تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولي, البرهان علي إلوهية السيد المسيح

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثامن​
1- لأجل هذا نزل إلى عالمنا "كلمة الله" الذى بلا جسد، العديم الفناء والغير مادي, مع أنه لم يكن ببعيد عنا من قبل. لأنه لم يترك جزءًا من الخليقة خاليًا منه إذ هو يملأ الكل، وفي نفس الوقت كائن مع أبيه. لكنه أتى إلينا في تنازله، ليُظهر محبته لنا ويفتقدنا.
2- وإذ رأى الجنس البشري العاقل يهلك وأن الموت يملك عليهم بالفناء, وإذ رأى أيضًا أن عقوبة التعدي قد خلّدت الفناء فينا, وأنه من غير اللائق أن يبطل الناموس قبل أن ينفذ، وإذ رأى أيضًا عدم اللياقة فيما هو حادث بالفعل، وهو أن الخليقة التي خلقها هو بنفسه قد صارت في طريقها إلى الفناء، وإذ رأى في نفس الوقت شر البشر المفرط، وأنهم يتزايدون فيه شيئًا فشيئًا إلى درجة لا تطاق وضد أنفسهم، وإذ رأى أن كل البشر تحت سلطان الموت، فإنه رحم جنسنا وأشفق على ضعفنا وتراءف على فسادنا. وإذ لم يحتمل أن يرى الموت وقد صارت له السيادة علينا، لئلا تفنى الخليقة ويتلاشى عمل الله، فقد أخذ لنفسه جسدًا لا يختلف عن جسدنا.
3- لأنه لم يقصد أن يتجسد أو أن يظهر فقط، وإلاّ لو أنه أراد مجرد الظهور لأمكنه أن يتمم ظهوره الإلهي بطريقة أخرى اسمى وأفضل. لكنه أخذ جسدًا من جنسنا، وليس ذلك فحسب، بل أخذه من عذراء طاهرة نقية لم تعرف رجلاً، جسدًا طاهرًا وبدون زرع بشر. لأنه وهو الكائن الكلّى القدرة وبارئ كل شئ، أعد الجسد في العذراء ليكون هيكلاً له وجعله جسده الخاص متخذًا إياه أداة ليسكن فيه ويُظهر ذاته به.
4- وهكذا إذ اتخذ جسدًا مماثلاً لطبيعة أجسادنا، وإذ كان الجميع خاضعين للموت والفساد، فقد بذل جسده للموت عوضًا عن الجميع، وقدّمه للآب. كل هذا فعله من أجل محبته للبشر. أولاً لكى إذ كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يبطل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استنفذ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر. ثانيًا فإن البشر الذين رجعوا إلى الفساد بالمعصية يعيدهم إلى عدم الفساد ويحييُهم من الموت بالجسد الذي جعله جسده الخاص، وبنعمة القيامة يبيد الموت منهم كما تُبيد النار القش.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل التاسع​
1- لقد أدرك الكلمة جيدًا أنه لم يكن ممكنًا أن يُقضى على فساد البشرية بأى طريقة أخرى سوى الموت نيابة عن الجميع. ومن غير الممكن أن يموت الكلمة لأنه غير مائت بسبب أنه هو ابن الآب غير المائت. ولهذا اتخذ لنفسه جسدًا قابلاً للموت حتى إنه عندما يتحد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الجميع، يصبح جديرًا ليس فقط أن يموت نيابة عن الجميع، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتحاد الكلمة به. ومن ذلك الحين فصاعدًا يُمنع الفساد من أن يسرى في جميع البشر بنعمة القيامة من الأموات. لذلك قَدّم للموت ذلك الجسد الذي اتخذه لنفسه كتقدمة مقدسة وذبيحة خالية من كل عيب. وببذله لهذا الجسد كتقدمة مناسبة، فإنه رفع الموت فورًا عن جميع نظرائه البشر.
2- ولأن كلمة الله هو فوق الجميع فقد كان لائقًا أن يقدم هيكله الخاص وأداته البشرية فدية عن حياة الجميع موفيًا دين الجميع بموته. وهكذا باتخاذه جسدًا مماثلاً لجسد جميع البشر وباتحاده بهم، فإن ابن الله عديم الفساد ألبس الجميع عدم الفساد بوعد القيامة من الأموات. ولم يعد الفساد الفعلى بالموت له أى سلطان على البشر بسبب الكلمة الذي جاء وسكن بينهم بواسطة جسده.
3- وكما أنه عندما يدخل أحد الملوك العظام إلى مدينة عظيمة، ويسكن في أحد بيوتها فإن المدينة كلها تكرّمه أعظم تكريم ولا يجرؤ أي عدو أو عصابة أن تدخل إليها أو تحطمها، بل على العكس تكون جديرة بكل عناية واهتمام بسبب سكنى الملك في أحد من بيوتها، هكذا كان الحال مع ملك الكل.
4- والآن، ولأنه قد جاء إلى عالمنا وسكن في جسد مماثل لأجسادنا، فقد بطلت منذ ذلك الحين كل مؤامرة العدو ضد البشر وأُبطل فساد الموت الذي كان سائدًا عليهم من قبل. لأن الجنس البشري كان سيهلك بالتمام لو لم يكن رب الكل ومخلّص الجميع ابن الله قد جاء ليضع حدًا للموت.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل العاشر​
1- فى الحقيقة، فإن هذا العمل العظيم لائق بدرجة فائقة بصلاح الله. لأنه إذا أسس مَلِك منزلاً أو مدينة ثم بسبب إهمال سكانها حاربها اللصوص، فإنه لا يهملها قط، بل ينتقم من اللصوص ويخلّصها لأنها صنعة يديه وهو غير ناظر إلى إهمال سكانها، بل إلى مايليق به هو ذاته. هكذا وبالأكثر جدًا فإن كلمة الآب كلي الصلاح، لم يتخل عن الجنس البشري الذي خُلق بواسطته، ولم يتركه ينحدر إلى الفناء. بل أبطل الموت الذي حدث نتيجة التعدي، بتقديم جسده الخاص. ثم قوّم إهمالهم بتعاليمه، وبقوته الخاصة أصلح كل أحوال البشر.
2- هذه كلها يمكن للمرء أن يتحققها مما قاله الكُتّاب الموحى إليهم عن المخلّص إذا قرأ أحد ما كُتب بواسطتهم حيث يقولون: لأن محبة المسيح تحصرنا, إذ نحن نحسب هذا إنه إن كان واحد قد مات لأجل الجميع فالجميع إذًا ماتوا. وهو مات لأجل الجميع كى لا نعيش فيما بعد لأنفسنا، بل للذي مات لأجلنا وقام ربنا يسوع المسيح. وأيضًا "لكن الذي وُضع قليلاً عن الملائكة نراه مكللاً بالمجد والكرامة من أجل ألم الموت لكى يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد".
3- بعد ذلك يوضح السبب الذي من أجله كان ضروريًا أن الله الكلمة نفسه وليس آخر سواه هو الذى يتجسد فيقول: "لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكّلُ وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يُكمّلَ رئيس خلاصهم بالآلام", وهو يقصد بهذا أن يوضح أنه لم يكن أحد آخر يستطيع أن يسترد البشر من الفساد الذي حدث غير كلمة الله الذي خلقهم في البداية.
