إنجيل برنابا هل هو إنجيلٌ صحيحٌ؟

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
إنجيل برنابا هل هو إنجيلٌ صحيحٌ؟
( دراسة تحليليَّة لهذا الكتاب )
مقدمة

تُرجم الكتاب المسمَّي بإنجيل برنابا إلي اللغة الإنجليزيَّة سنة 1907م ثمَّ تُرْجِمَ إلي اللغة العربيَّة في السنة التالية مباشرة 1908م، وعلي إثر ذلك تُرجِمّ إلي اللغات الأرديَّة والإندونيسيَّة والفارسيَّة والتركيَّة، ثمَّ إلي الكثير من اللغات، خاصَّة بعد سنة 1975م. وقد أثار الكتاب منذ ظهوره في هذه الترجمات الكثير من الجدل بين مؤيِّدٍ له، ولكن غير مؤمن ومقتنع بما جاء فيه، باعتباره كتاب تحوم حوله الشكوك والشبهات، وبين رافضٍ له لوضوح زيفه وتزويره ولكثرة الأدلَّة الداخليَّة والخارجيَّة علي ذلك. ومع ذلك فالغالبيَّة الساحقة من العلماء والدارسين في المسيحيَّة والإسلام لم تلتفتْ إليه ولم تهتمّْ به بالمرَّة. ولم يكنْ كتاب كهذا، مليء بالخرافات والأفكار الخرافيَّة التي لا يمكن لعاقلٍ أنْ يقبلها، يحتاج منَّا إلي الوقت والجهد اللذان بُذلا في دراسته وإخراجه ليكون بين يديّ القارئ، ولكن نظرًا لتساؤل البعض حول حقيقته وحقيقة محتواه وسبب رفض الكنيسة له، اضطررنا لعمل هذه الدراسة لبيان حقيقته وحقيقة شخصيَّة كاتبه المزيَّف وحقيقة دوافعه وأهدافه. وقد اضطررنا لإيراد الكثير من نصوصه كاملة بقدر الإمكان وشرحها شرحًا تفصيليًا لكي تكون الصورة كاملة أمام القارئ حتي يتعرَّف بنفسه علي ما في الكتاب من أفكارٍ خرافيَّةٍ وعقائد مزيَّفةٍ، وحتي يري مدي ما فعله كاتب هذا الكتاب المزيّف والمزوّر بنصوص الكتب الدينيَّة خاصَّة الكتاب المقدَّس.
وقد قمنا بنشر الطبعة الأولي من هذا الدراسة سنة 1989م باسم " إنجيل برنابا هل هو الإنجيل الصحيح؟"، ولكن وبعد مرور حوالي 13 سنة وبعد صدور العديد من الكتب التي دافعت عن هذا الكتاب المزيَّف وكذلك التي بيَّنَت زيفه وتزويره، قمنا بعمل هذه الدراسة في صورةٍ جديدةٍ، منقحةٍ ومعدلةٍ ، باسم " إنجيل
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 6 -​
برنابا هل هو إنجيلٌ صحيحٌ ؟ " تعتمد علي أحدث الدراسات النقديَّة التي تمَّت في هذه السنوات الأخيرة.
ونرجو من اللَّه القدير أنْ تكون هذه الدراسة قد أوفتْ بالغرض المطلوب بصلوات قداسة البابا المعظَّم البابا شنودة الثالث بابا وبطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسيَّة، الذي يشجِّعْني دائمًا علي البحث والدراسة، ونيافة الأنبا مرقس، أبي الروحيّ، أسقف شبرا الخيمة وتوابعها، والذي قدَّم لي، في هذه الدراسة، الكثير من دوائر المعارف والمراجع العالميَّة التي ساعدت علي إخراج هذا الكتاب بالصورة التي تتلاءم مع طبيعة الكنيسة المسيحيَّة الأرثوذكسيَّة التي دافعت وتدافع وستظلّ تدافع عن الإيمان القويم في كلِّ العصور.
25 نوفمبر 2002م القس عبد المسيح بسيط أبو الخير
16 هاتور 1719ش
صوم الميلاد

ــــــــــــــــــــــ​
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 7 -
تمهيد الفقرات الرئيسية (1)

