امي العزيزة أمة
انا اتسائل علي شخص يولد معوق
او شخص يولد في مدينه كلها ظلم كسدوم
او شخص يقتل بدون اي ذنب
شخص يولد غني ولا أمراض
شخص يولد بوذي او آخر
كل هذا والإنسان حر مع العدل كيف؟
لو أن شخصا سقط من الطابق العاشر ـ أو ألقاه أحدهم ـ فهوى حتى ارتطم أخيرا بالأرض وبالطبع تحطم جسده ومات على الفور. في هذه الحالة مَن هو المسئول عن موته؟ لديك 3 اختيارات:
1- الشخص نفسه (أو هذا الآخر الذي ألقاه من الطابق العاشر).
2- قانون الجاذبية، لأن الجاذبية هي التي سحبته بهذه السرعة نحو الأرض.
3- الله ذاتـه، لأن الله هو الذي خلق أو أنشأ ظاهرة الجاذبية نفسها أولا.
على مَن تقع المسئولية والاتهام؟ إجابتنا جميعا هي الأولى بالطبع. نحن لا نقول أبدا أن هذا الشخص كان "
ضحية قانون الجاذبية" مثلا، كما أننا أيضا لا نشعر بالغضب أو الحنق أو حتى الحيرة لأن الله "أراد" موت هذا الشخص أو "سمح" بذلك! نحن لا نفكر أبدا على هذا النحو. الاختياران الثاني والثالث كلاهما لا يخطر حتى على بالنا أمام حدث كهذا.
أما لو أن طفلا أصابه مرض كالسرطان مثلا وسحقته آلامه ثم في النهاية مات، فهنا بالعكس: أول ما نفكر فيه هو الله وكيف أراد / سمح بذلك ولماذا؟ ما ذنب هذا الطفل البريء؟ أين العدل؟
ولكن
ما الفرق بين الحالتين إذا كان كلا الشخصان تألم وكلاهما مات في النهاية؟
الفرق هو أننا في الحالة الأولى نفهم ظاهرة الجاذبية ونعرف قانونها. إنها حتى "
بديهية" بالنسبة لنا! نحن بالتالي لا نوجه هنا أي لوم إلى الله أو حتى نستدعيه إلى هذا التحقيق كي نوجه أي سؤال إليه. أما في الحالة الثانية ـ حالة السرطان ـ فنحن بالعكس لا نفهم الظاهرة ولا نعرف أسبابها ولا نفقه أي قانون لها. نحن في جهل تام أمام هذا الحدث، وهذا الجهل بالتالي هو ما يجعلنا
ننكص، نرتد كالأطفال إلى "
أبينا" الكبير، "ضابط الكل" الذي لا يحدث شيء في الكون إلا بـ"إرادته" أو على الأقل "سماحه". هكذا نشير بأصابع الاتهام إلى الله، يسحقنا السؤال ويعصرنا الألم فنصب نار غضبنا عليه، نعثر أمام هول المأساة وقد يكفر حتى بعضنا تماما. نحن ـ في أحسن الأحوال ـ نلتمس العزاء عبر إيماننا ويقيننا أنه الإله "
البار" لا شك، "
المُحب" رغم كل شيء، صاحب المشيئة "
الصالحة" قطعا والتي هي "
للخير" دائما، إلى غير ذلك من أفكار قد تخفف بالفعل من ألم الفاجعة لكنها لا تجيب السؤال الأساسي:
لماذا ضرب وحش السرطان بمخالبه في جسد هذا الطفل البريء؟
قضيتك هنا بالتالي ـ قضية
العدل الإلهي ـ لا تتعلق حقا بالعدل الإلهي! لا تتعلق بدور الله ومسئوليته أو حتى "حكمته" وقصده وكيف تكون هذه المأساة أو تلك "للخير" حقا كما نفول دائما! قضيتك بالأحرى هي ببساطة
جهل الإنسان بالعلل والأسباب وراء هذا الذي يحدث في حياته أو من حوله ولا يجد له تفسيرا! إن عجزنا عن الفهم هو ما يدفعنا إلى مساءلة الإله وإلى وضعه في قفص الاتهام، بصفته "المسئول الأكبر"، أو "المدير الأعظم"، بينما لو كانت لدينا المعرفة والفهم ـ كما في حالة الجاذبية مثلا ـ ما فكرنا مجرد تفكير في دوره أو مسئوليته سبحانه عما يحدث!
هذه إذاً هي الخطوة الأولى نحو الإجابة على سؤالك:
فهم المشكلة نفسها أولا وصياغتها على نحو صحيح هو أول وأهم خطوة في سبيل حلها.