4- وأشار الرسول ايضاً إلى أن الكلمة بذاته اتخذ لنفسه جسدًا ليقدمه ذبيحة عن الأجساد المماثلة قائلاً: "فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا فيهما لكى يبيد بالموت ذلك الذي له سلطان الموت, أى إبليس, ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية"
5- لأنه بذبيحة جسده الذاتي وضع نهاية لناموس الموت الذي كان قائمًا ضدنا. وصنع لنا بداية جديدة للحياة برجاء القيامة الذى أعطاه لنا. لأنه إن كان بإنسان واحد قد ساد الموت على البشر، ولهذا أيضًا فبسبب تأنس كلمة الله فقد حدثت إبادة للموت وتمت قيامة الحياة كما يقول لابس المسيح بولس: "فإنه إذ الموت بإنسان، بإنسان أيضًا قيامة الأموات لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" , وبالتالي فنحن الآن لا نموت بعد كمدانين، بل كأناس يقومون من الموت ننتظر القيامة العامة للجميع والتي سيبينها في أوقاتها التي يحددها الله الذي أتمها والذى وهبنا إياها.
6- فهذا إذن هو السبب الأول لتجسد المخلّص، ومما يلي سنعرف أسبابًا أخرى لضرورة ولياقة ظهوره المبارك بيننا.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الحادى عشر​
1- عندما خلق الله ضابط الكل الجنس البشري، بواسطة كلمته الذاتى، لأنه يعرف جيدًا ضعف طبيعة البشر وعجزها عن أن تعرف الخالق من نفسها، ولا تستطيع أن تكوّن أية فكرة عن الله على الإطلاق، وذلك بسبب أنه "غير المخلوق"، أما الكائنات فهى مخلوقة من العدم. وبينما هو روح لا جسد له فإن البشر قد خُلقوا في جسد أرضي من أسفل. وبصفة عامة فهناك عجز كبير في قدرة المخلوقات على أن تدرك وتعرف خالقها, ولهذا فإن الله بسبب صلاحه تحنن على جنس البشر ولم يتركهم عن معرفته لئلا يكون وجودهم فى الحياة بلا أية منفعة.
2- لأنه أية منفعة للمخلوقات لو أنها لم تعرف خالقها؟ أو كيف يمكن أن تكون عاقلة لو لم تعرف كلمة الآب الذى به خُلقوا؟ لأنهم لن يتميزوا بالمرة عن المخلوقات الغير عاقلة لو أنهم انحصروا فقط فى معرفة الأمور الأرضية ولماذا خلقهم الله طالما أنه لم يكن يريد لهم أن يعرفوه؟
3- ولكى لا يحدث هذا، ولأنه صالح فى ذاته، فقد جعل لهم نصيبًا فى صورته الذاتى ربنا يسوع المسيح، وخلقهم على صورته ومثاله, حتى أنه, وبسبب تلك النعمة, فإنهم عندما يرون تلك الصورة, أى كلمة الآب، يمكنهم عن طريقه أن يصلوا إلى معرفة الآب، وإذ يعرفون خالقهم فإنهم يحيون حياة حقيقية سعيدة مغبوطة.
4- غير أن البشر, رغم كل هذا, وبسبب تمردهم، لم يكترثوا بتلك النعمة المعطاة لهم، وهكذا رفضوا الله كلية وأصبحت نفوسهم مظلمة, حتى أنهم لم ينسوا فكرتهم عن الله فقط، بل اخترعوا لأنفسهم اختراعات كثيرة واحدًا تلو الآخر. لأنهم لم يكتفوا بأن يصنعوا لأنفسهم أوثانًا بدلاً عن عبادة الحق، فاكرموا الكائنات المخلوقة من العدم دون الله الحى, "وعبدوا المخلوق دون الخالق". بل والأسوأ من كل هذا أنهم حوّلوا الكرامة التى تحق لله إلى الأخشاب والأحجار، وإلى كل الأشياء المادية، وإلى البشر، بل ذهبوا إلى أبعد من هذا كله كما ذكرنا سابقًا.
5- وبلغ بهم الجحود إلى أنهم عبدوا الشياطين مُنادين بها كآلهة مُشبعين بذلك شهواتهم. ذلك لأنهم قدموا محرقات من الحيوانات غير العاقلة وذبائح من البشر كما ذكرنا سابقًا، متممين بذلك فرائض تلك العبادات، منحدرين بأكثر سرعة وراء نزعاتهم الجنونية.
6- ولهذا تعلموا أعمال السحر وأضلّت العرافة البشر في أماكن عديدة، وصار جميع الناس ينسبون سبب ميلادهم ووجودهم إلى النجوم والأجرام السماوية، إذ لم يفكروا في أى شيء آخر إلاّ فيما كانوا ينظرونه بعيونهم.
7- وبصفة عامة صار كل شئ مشبّعًا (بروح) الكفر والعصيان, وأصبح الله وحده وكلمته غير معروفين للبشر، رغم أن الله لم يُخفِ نفسه عن البشر، ولم يُعلن نفسه بطريقة واحدة فقط بل أعطاهم معرفته بأشكال متعددة وطرق كثيرة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثانى عشر​
1- إن نعمة مماثلة الصورة الإلهية كانت كافية في حد ذاتها لكي تجعلنا نعرف الله الكلمة، ونعرف الآب بواسطته, غير أن الله إذ كان يعرف ضعف البشر، وضع في اعتباره أيضًا إهمالهم لمعرفة الله, حتى اذا لم يهتموا أن يعرفوا الله من تلقاء أنفسهم استطاعوا بواسطة المخلوقات أن يتجنبوا الجهل بخالقها.
2- ولأن إهمال البشر انحدر قليلاً قليلاً نحو السفليات فقد أعدّ الله مرة أخرى علاجًا لضعفهم، فأرسل لهم ناموسًا وأنبياءً معروفين لديهم، حتى أنهم إذا لم يرفعوا عيونهم إلى السماء ليعرفوا الخالق استطاعوا أن يتعلموا ممن يعيشون بينهم، وذلك لأن البشر يستطيعون أن يتعلموا من البشر أمثالهم عن الأمور العليا بطريقة مباشرة.
3- وهكذا كان متاحًا لهم إذا رفعوا عيونهم إلى عظمة السماء وأدركوا تناسق الخليقة أن يعرفوا مدبرها كلمة الآب، الذي بتدبيره لكل الأشياء يعرِّف الآب للجميع، وهو الذى يحرِّك كل الأشياء لهذه الغاية عينها حتى يستطيع الجميع أن يعرفوا الله بواسطته.
4- أو لو صعب عليهم هذا لكان في مقدورهم على الأقل أن يلتقوا بالرجال القديسين، وبواسطتهم يعرفوا الله خالق الكل، أبا المسيح، وأن عبادة الأوثان هي كفر بالله ومملوءة بكل جحود وفساد.
5- أو كان متيسرًا لهم بمعرفتهم للناموس أن يكّفوا عن كل تعدٍ وأن يعيشوا حياة الفضيلة, لأن الناموس لم يكن فقط لليهود، ولا أُرسِل الأنبياء إلى اليهود فقط. ولكن، وإن كانوا قد أُرسِلوا لليهود ومن اليهود اضطهدوا إلاّ أنهم كانوا معلّمين مقدسين للمسكونة كلها، يعلّمون عن معرفة الله وعن سلوك النفس.
6- وبالرغم من عِظمْ صلاح الله ومحبته للبشر فإن البشر إذ انغلبوا من شهواتهم الزائلة ومن الضلالات والغوايات التى أرسلتها الشياطين فإنهم لم يقبلوا الحق, بل ثقّلوا أنفسهم بالشرور والخطايا إلى الحد الذي يجعلهم لا يظهرون بعد كخلائق عاقلة، بل من طريقة تصرفاتهم يُحسبون مجردين من العقل.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثالث عشر​
1- وإذ صار البشر هكذا كالحيوانات غير العاقلة، وسادت غواية الشيطان فى كل مكان حتى حجِبت معرفة الإله الحقيقي، فما الذى كان على الله أن يفعله؟ أيصمت أمام هذا الضلال العظيم ويدع البشر يضلون بتأثير الشيطان ولا يعرفون الله؟
2- وما هي الفائدة من خلق الإنسان أصلاً على صورة الله؟ كان من الأفضل له لو أنه خُلق مثل مخلوق غير عاقل من أن يُخلق عاقلاً ثم يعيش كالحيوانات غير العاقلة.