من مقدمة المترجم

يقول الدكتور " خليل سعادة " مترجم هذا الكتاب المزيّف والمزوَّر المدعو زورًا بإنجيل برنابا إلي العربيَّة:
" أقدمت علي ترجمة هذا الكتاب المسمَّي بإنجيل برنابا وأنا شاعرٌ بخطورة المسئوليَّة التي ألقيتها علي عاتقي، وأني لم أقدِم عليها إلاَّ خدمةً للتاريخ، وغيرةً علي لغة هي أحقّ بنقله إليها من سواها وهي المرَّة الأولي التي برز فيها هذا الإنجيل في ثوبٍ عربيٍّ، وهو إنجيل تضاربت فيه آراء الباحثين وتشعَّبَت بخصوصه مذاهب المؤرِّخين وخبطوا فيه بين ضلالٍ وهدي وتلمَّسُوا حقيقته بين رشادٍ وهوي، واستنطقوا الآثار والأسفار واستفسروا الأعصار والأمصار، فما ظفروا بعد كلِّ ذلك بما يُشفي منهم عليلاً، ويُبرد لهم غليلاً.
1- النسخة الوحيدة في العالم (2) : والنسخة الوحيدة المعروفة الآن في العالم التي أنقل عنها هذا الإنجيل إنَّما هي نسخة إيطاليَّة في مكتبة بلاط " فيينا " (3) وهى تُعدَّ من أنفس الذخائر والآثار التاريخيَّة فيها، تقع في مائتين وخمس وعشرين صحيفة سميكة، مجلَّدة بصفحتين رقيقتين متينتين من الورق المقوَّي، يغطِّيهما جلدان لونهما أدكن ضارب إلي الصفرة النحاسيَّة، ويحيط بهما علي الحواف الأربع خطان مذهبان، وفي مركز الجلد نقشٌ بارزُ عطُل من التذهيب، تحيط به حافة مزدوجة من نقوش ذهبيَّة متباينة الأشكال، يسمِّيها الغربيُّون بالطراز العربيّ، ويستدلون من مجمل التجليد المنوه عنه أنَّه طراز شرقي.
2- نوع التجليد وتاريخه: إلاَّ أنَّ البعض يذهب إلي التجليد المذكور برمَّته قد يكون من صنع المُجلّدين الباريسيِّين اللذين استقدمها الدوق " دي سافوى " لتجليد النسخة المذكورة التي كانت ملكًا له علي ماسيجيء بيانه، فقد يكونان جلّداها تقليدًا للطراز العربيّ، وممَّا حملهم علي هذا الظن هو أنَّ المحفظة الخارجيَّة للنسخة المذكورة هي صنع المجلدين الباريسيِّين بلا مراء.
إلاَّ أنَّه يُقال - في جنب ما تقدم - أنَّ هناك نسخة صك في " البندقية " مجلَّدة بجلدٍ يُضارع جلد النسخة الإيطاليَّة لإنجيل برنابا من كلِّ وجه، وخصوصًا من حيث النقوش المشار إليها. والصكّ المذكور إنَّما هو نسخة دوليَّة باللغة الإيطاليَّة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وضعنا نحن هذه العناوين الجانبية، وليس المترجم لتسهيل المتابعة والمراجعة.
(2) وضعنا نحن هذه العناوين الجانبية ، وليس المترجم لتسهيل المتابعة والمراجعة.
(3) فيينا عاصمة النمسا ، وقد ظهرت أجزاء كبيرة من النسخة الأسبانية في السنوات الأخيرة في استراليا .
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 8 -
لمعاهدة عُقِدَت بين الدولة العَلِيَّة ( العثمانيَّة ) والبندقية ورد ذِكْرها في مراسلات يرجع عهدها إلي أصيل القرن السادس عشر، وجلد الصكّ المذكور في القسطنطينيَّة بلا مشاحة كما يُستدلّ علي ذلك من آثار كتابة باللغة التركيَّة الشائعة في ذلك الزمن تبدَّت من خلال مزق في الجلد المذكور.
3 – أصل ورق الكتاب وتاريخه: وزعم بعضهم أنَّ صحائف النسخة الإيطاليَّة هي من الورق المسمَّي بالتركيّ، إلا أنَّه ليس فيها شيء يؤيِّد هذا الزعم فإنَّ جميعها من الورق المعروف بالورق القطنيّ. وهي متينة النسيج خشنته، خلا صحيفتَين منها مصقولتَين، تختلفان في قوامهما ولونهما عن البقيَّة. وهنالك حُجَّة قويَّة تُفَنِّد مزاعم القائلين بالأصل التركيّ، وهي أنَّ الآثار المائيَّة في الورق، وهي التي تبدو لك متي استشففته، لم تشاهد في نوع من أنواع الورق الشرقيّ قط، وهي في الصحائف المنوَّه عنها علي شكل مرساة سفينة تحيط بها دائرة، وهي علامة مميَّزة لنوع الورق الإيطاليّ علي ما قال به بعض مشاهير الأخصائيِّين.
4- العثور علي النسخة الإيطاليَّة: وأوَّل من عثر علي النسخة الإيطالية ممن لم يعرف التاريخ أثرهم، ولم تدرس الأيام ذكرهم، هو " كريمر" - أحد مستشاريّ ملك بروسيّ - وكان مقيمًا وقتئذ في امستردام فأخذها سنة (1709م)، من مكتبة أحد مشاهير ووجهاء المدينة المذكور، ولم يزدْ علي تعريف صاحبها بغير هذه الألقاب المبهمة، إلاَّ أنَّه ذُكر في عرض الكلام عنه أنَّ الوجيه المذكور كان يحسب النسخة المنوَّه عنها ثمينة جدًا فأقرضها " كريمر تولند " ثمَّ أهداها بعد ذلك بأربع سنين إلي البرنس (الأمير) " ايويجين سافوي " الذي كان علي كثرة حروبه ومعاركه ووفرة مشاغله السياسيَّة، شديد الولع بالعلوم والآثار التاريخيَّة، ثمَّ اِنتقلت النسخة المذكور سنة 1738م مع سائر مكتبة البرنس (الأمير) المنوَّه عنه إلي مكتبة البلاط الملكيّ في " فيِّينا " حيث لا تزال هناك حتي الآن، علي ما مرَّ بك بيانه.
5- النسخة الأسبانيَّة: بيد أنَّه وُجِدَ في أوائل القرن الثامن عشر نسخة أخري أسبانيَّة تقع في مائتين واثنين وعشرين فصلاً وأربع مائة وعشرين صفحة، جرَّ الدهر عليها ذيل العفاء فطُمِسَت آثارها ودرست رسومها وكان قد أقرضها الدكتور " هلم " من " هدلي " (بلدة من أعمال همبشير) المستشرق الشهير " سايل "، ثم تناولها بعد "سايل " الدكتور " منكهوش " أحد أعضاء كليَّة الملكة في " اكسفورد " فنقلها إلي الإنجليزية، ثم دفع الترجمة مع الأصل سنة 1784م إلي الدكتور " هوايت " أحد مشاهير الأساتذة.
ولقد أشار الدكتور " هوايت " المنوَّه عنه في إحدي الخُطب التي كان يلقيها علي الطلبة إلي هذه النسخة، حيث استشهد ببعض الشذرات منها، ولقد طالعت هذه الشذرات وقابلتها بالترجمة الإنجليزيَّة المنقولة عن النسخة الإيطاليَّة الموجودة الآن في مكتبة بلاط " فيينا " فوجدت الأسبانيَّة ترجمة حرفيَّة عن تلك ولم أر بينهما فرقًا يستحق الذكر إلاَّ في أمرَين، فإنَّ النسخة الإيطاليَّة تقول : ( أنَّه لما جاء " يهوذا "
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 9 -
الخائن مع الجند الروماني ليسلم " يسوع " علي أيديهم كان " يسوع " يصلِّي في البستان بجانب الغرفة التي كان تلاميذه فيها نيامًا، فلمَّا أحسَّ بالجنود خاف فدخل فلمَّا رأى اللَّه الخطر المحدق به أرسل ملائكته الأربعة فاحتملوه في النافذة إلي السماء الثالثة، فلمَّا دخل يهوذا الخائن الغرفة غيَّر اللَّه بآية منظره وصوته، فصار نظير " يسوع " تمامًا، فلمَّا استيقظ التلاميذ ورأوه لم يشكُّوا في أنَّه هو " يسوع " ).
فالرواية الأسبانيَّة تنطبق حرفيًا علي الإيطاليَّة، إلا أنَّ الأولي تقول " إلاًَّ بطرس " أيّ أنَّها استثنت " بطرس " من عداد التلاميذ الذين لم يشكُّوا في أنَّ " يهوذا " هو " يسوع " ثمَّ ذكرت اسم أحد الملائكة الذين احتملوا " يسوع " من النافذة "عزرائيل "، وهو في الإيطاليَّة " أوريل ". وهناك بعض اختلافات أخري طفيفة اضربنا عن ذكرها .
6- خرافة الراهب فرامرينو: ويُؤخذ مما علَّقه " سايل " علي النسخة الأسبانيَّة أنَّه مسطور في صدرها أنَّها مترجمة عن الإيطاليَّة بقلم مسلم أورغاني يُسَمَّي " مصطفي العرندي "، وصدَّرها بمقدِّمة يقصُّ فيها مكتشف النسخة الإيطاليَّة - وهو راهب لاتيني يُسَمَّي "فرامرينو" - كيفيَّة عثوره عليها، ومن جملة ما قال بهذا الصدد أنَّه عثر علي رسائل "لارينايوس " وفي عدادها رسالة يُنَدِّد فيها بالقدِّيس " بولس " الرسول، وأنَّ " أرينايوس " أسند تنديده هذا إلي إنجيل القدِّيس " برنابا "، فأصبح من ذلك الحين الراهب مرينو - المشار إليه - شديد الشغف بالعثور علي هذا الإنجيل.
7- الراهب " المزعوم " والسرقة الخرافية المزعومة: واتفق أنَّه أصبح حينًا من الدهر مقرَّبًا من البابا " اسكتس الخامس "، فحدث يومًا أنَّهما دخلا معًا مكتبة البابا، فران السكري علي أجفان قداسته، فأحبَّ " مرينو " أنْ يقتل الوقت بالمطالعة إلي أنْ يفيق البابا، فكان الكتاب الأوَّل الذي وضع يده عليه هو هذا الإنجيل نفسه، فكاد أنْ يطير فرحًا من هذا الاكتشاف، فخبَّأ هذه الذخيرة الثمينة في أحد ردنيه، ولبث إلي أنْ استفاق البابا فاستأذنه بالانصراف حاملاً ذلك الكنز معه، فلمَّا خلا بنفسه، طالعه بشوقٍ عظيمٍ، فإعتنق علي أثر ذلك الدين الإسلاميّ.
هذه هي رواية الراهب " فرامرينو " علي ما هو مدوَّن في مقدِّمة النسخة الأسبانيَّة، كما رواها المستشرق " سايل "، في مقدِّمة له لترجمة القرآن، وهي مع ما تقدَّم الإلماع إليه من خُطب الأستاذ " هوايت "، المصدر الوحيد الذي لنا الآن بخصوص النسخة الأسبانيَّة التي لم أعثر علي كيفية فقدانها، سوي أنَّه عُهِدَ بترجمتها إلي الدكتور " منكهوش " فدفعها إلي الدكتور " هوايت " ثم طمس بعد ذلك خبرها وأمْحِيَ أثرها (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(4) وجدت نسخة لمخطوطة أسبانية في سبعينات القرن العشرين في مكتبة فيشر Fisher library بسيدنى باستراليا . أنظر الفصل الثاني من هذا الكتاب .
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 10 -
وهنا يعرض للبيب سؤال وهو :
هل النسخة الإيطالية الحاضرة هي التي اختلسها الراهب مرينو من مكتبة البابا اسكتس الخامس ؟ أم هي نسخة أخرى سواها ؟.
8 – متي كُتبت النسخة الأصليَّة ؟ ولا يمكن ترجيح ذلك إلاَّ بعد تعيين الزمن الذي كتبت فيه، وإذا تحرَّيت التاريخ وجدت أنَّ زمن البابا اسكتس الخامس - المذكور - نحو مغيب القرن السادس عشر، وقد علمت مما مر بك بيانه أنَّ نوع الورق التي سطرت عليه النسخة الإيطاليَّة إنما هو ورق إيطاليّ يمكن تعيين أصله من الآثار المائيِّة فيه، والتي يمكن إتِّخاذها دليلاً صادقًا علي تاريخ النسخة الإيطاليَّة، والتاريخ الذي يُخَمِّنه العلماء من كلِّ ما تقدَّم بيانه يتراوح بين منتصف القرن الخامس عشر والسادس عشر ، وعليه فمن الممكن أنْ تكون النسخة الإيطاليَّة هي عينها التي اختلسها " فرامرينو " من مكتبة البابا علي ما مرَّت الإشارة إليه.
9- جدال حول هذا الإنجيل المزيف: ولما شاع خبر إنجيل برنابا في فجر القرن الثامن عشر أحدث دوياً عظيماً في أندية الدين والعلم ولا سيَّما في إنجلترا، فكثر بشأنه الجدل، واحتدمت بين العلماء مناقشات كان بعضها أقرب إلي التخرُّصات والأوهام منه إلي المباحث العلميَّة، وأوَّل أمر توجَّهت إليه هِمَم الباحثين الخوض في أمر النسخة الإيطاليَّة وفيما إذا كانت منقولة عن نسخةٍ أخري أو هي النسخة الأصليَّة التي كانت عند الراهب " فرامرينو " وإدَّعي اختلاسها من مكتبة البابا " اسكتس الخامس "، ومن الغريب أنَّ العلماء لم ينتبهوا في حلِّ هذه القضية إلي ما رأوه مسطوراً علي هوامش النسخة من الألفاظ والجمل العربيَّة التي أثبتناها في هذه الترجمة أمانة في النقل، ولكي تكون مطابقة للأصل برمَّته من كلِّ وجهٍ، والحق يُقال أنَّ اللبيب يَحار في أمر هذه الشروح والهوامش العربيَّة في نسخة إيطاليَّة، ولابدَّ في هذا الموقف من ذِكْر ما عنّ لي بشأنها بشيءٍ من الأسباب لأنَّ كلّ الثقات الذين تؤخذ أقوالهم حُجَّة في الكلام علي النسخة الإيطاليَّة لم يُوفوا هذا الموضوع حقَّه بل لم يُلِمُّوا به أقلَّ إلمامٍ حتي أنَّ مستشرقًا كبيرًا كالأستاذ " مرجليوث " لم يذكرها إلاَّ علي سبيل العرض، ولم يقلْ بشأنها إلاَّ قولاً واحدًا وهو أنَّ " لاموتي ظنها صحيحة العبارة محكمة الوضع، لكن لم يخفِ أمرها علي العالم " دنس " الذي قال بسقم تركيبها ووفرة أغلاطها ".
10- هوامش الكتاب العربيَّة: وأنت إذا تفقَّدتَ هذه الهوامش وأعْمَلْت فيها الرويَّة وجدت بعضها صحيح العبارة مُحْكَم الوضع، لعب فيه قلم الناسخ كلّ ملعبٍ، من مسخ وتصحيف، والبعض الآخر سقيم التركيب من أصله لا تكاد تفقه لبعضه معني إلاَّ بكدِّ الذهن، ولا تفقه لبعضه الآخر معني بالمرَّة، وتجد أيضًا أنَّ ما كان ركيك العبارة سقيم التركيب قد جري فيه الكاتب علي الترجمة الحرفيَّة في أضيق معانيها وأسخفها، فوضع المضاف إليه قبل المضاف. وهو ما لا يفعله كاتبٌ عربيٌ تحت الشمس، وليس ذلك فقط في الهوامش التي هي ترجمة بعض فقرات