أما الخطوة الثانية ـ باختصار ـ فهي أن تدرك أن هناك
قوانين بالفعل تحكم الحياة كلها
. هذا السرطان مثلا لا يضرب الإنسان هكذا اعتباطا! الحرائق والكوارث لا تحدث عشوائيا! البراكين والزلازل وكل مصائب البشر عموما لا تأتي جزافا. كل هذا يحدث يوميا، ولكن ليس لأن إلها ما في السماء يريد اختبار البشر مثلا، أو لأن شيطانا ما في الجحيم يرغب في اللهو معهم قليلا! إنما يحدث كل هذا لأن القدير سبحانه ـ
ضابط الكل حقا ـ وضع للكون
قوانين تحكمه جميعا، وهي قوانين في غاية الإحكام، نافذة سارية دائما لا محاباة فيها لأي شخص، كما أنه لا انتقام فيها من أي شخص أيضا.*
انا اتسائل علي شخص يولد معوق
او شخص يولد في مدينه كلها ظلم كسدوم
او شخص يقتل بدون اي ذنب
شخص يولد غني ولا أمراض
شخص يولد بوذي او آخر
وعليه نعم هناك
سبب وراء هذا الذي يولد معاقا! هناك سبب وراء هذا الذي يولد في مدينة غارقة في الظلم أو الفقر أو الجريمة! هناك سبب وراء المقتول بلا ذنب، أو المريض بلا جريرة، أو السجين بلا جريمة! هناك سبب
وراء كل شيء دون استثناء، بل لا تنتقل حتى ذرة تراب واحدة من موضعها إلا وكان وراء ذلك سبب!
أما إذا سألت «
ما هو السبب؟» فهذا سؤال آخر وحديث آخر. قضيتك هنا هي "العدل الإلهي" كما تسميها، وهذه كما رأينا ـ في أسوأ الأحوال ـ "قضية معلّقة" حتى نصل أولا إلى العلة والسبب. هذا هو هدفي من كل هذه المشاركة: ليس من حقنا أبدا بل ليس حتى منطقيا ـ أخي الحبيب ـ اتهام الله
أو حتى مجرد الشك في العدل الإلهي، صراحة أو ضمنا، ما لم نعرف أولا أسباب الله وعلله ومقاصده!
لأجل هذا فأنت ونحن جميعا في النهاية أمام
طريقين لا ثالث لهما:
إمــا أن تعرف (وتعترف) بحدودك وقصور معرفتك فتتضع وتسكن وتؤمن
إيمانا غيبيا كاملا بالعدل بل
بكمال العدل والإحكام الإلهي المطلق، بأن هناك قطعا سبب وراء كل شيء وعلة وراء جميع ما يحدث مهما تعارض ظاهريا مع العدل أو حتى المنطق...
وإمــا أن تدخل إلى "
العقل الإلهي" ذاته كي تعرف كل هذه الأسباب التي تحيّرك وكي ينكشف لك ـ بنور الله ونعمته ـ كيف تشكلت حياتك وأقدارك، أنت وأيضا كل مَن حولك!
فهل هذا الدخول إلى العقل الإلهي مستطاع؟ بالطبع مستطاع، بمشيئته ونعمته كل شيء مستطاع. بل هذا الدخول إلى العقل الإلهي هو في الحقيقة دخول إلى السيد ذاته، شمس البر نفسه الكلمة الخالق،
المسيح «المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم»!
لا تسأل من ثم كثيرا ولا تتحير.
اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تُزاد لكم!
_____________________
* هيمنة القوانين وسيادتها ـ من ناحية أخرى ـ ليست "مُلزمة" لله أو "مُحددة" لمشيئته. هذا أيضا فهم خاطئ لمعنى "القانون" نفسه، حتى لو كان قانونا علميا. إذا قلنا مثلا إن «الأشياء المعلقة في الفراغ تسقط إلى الأرض بحكم قانون الجاذبية» فهذا تعبير شائع ولكنه غير صحيح. التعبير الصحيح بالأحرى يقول إن «قانون الجاذبية هو الوصف الدقيق لما يحدث عندما نترك الأشياء معلقة في الفراغ»! هذا فرق بسيط في الصياغة لكنه هائل في المعنى. لماذا؟ لأن قوانين الكون لا تحكم شيئا ولا سلطة لها أبدا في ذاتها، وإنما كل القوانين دون اسئتثناء هي فقط الوصف الدقيق لما يحدث، أي هي فقط الوصف الدقيق لـ"المشيئة الإلهية"! القوانين من ثم تتبع المشيئة، وليست المشيئة هي التي تتبع القوانين!
(من هنا فالمعجزات والآيات لا زالت قائمة رغم وجود القانون! ذلك أن المشيئة / المعجزة هي الأصل، والقانون تابع لها، وليس العكس كما يحاول الحمقى أصحاب النظرة المادية إقناعنا دائما)!