تفسير إنجيل القديس يوحنا للأب متى المسكين

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
34- لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ يَتَكَلَّمُ بِكلاَمِ اللَّهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْلٍ يُعْطِي اللَّهُ الرُّوحَ.

‏إن برهان صدق الله مختوم به على كل ما يقول المسيح ويعمل، والله أرسله محملاً برسالة روحية تفيض بآيات وكلام الحياة: «يارب إلى من نذهب. كلام الحياة الآبدية عندك» (يو68:6‏). ويكفي لأي إنسان أن يعرف أن كل ما قاله المسيح ونطق به هو هو «كلام الله» نصاً وروحاً. ولكن ليس كأجزاء، إنما كرسالة كلية كاملة هي رسالة الله.
‏لكل الأنبياء كان الله يعطي الروح بمقياس ومكيال مجزءاً ومقسطاً تقسيطاً على قدر ما يتحمل روح النبي وعلى قدر ما يتحتل السامع واحتمالات الظرف. أما للمسيح فبلا كيل ولا قسط يعطي الله الروح، بل إلى كل ملء الروح والله. لأن قياس ملء المسيح هو قياس الله. ومقباس ملء الآب والابن هو الحب.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
35- اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ.

‏المعمدان ليس غريباً عن حقيقة الآب والابن. لقد كان أول من أعلن عن هذا السر في العهد الجديد قاطبة، وأول من شهد له: «وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله» (يو34:1‏)؛ بل وأول من وثق وثيقة منظورة من الآب للابن وقت العماد حينما حل الروح القدس على هيئة حمامة استقرت فوق المسيح. فعلم للحال وللتو أن هذا هو الذي سيعمد بالروح القدس، وأنه قد استؤمن عل كل ما للآب.
«كل شيء»: دُفع له الحياة الأبدية بكل أسرارها والدينونة في المقابل، دُفع له سلطانه الخاص مع اسمه الخاص، دُفع له كل النعمة وكل الحق, أعطاه كل ما له وبلا حدود.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
36- الَّذِي يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ والَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالاِبْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً
بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ»

المعمدان أٌعطي له بصورة فريدة أن يطلع على الصورة النبوية للمسيح كما كانت في ذهن موسى في التوراة, وفي نفس الوقت يرى ويسمع شهادة الله عن ابنه؛ ثم يتقابل مع المسيح وجهاً لوجه فيتحقق من كل ما سمع ورأى. ففي توراة موسى كانت صورة المسيح، باعتباره النبي الآتي تحمل معها تهديداً واضحاً بالقطع من الحياة لكل من لا يسمع لصوت هذا النبي الآتي: «فإن موسى قال للآباء إن نبياً مثلي سيقيم لكم الرب إلهكم من إخوتكم له تسمعون في كل ما يكلمكم به, ويكون أن النفس التي لا تسمع لذلك النبي تباد من الشعب» (أع22:3-23). وقد تحقق المعمدان أول من تحقق من شخصية ذلك النبي المُقام أنه «ابن الله», وأنه موضوع مسرة الله, فتيقن أن الإيمان به هو حياة وأن رفضه هو عودة الانسان تحت قانون غضب الله على الذين لا يطيعون. لأن بحسب منطق المعمدان يكون أن الذين يؤمنون به يجعلون الله صادقاً, والذين لا يؤمنون يجعلون الله كاذباً. لأنهم لا يؤمنون بشهادة الله عن ابنه. فهنا تنشأ الخصومة بين الإنسان والله، فعدم الإيمان بالابن هو بنوع ما تعدى على صدق الله بما يحتمل العداوة ضد الحق. ها يدخل الإنسان نفسه كمقاو لتدبير الله ومعطل لعمله: «شاول شاول لماذا تضطهدني... صعب عليك أن ترفس مناخس.» (أع4:9-5)

تعقيب على شهادة المعمدان
‏نحن مدينون إلى علاقة القديس يوحنا الرسول الصميمة بالمعمدان، فهو كان من تلاميذه المتقدمين قبل أن ينضم إلى تلمذة المسيح، فبسبب هذه العلاقة التي تربطه بالمعمدان وتلاميذه، وهم زملاء القديس يوحنا القدامى، استطاع أن يتعرف على أدق وأكثر الحركات سراً التي جرت بين تلاميذ المعمدان واليهود من ناحية، وبين هؤلاء التلاميذ والمعمدان من جهة أخرى؛ لأن كل أقوال المعمدان التي تسجلت في إنجيل يوحنا في هذا الأصحاح هي من التعاليم هى من التعاليم السرية الخاصة التي باح بها المعمدان لتلاميذه ليضعهم في الموضع الصحيح بالنسبة لرسالة المسيح وشخصه. ولكن للأسف لم يكن هؤلاء التلاميذ المعمدانيون على مستوى نور معلمهم ورسالته؛ إذ قد استهوتهم رسالة النسك الدقيقة والصارمة التي اختطها لهم معلمهم: «لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون» (مر18:3). وتمادوا فيها بعد موته وكونوا لأنفسهم شيعة رفعت من المعمدان ونسكه وتعاليمه ونصبت نفسها عدواً لرسالة المسيح.