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 11 -
الإنجيل إلي العربيَّة، بل أيضًا في الهوامش التي هي من أوضاعه والتي لا مقابل لها بالإيطاليَّة.
000 من ذلك قوله سورة " عيسي ألم " أي سورة آلام " عيسي "، وقوله " ذكر إديرس قصص" أي ذكر قصة " إدريس " وقوله " متكبّر كاميل بيان " أي بيان شرّ أنواع الكبرياء، وقوله " من أي دين عنده ينبغي أنْ يصدق من الخبائس " إلي آخر ما هنالك من الطمطمانيَّات التي هي أقرب إلي العجمة منها إلي العربيَّة، فمن كان يحسن إجادة سبك العبارات علي ما تقدَّم إيضاحه من أمثله النوع الأوَّل لا يرتكب مثل هذه الأغلاط الفاضحة التي يستحيل علي عربيّ أو مستشرق ارتكابها.
فإذا تدبَّرت ما تقدَّم هان عليك أنْ تفقه أنَّ كاتب الهوامش العربيَّة أكثر من واحد، فكان واضعها الأصليّ صحيح العبارة فصيحها، فجاء بعده من نسخها ومسخها وبدَّل فيها ما شاء قصور مداركه في اللغة العربيَّة، فأفسد بنسخه كثيرًا مما وضعه الكاتب الأوَّل وزاد عليه من عنده ما تري من التعابير السخيفة والأساليب الركيكة، والطمطمانيَّات التي لا يستخرج منها معني بالمرَّة. والذي أرمي إلي الاستدلال عليه من هذا البيان أنَّ النسخة الإيطاليَّة التي هي الآن في مكتبة البلاط الملكي في " فيينا " إنما هي مأخوذة بلا مراء عن نسخة أخري وبالتالي لا يصحْ اعتبارها النسخة الأولي الأصليَّة .
11- هل هناك أصل للنسخة الإيطاليَّة؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو الأصل الذي أُخذت منه النسخة الإيطاليَّة؟ وهو سؤال صعب، ولكن لا يستحيل الإجابة عليه، فقد مرَّ بك من الكلام علي هوامش النسخة المشار إليها ما يصح الاستدلال به علي أنَّ النسخة التي نُقلت عنها ليست بعربيَّة لأنَّ من يُجيد العربيَّة إلي حدٍّ يتمكَّن معها من ترجمة هذا الإنجيل منها إلي لغة أخري لا يرتكب مثل هذه الأغلاط السخيفة التي تراها في الهوامش، ولا يقلب الكلام إلي حدِّ تقديم المضاف إليه علي المضاف، إلي غير ذلك من التعابير التي هي أدلّ علي أصل لاتينيّ أو إيطاليّ قديم، وهو استنتاج ينطبق علي ما قال به الثقات بعد التدقيق وإمعان النظر في نوع خط النسخة الإيطاليَّة الموجودة الآن في مكتبة بلاط " فيينا "، فقد توصَّلوا إلي الجزم بأنَّ ناسخها إنما هو من أهالي " البندقية " نسخها في القرن السادس عشر، أو أوائل السابع عشر، وأنَّه يُرجَّح أنَّه أخذها عن نسخة " توسكانيَّة "، أو عن نسخة بلغة " البندقيَّة " تطرَّقت إليها اصطلاحات " توسكانيَّة " ، وهي أقوال " لونسدال ولورا راغ " بعد أنْ أخذا في ذلك أراء أعظم الثقات الإيطاليِّين الذين يُؤخذ قولهم حُجَّة في هذه المباحث الأخصائيَّة.
12- الكاتب الأصليّ وعلاقته باللغة اللاتينيَّة واللغة الإيطاليَّة: ويذهب الكاتبان المذكوران إلي أنَّ النسخ حدث نحو سنة (1575م) وأنَّ من المحتمل أنْ يكون ناسخ هذا الإنجيل الراهب "فرامرينو " الذي ورد ذكره في مقدِّمة النسخة

