ماذا تفهم من هذا :
"بن يوسف وبن داود وظيفتان مختلفتان لنفس الشخص"
“Ben Yosef and Ben David are two different functions of the same person” (sefer Hizyonot p. 160
اليس هذا معناه انهم شخص واحد بوظيفة كنهوتيه وملوكيه ؟
.........................
نعم! ولهذا أخبرتك أنك هنا في "
بئر لا قاع له"، وأخبرتك أنك في "
غابـة" كثيفة من الأفكار والمفاهيم والرؤى التي تختلف وتتنوع وقد تتعارض حتى فيما بينها! هناك المسيا
الواحد، وهناك المسيا باعتباره
اثنين كما ذكرنا، وهناك المسيا باعتباره
ثلاثة لابد منهم لتدشين العصر المسياني عموما (بإضافة إيليا إلى ابن يوسف وابن داود)، وهناك المسيا باعتباره حتى
أربعة لتحقيق هذا الغرض (بإضافة ملكيصادق إلى هؤلاء)، وهكذا! الذي يتألم هو المسيا
ابن داود، أو هو المسيا
ابن يوسف، أو هو
داود الذي يقيمه الله من الموت، أو هو
إسرائيل نفسه، الشعب نفسه الذي يعاني! هناك المسيح "
الإنسان" كما نعرفه، وهناك أيضا المسيح "
ابن الإنسان"
: بالأحرى كائن
ملائكي فائق يشبه صورة الإنسان و
«يجلس على مقعد في السماء بجوار القديم الأيام»! علاوة على ذلك: هناك نظرية الوجود
السماوي المسبق للمسيا (يوجد المسيا بالفعل في السماء، من قبل تأسيس العالم، قبل أن يوجد على الأرض)، وهناك حتى نظرية الوجود
الأرضي المسبق أيضا (يعيش المسيا على الأرض كشخص عادي قبل أن يعلن فجأة عن نفسه كمسيا)! إلخ إلخ إلخ.
ولكن ما حاجتك حقا أو حاجتنا لكل هذا؟ في الحقيقة أتعجب ـ أستاذنا الحبيب ـ من اهتمامك الدائم باليهود ورأي اليهود وفهمهم وتفسيراتهم! وهل اليهود "
سلطة" بالنسبة للمسيحي؟ هل نلتمس مثلا "
شرعية" للإيمان المسيحي عند اليهود؟ وهل عند أحبار اليهود كلهم ـ مهما علا شأنهم ـ مَن ترتفع قامته لتطال حذاء رسول مثل يوحنا أو بولس، أو قامة عمالقة مثل أوريجانوس أو أثناسيوس أو غريغوريوس أو حتى أوغسطين؟!
نترك من ثم اليهود جانبا هذه المرة ونكتفي بالآيات التي تحيّرك. نأخذ على سبيل المثال متى
16 لأن فيه الكفاية:
15 قال لهم: «وأنتم، من تقولون إني أنا؟»
16 فأجاب سمعان بطرس وقال: «أنت هو المسيح ابن الله الحي!».
..........................................
21 من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيرا من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل، وفي اليوم الثالث يقوم.
22 فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلا: «حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا!»
23 فالتفت وقال لبطرس: «اذهب عني يا شيطان! أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس».
24 حينئذ قال يسوع لتلاميذه: «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني،
25 فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها. ...».
سؤالك بالتالي (حسبما فهمت): إذا كان بطرس قد أدرك بالفعل أن يسوع الناصري هو «
المسيح ابن الله الحي»، فلماذا بعد ذلك يرفض بطرس أيضا بالذات آلام المسيح وموته، بل حتى ينتهره: «
حاشاك يا رب! لا يكون لك هذا»؟
أولا: لم يرفض بطرس آلام المسيح وموته، بل كان ذلك
قول الشيطان ووسوسته في قلب بطرس، ومن ثم جاء رد المسيح ـ بادئ ذي بدء وقبل كل شيء ـ «اذهب عني
يا شيطان»!
ثانيا: هل تعتقد أن كل صياد وكل فلاح وكل راعٍ في اليهودية كان على علم بآلام المسيا وموته، حافظا للنبوءات، أم كان "
المسيا" ـ حلم البسطاء والفقراء والمتعبين والحزانى ـ يرتبط بالأحرى، في وعي هؤلاء خاصة،
بالرجاء والخلاص والفرح والانتصار؟
ثالثا: حتى لو كان كل صياد وكل فلاح وكل راعٍ في اليهودية يعلم النبوءات ويذكرها ويقبل أن المسيا لابد أن يتألم أولا ويموت: هل معنى هذا ـ حين يأتي بالفعل أوان هذه الآلام ـ أن
نقبل ذلك بكل وداعة وسلام؟ ألا نرفض ونستنكر ونقاوم، حتى رغم
إدراكنا للنبوءات
وإيماننا بصدقها؟
لنفترض ـ مثلا ـ أن لديك عزيزا محكوم عليه بالإعدام، وأن
تنفيذ الحكم تأخر لسنوات وسنوات، كنت تزوره خلالها كل يوم، تصاحبه وتأكل معه وتصلي معه وتقضي معه كل وقتك تقريبا. الآن حين يخبرك هذا الصديق فجأة أن
«تنفيذ الحكم غدا»: هل تقول له:
«بالسلامة! كنت أعلم ذلك منذ سنوات»! أم بالأحرى
تروّعك المفاجأة،
يصدمك الخبر ويزلزلك كأنك لم تكن تعرفه أبدا، من ثم تأبى وترفض وتقاوم؟
بطرس ببساطة ـ ولو حتى كان حبرا من أكبر أحبار اليهود ـ هو في النهاية
إنسان، وكان رد فعله من ثم إنسانيا تماما! أي حتى بعيدا عن الشيطان ووسوسته: هذا بالضبط ما كان يفعله ويقوله أي إنسان في موقفه، أمام أي عزيز أو صديق، فما بالك حين يكون هذا العزيز، الواقف بالفعل أمامك، هو حلم الإنسانية كلها ورجاؤها، هو
يسوع الناصري ذاته!
لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، بل بالعكس لقد بدأت توّا!
عندما "صدم" بطرس ما قاله المسيح عن آلامه وموته، إذا بالسيد ينهال عليه
بالصدمة الثانية، التي هي أصعب حتى من الأولى:
بل أنت نفسك يا بطرس سوف تتألم وتموت أيضا! لأجلك أنت أيضا صليبك الذي يجب أن تحمله إذا أردت حقا أن تأتي ورائي!
24 حينئذ قال يسوع لتلاميذه: إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني
يأخذنا السيد المسيح إذاً في هذا الحوار القصير من موته هو إلى موتنا
نحن شحصيا، وينقلنا ـ في لحظة ـ إلى أعمق مستويات الإدراك الروحي، كاشفا لنا سر الخلاص كله: إنكار هذه
الذات نفسها، صلب هذا الإنسان العتيق! هكذا ينهال المسيح على بطرس وعلينا جميعا
بالصدمة الثالثة: هذا الذي تريد خلاصه هو بالعكس سبب هلاكك! بل ليهلك هذا نفسه أولا، فعندئذ ـ وفقط عندئذ ـ يكون خلاص الإنسان حقا!
25 فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها!
فهل يبقى بعد ذلك أي سؤال؟