المعرفة
بالنشوة فتحمل ثمرة "[26].
وهنا التأكيد على أنها زوجة لا عذراء ولكن الأسطورة تعطي للميلاد لمحة أسطورية وتؤكد أن له أباً. ويقول الموقع البوذي التالي:
" ولد سيدهرثتا (بوذا) حوالي سنة 563 ق م في مدينة كابيلافاستو (Kapilavastu) (التي تقع الآن في نيبال) وكان والدا سيدهارثا هما الملك سودهودانا والملكة مايا الذين حكموا ساكياس (the Sakyas) "[27].
وتقول دائرة معارف ويكيبيديا: " وتقول أسطورة أنه وُلد حوالي القرن السادس قبل الميلاد، ويقال أن مكان ميلاده لومبيني (Lumbini) في ولاية ساكياس (the Sākyas) 000 وكان أبوه ملك ساكياس وعاش سيدهرثتا (بوذا) في رفاهية 00 "[28].
وبعد موت بوذا بقرون عديدة نشأت حول مولده الأساطير ولكن لا تقول أسطورة واحدة منها أنه ولد من عذراء بل من زوجة تعيش حياة زوجية طبيعية مع زوجها. فتقول موسوعة عالم الأديان: " نُسج حول ولادة بوذا تصوّر يشبه ما جاء عن ولادة الأنبياء. منها أنه في أحد الأيام، حلمت الملكة أنها كانت مستلقية على فراشها عارية البطن، تتهلل خلالها فرحاً كلما تقلبت من جانب إلى آخر فوق سحاب أحلامها. فأطل القدر بنظرته المستطلعة على السهول الجنوبية الخضراء، من موطنه فوق الهملايا السماوية، فأستوقف أنظاره تلك الصبية الغافية الحسناء، التي ألهتها أطياف النوم الحريرية عن بعض حشمتها، فلم يتمالك نفسه ونزل إليها من عليائه وجامعها، بعد أن سلبت لبه بغنج الآسيوية ونعومتها. ولما حان وقت ولادتها ، أنجبت طفلاً جميلاً، أسمه سودهارتا، وماتت بعد أسبوع من ولادته "[29].
ويقول سليمان مظهر: " أن الملكة مايا كانت ترتعش وهي تحكي لزوجها قصة الحلم الغريب الذي رأته في تلك الليلة من ليلي صيف 568 ق م، فبينما هي مستلقية على الفراش إذ بأربعة من الملائكة في ثياب بيض يتقدمون منها ويحملونها بكل محتويات حجرة نومها، ويطيرون بها إلى أعلى قمة في جبال الهملايا حيث تقوم شجرة باسقة خضراء، ويضعونها تحت ظلها. ولا تكاد الملكة تطل حولها حتى تقترب منها أربع ملكات يدخلنها الحمام ويلبسنها ثيابا جميلة ويعطرنها بعطور رائعة الرائحة، ثم يحملنها إلى منزل آخر مصنوع كله من الفضة، وتضعها الملكات على فراش آخر مقدس، وهناك يهبط فيل أبيض من فوق جبل ذهبي ويتقدم منها، وفي خرطومه غصن نبات البشنين، ويدور الفيل حول الفراش دورات ثلاثاً، ثم يمس جانب الملكة الأيمن ويدخل في رحمها 000 فاضطرب الملك وهو ينصت لزوجته. ولم تكد الملكة تنتهي من قصة الحلم حتى أرسل الملك يستدعي أربعة وستين حكيماً من حكماء قبيلته. وأنطلق الحكماء إلى القصر الملكي حيث راحوا يستمعون لقصة حلم الملكة 000 وقال الحكماء: لا يشغلن بالك سيء أيها المعلم السعيد 000 ولكن ابشر، فالملكة قد حبلت بغلام سيصبح ملكا على كل البلاد لو هو استقر في بيته 000 أما إذا كانت الثانية وغادر داره هائما على وجه الأرض، فعندئذ سيصبح هو البوذا (المستنير) كاشف نقاب الجهل عن وجه هذا العالم.