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 12 -
الإيطالية علي ما جاءت الإشارة إليه ثم يقولون بعد ذلك ما ترجمته " وكيف كان الحال، فيمكننا الجزم بأنَّ كتاب " برنابا " الإيطاليّ إنما هو كتاب إنشائيّ، وسواء قام به كاهن أو علمانيّ أو راهب أو أحد العامَّة، فهو بقلم رجل له إلمام عجيب بالتوراة اللاتينيَّة يقرب من إلمام " دانت "، وأنَّه نظير " دانت " متضلِّع علي نوع خاصٍّ من " الزبور "، وهو صنع رجل معرفته للأسفار المسيحيَّة تفوق كثيرًا إطلاعه علي الكتب الدينيَّة الإسلاميَّة، فيُرَجَّح إذًا أنَّه مُرْتَدّ عن النصرانيَّة ".
13- بين الشاعر الإيطاليّ دانتي والكاتب المزيَّف للإنجيل المزعوم : والباعث علي المقارنة بين كاتب هذا الإنجيل والشاعر الشهير " دانت " ما في كلامهما من الملابسات وما في تعابير النسخة الإيطاليَّة من الشبه بمؤلفات " دانت " الشعريَّة التي يصف فيها الجحيم (5) والجنَّة، ففي هذا الإنجيل أنَّ هناك سبع دركات للجحيم، تختلف مراتبها باختلاف الخطايا الكبيرة السبع التي يُعذَّب البشر لأجلها، وأنَّه يُوجد تسع سموات تأتي في قمَّتها الجنَّة، فتكون العاشرة. فيستنتج بعضهم من ذلك أنَّ كاتب هذا الإنجيل إنما جاء بعد " دانت " وأخذ عنه هذه الشروح، أو أنَّه كان معاصرًا له. فذكر نظير " دانتي " ما كان شائعًا من الآراء في عصرهما، فيكون إذ ذاك " برنابا " هذا قد ظهر في القرن الرابع عشر ، إلاَّ أنَّ وصف الجحيم علي ما جاء به " برنابا " هذا لا ينطبق علي وصف " دانتي " أو غيره إلاَّ من حيث العدد، والرأي الأصيل أنْ يكون كلاهما قد أخذ عن مصدر آخر قديم لا يترتب معه أنْ يكون الكاتبان متعاصرَين، وذلك المصدر إنما هو " ميثولوجيا اليونان "، وقد يُعدّ ما بين الكاتبان من الشبه والتصوَّرات الشعريَّة والألفاظ الوضعيَّة من قبيل توارد الخواطر.
14- هل للكتاب اصل عربي؟ ولقد تبادر إلي ذهن العلماء بادئ ذي بدء أنَّ النسخة الإيطاليَّة مأخوذة من أصل عربيّ، وكان أوَّل من أشار إلي ذلك " كريمر " الذي مرَّ بك ذكره حيثُ صدّر النسخة الإيطاليَّة التي أهداها إلي " الدوق سافوي " ببضعة أسطر من عنده، يذكر أنَّ هذا الإنجيل " المحمديّ " مُترجم عن العربيَّة أو سواها، ثم تابعه في ذلك " لاموتي " حيث يقول "أراني البارون هو هندرف الذي يجمع بين شرف المحتد وسمو الآداب وسعة الاطلاع كتاباً يزعم الأتراك أنَّه للقدِّيس "برنابا "، والظاهر أنَّه منقول إلي الإيطاليَّة من العربيَّة "، ويريد بلفظ الأتراك جمهور المسلمين والعرب، علي ما يزال شائعًا من الاستعمال غير المدقق من كتاب الإفرنج لهذه اللفظة في عصرنا الحاضر .
ثم أنَّ الدكتور " هوايت " الذي مرَّ الإلماع إليه يقول في سنة 1784م " إنَّ الأصل العربيّ لا يزال موجوداً في الشرق "، ولكنَّك إذا أعملت البصيرة وجدت أنَّ كلام الدكتور" هوايت " مبنيّ علي كتابات المستشرق " سايل " التي نشرها قبل ذلك بنحو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(5) في ملهاته الشعرية المسماة بالكوميديا الإلهية. أنظر الفصل الثالث عشر .

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 13 -
نصف قرن من الزمن وسمَّاها بالمباحث التمهيديَّة وفيها يقول في عرض الكلام عن القرآن " أنَّ عند المسلمين إنجيلاً عربيًا ينسبونه إلي القدِّيس " برنابا " وفيه يروي تاريخ " يسوع المسيح " علي أسلوب يباين كل المباينة الأناجيل الصحيحة 000 ولكنه يعترف بعد ذلك في عرض المقدِّمة التي له علي القرآن " أنِّي لم أرَ إنجيل برنابا عندما ألمعت إليه في المباحث التمهيديَّة ". فقوله السابق إذًا مبنيّ علي السماع وهو إنما تابع في ذلك " لاموتى " علي ما جاءت الإشارة إليه وقوله هذا أيضًا مبنيّ عليّ السماع لأنَّه لم يُعثرْ علي نسخة عربيَّة للإنجيل المذكور قط.
15- الكتاب والمؤرخون العرب: ثمَّ أنَّه لم يردْ ذكر لهذا الإنجيل في كتابات مشاهير الكتاب المسلمين سواء في الأعصر القديمة أو الحديثة حتي ولا مؤلَّفات من إنقطع منهم إلي الأبحاث والمحاولات الدينيَّة مع أنَّ إنجيل برنابا أمضي سلاح لهم في مثل تلك المناقشات وليس ذلك فقط 000 بل لم يردْ ذِكْر لهذا الإنجيل في فهارس الكتب العربيَّة القديمة عند الأعارب أو الأعاجم أو المستشرقين الذين وضعوا فهرساً لأندر الكتب العربيَّة القديمة والحديثة .
16- ميل المترجم لوجود أصل عربيّ لهذا الكتاب المزيَّف: بيد أنَّه لابدَّ لي من التصريح بعد كلّ ما تقدَّم بيانه أنَّي أشدّ ميلاً للاعتقاد بالأصل العربيْ مني بسواه إذْ لا يجوز إتّخاذ عدم العثور علي ذلك الأصل حُجَّة دامغة علي عدم وجوده ، وإلاَّ لوجب الاعتقاد بأنَّ النسخة الإيطاليَّة هي النسخة الأصليَّة لهذا الإنجيل، فإنَّه لم يَعْثُر أحدٌ قط علي نسخة أخري سوي النسخة الأسبانيَّة التي مرَّ بيانها، والتي ورد في مقدِّمتها أنَّها مترجمة عن نسخة إيطاليَّة، والمطالع الشرقيّ يري لأوَّل وهلة أنَّ لكاتب إنجيل برنابا إلمامًا بالقرآن حتي أنَّ كثيرًا من فقراته يكاد أنْ يكون ترجمة حرفيَّة أو معنويَّة لآياتٍ قرآنيَّةٍ. أقول هذا وأنا عالمٌ أنِّى في ذلك مُخالف لجلِّ كتَّاب الغرب الذين خاضوا عباب هذا الموضوع، وفي جملتهم " لونسدال " و " لورا راغ " اللذان يزعمان أنَّ إلمام كاتب هذا الإنجيل بالإسلام قليل، فكان هذا من جملة الأسباب التي حملتهما علي نفي القول بأصلِ عربيٍّ، ومن ذلك حديث " إبراهيم " مع أبيه، ومنه ما ينطبق علي سورة 21و 37، وكقوله عن سبب سقوط " إبليس " أنَّه أبي أنْ يسجد لآدم علي حدِّ ما جاء في سورة " البقرة "، وكذلك ما ورد في سورة الحجر، ولولا ضيق المقام لأوردت كثيراً من تلك الفقرات مع ما يقابلها من آيات القرآن، وليس ذلك فقط، بل أنَّ في إنجيل برنابا كثيرًا من الأقوال التي تنطبق على الأحاديث النبويَّة والأساطير العلميَّة التي لم يكنْ يعرفها حينئذ غير العرب، حتي أنَّك لا تكاد تجد في هذه الأيام - علي كثرة المستشرقين والمشتغلين باللغة العربيَّة وتاريخ الإسلام من الغربيِّين - من يُعدّ عالمًا بالحديث.
ومن جملة الأسباب التي تحدو بي إلي هذا الزعم أنَّ طراز تجليد النسخة الإيطاليَّة إنما هو طراز عربيّ بلا مراء، علي ما تقدَّم الإلمام إليه، والقول بأنَّه من صنع