تم الأنتهاء من التفسير حتى الإصحاح الثالث
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
الإصحاح الرابع


فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا, مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تلاَمِيذُهُ. تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أَيْضاً إِلَى الْجَلِيلِ. وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ. فَأَتَى إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَارُ بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي وَهَبَهَا يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِهِ. وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ جَلَسَ هَكَذَا عَلَى الْبِئْرِ وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ. فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ». لأَنَّ تلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَاماً. فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ. أَجَابَ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟ أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟». أَجَابَ يَسُوعُ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً. وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هَذَا الْمَاءَ لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا». أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَناً قُلْتِ لَيْسَ لِي زَوْجٌ. لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ والَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هَذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ!. آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا الْجَبَلِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ - لأَنَّ الْخلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ. وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللَّهُ رُوحٌ. والَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ». وَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تلاَمِيذُهُ وَكَانُوا يَتَعَجَّبُونَ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: مَاذَا تَطْلُبُ أَوْ لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا. فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ:. «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟». فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ. وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ: «يَا مُعَلِّمُ كُلْ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لِآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». فَقَالَ التّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَداً أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟» قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. أَمَا تَقُولُونَ إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. والْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعاً. لأَنَّهُ فِي هَذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ». فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدّاً بِسَبَبِ كلاَمِهِ. وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كلاَمِكِ نُؤْمِنُ لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ». وَبَعْدَ الْيَوْمَيْنِ خَرَجَ مِنْ هُنَاكَ وَمَضَى إِلَى الْجَلِيلِ. لأَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ شَهِدَ أَنْ: «لَيْسَ لِنَبِيٍّ كَرَامَةٌ فِي وَطَنِهِ». فَلَمَّا جَاءَ إِلَى الْجَلِيلِ قَبِلَهُ الْجَلِيلِيُّونَ إِذْ كَانُوا قَدْ عَايَنُوا كُلَّ مَا فَعَلَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي الْعِيدِ لأَنَّهُمْ هُمْ أَيْضاً جَاءُوا إِلَى الْعِيدِ. فَجَاءَ يَسُوعُ أَيْضاً إِلَى قَانَا الْجَلِيلِ حَيْثُ صَنَعَ الْمَاءَ خَمْراً. وَكَانَ خَادِمٌ لِلْمَلِكِ ابْنُهُ مَرِيضٌ فِي كَفْرِنَاحُومَ. هَذَا إِذْ سَمِعَ أَنَّ يَسُوعَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ انْطَلَقَ إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ أَنْ يَنْزِلَ وَيَشْفِيَ ابْنَهُ لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفاً عَلَى الْمَوْتِ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ تُؤْمِنُونَ إِنْ لَمْ تَرَوْا آيَاتٍ وَعَجَائِبَ!». قَالَ لَهُ خَادِمُ الْمَلِكِ: «يَا سَيِّدُ انْزِلْ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنِي». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ». فَآمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ وَذَهَبَ. وَفِيمَا هُوَ نَازِلٌ اسْتَقْبَلَهُ عَبِيدُهُ وَأَخْبَرُوهُ قَائِلِينَ: «إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ». فَاسْتَخْبَرَهُمْ عَنِ السَّاعَةِ الَّتِي فِيهَا أَخَذَ يَتَعَافَى فَقَالُوا لَهُ: «أَمْسٍ فِي السَّاعَةِ السَّابِعَةِ تَرَكَتْهُ الْحُمَّى». فَفَهِمَ الأَبُ أَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ الَّتِي قَالَ لَهُ فِيهَا يَسُوعُ إِنَّ ابْنَكَ حَيٌّ. فَآمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ. هَذِهِ أَيْضاً آيَةٌ ثَانِيَةٌ صَنَعَهَا يَسُوعُ لَمَّا جَاءَ مِنَ الْيَهُودِيَّةِ إِلَى الْجَلِيلِ
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
مكان البشارة: السامرة

الحديث الذي ينقله لنا القديس يوحنا في هذا الأصحاح يعتبر من الأحاديث الهامة والنادرة، لأنه حديث مثخمي جدأ ومطق ل مع فرد » امرأة ، وقليلآ ما تحت ث المسيح عن خصوصيات إنان وانتهى به إل الإيمان بمثل هذه السرعة والرتابة والتدرج المبهر في الاستعلان عن ذاته . وعلى القارىء أن يربط بين مثل هذه الأحاديث النادرة وبين الغاية النهائية التي وضعها هذا الإنجيلي الملهم بالنسبة للقارىء مباشرة : «لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله ولكي تكون لكم إذا أمنتم حياة باسمه.» (يو31:20)
كانت العلاقات بين اليهود وأهل السامرة على مستوى من التعالي من جهة اليهود، والبغضة والعداوة من جهة السامريين، ربما كانت هي الواقع الذي جعل المسيح يركب هذا الصعب ويذلله لحساب محبة الأب نحو العالم، ونحو الملكوت المعد للبعيدين, لأننا نسمع في سفر الأعمال عن تشتت بعض التلاميذ وذهابهم إلى السامرة بعد حادثة قتل إسطفانوس على يدي شاول (بولس الرسول فيما بعد) وحدوث «اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل.» (أع1:8)
‏وهكذا صارت السامرة مكروهة الأمة اليهودية, ملجأ أمينأ لأول المسيحيين بفضل زيارة المسيح لهذا البلد وزرع بذرة الملكوت هناك. كذلك نسمع عن بعثة رسمية بقيادة فيلبس، أحد الشمامسة، قام بها في السامرة: «فانحدر فيلبس إلى مدينة من السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح. وكانت الجموع يصغون بنفس واحدة إلى ما يقوله فيلبس عند استماعهم ونظرهم الأيات التي صنعها. لأن كثيرين من الذين بهم أرواح نجسة كانت تخرج صارخة بصوت عظيم، وكثيرون من المفلوجين والعرج شفوا. فكان فرح عظيم في تلك المدينة» (أع5:8-8). بل ودخلت السامرة رسمياً في إيبارشية أورشليم تحت تدبير الرسل وعنايتهم الخاصة: «ولما سمع الرسل الذين في أورشليم أن السامرة قد قبلت كلمة الله أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا اللذين لما نزلا صليا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس. لأنه لم يكن قد حل بعد على أحد منهم غير أنهم كانوا معتمدين باسم ‏الرب يسوع. حينئذ وضعا الآيادي عليهم فقبلوا الروح القدس.» (أع14:8-17)
‏وهكذا كانت السامرة ذات موضع أثير عند القديس يوحنا. وكم شكر الله الذي أهل هذا الرسول القديس أن يكتب لنا سر قصة السامرة من البدء. فهو الوحيد الذي ألقى ضوء الإنجيل على هذا الشعب كاشفاً سر بدء نمو بذرة «حبة الخردل» التي ألقاها المسيح في قلب امرأة نصف أممية، فنبت حالاً الملكوت وتمهدت لأرجل بشارة الرسل، ليغرس الروح القدس في قلوب شعب اختاره الرب بعد أن نبذه اليهود والتاريخ.