3- أم هل كانت هناك ضرورة على الإطلاق أن يُعطَى فكرة عن الله منذ البداية؟ لأنه إن كان حتى الآن هو غير جدير بأن ينالها، فكان الأولى ألاّ تُعطى له من البداية.
4- وما هى الفائدة التى تعود على الله الذي خلقهم, وكيف يتمجد إن كان البشر الذين خلقهم لا يعبدونه, بل يظنون أن آلهة أخرى هي التي خلقتهم؟ لأنه بهذا يظهر أن الله قد خلقهم لا لنفسه, بل للآخرين.
5- ومرة أخرى نقول: أي ملك، وهو مجرد إنسان بشري، إذا امتلك لنفسه بلادًا يترك مواطنيه لآخرين يستعبدونهم؟ وهو لا يدعهم يلتجئون لغيره، لكنه ينذرهم برسائله, ثم يُرسل إليهم أصدقاءه مرارًا، وإن اقتضى الأمر يذهب اليهم بشخصه، لكى يوبخهم بحضوره، كآخر وسيلة يلجأ إليها. وكل ذلك لكى لا يصيروا خدامًا لغيره فيذهب عمله هباءً.
6- أفلا يشفق الله بالأولى على خليقته كى لا تضل عنه وتعبد الأشياء التي لا وجود لها، وبالأكثر عندما يظهر أن هذه الضلالة هي سبب هلاكهم وخرابهم؟ وليس لائقًا أن يهلك هؤلاء الذين قد كانوا مرة شركاء في صورة الله.
7- إذن فما هو الذى كان ممكنًا أن يفعله الله؟ وماذا كان يمكن أن يتم سوى تجديد الخليقة التي وُجدت على صورة الله مرة أخرى، ولكي يستطيع البشر أن يعرفوه مرة أخرى؟ ولكن كيف كان ممكنًا لهذا الأمر أن يحدث إلاّ بحضور نفس صورة الله, مخلّصنا يسوع المسيح؟ كان ذلك الأمر مستحيلاً أن يتم بواسطة البشر لأنهم هم أيضًا خُلِقوا على مثال تلك الصورة. ولا أيضًا بواسطة الملائكة لأنهم ليسوا صورًا لله, ولهذا أتى كلمة الله بذاته لكي يستطيع, وهو صورة الآب, أن يجدّد خلقة الإنسان على مثال الصورة.
8- وإضافة إلى ذلك, فهذا لم يكن ممكنًا أن يتم أيضًا دون أن يُباد الموت والفساد.
9- ولهذا فقد كان من اللائق أن يأخذ جسدًا قابلاً للموت حتى يمكن أن يُبيد فيه الموت ويجدّد خلقة البشر الذين خلقوا على صورته. إذن فلم يكن كفؤًا لسد هذه الحاجة سوى صورة الآب.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الرابع عشر​
1- وكما أنه لو كانت هناك صورة لشخص مرسومة على قماش مثبّتة على لوحة خشبية وتلطخت هذه الصورة من الخارج بالأقذار، مما أدى إلى اختفاء ملامحها، ففي هذه الحالة لابد من حضور صاحب الصورة نفسه ثانية لكي يمكن إعادة تجديد الصورة على نفس قماش اللوحة، فلا يلقى بالقماش لأن صورته رُسمت عليه، بل يُجدِّد الرسم عليه مرة أخرى.
2- وعلى هذا النحو، فقد أتى إلى عالمنا الكليّ القداسة, ابن الآب، إذ هو صورة الآب، لكى يجدّد الإنسان الذي خُلِق مرة على صورته، ويخلّص ما قد هلك بمغفرة الخطايا، كما يقول هو في الأناجيل: "جئت لكي أطلب وأخلّص ما قد هلك" . ولأجل هذا أيضًا قال لليهود: "إن كان أحد لا يولد ثانية" , وهو لا يقصد بهذا, كما ظنوا, الولادة من امرأة، بل قصد التحدث عن إعادة ميلاد النفس وتجديد خلقتها بحسب الصورة.
3- ولكن إن كانت العبادات الوثنية والمعتقدات الإلحادية قد سيطرت على المسكونة، وإن كانت معرفة الله قد أُخفيت، فمن ذا الذي كان قادرًا أن يقوم بتعليم المسكونة عن الآب؟ وإن قال أحد إن هذه هى مهمة إنسان أجبناه أنه لم يكن في استطاعة إنسان أن يطوف المسكونة كلها, كما أنه ليس من طبيعته أن تكون لديه القدرة على الركض لمثل هذه المسافات الشاسعة، ولا هو يستطيع أن يدّعي القدرة على القيام بهذا العمل. كما أن البشر لا يستطيعون من تلقاء أنفسهم أن يقاوموا غواية الأرواح الشريرة وحيلها.
4- لأنه طالما أن الجميع ضلوا واضطربت نفوسهم بسبب غواية الأرواح الشريرة وأباطيل الأوثان, فكيف كان ممكنًا لهم أن يغيّروا نفوس البشر وعقولهم وهم أنفسهم عاجزون عن رؤية النفس والعقل؟ وكيف يمكن لأى كائن أن يغيّر النفس وهو لا يراها أو يعرفها؟
5- وقد يقول أحد إن الخليقة كانت كافية. لكن لو كانت الخليقة كافية لما حدثت كل هذه الشرور الفظيعة، لأن الخليقة كانت موجودة بالفعل ومع ذلك كان البشر يسقطون في نفس الضلال عن الله.
6- فإلى من إذن كانت الحاجة الاّ إلى كلمة الله الذي يبصر النفس والعقل، وهو المحرك لكل ما في الخليقة، والتي من خلالها يجعل الآب معروفًا؟ لأن ذلك الذى بأعمال عنايته وتدبيره لكل الأشياء يعلّم عن الآب, أنه من يستطيع أيضًا أن يجدّد ذلك التعليم عينه.
8- وكيف كان ممكنًا أن يحدث هذا؟ ربما قال امرء بأن هذا كان ممكنًا أن يحدث بنفس الطريقة السابقة، حتى أنه مرة أخرى, عن طريق أعمال الخليقة, يمكن أن يعلن معرفة الآب. لكن هذه الوسيلة لم تعد مضمونة، وبالتأكيد هى غير مضمونة، لأن البشر قد أهملوها سابقًا، بل أنهم لم يعودوا يرفعون أعينهم إلى فوق, بل صاروا يشخصون إلى أسفل.
9- ولهذا كان من الصواب، إذ أراد منفعة البشر، أن يأتى الينا كإنسان آخذًا لنفسه جسدًا شبيهًا بجسدهم من أسفل. حتى يستطيع الذين لا يريدون أن يعترفوا به، من خلال أعمال عنايته وسلطانه على كل الأشياء، أن يبصروا الأعمال التي عملها بجسده هنا على الأرض, ويعرفوا كلمة الله الحال في الجسد, ومن خلال الكلمة المتجسد يعرفون الآب.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الخامس عشر​
1- وكما أن المعلّم الصالح الذي يعتني بتلاميذه، إذ يرى أن بعضًا منهم لا يستفيد من العلوم التي تسموا فوق إدراكهم، فإنه يتنازل إلى مستواهم ويعلّمهم أمورًا أبسط، هكذا فعل كلمة الله كما يقول بولس: "إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يُخلّص المؤمنين بجهالة الكرازة" .