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 14 -
الباريسيَّين اللذَّين استقدمها " الدوق دي سافوي " تقليدًا للطراز العربيّ، لا يتعدَّي الحدس والتخمين.
17- الكاتب من وجهه نظر المترجم: غير أنَّ القول بأنَّ هذا الإنجيل عربيّ الأصل لا يترتَّب عليه أنْ يكون كاتبه عربيّ الأصل، بل الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب يهوديّ أندلسيّ إعتنق الدين الإسلاميّ بعد تنصّره وإطِّلاعه علي أناجيل النصار ي ، وعندي أنَّ هذا الحلّ هو أقرب إلي الصواب من غيره،لأنَّك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه إلمامًا عجيبًا بأسفار العهد القديم " التوارة " لا تكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصاري إلاَّ في أفراد قليلين من الأخصائيِّين الذين جعلوا حياتهم وقفاً علي الدين كالمفسِّرين، حتي أنَّه ليندر أنْ يكون بين هؤلاء أيضًا من له إلمام بالتوراة يقرب من إلمام كاتب إنجيل برنابا، والمعروف أنَّ كثيرين من يهود الأندلس كانوا يتضلَّعون في العربيَّة، ولقد نبغ بينهم من كان له في الأدب والشعر القدح المعلي، فيكون مثلهم في الإطلاع علي القرآن والأحاديث النبويَّة مثل العرب أنفسهم.
وممَّا يؤيِّد هذا المذهب ما ورد في هذا الإنجيل عن وجوب الختان، والكلام الجارح الذي جاء فيه من أنَّ الكلاب أفضل من الغلف، فإنَّ مثل هذا القول لا يصدرْ عن نصرانيّ أصيل، وأنت إذا تفقَّدت تاريخ العرب بعد فتح الأندلس وجدت أنَّهم لم يتعرَّضوا بادئ ذي بدء لأديان الآخرين في شيء علي الإطلاق، فكان ذلك من جملة البواعث التي حدت بأهل الأندلس إلي الرضوخ لسطوة المسلمين وسيطرتهم، وثابروا علي هذه الخطَّة في جميع الأمور الدينيَّة إلاَّ في شئٍ واحدٍ وهو الختان إذ جاء زمن أكرهوا فيه الأهالي عليه وأصدروا أمرًا يقضي علي النصاري بإتِّباع سنَّة الختان علي حدِّ ما كان يجري عليه المسلمون واليهود، فكان هذا من جملة البواعث التي دعت النصاري إلي الانتقاض عليهم. أمَّا يهود الأندلس فإنَّهم كانوا يدخلون في الإسلام أفواجًا وليس ذلك فقط بل كانت لهم يد كبيرة في إدخال المسلمين أسبانيا ورسوخ قدمهم فيها في ذلك العهد الطويل.
ومما يعزِّز هذا الرأي أيضًا أنَّ هذا الإنجيل يتضمَّن كثيرًا من التقاليد التلموديَّة التي يتعذَّر علي غير يهوديّ معرفتها، وفيه أيضًا شئ من معاني الأحاديث والأقاصيص الإسلاميَّة الشائعة علي ألسنة العامَّة، ولا سند لها من كتب الدين، ولا يتأتَّي لأحدٍ الإطلاع علي مثل هذه الروايات إلاَّ إذا كان في بيئة عربيَّة، فالرأي الذي أذهب إليه من أنَّ الكاتب الأصليّ هو يهوديّ أندلسيّ إعتنق الإسلام يعلِّل جميع ما تقدَّم تعليلاً واضحًا.
18- الكاتب والوسط الإيطالي: إلاَّ أنَّ البعض يذهب إلي أنَّ الوسط الذي ظهر فيه الإنجيل إنما هو إيطاليّ نحو أوائل القرون الوسطي، وأنَّ كاتب هذا الإنجيل إيطاليّ من ذلك الزمن بدليل أنَّ مُجمَل روح الإنجيل وعباراته تدلّ علي هذا الوسط، فقد ذكر في عرض الكلام عن الحصاد وأناشيد المغنيِّين ما يصحّ أنْ