‏وموضع قصة السامرة في تسلسل إنجيل القديس يوحنا محكم شديد الإحكام، يتبع مخططاً روحياً غاية في الإلهام. فالقارىء يذكر كيف افتقد الرب أول ما افتقد الشعب اليهودي الذي يعيد في حفلة عرس، وهناك أظهر العريس الحقيقي نفسه لشعب إسرائيل الذي كان قد فرغ منه خمر الحب والفرح والملكوت. فعالجه المسيح بأن حول تطهير الماء الذي لا ينفع ولا يشفع بخمر الحياة الجديدة الجيدة. ثم يذكر كيف افتقد الرب هيكله, وقام في وجه النظام الكهنوتي الذي ترك الحق والرحمة وانشغل بذبيحة البقر والغنم والحمام وتحويل الصلاة إلى مصدر رزق ولو بغير حلال؛ فأطلق سراح البقر والغنم ورفع الحمام من هناك ناقضاً التطهير بالذبائح، ومشيرأ إلى ذبيحته الوحيدة، التى أضمرها لإقامة هيكل جديد عوض القديم.
‏وبعدها يذكر القارىء أنه تقابل مع الناموس ممثلاً في شخص معلم إسرائيل نيقوديموس، الذي يمثل السنهدريم وكل طبقة المعلمين, وكيف قلب له نظام التعليم من أساسه, جاعلاً ملكوت الله رهن ولادة الإنسان من فوق من الماء والروح, حتى ولو كان قد شاخ في العلم والتعليم. وبعدها اصطنع مقابلة سريعة, دون تقابل, لخدمة المعمدان, قبل أن يختمها المعمدان بالسجن, ليوضح لتلاميذه المتعصبين للنسك والتطهير كأنه الباب الجديد للخلاص, مع أن زمن التطهيرات كان قد انتهى عندما انفتح الباب الوحيد للخلاص, ولا أحد قط يستطيع أن يغلقه أو يقلده.
‏وهكذا بعد أن تمت مقابلة الشعب في عرس، ومقابلة الكهنوت في هيكله, ومقابلة الناموس في معلمه, ومقابلة المعمودية «بالماء فقط» في عجزها النسكي؛ كان عليه أن يعطي لفتة لشعب غريب كان قد تجاوز في كل الأزمنة السالفة, مع إسرائيل شعب النور والمعرفة, فما عتم إلا أن ازداد عتامة، وتخبط بين أسفار موسى وأصول العبادة وبين هيكل أورشليم وهيكل جرزيم.
‏ما هي السامرة ومن هم السامريون؟: أما السامرة نفسها فكانت جزءاً لا يتجزأ من أرض فلسطين التي كانت مقسمة خاصة بعد العودة من السبي, وإلى الأن, إلى اليهودية والسامرة وإسرائيل (الجليل). وكانت مساحتها بحسب إذرزها العالم اليهودي المتنصر تبلغ 47 ‏ميل من الشمال إلى الجنوب وأربعين ميلا من الشرق للغرب، تحدها أرض اليهودية في الجنوب ونهر الاردن من الشرق, ومن الغرب سهل شارون (الذي كان يتبع اليهودية أيضاً), ومن الشمال الجليل عند سهل يزرعيل. أي أنها ورثت أرض منسى وأفرايم سبطي إسرائيل ليوسف.
‏وأرض السامرة أجمل وأخصب من أرض اليهودية. ولكن في أيام المسيح تقلصت وصارت لا تحتوي إلا على بعض مدن قليلة بجوار عاصمتها السامرة. والسامرة كعاصمة لاسرائيل مملكة الشمال بناها الملك عمري حوالي سنة 925 ق. م. وكان اسمها شمرون نسبة لصاحبها شامر(وانقلبت الشين سين حسب النطق العربي فصارت سامرة) الذي كان يملك الجبل كله وهو باسمه جبل شمرون: «في السنة الواحدة والثلاثين لآسا ملك يهوذا، ملك عمري على إسرائيل اثنتي عشرة سنة واشترى جبل السامرة (شمرون) من شامر صاحب جبل السامرة.» (امل23:16-25).