2- ولأن البشر قد تركوا التأمل في الله وانحطت نظراتهم إلى أسفل كأنهم قد غاصوا في الأعماق باحثين عن الله في عالم الحسيّات، صانعين لأنفسهم آلهة من البشر المائتين ومن الشياطين، لهذا فإن محب البشر ومخلّص الجميع كلمة الله أخذ لنفسه جسدًا ومشى كإنسان بين البشر، وجذب أحاسيس كل البشر نحو نفسه، لكي يستطيع أولئك الذين يظنون أن الله له جسد مادى، أن يدركوا الحق عن طريق الأفعال التي يعملها الرب بواسطة جسده، وعن طريقه يعرفون الآب.
3- ولأنهم بشر ويفهمون كل شيء بطريقة بشرية، فعندما يستخدمون إحساساتهم الجسدية لتفسير هذه الأفعال ويحاولون فهمها بدقة, فإنهم يرون أنفسهم قد قوبلوا في منتصف الطريق، وهكذا يتعلمون الحق من كل ناحية.
4- فإن نظروا إلى الخليقة وعبدوها عن خوف فإنهم يرون مع ذلك أنها تعترف بالمسيح ربًا. وإن اتجهوا بأفكارهم إلى البشر، ظانين أنهم آلهة وجدوا, رغم ذلك, أن أعمال المخلّص إن قورنت بأعمال البشر فإنها تظهره هو وحده أنه ابن الله دون سائر البشر، لأنه لم يقم بينهم قط من استطاع أن يعمل الأعمال التي عملها كلمة الله.
5- وإن كانوا انحرفوا وراء الأرواح الشريرة، فعندما يرون الكلمة يطردها, يجب أن يدركوا أن كلمة الله وحده هو الله, وأن تلك الأرواح ليست آلهة.
6- وإن كانت عقولهم قد هبطت إلى الأموات، فعبدوا الأبطال والآلهة التى تحدث عنها شعراؤهم، فإنهم بعد أن رأوا قيامة المخلّص, فيجب عليهم أن يعترفوا أن تلك الآلهة كاذبة، وأن الرب وحده هو الإله الحق، كلمة الآب، وهو الذي يسود على الموت أيضًا.
7- ولأجل هذا السبب وُلِد وظهر كإنسان، ومات، وقام. وهو قد أظهر بأعماله التي غطّت على أعمال كل من سبقوه من البشر، أن أعمالهم ضعيفة. وحتى إذا انحرفوا إلى أية ناحية فإنه يستردهم من هناك ويعلّمهم عن أبيه الحقيقي، كما يقول عن نفسه: "أنا قد جئت لكى أطلب وأخلّص ما قد هلك".
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل السادس عشر​
1- فطالما أن فكر البشر قد انحط كلية إلى الأمور الحسيّة، فالكلمة أيضًا تنازل وأخفى نفسه بظهوره في جسد، لكى يجذب البشر إلى نفسه كإنسان، ويوجه إحساساتهم نحوه، ومن ثم إذ يتطلع إليه البشر كإنسان فإنهم بالأعمال التي يعملها يقتنعون إنه ليس مجرد إنسان, بل وإله أيضًا، وكلمة الإله الحقيقي وحكمته.
2- وهذا أيضًا هو ما قصده بولس الرسول عندما يقول: "وأنتم متأصلون ومتأسسون في المحبة, حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو الطول والعرض والعمق والعلو, وتعرفوا محبة المسيح الفائقة المعرفة, لكي تمتلئوا إلى كل ملء الله" .
3- لقد امتلأت كل الأشياء من معرفة الله بإعلان الكلمة نفسه في كل مكان, فوق وتحت، في العمق وفي العرض، أما "فوق" ففي الخليقة، و"تحت" بصيرورته إنساناً، وفي "العمق" بنزوله إلى الجحيم، وفي "العرض" أى في كل المسكونة. لقد امتلأ الكل من معرفة الله.
4- ولهذا السبب أيضًا فإنه لم يتمم ذبيحته عن الكل بمجرد مجيئه مباشرة، بتقديم جسده للموت ثم إقامته ثانية. لأنه لو فعل ذلك لجعل ذاته غير ظاهر، ولكنه صيّر نفسه ظاهرًا جدًا بتلك الأعمال التي عملها وهو في الجسد والمعجزات التي أظهرها، وبذلك صار معروفًا أنه ليس بعد مجرد إنسان فقط بل أنه هو الله الكلمة.
5- لأن المخلّص تمّم بتأنسه عمليتى المحبة: أولاً أنه أباد الموت من داخلنا وجدّدنا ثانية. ثانيًا أنه إذ هو غير ظاهر ولا منظور، فقد أعلن نفسه وعرّف ذاته بأعماله في الجسد، بأنه كلمة الآب، ومدّبر وملك الكون.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل السابع عشر​
1- لأنه لم يكن محصورًا في الجسد, كما قد يتوهم البعض, أو أنه بسبب وجوده في الجسد كان كل مكان آخر خاليًا منه، أو أنه بينما كان يحرّك الجسد كان العالم محرومًا من أفعال قدراته وعنايته. غير أن الأمر العجيب والمدهش جدًا هو أنه مع كونه هو الكلمة الذي لا يحويه شئ فإنه هو نفسه يحوي كل الأشياء. وبينما هو موجود في كل الخليقة فإنه بحسب جوهره هو متميز عن كل الخليقة, فهو حاضر في كل الأشياء بقدرته فقط، ضابطًا كل الأشياء ومظهرًا سيادته على كل شئ، وعنايته بكل شئ، وواهبًا الحياة لكل شئ. ومع أنه يحوي كل الأشياء ولا يحتويه شئ، إلاّ أنه كائن كلية في أبيه وحده.
2- وحتى مع وجوده في جسد بشري معطيًا الحياة له فقد كان من الطبيعي أن يمنح الحياة للكون كله في نفس الوقت, ومع كونه حاضرًا في كل جزء (من الخليقة بقدرته) فهو خارج كل شئ (بجوهره). وبينما صار معروفًا بأعماله التي عملها في الجسد فإنه كان في نفس الوقت ظاهرًا أيضًا بواسطة أعماله في الكون كله.
3- إن عمل النفس أن تدرك الأشياء الخارجة عن جسدها بأفكارها, ولكنها لا تستطيع أن تعمل خارج نطاق جسدها, أو أن تحرك الأشياء البعيدة عن جسدها. ولن يستطيع أى إنسان أن يحرك الأشياء البعيدة أو ينقلها بمجرد التفكير فيها, وأيضًا فأى إنسان لا يستطيع وهو جالس في بيته، بمجرد التفكير في الأجرام السماوية، أن يحرك الشمس أو يجعل السماء تدور، لكنه يرى أنها تتحرك وأنها قد وُجدت، دون أن يكون له أى قدرة للتأثير عليها.
4- أما كلمة الله فلم يكن كذلك في تجسده، إذ لم يكن مقيدًا بسبب الجسد، بل بالحرى كان يستخدم جسده، ولذلك فهو لم يوجد في الجسد فقط بل كان موجودًا بالفعل في كل شئ, وبينما كان خارج الكائنات فقد كان في أبيه وحده مستقرًا.
5- وهذا هو الأمر العجيب، أنه بينما كان يتصرف كإنسان كان ككلمة الله يُحيي كل الأشياء, وكابن كان كائنًا فى أبيه. ولذلك عندما ولَدَته العذراء لم يعتريه أي تغير (من جهة طبيعته الإلهية)، ولا تدّنس بحلوله في الجسد، بل بالعكس, فهو قدّس الجسد أيضًا.
6- ورغم وجوده في كل الأشياء, إلا أنه لم يستمد منها شيئًا، بل إن كل الأشياء تستمد منه الحياة وتعتمد عليه في بقائها.