ولم تمض ايام حتى تحقق ما قاله الحكماء، وأحست الملكة بحقيقة الحمل. وكان هناك شيء عجيب. فقد كان الجنين يبدو واضحا وهو يجلس القرفصاء في رحم أمه. وظل على هذه الصورة حتى أقترب موعد الوضع. وفي ذلك اليوم طلبت الملكة من الملك أن تسافر إلى أهلها لتضع مولودها هناك، وإذ هي في الطريق فوجئت بالمخاض وهي تحت شجرة " سال " في بستان يُسمى " لومبيني ". وتحت الشجرة الوارفة الظلال جلست الملكة القرفصاء 00 بعد أن حجبها الخدم عن الأنظار بستار خاص. ولما أرادت النهوض مدت يدها إلى غصن الشجرة، فانحنى من تلقاء ذاته حتى قارب كفها، ولم تكد تنهض حتى كان تحتها طفل تلقفته أيدي أربعة من البراهمة في شبكة نسجت خيوطها من أسلاك الذهب. ووقف المولود فجأة، وتقدم إلى الأمام سبع خطوات، ثم صاح في صوت عذب: " أنا سيد هذا العالم، وهذه آخر حياة لي "[30].
ونلاحظ هنا أن خيال سليمان مظهر وفكره الإسلامي ومحاولة استخدامه للمصطلحات المسيحية الإسلامية قد أثر بشدة على سرده للأسطورة! فاستخدم تعبير ملائكة والبوذية أصلا تؤمن بالعديد من الآلهة والآلهات التي تتناسخ وتتجلى في شخصيات متنوعة وليس لديها عقدية الملائكة بمفهومها المسيحي أو الإسلامي، كما قال أن المخاض جاء لأم بوذا وهي تحت شجرة بنفس الصورة القرآنية لميلاد المسيح "َ فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً " (مريم : 23)، وكذلك حديث بوذا بعد مولده مباشرة. ولكن هذه الصور لا تقول أبدا أنه حبل به أو ولد من الروح القدس، لأنهم لا يؤمنون بما يسمى بالروح القدس.
أما الحبل بالرب يسوع المسيح فقد كان من الروح القدس ومن مريم العذراء " تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء تأنس"، يقول الكتاب: " وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف.واسم العذراء مريم. فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها.الرب معك مباركة أنت في النساء. فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع. هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست اعرف رجلا. فأجاب الملاك وقال لها. الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو1 :26 – 35).
والخلاصة أنه لم تقل أسطورة بوذية واحدة أن بوذا ولد من عذراء ولا جاءت بسيرة للروح القدس التي لم يعرف عنها البوذيون أي شيء ولا يوجد أي تشابه بين الحبل به وميلاده وبين الرب يسوع المسيح وأن وجد شيء من التشابه في ناحية من النواحي فهذا يرجع إلى أن كل الأساطير البوذية كتبت بعد موته بقرون عديدة، أي بعد ميلاد المسيح وانتشار المسيحية مما يؤكد أن هذه الأساطير هي التي أخذت بعض الأفكار من المسيحية وليس العكس.