‏والسامرة دخلت في حرب طاحنة وخربت ثم عُمرت مرات ومرات، وكان يتبادل غزوها واحتلالها كل من مصر وسوريا مبتدئاً من زمن الملك شيشق سنة 918 ق.م، وهذه أول غزوة قامت بها مصر، وهي التي فيها أخلى فلسطين والهيكل من كل الذهب والتحف التي خلفها سليمان الملك. وفي إحدى غزوات أشور سبي شعبها على يد الملك شلمناصر الثالث ( أو سرجون) وذلك سنة 721 ق. م أيام عزيا الملك، الذي خان العهد مع آشور والتجأ إلى مصر للمعونة . وكانت النتيجة أن خربت البلاد عن آخرها, وسبي كل شعب مملكة إسرائيل في الشمال (سماريا)، وانمحى تاريخ إسرائيل منذ ذلك الوقت كمملكة في العالم.
‏ومدينة السامرة في أيام المسيح كانت بقرب المدينة شكيم التي عاش فيها الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب. والتي تخربت سنة 128 ق. م على يد يوحنا هركانوس، والتي بني عوضا عنها على بعد ميل ونصف مدينة أخرى، وصار اسها نابلس (وأصلها نيابوليس, أي المدينة الجديدة). وشكيم عاصمة السامرة سابقاً كانت إحدى مدن الملجأ الست في كل أرض الأسباط.
‏أما السامريون، وأصلاً كانوا يدعون «كتييم», فهم بقايا العشرة الأسباط الذين رحلوا إلى بلاد السبي على يد الملك الغازي شلمناصر(أو بحسب أبحاث كتابات الأثار: سرجون) سنة 721 ق. م والذين تزاوجوا من الوثنيين الذين أُرسلوا من أشور ليحلوا محل أهل البلاد، كذلك مع أهل الأرض القدامى، ولكن الدم اليهودي كان هو الغالب.
‏وأصل العداوة المرة التي نشأت بين اليهود واليهودية وأهل السامرة وأرضها، كان هو عملية الإصلاح التي قام بها نحميا وعزرا الكاهن في تصفية الدم اليهودي، وطرد كل من تزاوج من السامرة, وعدم السماح لأهل السامرة بالرغم من الإلحاح الشديد أن يسمح لهم بالمساعدة في بناء الهيكل أو أن ينضموا إلى اليهودية وعبادة أورشليم أو أن يلتحقوا بالسنهدريم، مما نتج عنه شعور بالبغضة لم ينطفىء أوزاره حتى اليوم. وذهبت العداوة إلى درجة القنص وقتل كل يهودي يعبر السامرة. ولكن هذه العداوة كانت تزداد وتخف من جيل إلى أخر.
ولكن عبادة السامريين كانت مبتورة بسبب قلة التعليم, مع أنهم كانوا يعيدون للفصح بذبح الخروف ويقيمون الشعائر والعبادة بدقة تفوق اليهود، وكذلك بحسب أسفار موسى الخمسة فقط التي احتفظوا منها بنسخة غاية في القدم يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 400 ق. م أيام نحميا وعزرا الكاهن، والتي تعتبر أحد مصادر البحث الهامة في المقارنات بين إلآيات. وكانوا يؤمنون بالقيامة, غير أن اليهود أنكروا عليهم هذا الإيمان وكانوا يعتبرونهم هراطقة. ولكن في أيام الحاخام شمعون بن غمالائيل معلم إسرائيل العظيم قرر أنهم يُحسبون إسرائيليين، وأن أرضهم ليست نجسة ولا طعامهم، بعكس رابي « يهوذا» المحسوب أنه قديس عند شيعته فكان يتشدد وينعتهم بالوثنيين. وطبعأ الأساس في ذلك هو روح العداوة التي لا تعرف للحق حدودا.
‏كانت عبادة السامريين تقام في هيكلهم على جبل جرزيم الذي أقيم سنة 409 ق. م وقد حدث في هذه الأيام أن رئيس كهنة اليهود الكبير المدعو ياددوا امتنع من أن يسمح لأخيه المدعو منسى أن يتزوج بنت سنبلط السامري وأرغمه على الفرار من اليهودية. فذهب هذا الأخير وأقام نفسه رئيس كهنة لهيكل جرزيم عند السامريين. وهكذا صار جبل جرزيم مركز عبادة رسمياً، وصارت كل مراسيم العبادة تحمل صورة طبق الأصل من العبادة اليهودية. ولكن لما انضم السامريون إلى السوريين الذين غزوا المكابيين وذلك سنة 130 ق. م قام يوحنا هركانوس بهدم هيكلهم ولم يُبنى بعد ذلك. كذلك مدينة السامرة التي بعد أن خربت بكاملها بُنيت من جديد على يد هيرودس وصارت من أجمل المدن، وأسماها سبسطية عل شرف أغسطس قيصر، كما أعيد بناء شكيم وسُميت على شرف العائلة المالكة في روما «فلادفيا نيابوليس» وهي نابلس الحالية.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
وقد ظهر عطف المسيح على السامرة والسامريين في عدة مواضع غير الذي نحن بصدده الآن:
1- في الموضع الذي طُهر فيه العشرة البرص: «فواحد منهم لما رأى أنه شٌفي رجع يمجد الله بصوت عظيم وخر على وجهه عند رجليه شاكرا له، وكان سامريا. فأجاب يسوع وقال: أليس العشرة قد طهروا فأين التسعة؟ ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس؟» (لو15:17-18), هنا يدعوه المسيح غريب الجنس بحسب تسمية اليهود للسامريين, ولكنه ضمناً امتدحه وامتدح جنسه أكثرمن اليهود. وفي هذا المثل مقارنة مكتومة بين أخلاق اليهود وروحهم المبتعدة عن الله حتى وفي عدم ردهم على صنع الخير لهم، وبين السامريين المعترفين بفضل الله وبصوت عظيم.