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
مشكورأخي الحبيب
مشكور يا اخ فريد لمرورك انا بنقل هنا كتاب لان لو اى حد حب يتكلم عن موضوع انجيل برنابا ننقل له رابط الموضوع حتى يجد الجواب الكامل اللى بيحتاجه
ربنا يبارك مرورك
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 15 -
يكون وصفًا حرفيًا لما يحدث الآن في " توسكانيا " و" تينو " من إيطاليا، وأنَّ الإشارة إلي استخراج الحجارة من المقاطع ونحتها وبناء البيوت بالحجارة الصلدة أصحّ علي كاتب من أمَّة خبيرة بالبناء منه علي كاتب من العرب الذين يقيمون في الخيام، وقسْ عليه ما جاء عن حمل العبد خبزًا لفعلة سيّده في الكروم عن دوس العنب بالأقدام في المعاصر إلي آخر ما هناك من مثل هذه الإشارات.
والحق يُقال أنِّي لم أجدْ في كلِّ ذلك ما هو أدلّ علي وسط غربيّ منه علي شرقيّ، إلاَّ إذا كان مراد الكاتب أنْ يكون ذلك الوسط الشرقيّ بلاد العرب نفسها، فإنَّ ما ورد فيه ينطبق انطباقًا تامًا علي ما كان جاريًا في فلسطين وسوريا في عهد المسيح، ولا يزال كذلك لهذا العهد الحاضر، فالحصَّادون والحصَّادات ينشدون أناشيد يرن صداها في جوانب السهول وبطون الأودية، والبنَّاءون يقطعون الحجارة وينحتونها علي نحو ما ذكر " برنابا "، ولا يسكن الخيام إلاَّ البدو الرُحَّل الذين ليسوا من أهل البلاد، ويحمل الغلمان والقوم الزاد لمن في الكروم أثناء القطاف كما يحملونه للفعلة أثناء الحراثة، ويدوسون العنب بأقدامهم علي ما هو معهود من أمره في فلسطين وسوريا وبلاد الشرق كلّه، إلاَّ أنَّه لابدّ لي من الإقرار بأنَّ هنالك بعضًا من الأدلَّة يتعذَّر تطبيقها علي ما كان شائعًا في ذلك الزمن في فلسطين، منها الإشارة إلي كيفيَّة تنظيف براميل النبيذ وجدلها لهذا الغرض، والمعروف في فلسطين قديمًا - وفي يومنا الحاضر - أنَّ الخمور تُوضع في جرار كبيرة أو في زقاق، ومنها الإشارة إلي الفرق بين إعدام السارق شنقًا أو إعدام القاتل بقطع الرأس، وهو مما لم أقفْ له علي أثر من التاريخ القويم لفلسطين، ومهما يكن من الأمر فإنَّ الأوصاف التي تنطبق علي إيطاليا تنطبق أيضًا علي بلاد الأندلس من كلِّ وجهٍ .
19- مصطفي العرندي ودوره: وسواء كان كاتب الإنجيل يهوديّ الأصل، أو نصرانيه، فمِمَّا لا شبهة فيه أنَّه كان مسلمًا ، ومما يبعث علي الأسي فقدان النسخة الأسبانيَّة التي مرَّ بيانها، وخصوصًا لأنَّ العلماء الذين وصلت تلك النسخة إلي أيديهم لم يبحثوا فيها بحثًا علميًا كما فعلوا في النسخة الإيطاليَّة، وخصوصًا لأننا لا نعرف شيئًا عن مترجمها "مصطفي العرندي" لأنَّ ترجمة حياة مسلم نظيره أتقن اللغتَين الإيطاليَّة والأسبانيَّة، وهما اللغتان اللتان ظهر بهما إنجيل برنابا إلي الوجود، لا تخلو من أهمِّيَّة وتبصرة .
20- الجزم بكتابة الكتاب في العصور الوسطي: ولقد علمت مما مرَّ بك أنَّ الثقات مجمعون علي أنَّ إنجيل برنابا كُتِبَ في القرون الوسط ي غير أنَّ هنالك دليلاً أكيدًا يتمكَّن معه من الجزم بشأن الزمن الذي كُتِبَ فيه، فقد ورد فيه ما نصَّه " إنَّ سنة " اليوبيل " التي تجئ الآن مرَّة كل مائة سنة، والمعروف أنَّ " اليوبيل " اليهوديّ لم يحدث إلاَّ مرَّة كلّ خمسين سنة، وليس من ذكر في التاريخ لـ " يوبيل " يقع كل مائة سنة إلاَّ في الكنيسة الرومانيَّة وكان أوَّل من احتفل به البابا
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 16 -
بونيفاسيوس الثامن سنة 1300م، وقال بلزوم تكراره في كلِّ فجر قرنٍ جديدٍ ، ولكن " اليوبيل " الأوَّل في السنة المذكورة كان باهرًا جدًا، ودرَّ علي الخزينة البابويَّة خيرًا كثيرًا، فلهذا وإجابة لرغائب الشعب رأى أكليمنضوس السادس تقصير المدة فجعله مرَّة كلّ خمسين سنة فوقع اليوبيل الثاني سنة 1350 ثم أمر البابا " أربانوس السادس " في سنة 1398 أنْ يُحتفل به مرَّة كل ثلاث وثلاثين سنة تذكارًا لعمر " المسيح " ثم جعله البابا " بولس الثاني " كلّ خمس وعشرين سنة مرَّة، فتري ممَّا تقدَّم أنَّ الزمن الوحيد الذي يُمكن فيه لكاتب أنْ يتكلَّم عن "يوبيل" يقع مرَّة كلّ مائة سنة هو النصف الأوَّل في القرن الرابع عشر، ويترتَّب علي هذا أنْ يكون الكاتب معاصرًا للشاعر " دانت " الشهير علي ما مرَّ الإلماع إليه في محلِّه ، غير أنَّك إذا أعملت النظر فيما كان عليه الكاتب من سعة الإطلاع علي أسفار العهد القديم " التوراة " تعذَّر عليك أنْ تفقه كيف يقع مثله في غلطٍ لا يُخفي علي البسطاء، ولعلَّ الصواب أنَّ هنالك خطأ في النسخ أسقط الناسخ فيه بعض حروف من كلمة خمسين الإيطاليَّة فصارت تُقرأ مائة، لأنَّ في رسم الكلمتَين ما يسهِّل الوقوع في مثل هذا الخطأ.
21- مرسوم البابا جلاسيوس الخامس " 469م ": علي أنَّ القول بانتحال أحد كتَّاب القرون الوسطي لهذا الإنجيل برمّته لا يخلو من نظر، لأنَّ نحوه أو ثلثه علي الأقل يتَّفق مع مصادر أخري غير التوراة والإنجيل والتلمود والقرآن إذ فيه تفاصيل ضافية الذيول لم يردْ لها ذكر في الأناجيل إلاَّ علي طريق الإقتضاب، وليس لبعضها ذكر بالمرَّة، وأنَّ علي كثير من هذه المزايدات صبغة القدميَّة، ويذكر التاريخ أمرًا أصدره البابا " جلاسيوس الأوَّل " الذي جلس علي الأريكة البابويَّة سنة 492م، يعدِّد فيه أسماء الكتب المنهيّ عن مطالعتها وفي عدادها كتاب يُسمَّى إنجيل برنابا، فإذا صحَّ ذلك كان هذا الإنجيل موجودًا قبل ظهور نبيّ المسلمين بزمنٍ طويلٍ، وهو دليل علي أنَّ هذا الإنجيل لم يكنْ لابسًا حينئذ هذا الثوب القشيب الذي يرفل فيه الآن، لأنَّ مجرَّد إصدار البابا المشار إليه نهيًا عن مطالعته دليل علي شيوعه أو علي إشتهار أمره بين خاصَّة العلماء إنْ لم يكنْ بين العامَّة، فمِنَ المستبعد أنْ لا يتَّصل خبره ولو سماعًا بنبيّ المسلمين وفيه العبارات الصريحة المتكرِّرة بل الفصول الضافية الذيول التي يُذكر إسمه في عرضها ذكرًا صريحًا لا يقبل شكًا أو تأويلاً لا سيَّما بعد أنْ نهض تلك النهضة التي مادت لها الجبال الراسيات، ونفخ في قومه تلك الروح التي وقف لها العالم متهيِّبًا ذاهلاً، وجري ذِكْرَه علي كلّ شفَّةٍ ولسانٍ، وأتي من عظائم الأمور ما كان سمر القوم وحديث الركبان، وليس ذلك فقط بل لم يتَّصلْ أيضًا شئ من ذلك بخلفائه الذين أتوا بعده، حتي ولا بالعرب الذين دخلوا الأندلس، وبسطوا ظلّ مجدهم عليه ، ويذهب بعض العلماء المدقِّقين إلي أنَّ أمر البابا "جلاسيوس " المنوَّه عنه إنَّما هو برمَّته تزويرٌ وهو قول موسوعات العلوم البريطانيَّة أيضًا .
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 17 -
بيد أنَّ هناك إنجيلاً يُسَمَّي الإنجيل " الأغنسطي " طُمِسَتْ رسومه وعفَّت آثاره، يبتدئ بمقدِّمة تندِّد بالقدِّيس " بولس " وينتهي بخاتمة فيها مثل ذلك التنديد، ويذكر أنِّ ولادة " المسيح " أتت بدون ألم، ولما كان كلّ ذلك في إنجيل برنابا فمن المحتمل أنْ يكون ذلك الإنجيل " الأغنسطي " أبًا لإنجيل برنابا هذا ، وأنَّ أحد معتنقي الإسلام من اليهود أو النصاري عثر علي نسخةٍ منه في اليونانيَّة أو اللاتينيَّة في القرن الرابع عشر أو الخامس عشر فصاغه في القالب الذي تراه فيه الآن فخفي بذلك أصله .
22- مصادر إنجيل برنابا: ويعتمد هذا الإنجيل في إيراد هذه الشواهد علي الأسفار المعهودة للعهد القديم، فقد استشهد منها بإثنين وعشرين سفرًا أخصَّها الزبور وسفر أشعياء وأسفار موسي، وأكثر رواياته منطبق علي الأناجيل الأربعة، وبعضها موافق لها بالنصِّ خلا بعض اختلافات لا يُعبأ بها، كمحادثة " المسيح " المرأة السامريَّة، ويتضمَّن أيضًا جملاً واردة في الرسائل إلاَّ أنَّها قليلةً جدًا، وذكر في قصَّة " حجي وهوشع " أنَّ الناس لا يصدقونها مع أنَّها مسطورة في سفر " دانيال "، ولا وجود لها في السفر المذكور - كما هو في العهد القديم - وجاء في عرض رواياته له، كان يُوجد كتاب في مكتبة رئيس الكهنة عن " إسماعيل " يذكر فيه أنَّه هو ابن الموعد، ولم أقفْ علي ذِكْر لهذا الكتاب في غير هذا الموضع.
23- الكتاب والأناجيل الأربعة: ويباين هذا الإنجيل الأناجيل الأربعة المشهورة في عدَّة أمور جوهريَّة، ( أوَّلها ) قوله أنَّ " يسوع " أنكر ألوهيَّته وكونه ابن اللَّه، وذلك علي مرأي ومسمع من ستمائة ألف جندي وسكان اليهوديَّة من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ. ( والثاني ) أنَّ الابن الذي عزم "إبراهيم" علي تقديمه ذبيحةً للَّه إنما هو " إسماعيل" لا " إسحاق "، وأنَّ الموعد إنما كان بإسماعيل. ( والثالث ) أنَّ " مسيَّا " أو " المسيح " المنتظر ليس هو " يسوع " بل محمد باللفظ الصريح المتكرِّر في فصول ضافية الذيول وقال أنَّه رسول اللَّه 000( والرابع ) أنَّ " يسوع " لم يُصلب، بل حُمِلَ إلي السماء، وأنَّ الذي صُلِبَ إنما كان " يهوذا " الخائن الذي شبِّه به 00
ويباين الأناجيل الأصليَّة أيضًا في بعض أساليبه لأنَّه كثيرًا ما يخوض في المسائل الفلسفيَّة والمباحث العلميَّة مما لم يُرْوَ قط عن " المسيح " الذي كانت تعاليمه الباهرة ومباحثه الدينيَّة علي ما هي من التفرُّد في السمُّو عنوان البساطة حتي كان يفهمها لأوَّل وهلة الزارع والصانع والسيِّد والخادم والشيخ والفتي دون أدني إجهاد للذهن.
24- الكتاب وفلسفة العصور الوسطي: والفلسفة التي تتخلَّل مباحث هذا الإنجيل إنما هي ضرب من فلسفة " أرسطوطاليس " التي كانت شائعة في أوائل القرون الوسطي في أوربا، فكان ذلك من جملة أدلَّة بعضهم علي أنَّ كاتب هذا الإنجيل رجل نبغ هناك في تلك العصور، فهو غربيّ المحتد لا عربيَّه، ولكن فلسفة " أرسطوطاليس " لم تصلْ إلي الغربيِّين إلاَّ من العرب، وخصوصًا عرب