7- أن كانت الشمس التي خلقها والتي نراها وهى تدور في السماء لا تتدنس عندما تلمس أشعتها الأجسام الأرضية، ولا تفقد نورها بسبب ظلمة هذه الأجسام، بل بالعكس تنيرها وتطهرها أيضًا؛ فبالأولى جدًا كلمة الله كليّ القداسة، خالق الشمس وربها، لا يتدنس بمجيئه في الجسد، بل لكونه عديم الفساد فقد أحيا الجسد المائت وطهّره، فهو الذى كُتب عنه: "الذي لم يفعل خطية ولا وُجدَ في فمه مكر".
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثامن عشر​
1- عندما يتحدث الكتّاب الموحى إليهم عنه أنه يأكل ويشرب وأنه وُلِد، فإنهم يقصدون أن الجسد كجسد وُلِد واقتات بالطعام المناسب لطبيعته. أما الله الكلمة نفسه الذى كان متحدًا بالجسد فإنه يضبط كل الأشياء, وكل أعماله التي عملها وهو في الجسد تظهر أنه لم يكن إنساناً فقط بل كان أيضاً الله الكلمة. وأما هذه الأمور فإنها تُذكَر عنه لأن الجسد الذي أكل ووُلِد وتألم لم يكن جسد أحد آخر، بل كان جسد الرب نفسه. ولأنه صار إنساناً كان من المناسب أن تُقال عنه هذه الأمور كإنسان, حتى يتبين أنه أخذ جسدًا حقيقيًا لا خياليًا.
2- وكما أنه بواسطة هذه الأمور عُرِفَ حضوره جسديًا, كذلك بواسطة الأعمال التي عملها في الجسد أعلن نفسه أنه ابن الله, لهذا نراه ينادى اليهود غير المؤمنين قائلاً: "إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي، ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالأعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فيّ وأنا فيه".
3- وكما أنه غير منظور يُمكن أن يُعرَف من خلال أعماله في الخليقة، هكذا أيضًا عندما تأنس. فبينما هو غير منظور (بلاهوته) إلاّ أنه يمكن أن يُعرَف من خلال أعماله التى عملها في الجسد أن مَن يستطيع أن يعمل هذه الأعمال لا يمكن أن يكون إنساناً فقط بل هو قوة الله وكلمته.
4- فأمرُه للأرواح الشريرة وخروجها في الحال لا يمكن أن يكون عمل إنسان بل عمل الله. ومن ذا الذي يراه وهو يشفي الأمراض التي يخضع لها الجنس البشري ويستمر في ظنه عنه أنه إنسان وليس إلهًا؟ فقد طهّر البرّص، وجعل العرج يمشون، والصم يسمعون، والعمي يبصرون، وبالإجمال طردَ من البشر كل مرضٍ وكل ضعف. من هذه الأعمال كلها كان ممكنًا لأي إنسان بسيط أن يعرف إلوهيته. وأيضًا من ذا الذي يراه يرد للإنسان ما كان ينقصه منذ ولادته مثلما فتح عيني الأعمى منذ ولادته، ولا يدرك أن طبيعة البشر كانت خاضعة له وأنه هو خالقها وصانعها؟ لأن من يرد للإنسان ما كان ينقصه منذ ولادته لابد أن يكون هو رب وسيد تكوين البشر.
5- ولهذا فإنه وهو نازل إلينا كوّن لنفسه جسدًا من عذراء لكي يقدم للجميع دليلاً قويًا على إلوهيته, حيث إن الذي صوّر هذا الجسد هو صانع جميع الأشياء. لأن من ذا الذي يرى جسدًا يأتي من عذراء وحدها بدون رجل ولا يُدرك أن من ظهر في هذا الجسد لابد أن يكون هو صانع ورب باقي الأجساد أيضًا؟
6- أو من ذا الذي يرى تغيير طبيعة المياه وتحولها إلى خمر ولا يُدرك أن من فعل هذا هو سيد طبيعة هذه المياه وخالقها؟ ولأجل هذا دخل إلى البحر كسيّد له ومشى عليه كما على أرض يابسة لكى يقدم لكل من يراه برهانًا على سلطانه على كل الأشياء. وعندما أشبع جمعًا غفيرًا من طعام قليل، وقدّم لهم الكثير من لا شئ، فأطعم خمسة آلاف نفس من خمسة أرغفة وشبعوا وفضل عنهم الكثير، ألم يظهر ذاته أنه لم يكن آخر سوى الرب نفسه المعتني بالجميع؟
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل التاسع عشر​
1- لقد رأى المخلّص أنه حسن أن يفعل كل هذا، حتى بعدما عجز البشر أن يدركوه في عنايته بالكون ولم يفهموا أنه الإله من خلال أعماله في الخليقة فإنهم على الأقل يستطيعون, بمشاهدتهم أعماله في الجسد, أن يستردوا بصيرتهم ويعرفوا الآب عن طريقه, ومن عنايته بأبسط الأمور يتبينوا بالقياس عنايته بكل الأشياء كما سبق القول.
2- فمن ذا الذي يرى سلطانه على الأرواح النجسة، أو من ذا الذي يرى الأرواح النجسة تعترف بأنه هو سيدها، ويساوره الشك بعد ذلك في أنه هو ابن الله وحكمته وقوته؟
3- لأنه جعل حتى الخليقة نفسها تخرج عن صمتها، فالأمر العجيب أنه في موته، أو بالحرى في انتصاره على الموت وهو على الصليب، اعترفت كل الخليقة بأن من ظهر وتألم في الجسد لم يكن مجرد إنسان بل ابن الله ومخلّص الجميع, فالشمس توارت، والأرض تزلزلت، والجبال تشققت، وارتعب كل البشر. كل هذه الأمور أوضحت أن المسيح الذي على الصليب هو الله، وأن الخليقة كلها خاضعة كعبد له، وأنها شهدت برعبها لحضور سيدها. وهكذا أظهر الله الكلمة نفسه للبشر بأعماله.
4- على أنه لابد بعد ذلك أن نروي ونتحدث عن الهدف الذي من أجله جاء وعاش فيما بيننا بالجسد، وعن كيفية موت جسده، حيث إن هذا الأمر هو أساس إيماننا، وهو يشغل أذهان جميع الناس حتى تعرف ويتضح لك يقينًا، بواسطة ما نقدمه، أن المسيح هو الله وابن الله.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل العشرون​
1- لقد تحدثنا وباختصار على قدر المستطاع وبقدر ما أمكننا فهمه عن سبب ظهوره فى الجسد، وأنه لم يكن ممكنًا أن يحول الفاسد إلى عدم الفساد إلا المخلّص نفسه، الذى خلق منذ البدء كل شئ من العدم. ولم يكن ممكنًا أن يعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلاّ الذى هو صورة الآب. ولم يكن ممكنًا أن يجعل الإنسان المائت غير مائت إلاّ ربنا يسوع المسيح الذى هو الحياة ذاتها.
ولم يكن ممكنًا أن يُعلّم البشر عن الآب ويقضى على عبادة الأوثان إلا الكلمة الذى يضبط كل الأشياء، وهو وحده الابن الوحيد الحقيقي.
2- ولما كان من الواجب وفاء الدين المستحق على الجميع، كما بيّنا سابقًا كان الجميع مستحقين الموت، فلأجل هذا الغرض جاء المسيح بيننا. وبعدما قدّم براهينًا كثيرة على إلوهيته بواسطة أعماله فى الجسد فإنه قدّم ذبيحته عن الجميع، فأسلم هيكله للموت عوضًا عن الجميع، أولاً لكى يبرّرهم ويحررهم من المعصية الأولى، وثانيًا لكي يثبت أنه أقوى من الموت، مظهرًا ذات جسده أنه عديم الفساد، وأنه باكورة لقيامة الجميع.