4 – هل دل نجم على ميلاده؟
يزعم هؤلاء المشككون ومن سار على دربهم وأكاذيبهم وتدليسهم أنه عندما ولد بوذا ظهر
نجم في السماء ليدل على مكان ميلاده يدعونه نجم بوذا؟؟!! وهذا غير صحيح على الإطلاق لأن البوذية لا تذكر شيئاً عن ذلك. كما يقولون: " لما ولد بوذا فرحت جنود السماء ورتلت الملائكة أناشيد المحبة للمولود المبارك "!! وهنا نقول لهم أن الأساطير التي كتبت بعد ميلاد المسيح بمئات السنين قد تأثرت بما جاء في المسيحية عن المسيح وخاصة الكتب الأبوكريفية التي كتبت بعد القرن الثاني والتي تحكي أساطير عن ميلاد المسيح وطفولته!! وهنا نكمل ما جاء في كتاب قصة الديانات لسليمان مظهر عن حلم الملكة " ووقف المولود فجأة، وتقدم إلى الأمام سبع خطوات ثم صاح في صوت عذب: أنا سيد هذا العالم 00 وهذه الحياة هي أخر حياة لي 00 وفي نفس اللحظة ظهرت اثنتان وثلاثون علامة في السماء وعلى الأرض 00 فحدث زلزال شديد، وانتشر النور في كل مكان، وسقط مطر خفيف في غير ميعاده، وتفتحت براعم الزهور وأكمام الثمار، وانتشرت ريح زكية طيبة عمت كل الأرجاء واستعاد الأعمى البصر واسترد الأصم السمع 00 وعاد الأبكم ينطق ويغني 00 وانطلقت أنباء مولد الأمير لتعم كل مملكة " السكيا " 00 ومن كل مكان جاءت الأفواج لتهنئة الملك 00 مشاة وعلى ظهور الخيل والفيلة 00 إلى القصر حاملين الهدايا ".
ثم يتكلم عن زاهد اسمه " أسيتا " ويحكي قصته بشكل أسطوري يقول أنه ذهب ليرى الطفل وعندما رآه قال لأبيه " هذا الطفل أيها الملك سيصل إلى درجة التنوير السامية 00 إنه سيدخل النبرفانا 00 ويهدي العالم على طريق الحق والصواب ". (قصة الديانات ص 88 – 90).
ونلاحظ هنا أن الكاتب، سليمان مظهر يكتب بأسلوب أدبي راقي أقرب منه إلى الشعر فزاد الأسطورة من عنده وحولها إلى أسطورة جديدة أكثر أسطورية من الأسطورة الأصلية!! وهذا عكس ما ينقله كتاب أخرون عن نفس الأسطورة مثل Wulf Metz الذي يقدم الأسطورة في شكل أقل أسطورية من سليمان مظهر[31].
وهنا لنا عدة ملاحظات هي:
1 – على الرغم من أن هذه الأساطير كتبت بعد الميلاد بكثير إلا أنها لا تتشابه أو تتماثل مع قصة ميلاد وطفولة المسيح كما جاءت في الأناجيل القانونية الموحى بها على الإطلاق، ولكن تتشابه في بعض أجزائها مع الكتب الأبوكريفية المسماة بأناجيل الميلاد الأسطورية والتي كتبت بعد الميلاد بأكثر من مائتي عام. في حين تقول قصة ميلاد المسيح كما جاءت في الإنجيل للقديس لوقا: " فولدت (العذراء القديسة مريم) ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك لا تخافوا. فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود. فلما رأوه اخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي. وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة " (لو2 :7-18). وهنا نرى القصة في بساطتها كما حدثت بعيدا عن الخيال والأسطورة.
2 – أن هذه الروايات تتشابه مع بعض مما جاء في القرآن عن مولد العذراء للمسيح تحت نحلة وأكل العذراء من النخلة: " فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً " (مريم:23)، " وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً " (مريم:25). حيث تقول الأسطورة كما نقلها سليمان مظهر: " وإذ هي في الطريق فوجئت بالمخاض وهي تحت شجرة "، " ولما أرادت النهوض مدت يدها إلى غصن الشجرة فانحنت من تلقاء نفسها حتى قارب كفها "، وكذلك حديث المولود لحظة ميلاده " فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً " (مريم:24)،!! " ووقف المولود فجأة، وتقدم إلى الأمام سبع خطوات ثم صاح في صوت عذب: أنا سيد هذا العالم "!! فهل نقول لهم أن ما جاء في القرآن مأخوذ عن هذه الأساطير؟؟!!