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 18 -
الأندلس الذين دوَّخوا أسبانيا وأضاءوا بمشكاة علومهم تلك الأعصر الأوروبيَّة التي كان الجهل مخيِّمًا فيها، ظلمات بعضها فوق بعض، فإذا صحَّ اعتبار تلك الفلسفة دليلاً علي الكاتب كانت أدلّ علي أصلٍ عربيّ منها علي أصلٍ غربيّ.
وكيف كان الحال فيه فالحقيقة التي لا مراء فيها أنَّ كاتب إنجيل برنابا كان علي جانبٍ كبيرٍ من الفلسفة وسموّ المدارك وقوَّة الحُجَّة، وشدَّة العارضة، وجلاء البيان، وأنَّ مباحثه الفلسفيَّة في الجسد والحسّ والنفس من الوجهة الدينيَّة لمن أسمي ما كتب الباحثون الدينيُّون في هذا الموضوع 000
ولابدَّ قبل الختام من الإلماع إلي أنني أليت علي نفسي ترجمة هذا الإنجيل بالحرف الواحد، متوخيًا أبسط الألفاظ وأسهل الأساليب، معرضًا في ذلك عن تنميق العبارات وتوشية الكلام، مفضلا الأمانة في الترجمة، والبساطة في التعبير علي الفصاحة والبلاغة متي كان فيهما أقلّ عدول عن الأصل فهو مطابق من كلِّ وجهٍ للترجمة الإنجليزيَّة المأخوذة من الأصل الإيطاليّ خلا الأعداد الموجودة فيه فأنِّي وضعتها من عندي تسهيلا للإشارة إلي الكلام عند الحاجة.
وإنِّي أسدي في هذا الموقف أجمل الشكر وأطيب الثناء إلي حضرة العالم المحقِّق " لونسدال راغ " نائب مطران الكنيسة الإنجليزيَّة في " فنيس " وعلي حضرة العالمة المدقِّقة " لورا راغ " عقيلته اللذَين أذنا لي بترجمة هذا الإنجيل إلي العربيَّة عن ترجمتها الإنجليزيَّة التي أصدراها حديثًا مع الأصل الإيطاليّ فخدما بذلك التاريخ خدمةً يذكرها لهما العلم معطرة الثناء لما عانيا في دقَّة الترجمة والمحافظة علي الأصل وهو عملٌ شاقٌ لا يقدِّره قدره إلاَّ من يقوم بمثله، وأهدي مثل هذا الشكر إلي حضرة الفاضل أمين مطبعة " كلارندن " في " أكسفورد " التي إلتزمت طبع هذا الإنجيل ووضعت بين أيدي القراء كتابًا نادرًا فكان ذلك من أجلِّ الخدمات العلميَّة المتعدِّدة التي قامت بها هذه المطبعة الشهيرة.
ولا أري مندوحة في الختام من التنبيه إلي أنِّي قد إلتزمتُ في هذه المقدِّمة البحث في هذا الإنجيل من الوجهتَين التاريخيَّة والعلميَّة فقط لأنِّي ترجمته كما جاء في صدر هذه المقدِّمة خدمة للتاريخ دون سواه، ولذلك قد أعرضت كلَّ الإعراض عن المناقشات الدينيَّة المحضة التي أتركها لمن هم أكثر مني كفاءةً.
القاهرة في 15 مارس سنة 1908م .

خليل سعادة
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 19 -
الفصل الأول

كيف ظهر الكتاب للوجود ؟

وما هو رأي النقاد والعلماء فيه ؟

1– كيف ظهر الكتاب للوجود، وكيف إنتشر ؟:
(1) المخطوطة الإيطالية: ظهر هذا الكتاب المزيَّف والمسَمَّي زورًا بإنجيل برنابا للمرَّة الأولي في امستردام بهولندا سنة 1709م في مخطوطة مكتوبة باللغة الإيطاليَّة في مكتبة أحد وجهاء المدينة عندما أخذها كريمر مستشار ملك بروسيا، وفي نفس السنة استعارها جون تولاند Mr. John Toland من كريمر، وكان هو أوَّل من تحدَّث عنها للعامَّة قائلاً أنَّها إنجيل مزوَّر ومزيَّف باسم برنابا. ثم أُهْدِيَتْ المخطوطة للأمير أيوجين أمير سافوي Eugene of Savoy ، ثم انتقلت سنة 1738 إلي المكتبة الملكيَّة بفيينا وما تزال بها حتي الآن.
(2) المخطوطة الأسبانية: ولكن هناك مخطوطة أخري مكتوبة باللغة الأسبانيَّة، يري العلماء أنَّها الأقدم والأصل المأخوذ عنه النصّ الإيطاليّ. وكان أوَّل من ذكرها هو أحد العلماء الإنجليز ويُدْعَي جورج سال George Sale في مقدِّمة ترجمة له للقرآن من العربيَّة إلي الإنجليزيَّة " Preliminary Discourse to the Quran " سنة 1734م وقال عنها أنَّه " تزييف عاري الوجه bare – faced – forgery " (1) . وذكر أنَّه مكتوب في مقدِّمة هذه المخطوطة أنَّها مترجمة من الإيطاليَّة ومترجمها مسلم أندلسيّ يعيش في استنبول يُدْعَي "مصطفي العرندي" نسبةً إلي مدينة Arnada الأسبانيَّة. ويروي مصطفي هذا، كاتب مقدِّمة النصّ الأسبانيّ، في مقدِّمته رواية خرافيَّة ساذجة يزعم فيها أنَّ راهبًا لاتينيًا يُدْعَي "فرا مرينو" قرأ تنديدًا بالقدِّيس بولس في كتابات القدِّيس إريناؤس يرجع لإنجيل برنابا فاشتاق لقراءة هذا الإنجيل ثم سرقه من مكتبة البابا بطريقةٍ وهميَّةٍ خياليَّةٍ !! فترك المسيحيَّة وإعتنق الإسلام (2) . وقد اختفي النصّ الأسبانيّ ولم يظهرْ للوجود إلاَّ مؤخرًا في مكتبة فيشر بأستراليا.
ومن خلال ما جاء عن هذا الكتاب المزوَّر في مقدِّمة ترجمة جورج سال للقرآن شاع ذِكْرَه في الأوساط الإسلاميَّة في الهند واستخدموا ما قيل عنه في مواجهتهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) John Gilchrist, Origins and sources of the Gospel of Barnabas ch. 3.
(2) أنظر الفصل الثالث .