3- ولا تتساءل إن كنا نكرر ما نقوله عند الحديث عن نفس الموضوعات، فطالما نحن نتحدث عن مشورة الله الصالحة من جهتنا, فيجب علينا أن نشرح المعنى الواحد بطرق عديدة، حتى لا يبدو كأننا تركنا أى شئ بدون تفسير، فنُتهم بالتقصير أو بالعجز في معالجتنا لأمور هامة كهذه. لأنه من الأفضل لنا أن نُتهم ونُنتقد بسبب التكرار من أن نترك أى شئ كان يجب أن نعرضه بوضوح.
4- فالكون جسده من طبيعة البشر ذاتها, لأنه كان جسدًا بشريًا, حتى إن كان قد أُخذ من عذراء فقط بمعجزة فريدة, لكن لأنه كان قابلاً للموت لذلك كان لابد أن يموت كسائر البشر نظرائه. غير أنه بفضل اتحاده بالكلمة فإنه لم يعد خاضعًا للفساد الذى بحسب طبيعته، بل بسبب كلمة الله الذى حلّ فيه فإن الفساد لم يلحق به.
5- وهكذا تم فعلان متناقضان فى نفس الوقت, الأول هو أن موت الجميع قد تم فى جسد الرب, والثانى هو أن الموت والفساد قد أبيدا من الجسد بفضل اتحاد الكلمة به. فلقد كان الموت حتميًا، وكان لابد أن يتم الموت نيابة عن الجميع لكى يوفى الدين المستحق على الجميع.
6- ولهذا وكما ذكرتُ سابقًا طالما أن الكلمة كان من غير الممكن أن يموت، إذ أنه غير مائت، فقد أخذ لنفسه جسدًا قابلاً للموت, حتى يمكن أن يقدمه كجسده نيابة عن الجميع، حتى إذا ما تألم عن الكل باتحاده بالجسد فإنه يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت, أى إبليس, ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الحادى والعشرون​
1- والآن إذ قد مات مخلّص الجميع نيابة عنا, فإننا نحن الذين نؤمن بالمسيح لن نموت (بحكم) الموت الذى كان سابقًا حسب وعيد الناموس, لأن هذا الحكم قد أُبطل؛ وبما أن الفساد قد بَطُل وأُبيدَ بنعمة القيامة, فإننا من ذلك الوقت, وبحسب طبيعة أجسادنا المائتة ننحلّ فى الوقت الذى حدده الله لكل واحد، حتى يمكن أن ننال قيامة أفضل.
2- لأننا كالبذور التى تُلقى فى الأرض, هكذا نحن لا نفنى عندما ننحلّ بالموت، بل نُزرع فى الأرض لنقوم ثانية، بما أن الموت قد أبيد بنعمة قيامة المخلّص. لهذا إذن أخذ المغبوط بولس على عاتقه تأكيد القيامة للجميع إذ يقول: "لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد ولبس هذا المائت عدم موت فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة: اْبتُلِعَ الموت إلى غلبة. أين شوكتك يا موت … أين غلبتك يا هاوية ".
3- وربما يتساءل أحد إن كان لابد أن يُسلِّم جسده للموت نيابة عن الجميع، فلماذا لم يضع هذا الجسد كأى إنسان عادى بدلاً من أن يأتى به إلى موت الصليب علنًا؟ فقد كان أكثر لياقة له أن يُسلِّم جسده بكرامة بدلا من أن يحتمل موتًا مشينًا كهذا.
4- ولكن لابد أن نتنبه أن هذه الاعتراضات هى اعتراضات بشريّة, أما ما فعله المخلّص فهو حقًا عمل إلهي ولائق بلاهوته لأسباب كثيرة. أولاً إن الموت الذى يصيب البشر عادة يأتيهم بسبب ضعف طبيعتهم, وإذ هم لا يستطيعون البقاء لزمن طويل فإنهم ينحلون في الزمن. وبسبب هذا أيضًا تنتابهم الأسقام فيمرضون ويموتون. أما الرب فإنه ليس ضعيفًا بل هو قوة الله، وكلمة الله، وهو الحياة عينها.
5- ولو أنه وضع جسده (للموت) فى مكان خاص وعلى فراش كما يموت البشر عادة, لكان الناس قد ظنوا أنه ذاق ذلك (الموت) بسبب ضعف طبيعته، ولظنوا أيضًا أنه لم يكن فيه ما يميّزه عن سائر البشر. أما وأنه هو الحياة وكلمة الله، وكان من المحتم أن يتم الموت نيابة عن الجميع، لهذا ولأنه هو الحياة والقوة فقد نال الجسد منه قوة.
6- هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما دام للموت لابد أن يتم فإنه لم يَسعَ بنفسه إلى الفرصة التى بها يتمم ذبيحته. لأنه لم يكن لائقًا أن يمرض الرب وهو الذى يشفى أمراض الآخرين. ولم يكن لائقًا أيضًا أن يضعف ذلك الجسد الذى به قَوّى ضعفات الآخرين.
7- ولماذا إذن لم يمنع حدوث الموت كما منع المرض من أن يسيطر (على الجسد)؟ ذلك لأنه لأجل هذا (الموت) اتخذ الجسد، ولم يكن لائقاً أن يمنع الموت لئلا تتعطل القيامة أيضاً. ولم يكن لائقًا أيضًا أن يسبق المرض موته لئلا يُظن أن ذاك الذى كان في الجسد كان ضعيفًا. ألم يعان الجوع إذن؟ نعم إنه جاع بسبب أن (الجوع) هو من خواص جسده، على أن (هذا الجسد) لم يهلك من الجوع, لأن الرب لبس هذا الجسد لهذا فإنه وإن كان قد مات لأجل فداء الجميع، لكنه لم ير فسادًا. فقد قام جسده سليمًا تمامًا, إذ لم يكن سوى جسد ذاك الذي هو الحياة عينها.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثانى والعشرون​
1- وقد يقول أحد: كان من الأفضل أن يختفي من مؤامرات اليهود لكى يحفظ جسده كلية من الموت, فليسمع مثل هذا أن ذلك الأمر أيضًا لم يكن لائقًا بالرب. لأنه كما لم يكن لائقًا بكلمة الله وهو الحياة أن يُوقِع الموت على جسده بنفسه، كذلك لم يكن لائقًا أن يهرب من الموت الذى يوقعه الآخرون عليه، بل بالحرى أن يتعقبه حتى يقضى عليه. ولهذا السبب فإنه بطبيعة الحال لم يسلّم جسده من تلقاء نفسه، كما أنه لم يتهرب من مؤامرات اليهود ضده.
2- وهذا لم يُظهِر أن الكلمة ضعيف، بل بالحرى بيّن أنه هو المخلّص وهو الحياة، إذ إنه أولاً انتظر إلى أن يأتيه الموت ليبيده, وثانيًا عندما قُدِّمَ إليه الموت فإنه عجّل بإتمامه لأجل خلاص الجميع.
3- وفضلاً عن ذلك فإن المخلّص لم يأتِ لكى يتمم موته هو بل موت البشر، لذلك لم يضع جسده ليموت بموت خاص به، بل قَبِل في الجسد ذلك الموت الذى أتاه من البشر لكى يبيد ذلك الموت تمامًا عندما يلتقى به في جسده.
4- وهناك اعتبارات أخرى تجعل المرء يدرك لماذا كان يليق بجسد الرب أن يتمم هذه الغاية, لأن الرب كان مهتمًا بصفة خاصة بقيامة الجسد التى كان مزمعًا أن يتممها، إذ أنها دليل أمام الجميع على انتصاره على الموت، ولكى يؤكد للكل أنه أزال الفساد، وأنه منح أجسادهم عدم الفساد من ذلك الحين فصاعدًا. وكضمان وبرهان على القيامة المُعَدّة للجميع فقد حفظ جسده بغير فساد.