2- الموضع الآخر وهو أعظم وأجل تكريم قدمه المسيح للسامرة والسامريين، إذ أعطى مثلآ صار فيه السامري الصالح لقباً جليلاً ذا شأن عظيم في الحياة المسيحية. هذا المثل قاله المسيح رداً لى سؤال متبجح ليهودي يسأل: «من هو قريبي؟»، في الوصية التي تقول: «تحب قريبك مثل نفسك» (لا18:19). فأعطى المسيح مثلاً لاذعاً قدم فيه أن كاهناً لم يتحرك لينقذ إنساناً يهوديا نازلاً من أورشليم متجهأ نحو أريحا مُعرى ومجروحا ومضروبا ملقى بين حي وميت على الطريق. ولا أيضاً تحرك لهذا المنظر يهودي لاوي أي من خدام الهيكل. «ولكن سامريا مسافراً جاء إليه ولما رأه تحنن، فتقدم وضمد جراحاته، وصب عليها زيتاً وخمراً وأركبه على دابته، وأتى به إلى فندق واعتنى به، وفي الغد لما مضى أخرج دينارين وأعطاها لصاحب الفندق وقال له اعتي به، ومهما أنفقت أكثر فعند رجوعي أوفيك. فأي هؤلاء الثلاثة تُرى صار قريباً للذي وقع بين اللصوص؟» (لو33:10-33).
3- أما الموضع الأخير فقد وضع فيه المسيح في عنق الكنيسة لتكمل ما صنعه هو: «لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم وتكونون لى شهودا في أورشيم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض.» (أع8:1)
والأن إلى ما يتضمنه حديث المسيح في السامرة واستجابة أهلها:
1- يقدم لنا القديس يوحنا عرضاً لإيمان أهل السامرة النصف أمميين، فإذا هو الإيمان الحاضر المستجيب المُعلن عن نفسه ببراءة ويقين وصحة: «أنت مخلّص العالم»، ومن كل قلوبهم، إزاء:
‏أولأ: أهل أورشليم مركز العبادة والمتعبدين بإيمانهم السطحي الهزيل المتهافت على الآية والمعجزة.
‏وثانياً: إيمان معلم إسرائيل التائه الحائر ممثل صفوة العلماء والمتعلمين، مع رد فعل الفريسيين على تعاليم المسيح المملوء شكاً وخبثاً ومصادرة.
‏وهكذا يقدم لنا القديس يوحنا هذه الإستراحة الإيمانية بين هؤلاء من غير اليهود عن طريق الكرازة لليهود المملوء تعسفاً وضيقاً وجحوداً.
2- يعلو بنا القديس يوحنا في هذه الوقفات القليلة مع السامريين إلى أقصى استعلان بلغة المسيح عن نفسه. فمع السامرية استدرج إيمانها حتى بلغت به المسيا, فوافقها معلناً «أنا هو».
‏أما درجات الاستعلان البارزة فما أوضحها في هذه الكلمات المتلاحقة:
+ «أنت يهودي وأنا امرأة سامرية».
+ «يا سيد».
+ «لا دلو لك والبئر عميقة, ألعلك أعظم من أبينا يعقوب؟».
+ «أعطني هذا الماء لكي لا أعطش».
+ «يا سيد أرى أنك نبي».
+ «أنا أعلم أن مسيا يأتي = (أنا هو)».
‏ومع السامريين الذين عاشرهم عدة أيام أكلاً وشارباً من خبزهم وماءهم ملاطفأ متحنناً، حتى بغ بهم الإيمان أن رأوه بيقين الرؤيا والشهادة: «أنت مخلص العالم».
3- قرب نهاية قصة السامرة يفتتح المسيح سجل الإرساليات المزمع أن يكون، وذلك لأول مرة في إنجيله هكذا، وفي بكور أعماله متكلماً عن المرسلين، وزرع الدموع، وحصاد الفرح، وكأنه يدرب أولاده كما يدرب النسر فراخه على التحليق والصيد. وقد كان بالفعل أن تمت أول إرسالية نقرأ عنها في أصحاح 8 أعمال الرسل على يد فيلبس أحد الشماسة السبعة، تلاها إرسالية تزعمها القديس بطرس, ولكن كان القديس يوحنا روحها الذي شغف بأهلها أيما شغف، بعد أن امتص من المعلم روح المسامحة واللطف والحب والتحنن على الرافضين والمرفوضين سواء، وهكذا خلع القديس يوحنا ثوبه اليهودي الأول المطرز بالعلياء والكبرياء ولبس مسوح المسيح:
«وأرسل أمام وجهه رسلاً فذهبوا قرية للسامريين حتى يعدوا له، فلم يقبلوه لأن وجهه كان متجهاً نحو أوشليم, فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا: يا رب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً. فالتفت وانتهرها وقال: لستما تعلمان من أي روح أنتما, لأن ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص.» (لو52:9-56)
‏وهكذا يشاء الله أن يكون القديس يوحنا أول من يضع يده على رؤوسهم ويستنزل لهم الروح القدس فيحل عليهم ويصيرون من التابعين.