3 – لم تقل الأساطير البوذية مطلقاً أن نجماً دل على ميلاد بوذا، مع ملاحظة أن الوثنيين
كانوا يؤمنون أن لكل إنسان نجمه الخاص به الذي يولد بميلاده ويموت بموته بل ولا يزال البسطاء في الريف يؤمنون بذلك!! فعندما كنا أطفال صغار وكنا نرى شهبا يتساقط من السماء في هيئة نجم كان الكبار يقولون لنا أن إنساناً مات وها نجمه قد سقط!! ونجد ما يقرب من ذلك في سيرة أبن هشام حديث عن " نجم احمد الذي ظهر في السماء " حيث تقول في [ رواية حسان بن ثابت عن مولده صلعم ] قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري. قال حدثني من شئت من رجال قومي عن حسان بن ثابت، قال والله إني لـغـــلام يفعة ابن سبع سنين أو ثمان أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب يا معشر يهود حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له ويلك ما لك ؟ قال طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به. قال محمد بن إسحاق فسألت سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت فقلت. ابن كم كان حسان بن ثابت مقدم رسول الله صلعم المدينة؟ فقال ابن ستين ( سنة )، وقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة فسمع حسان ما سمع وهو ابن سبع سنين "[32].
فهل يمكن لنا أن نسأل الأخوة المسلمين الذين يقولون بما قاله المشككون عن المسيح وبوذا هذا السؤال؟ من أين اقتبس كاتب السيرة وراوة الحديث فكرة هذا النجم " نجم أحمد " من البوذي كما زعموا عن بوذا؟ أم من هذا الفكر الذي يتحدث عن أن لكل إنسان نجمه؟؟!!
[1]http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D8%B0%D9%8A%D8%A9
http://en.wikipedia.org/wiki/BuddhIsm
2 المعتقدات الدينية لدى الشعوب، عالم المعرفة، أشراف جفري بارنر، ترجة إمام عبد الفتاح إمام، ص 217.
3 جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ص 191.
4 جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ص 192.
5 http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D8%B0%D9%8A%D8%A9
6 http://www.marxists.org/arabic/glossary/terms/02.htm
7 http://ar.wikipedia.org/wiki/البوذية
8 http://ar.wikipedia.org/wiki/البوذية
9 http://en.wikipedia.org/wiki/BuddhIsm
10 موسوعة عالم الأديان ج 5 : ص12-14.
11 د أحمد شلبي، أديان الهند الكبرى ، ط 9 ص 175.
12 د أحمد شلبي، أديان الهند الكبرى ، ط 9 ص 176.
13http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%88%D8%B0%D9%8A%D8%A9
14 http://en.wikipedia.org/wiki/Karma_in_Buddhism
16قاموس أديان ومعتقدات شعوب العالم ص 514 مكتبة دار الكلمة.
17 The International Dictionary of Religion p,132.
http://en.wikipedia.org/wiki/Buddhism#Nirvana
19 The worlds Religions p,226.
20 http://en.wikipedia.org/wiki/Buddhism
22 Encyclopedia of Buddhism. Pp. 233-234.
23 قاموس أديان ومعتقدات شعوب العالم ص 152. أنظر ايضاً Encyclopedia Buddhism p. 82.
24The Life of Buddha as Legend and History. Edward J. Thomas. Dover:1949.p,36.
25 Encyclopedia Buddhism p. 85.
26The Translation of the Meanings of Sahih Al-Bukhari: Arabic-English 9 Vol Set. Muhammed Muhsin Khan (trans). Darussalam:1997.p,36.
28 http://en.wikipedia.org/wiki/BuddhIsm
29 موسوعة عالم الأديان ج 5 ص 20.
30 سليمان مظهر، قصة الديانات، ص 100 – 102. أنظر أيضا: موسوعة عالم الأديان ج 5 ص 20 و21.
31 The worlds Religions p.222.223.
[32] راجع :سيرة ابن هشام - الجزء الأول.
http://arabic.islamicweb.com/Books/seerah.asp?book=2&id=208