5- ومرة أخرى نقول لو أن جسده كان قد مات نتيجة تعرضه للمرض وانفصل عنه الكلمة أمام نظر الجميع لكان غير لائق بمن شفى أمراض آخرين أن يترك جسده يموت بسبب المرض. فكيف يُصدّق المرء أنه كان يشفى أمراض الآخرين إن كان هيكله الخاص قد تعرض للمرض؟ لأنه إما أن يُهزَأ به كأنه غير قادر على شفاء الأمراض، أو إن كان قادرًا ولم يفعل شيئًا (لحفظ جسده) فيُظن أنه عديم الشفقة على الآخرين أيضًا.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الثالث والعشرون​
1- وحتى ولو لم يكن به أي مرض أو وجع، وافترضنا أنه هو نفسه قام بإخفاء جسده "فى زاوية" أو فى صحراء أو منزل، أو أي مكان آخر، ثم بعد ذلك ظهر فجأة قائلاً أنه قام من بين الأموات، وتراءى للجميع أنه يتكلم بكلام هذيان, ولَمَا صدقوا ما قاله عن القيامة، لأنه لم يكن هناك أي شاهد على موته.
فالموت لابد أن يسبق القيامة، لأنه لا يمكن أن تكون هناك قيامة ما لم يسبقها موت. فلو أن موت جسده كان قد حدث سرًا في أى مكان ولم يكن الموت ظاهرًا، ولم يحدث أمام شهود، لكانت قيامته أيضًا مخفيّة ولا يوجد دليل عليها.
2- ولماذا يجعل موته سرًا إن كان بعد ما قام أعلن قيامته جهارًا؟ أو إن كان قد طرد الشياطين أمام الجميع وجعل الأعمى منذ ولادته يستعيد بصره، وحوّل الماء إلى خمر، حتى بواسطة هذه الآيات يؤمن الجميع أنه كلمة الله؛ فلماذا لا يُظهِر أمام الجميع عدم فساد جسده الذى كان قابلاً للموت، لكى يؤمن الجميع أنه هو "الحياة"؟
3- وكيف يكون لتلاميذه الجسارة على أن يتكلموا عن القيامة إن كانوا لا يستطيعون أن يقولوا إنه مات أولاً؟ أو كيف يمكن أن يصدق أحد قولهم إن الموت حدث أولاً ثم بعد ذلك القيامة لو لم يكن هناك شهود على موته من بين الذين يكلمونهم؟
4- لأنه رغم أن موته وقيامته قد حدثا أمام الجميع فإن الفريسيين حينئذ لم يؤمنوا، بل أجبروا حتى أولئك الذين رأوا القيامة أن ينكروها. فلو أن هذه الأمور حدثت سرًا فما أكثر الحجج التى كانوا سيخترعونها ليبرّروا بها عدم إيمانهم!
5- وكيف كان يمكن تقديم البرهان على إبطال الموت والانتصار عليه لو لم يكن قد واجه الموت أمام أعين الجميع وأظهر أنه ميت، وأنه سيتلاشى كلية في المستقبل، وذلك بواسطة عدم فساد جسده؟
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الرابع والعشرون​
1- ومن الضروري أن نردّ مقدمًا على ما يمكن أن يعترض به الآخرون. فقد يقول قائل: لو كان لابد أن يحدث موته أمام أعين الجميع وبشهادة شهود، لكى يُصدَّق خبر قيامته، لكان من الأفضل على أي حال أن يخطّط لنفسه موتًا مجيدًا، لكى يهرب على الأقل من عار الصليب.
2- ولكن حتى لو فعل هذا لأعطى فرصة للتشكك فى شخصه، وكأنه لا يقوى على كل أشكال الموت, بل فقط على الموت الذى اختاره بنفسه، ولكان هذا حجة لعدم الإيمان بالقيامة أيضًا. وهكذا أتى الموت إلى جسده، ليس بتدبيره هو بل بمشورة أعدائه، حتى أن أى شكل من أشكال الموت يأتون به إلى المخلّص يستطيع هو أن يبيده كلية.
3- وكما أن المصارع النبيل العظيم فى المهارة والشجاعة لا يختار خصومه بنفسه، لئلا يُشك أنه يخشى مواجهة بعضٍ منهم، بل يترك الأمر لاختيار المشرفين على المباراة, لاسيما لو كانوا أعداءً له، حتى إن أي مصارع يضعونه هم أمامه ينتصر هو عليه؛ وبهذا يؤمنون بأنه فاق الجميع. هكذا الحال أيضاً مع ربنا ومخلّصنا المسيح، حياة الكل، فإنه لم يختر لجسده موتًا معينًا، لكى لا يبدو وكأنه يخشى شكلاً آخر للموت؛ فالموت الذى قَبِلَه واحتمله على الصليب قد أوقعه عليه آخرون, الذين هم أعداؤه، ظانين أن هذا الموت مرعب ومهين ولا يمكن احتماله, لكن المسيح أباد هذا الموت، فآمن الجميع أنه هو الحياة، الذي به تتم إبادة سلطان الموت كلية.
4- وهكذا حدث أمر عجيب ومذهل, لأن الموت الذى أوقعوه عليه ظانين أنه موت مهين, حوّله هو إلى علامة للنصرة على الموت ذاته. ولهذا فإنه لم يمت موت يوحنا بقطع الرأس، ولا مات موت إشعياء بنشر الجسد، وذلك لكى يحفظ جسده غير منقسم وصحيحًا تمامًا حتى فى موته، وحتى لا تكون هناك حجة لأولئك الذين يريدون أن يقسّموا الكنيسة
(برهان أن فكرة تقسيم الكنيسة كانت منذ عهد القديس اثناسوس- ميشيل).
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل الخامس والعشرون​
1- وهذا يكفى للرّد على الذين هم من خارج, الذين يحشدون المجادلات ضدنا. ولكن لو أراد أحد من شعبنا أن يسأل, لا حبًا فى الجدل, بل حبًا فى التعلّم: لماذا لم يمت بأى شكل آخر غير الصليب، فهذا أيضًا نخبره بأنه لم تكن هناك طريقة أخرى نافعة لنا سوى هذه، وأنه كان أمرًا حسنًا أن يحتمل الرب هذا الموت من أجلنا.
2- لأنه إن كان قد جاء ليحمل اللعنة الموضوعة علينا، فكيف كان ممكنًا أن (يصير لعنة) بأى طريقة أخرى ما لم يكن قد قَبِلَ موت اللعنة الذى هو (موت) الصليب؟ لأن هذا هو المكتوب: "ملعون كل من عُلق على خشبة".
3- وإضافة إلى ذلك، إن كان موت الرب هو فدية عن الجميع, وبواسطة موته هذا نقض "حائط السياج المتوسط" وصارت الدعوة لجميع الأمم، فكيف كان ممكنًا أن يدعونا إليه لو لم يكن قد صُلِبَ؟ لأنه على الصليب وحده يمكن أن يموت إنسان باسطًا ذراعيه. لهذا كان لائقا بالرب أن يحتمل هذا الموت ويبسط ذراعيه، لكى بأحدهما يجتذب الشعب القديم وبالذراع الأخر يجتذب الذين هم من الأمم، ويوّحد الاثنين فى شخصه.
4- لأن هذا ما قاله هو نفسه عندما كان يشير إلى المِيتَة التى كان مزمعًا أن يفدى بها الجميع إذ قال: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع".