4- في هذه الرحلة المشوقة في أرض السامرة أعلن المسيح ولأول مرة عن الماء الحي الذي يعطيه، وأن كل من يشرب منه لا يعطش أبداً، وعن العبادة بالروح والحق وأن الله روح وهو يطلب الساجدين له بالروح والحق، وعن هيكل العبادة الذي حير الناس بألوانه وأشكاله، بأن وضع أول أساس لاورشليم السماوية على الأرض حيث لا هيكل أورشليم ولا هيكل جرزيم: «وأراني المدينة العظيمة أورشليم المقدسة نازلة من السماء من عند الله... ولم أر فيها هيكلاً لأن الرب الله القادر على كل شيء هو والخروف هيكلها.» (رؤ10:21و22‏)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
1:4- فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا.
2:4- مَعَ أَنَّ يَسُوعَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يُعَمِّدُ بَلْ تلاَمِيذُهُ.
3:4- تَرَكَ الْيَهُودِيَّةَ وَمَضَى أَيْضاً إِلَى الْجَلِيلِ

«فلما»: إذا جاءت في بداية الكلام، فهي دائماً تحمل نوع الإرتباط وتحتل الأية على ما قبلها. فهنا «فلما» تعني: «وحينئذ عندما» علم الرب. وهنا التحميل يجيء مرتكزاً على ما حدث من تلاميذ المعمدان والإثارة التي أحدثوها, خاصة عندا اشاعوا أن «االجميع» يأتون إلى المسيح وأن المسيح يعمد تلاميذ أكثر من يوحنا؛ هذا الخبر ترامى لأسماع الفريسيين وغالباً فإنهم أعدوا العدة للمصادرة. هذا علمه المسيح قبل وقته، فأخذ الاحتياط تجتباً للمصادمة, قبل ميعاد الساعة, مع الفريسيين المحسوبين أنهم أعداء الإيمان.
‏ويوضح القديس يوحنا أن الإشاعة حملت مضموناً كاذبأ أن المسيح يعمد, فصححها القديس يوحنا قائلاً: «مع أن يسوع نفسه لم يكن يعمد بل تلاميذه». وهذا توضيح لا بد منه، لأن المعمودية لم تكن قد أخذت وضعها المسيحي كسر يختص بملكوت السموات، بمعنى أنها لم تكن مدعمة بالروح القدس بعد, فقد كانت مجرد إعداد لمعمودية قادمة. هذا بالإضافة إلى أن سر المعمودية في المسيحية يشمل أساساً مضمون موت المسيح وقيامته، وهذا لم يكن قد تم بعد.
‏«ترك اليهودية»: وقرر المسيح أن ينسحب, وجاءت في العربية «ترك» ينسحب من عمله في اليهودية ويمضي أيضاً إلى الجليل. و«ينسحب» هي الترجمة الدقيقة لما يعنيه الفعل اليوناني ( ) ‏في هذا الموضع. ولكنها لم ترد في الترجمات العربية للعهد الجديد وهي تفيد: «ترك الأمر على ما هو عليه ليبلغ نهايته من نفسه».
«ومضى أيضاً إلى الجليل»: «أيضاً» هنا منسوبة إل القول السابق في 43:1 «وفي الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل». وكانت هذه هي المرة الاولى، أما هنا فهي المرة الثاية. والسر في أن القديس يوحنا يضع هنا «أيضاً» هو سر خطير للغاية، لأنه يود أن يؤكد التفريق بين زياتين تمتا للجليل: الاولى بعد خدمته في اليهودية أول مرة؛ والثانية وهي هذه، بعد خدمته في اليهودية لثاني مرة، الأمر الذي أغفله الإنجيليون الثلا ثة وجعلوا خدمته في الجليل قائمة بذاتها دون الإشارة إلى خدمته في اليهودية.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
4:4- وكان لابد له أن يجتاز فى السامره

«وكان لابد له» تفيد نوعاً من الام ستعجال أو, وهو الأصح, نوعاً من الإلتزام, لذلك نرى المسيح يتخذ طريقه من داخل السامرة مع أنه طريق شاق وحار (صيفاً)، بالإضافة إلى أنه محظور نوعاً ما بسبب كراهية اليهود من الإختلاط والسير في أرض السامرة واحتمال تعدي أهل السامرة على المارين أحياناً. أما الطريق الأخر الأسهل فكان من غرب الاردن ينطلق شمالاً حتى إلى الناصرة. وان كان يبدو للباحث العادي أن هذا الاختيار هو وليد الحاجة إلى الإسرع في مغادرة اليهودية، ولكن الحقيقة التي كان يعلمها المسيح هي أنه كان ملتزماً بمهمة، فقد كان عطشاناً إلى ماء السامرة كعطشه على الصليب من أجل الخطاة. وكان طريق اليهودية إلى الجليل عبر السامرة يستغرق ثلا ثة أيام, بحسب يوسيفوس المؤرخ اليهودي.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
5:4- فأتى إلى مدينة من السامرة يقال لها سوخار, بقرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه

‏«سوخار»: الآن تُسمى «عسكر». وقد بحثت عن هذا الاسم فُوجد في أخبار أيام السامرة في المخطوطات، ومكتوب اسها «إسكار» ‏في مدونات القرن الثاني عشر, وهي تقع تحت سفح جبل عيبال, وهو جبل اللعنات, وفي مقابله تماماً جبل جرزيم, جبل البركات، وبين السفحين تقح مدينة شكيم التي كانت عاصمة مملكة إسرائيل بالقرب من مدينة الناصرة التي تحول اسمها أيام هيرودس الملك إلى سبسطية نسبة إلى اغسطس قيصر (حيث اغسطس باللاتيني يقابلها سبستوس باليونانية)، ولكنها في أيام المسيح لم تكن قد أخذت صورتها واسمها بالكامل.