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 20 -
للإرساليات التبشيريَّة والمبشِّرين المسيحيِّين. وقد تضايق جون دبليو ينجسون John W.Youngson الذي كان يعمل لإرساليَّة كنيسة اسكتلندا في الهند كثيرًا وطالب بالبحث عن الكتاب وعمل ترجمة له لكشف زيفه وتزويره حتَّي يحذف هذا الأمر من أجندة الحوار المسيحيّ الإسلاميّ. وأمام هذا الأمر بذل ينجسون وزملاؤه جهودًا كبيرةً حتَّي ظهرت المخطوطة الإيطاليَّة الموضوعة في المكتبة الملكيَّة بفيِّينَّا. وقام كلُّ من لوندسال راج وزوجته لورا راج Lonsale Ragg and Laura Ragg المتخصِّصَين في أدب الشاعر الإيطاليّ العظيم دانتي بترجمة النصّ الإيطاليّ إلي الإنجليزيَّة سنة 1907م، ووضعَا له مقدِّمة نقديَّة طويلة برهنَا من خلالها علي أنَّه كتابٌ مزيفٌ ومزوَّرٌ ومنسوبٌ زوراًَ للقدِّيس برنابا وقد كتبه في العصور الوسطي شخص مسلم كان مسيحيًا وترك المسيحيَّة وإعتنق الإسلام (3) .
وكان هدف هذه الترجمة ونشرها هو تقديم الدليل للإرساليَّات التبشيريَّة علي أنَّه كتابٌ مزيَّفٌ ومزوَّرٌ. وبعدها بسنةٍ واحدةٍ قام الدكتور خليل سعادة المسيحيّ اللبنانيّ بترجمته إلي اللغة العربيَّة ووضع له، أيضًا مقدِّمة نقديَّة طويلة مبنيَّة أساسًا علي مقدِّمة الزوجَين راج برهن من خلالها أيضًا علي أنَّه كتابٌ مزيَّفٌ ومزوًّرٌ وقد كتبه مسلمٌ كان يهوديًا إعتنق المسيحيَّة وتركها إلي الإسلام " بل الذي أذهب إليه أنَّ الكاتب يهوديّ أندلسيّ إعتنق الدين الإسلاميّ بعد تنصّره وإطِّلاعه علي أناجيل النصاري ". وقام بنشره السيِّد محمد رشيد رضا صاحب تفسير القرآن، المنار وتلميذ الأمام محمد عبده مع مقدِّمة خاصَّة به.
ومن هذه الترجمة العربيَّة تُرجم الكتاب إلي اللغة الأرديَّة ليستخدمه الناطقين بها في الهند وذلك بعد حذف المقدِّمة النقديَّة التي تُبَرهن علي تزييفه وتزويره ووضع مقدِّمة أخري توحي بصحَّتِه، وتبع ذلك الترجمات إلي الإندونيسيَّة والفارسيَّة والتركيَّة.
وقام وليم تمبل جاردنر، المتخصِّص في الإسلام والذي كان أحد قادة إرساليَّات الكنيسة الإنجليكانيَّة في مصر، بعمل دراسةٍ نقديَّةٍ تحليليَّةٍ برهن فيها زيف الكتاب وتزويره. وقد نُشرت دراسته هذه وإستُخْدِمت في كلٍّ من مصر والهند (4) .
وفي سنة 1973م، أعاد وقف البيجوم عائشة في باكستان طبع الترجمة الإنجليزيَّة بدون إذن الناشر مع حذف المقدِّمة النقديَّة ووضع مقدِّمة تُدافع عنه وتُوحي للقارئ بأنَّه إنجيلٌ حقيقيٌ!! ثمَّ تُرجِم الكتاب بعد ذلك إلي الكثير من اللغات وإنتشر في معظم الأوساط الإسلاميَّة التي تمثِّل الأغلبيَّة أو الأقليَّة، وكان آخر هذه الترجمات هي ترجمة الكتاب من الإنجليزيَّة إلي اللغة الأسبانيَّة والتي قام بها مسلمو البرازيل،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
(3)The gospel of Barnabas in recent research. Worldwide reception, Dr Christine Schirrmacher.
(4) Ibid
ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 21 -
وكالعادة بعد حذف المقدِّمة النقديَّة التي تُبَرْهن علي تزويره وتزييفه ووضع مقدِّمة خاصَّة بهم مثل بقيَّة الترجمات!!
2 – آراء النقاد والعلماء في الكتاب:
وقد كتب الكثيرون في نقد هذا الكتاب ولكن الأغلبيَّة صمتت ولم تُشِرْ إليه لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، واِنقسم أولئك وهؤلاء إلي ثلاث مجموعات:
(1) الذين قالوا بتزييف الكتاب
ويتكوَّن هؤلاء من جميع العلماء والكتَّاب والنقَّاد ورجال الدين في العالم المسيحيّ. وقد أجمع هؤلاء علي أنَّ هذا الكتاب مزيَّفٌ ومزوَّرٌ وقد كتبه مسلم من المورسكوس، أي عربيّ أندلسيّ أُجبر علي الدخول في المسيحيَّة، أو مسيحيّ ترك المسيحيَّة وإعتنق الإسلام، أو يهوديّ إعتنق المسيحيَّة وتركها إلي الإسلام.
وتضم هذه المجموعة عدد من الكتّاب المسلمين في الشرق والغرب مثل الكاتب الكبير " عباس محمود العقاد " في مصر والأستاذ " يحيى الهاشمي " في سوريا والأستاذ الدكتور " على بن الشريف " الأستاذ بإحدي جامعات السعوديَّة. والذين رفضوه تمامًا وقالوا أنًّه كتابٌ مزوَّرٌ ومزيًّفٌ، أو علي الأقلِّ، من وجهة نظر بعضهم، مشبوهٌ ومشكوكٌ في صحَّته ومملوءٌ بالأخطاء. وفيما يلي أهمّ أرائهم:
1- د .علي عبد الواحد وافي (5) : قال عن هذا الكتاب المزيَّف: " ويقدِّم فقهاء المسحيِّين وباحثوهم شواهدٌ كثيرةٌ تدلّ علي أنَّ الإنجيل موضوعٌ بقلمِ مسلمٍ، وأنَّ مؤلِّفه قد نسبه زورًا إلي برنابا لترويج ما يتضمَّنه 000 وإنْ كان بعض ما يشتمل عليه الكتاب يحمل علي الظنِّ بأنَّه موضوع وخاصَّة ما يقرِّه من أمورٍ تمثِّل روايات ذكرها بعض المتأخِّرين من مؤلِّفي المسلمين ولا يطمئن إلي مثلها المحقِّقون منهم 000 وما يُنسب للمسيح من أقوالٍ تمثِّل تحقيقات الفقهاء وما يُذكر أنَّ المسيح قد قدَّمه من أدلَّةٍ علي أنَّ الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق. والإسلام ليس في حاجةٍ إلي كتابٍ كهذا تحوم حوله شكوكٌ كثيرةٌ 000 ولا ينبغي أنْ نتَّخذَ سفرًا مشكوكًا في صحَّةِ نسبِه إلي صاحبِه دليلاً علي ذلك ولا أنْ نعتمد عليه لإقناع المسيحيِّين ببطلان ما أقرُّوه من أناجيلٍ " (6) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) د .علي عبد الواحد وافي الذي كان عضوا بالمجمع الدولي لعلم الاجتماع وعميدا لكلية الآداب جامعة أم درمان وعميدا لكلية التربية جامعة الأزهر .
(6) الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام ص 112 و 133 .

ــــــــــــــــــــــ
 

++menooo++

حياتى لأسمك يا من فديتنى
عضو مبارك
إنضم
30 ديسمبر 2005
المشاركات
4,085
مستوى التفاعل
26
النقاط
0
الإقامة
قلوب أعضاء المنتدى
- 22 -
2- الكاتب الكبير عباس العقاد: دافع هذا الكاتب الكبير عن صحَّة الأناجيل الأربعة التي للقدِّيسين متي ومرقس ولوقا ويوحنَّا ورفض إنجيل برنابا تمامًا مؤكدًا أنَّه إنجيلٌ مزوَّرٌ ولا يُعْتَدّ به. (أ) فقال عن الأناجيل الأربعة: " وليس من الصواب أنْ يُقال أنَّ الأناجيل جميعًا عمدة لا يُعَوَّل عليها في تاريخ السيِّد المسيح 000 وإنَّما الصواب أنَّها العمدة الوحيدة في كتابة ذلك التاريخ، إذْ هي قد تضمَّنت أقوالاً في مناسباتها لا يسهل القول باختلاقها، ومواطن الاختلاف بينها معقولة مع إستقصاء أسبابها والمقارنة بينها وبين آثارها 000 فإنجيل متي مثلاً ملحوظ فيه أنَّه يُخاطب اليهود ويُحاول أنْ يُزيل نفرتهم من الدعوة الجديدة، ويؤدِّي عباراته أداءًا يلائم كنيسة بيت المقدس في منتصف القرن الأوَّل للميلاد.
وإنجيل مرقس علي خلاف ذلك ملحوظ فيه أنَّه يخاطب " الأمم " ولا يتحفَّظ في سرد الأخبار الإلهيَّة التي كانت تحول بين بني إسرائيل " المحافظين " والإيمان بألوهيَّة المسيح.
وإنجيل لوقا يكتبه طبيب ويقدِّمه إلي سري كبير، فيُورد فيه الأخبار والوصايا من الوجَّهة الإنسانيَّة، ويحضر في ذهنه ثقافة السري الذي أهدي إليه نسخته وثقافة أمثاله من العليَّة. وإنجيل يوحنَّا غلبت عليه فكرة الفلسفة وبدأه بالكلام عن " الكلمة " logos ووصف فيه التجسُّد الإلهيّ علي النحو الذي يألفه اليونان ومن حضروا محافلهم ودرجوا معهم علي عادات واحدة.
وسواء رجعت الأناجيل إلي مصدرٍ واحدٍ أو أكثر من مصدرٍ، فمن الواجب أنْ يدخل في الحسبان أنَّها هي العمدة التي إعتمد عليها قومٌ هم أقرب الناس إلي عصر المسيح، وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفيّ سنة عمدة أحقّ منها بالاعتماد.
ونحن قد عوَّلنا علي الأناجيل ولم نجدْ بين أيدينا مرجعًا أوفي منها لدراسة حياة الرسول (المسيح) والإحاطة بأطوار الرسالة وملابساتها " (7) .
(ب) وقال عن إنجيل برنابا المزيَّف: " لوحظ في كثيرٍ من عباراته أنَّها كُتبت بصيغة لم تكنْ معروفة قبل شيوع اللغة العربيَّة في الأندلس وما جاورها، وأنَّ وصف الجحيم فيه يستند إلي معلومات متأخِّرة لم تكنْ شائعة بين اليهود والمسيحيِّين في عصر الميلاد 000 نشكُّ في كتابة برنابا لتلك العبارات لأنَّها من المعلومات التي تسرَّبت إلي القارة الأوربيَّة نقلاً عن المصادر العربيَّة 000 وكذلك تتكرَّر في الإنجيل بعض أخطاء لا يجهلها اليهوديّ المطَّلع علي كتب قومه،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(7) حياة المسيح (من سلسلة كتاب الهلال العدد 202 – يناير 1968) ص 200 .

ــــــــــــــــــــــ
 
أعلى