5- وأيضًا إن كان الشيطان عدو جنسنا إذ قد سقط من السماء يجول فى أجوائنا السفلية ويتسلط فيها على الأرواح الأخرى المماثلة له فى المعصية، ويحاول أن يخدع الذين تغويهم هذه الأرواح كما أنه يعوق الذين يرتفعون إلى فوق، وعن هذا يقول الرسول: "حسب رئيس سلطان الهواء، الروح الذى يعمل الآن فى أبناء المعصية"، فإن الرب قد جاء ليطرح الشيطان إلى أسفل، ويطهّر الهواء ويُعِدّ لنا الطريق الصاعد إلى السماء كما يقول الرسول: "بالحجاب أى جسده"، وهذا يلزم أن يتم بالموت. فبأى نوع آخر من الموت كان ممكنًا أن يتم هذا إلاّ بالموت الذى تم فى الهواء، أى (موت) الصليب؟ فإن الذى يموت بالصليب هو وحده الذى يموت (معلقًا) فى الهواء. ولذلك كان لائقًا جدًا بالرب أن يموت بهذه الطريقة.
6- لأنه إذ رُفع هكذا فقد طهّر الهواء من كل خبث الشيطان وكل الأرواح النجسة كما يقول: "رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء", وافتتح طريقًا جديدًا للصعود إلى السماء كما هو مكتوب: "ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم وارتفعي أيتها الأبواب الدهرية". فلم يكن الكلمة نفسه هو المحتاج لانفتاح الأبواب إذ هو رب الكل, فلم تكن مخلوقاته مغلقة في وجهه وهو الذي خلقها, بل نحن الذين كنا فى احتياج إلى ذلك (أى إلى انفتاح الأبواب)، نحن الذين حملنا فى ذات جسده. لأنه كما قدّم جسده للموت عن الجميع، هكذا، بنفس هذا الجسد أيضًا، أعدّ الطريق للصعود إلى السموات.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل السادس والعشرون
1- إذًا فقد كان الموت من أجلنا على الصليب لائقًا وملائمًا, وقد اتضح أن سببه كان معقولاً من جميع الوجوه، ومن الحق أن يُقال إنه لم تكن هناك طريقة أخرى يتحقق بها خلاص الجميع سوى الصليب. لأنه حتى على الصليب فإنه لم يجعل نفسه مختفيًا, بل بالحرى فإنه جعل الطبيعة تشهد لحضور خالقها، وبعد ذلك لم يَدَع هيكل جسده يظل وقتًا طويلا ميتًا، إلاّ بالقدر الذى أظهر فيه أن الجسد مات باحتكاك الموت به، ثم أقامه حالا فى اليوم الثالث، حاملا عدم الفساد وعدم التألم اللذين حصلا لجسده، كعلامة للظفر والانتصار على الموت.
2- ولقد كان يستطيع أن يقيم جسده بعد الموت مباشرة، ويظهره حيًا، ولكن المخلّص بحِكمَة وبُعد نظر لم يفعل ذلك, لأنه لو كان قد أظهر القيامة فى الحال لكان من المحتمل أن يقول أحدهم إنه لم يمت بالمرة, أو إن الموت لم يلمسه بشكل كامل.
3- وربما لو كانت القيامة قد حدثت فى اليوم التالي للموت مباشرة لما ظهر مجد عدم فساد جسده. ولذلك فلكي يتأكد موت الجسد فإن الكلمة أبقاه يومًا آخر، وفى اليوم الثالث أظهره عديمَ الفساد أمام الجميع.
4- إذًا فلكى يتأكد موت الجسد لذلك أقامه في اليوم الثالث.
5- ولكن لو أنه أقام الجسد بعد أن بقى فترة طويلة، وبعد أن يكون قد فسد تمامًا، فقد يُشَك فيه كأنه قد استبدل جسده بجسد آخر. لأن الإنسان بمرور الزمن قد يشك فيما سبق أن رآه، وينسى ما قد حدث فعلاً. لهذا السبب فإن الرب لم ينتظر أكثر من ثلاثة أيام، كما أنه لم يترك الذين سبق فأخبرهم عن القيامة معلقين لفترة طويلة.
6- ولكن بينما كانت أقواله لا تزال ترن فى آذانهم، وكانت عيونهم لا تزال في حالة توقع وعقولهم معلّقة حائرة، وإذ كان الذين قتلوه لا يزالون أحياءً على الأرض وفى نفس المكان، ويمكن أن يشهدوا بموت جسد الرب؛ فإن ابن الله نفسه, بعد فترة ثلاثة أيام, أظهر جسده الذى كان قد مات غير مائت وعديم الفساد. وقد اتضح للجميع أن الجسد قد مات ليس بسبب أي ضعف فى طبيعة الكلمة الذى اتحد بالجسد، بل لكى يُباد الموت فيه (في الجسد) بقوة المخلّص.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الفصل السابع والعشرون​
1- إن كان كل تلاميذ المسيح يزدرون بالموت, وجميعهم يواجهونه بقوة، ولم يعودوا بعد يخشونه، بل بعلامة الصليب وبالإيمان بالمسيح يطأونه كميت، فإن هذا برهان غير قليل، بل بالحرى دليل واضح على أن الموت قد أُبيد وأن الصليب قد صار هو الغلبة عليه، وأن الموت لم يَعُد له سلطان بالمرة, بل قد مات حقًا.
2- فقديما، قبل المجىء الإلهي للمخلّص، كان الموت مرعبًا حتى بالنسبة للقديسين، وكان الجميع ينوحون على الأموات كأنهم هلكوا. أما الآن، وبعد أن أقام المخلّص جسده، لم يعد الموت مخيفًا, لأن جميع الذين يؤمنون بالمسيح يدوسونه كأنه لا شئ، بل بالحرى يُفضّلون أن يموتوا على أن ينكروا إيمانهم بالمسيح، لأنهم يعرفون بكل يقين أنهم حينما يموتون فهم لا يفنون بل بالحرى يحيون عن طريق القيامة ويصيرون عديمي فساد.
3- أما ذلك الشيطان الذى بخبثه فرح قديمًا بموت الإنسان, فإنه الآن وقد نُقِضت أوجاع الموت، فالوحيد الذى يبقى ميتًا حقًا هو الشيطان، والبرهان على هذا هو أن الناس قبل أن يؤمنوا بالمسيح كانوا يرون الموت مفزعًا ويجبنون أمامه، ولكنهم حينما انتقلوا إلى إيمان المسيح وتعاليمه فإنهم صاروا يحتقرون الموت احتقارًا عظيمًا, لدرجة أنهم يندفعون نحوه بحماس ويصبحون شهودًا للقيامة التى انتصر بها المخلّص عليه. إذ بينما لا يزالون صغار السن فإنهم يدرّبون أنفسهم بجهادات ضد الموت، مسرعين إليه، ليس الرجال منهم فقط بل والنساء أيضًا. وقد صار الشيطان ضعيفًا, حتى أن النساء اللواتي انخدعن منه قديمًا، فإنهن الآن يسخَرون منه كميت وعديم الحركة.
4- وكما يحدث حينما يهزم ملك حقيقي طاغية ويربط يديه ورجليه، فحينئذ يهزأ به كل العابرين، ويضربونه ويزدرون به ولا يعودون يخافون غضبه ووحشيته، بسبب الملك الذى غلبه، هكذا الموت أيضًا إذ قد هزمه المخلّص وشهّر به على الصليب وربط يديه ورجليه، فإن جميع الذين هم فى المسيح، إذ يعبرون عليه، فإنهم يدوسونه وفى شهادتهم للمسيح يهزأون به، ويسخرون منه، مردّدين ما قد قيل عنه فى القديم: "أين غلبتك يا موت، أين شوكتك يا هاوية"
 
أعلى