‏+ «وإذا جاء بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لكي تمتلكها فاجعل البركة على جبل جرزيم واللعنة على جبل عيبال.» (تث29:11)
+ «وأوصى موسى الشعب في ذلك اليوم قائلاً: هؤلاء يقفون على جبل جرزيم لكي يباركوا الشعب حين تعبرون الاردن: شمعون ولاوي ويهوذا ويساكر ويوسف وبيامين . وهؤلاء يقفون ملى جبل عيبال للعنة. رأوبين وجاد وأشير وزبولون ودان ونفتالى.» (تث11:27-13)
«الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه»: في بركة يعقوب إسرائيل الأخيرة وهوعلى سريره في مصر (تك20:48-22)، وهو رافع يديه على أفرايم ومنسى, وهب يوسف هذا المكان أي هذه الضيعة المذكورة في تك17:33-20. وكانت كلمات يعقوب هكذا: «وباركهما في ذلك اليرم قائلاً: بك يُبارك إسرائيل قائلاً يجعلك الله كأفرايم ومنسى، مقدما أفرايم على منسى. وقال إسرائيل ليوسف: ها أنا أموت ولكن الله سيكون معكم ويردكم إلى أرض آبائكم. وأنا قد وهبت لك سهماً واحداً فوق إخوتك أخذته من يد الأموريين بسيفي وقرسي.»(تك20:48-22)
‏وهناك في سفر يشوع يتضح صحة هذه الدعوى: «وعظاو يوسف التي أصعدها بنو إسرئيل من مصر دفنوها في شكيم في منطقة الحقل التي اشتراها يعقوب من بني حور أبي شكيم بمائة قسيطة فصارت لبني يوسف ملكا» (يش32:24). ولا يزال قبر يوسف هناك بجوار هذا البئر حتي اليوم.
‏فإذا علمنا أن سبطي أفرايم ومنسى كان نصيبهما من أرض كنعان منطقة السامرة الأن بعينها, تكون دعوى السامريين بانتسابهم ليعقوب صحيحة، وأنهم وارثون بركة يعقوب في أفرايم ومنسى صحيحة أيضاً. ولكن واقعهم الروحي والإلهي كان متدهوراً للغاية. كذلك يتضح من كلام السامرية للمسيح بعد ذلك: «ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو و بنوه ومواشيه», تأكيداً لميراث الأرض والبركة.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
6:4- وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ جَلَسَ هَكَذَا عَلَى الْبِئْرِ وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ.

«ليْسَ مِثْل اللهِ يَا يَشُورُونُ. يَرْكَبُ السَّمَاءَ فِي مَعُونَتِكَ وَالغَمَامَ فِي عَظَمَتِهِ. الإِلهُ القَدِيمُ مَلجَأٌ وَالأَذْرُعُ الأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ. فَطَرَدَ مِنْ قُدَّامِكَ العَدُوَّ وَقَال: أَهْلِكْ. فَيَسْكُنَ إِسْرَائِيلُ آمِناً وَحْدَهُ. تَكُونُ عَيْنُ يَعْقُوبَ إِلى أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ وَسَمَاؤُهُ تَقْطُرُ نَدىً (تث26:33-28)
«بئر يعقوب»:‏ هذه البئر موجودة حتى الأن تحت عناية الجهات الرسمية المختصة بالآثار. وكان عمقها في الأصل نحو 106 قدم، ومياهها ترشح إليها من الأرض حولها فهي شحيحة نوعاً ما. وقد نزل في هذا البئر الرحالة اللفتنانت أندرسون في مايو سنة 1866 فوجد عمقها 75 قدم, ونصف قطرها 7 قدم, ولكنها كانت مطموسة وليس بها ماء، وكانت مغشاة بحجارة غشيمة ولكن متماسكة.
‏والذي حير العلماء هو لماذا هذه البئر شحيحة المياه مع أن حواليها ينابيع غزيرة في شكيم وكل الدائرة؟ وكان الرد هو أن يعقوب وهو متغرب هناك وقد اشترى قطعة الأرض هذه, أراد أولاً أن يكون له مصادر مياه خاصة به هو وبنوه ومواشيه. هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى كان حفر بئر في الأرض يعتبر أنئذ وضع يد ملكية يثبت ملكيته للأرض الواقع فيها البئر: «ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان حين جاء من فدان أرام (بين النهرين)، ونزل أمام المدينة. وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حور أبي شكيم بمئة قسيطة. وأقام هناك مذبحاً ودعاه إيل (إيل مفرد إلوهيم) إله إسرائيل.» (تك18:33-20‏)
«تعب يسوع من السفر»: تعب يسوع من عناء السفر، أليس هو ابن الإنسان؟ أليس من أجل هذا تجثم رحلة النزول من حضن الآب ليشارك الإنسان شقاءه وأتعابه وأسفاره؟ ولكنه جيد أن يتعب يسوع مُجربا مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، لكي يستطيع أن يعين المجربين والتعابى. ولكن لعله تعب من رحلة السفر الطويلة مع الشعب الذي أعطاه القفا دون الوجه: «مددت يدي طول النهار إلى شعب معاند ومقاوم.» (رو21:10‏)
«جلس هكذا على ألبئر وكان نحو السأعة السأدسة»: «هكذا» تفيد أنه جلس بدون ترتيب المكان الذي يجلس عليه من شدة التعب, أو بمعنى متعباً هكذا, وطبعأ كان جلوسه على الحجارة المرصوصة حول البئر. والبئر كان يبعد عن سوخار حوالي كيلومتر ونصف. وكان الوقت منتصف الظهيرة فأضاف الجو بحرارته على تعب الطريق جفاف الريق!!
‏وهل هي من مصادفات الحديث والرواية؟ أم أن هناك علاقة بين هذه القصة ومأساة الصليب، ففي الاثنين نقرأ عن التعب والعطش ونحو الساعة السادسة من النهار. بل والأدهش أن نقرأ في الروايتين أن التلاميذ تركوه وحده!!
‏«البئر»: يورد القديس يوحنا في هذه الرواية لفظين متباعدين يعبران عن البئر:
الأول ( ) وهو يعني ينبوع ماء, وفي أصوله اللغوية سواء باليوناني أو العبري أو العربي، يكون بمعنى «عين» بالعربي. وبالعبري ( ) وهو الينوع الطبيعي الذي لم تنقره يد إنسان وماؤه جار أي حي. وهذا اللفظ العبيري يذكره القديس يوحنا إذا كان ملازماً للرب سواء جلس عليه أو أعطى هو منه ماءً حياً. «يصير فيه ينبوع ( ) ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يو14:4)
الثانى: وهو البئر المحفور باليد أو كخزان، ويكون غالباً عميقاً ومياهه شحيحة وراكدة. واللفظة بالعربية مثل العبرية «بئر» ( ‏). والعجيب أن هذا اللفظ التعبيري يذكره القديس يوحنا عندما يكون ملازماً للسامرية: «يا سيد لا دلو والبئر ( ) عميقة» (11:4)، وأيضاً عندما قالت: «ألعلك أعظم من أبيا يعقوب الذي أعطانا البئر ( ) وشرب منها هو وبنوه ومواشيه»(12:4).
‏وهكذا يكشف لنا القديس يوحنا عن منهجه الروحي، ويبثه بالحديث بثاً كمن يطوع الألفاظ لفكره اللاهوتي، وكأنه يريد أن يردد الآية: «شعبي عمل شرين. تركوني أنا ينبوع ( ) الماء الحي لينقروا لأنفسهم أباراً (خزانات) مشققة لا تضبط ماءً.» (إر 13:2)
‏أليس في هذا التصوير البديع باللعب بالألفاظ ما يكشف عن رؤية كاتب الإنجيل أن بئر يعقوب هو هو المسيح ينبوع الحياة: «أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً... من يسمع فليقل تعال، ومن يعطش فليأت، ومن يُرد فليأخذ ماء حياة مجاناً» (رؤ6:21؛ 17:22)
‏أما «الساعة السادسة»: فليست الساعات عند القديس يوحنا بلا حساب. أليست هي عينها ساعة الخلاص التي قال فيها «أنا عطشان»؟ إنه دائمأ على ميعاد مع الخطاة في منتصف النهار قبل أن يأتي ليدين في نصف الليل.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
6:4- وَكَانَتْ هُنَاكَ بِئْرُ يَعْقُوبَ. فَإِذْ كَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ جَلَسَ هَكَذَا عَلَى الْبِئْرِ وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ.

«ليْسَ مِثْل اللهِ يَا يَشُورُونُ. يَرْكَبُ السَّمَاءَ فِي مَعُونَتِكَ وَالغَمَامَ فِي عَظَمَتِهِ. الإِلهُ القَدِيمُ مَلجَأٌ وَالأَذْرُعُ الأَبَدِيَّةُ مِنْ تَحْتُ. فَطَرَدَ مِنْ قُدَّامِكَ العَدُوَّ وَقَال: أَهْلِكْ. فَيَسْكُنَ إِسْرَائِيلُ آمِناً وَحْدَهُ. تَكُونُ عَيْنُ يَعْقُوبَ إِلى أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ وَسَمَاؤُهُ تَقْطُرُ نَدىً (تث26:33-28)
«بئر يعقوب»:‏ هذه البئر موجودة حتى الأن تحت عناية الجهات الرسمية المختصة بالآثار. وكان عمقها في الأصل نحو 106 قدم، ومياهها ترشح إليها من الأرض حولها فهي شحيحة نوعاً ما. وقد نزل في هذا البئر الرحالة اللفتنانت أندرسون في مايو سنة 1866 فوجد عمقها 75 قدم, ونصف قطرها 7 قدم, ولكنها كانت مطموسة وليس بها ماء، وكانت مغشاة بحجارة غشيمة ولكن متماسكة.
‏والذي حير العلماء هو لماذا هذه البئر شحيحة المياه مع أن حواليها ينابيع غزيرة في شكيم وكل الدائرة؟ وكان الرد هو أن يعقوب وهو متغرب هناك وقد اشترى قطعة الأرض هذه, أراد أولاً أن يكون له مصادر مياه خاصة به هو وبنوه ومواشيه. هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى كان حفر بئر في الأرض يعتبر أنئذ وضع يد ملكية يثبت ملكيته للأرض الواقع فيها البئر: «ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان حين جاء من فدان أرام (بين النهرين)، ونزل أمام المدينة. وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حور أبي شكيم بمئة قسيطة. وأقام هناك مذبحاً ودعاه إيل (إيل مفرد إلوهيم) إله إسرائيل.» (تك18:33-20‏)
«تعب يسوع من السفر»: تعب يسوع من عناء السفر، أليس هو ابن الإنسان؟ أليس من أجل هذا تجثم رحلة النزول من حضن الآب ليشارك الإنسان شقاءه وأتعابه وأسفاره؟ ولكنه جيد أن يتعب يسوع مُجربا مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها، لكي يستطيع أن يعين المجربين والتعابى. ولكن لعله تعب من رحلة السفر الطويلة مع الشعب الذي أعطاه القفا دون الوجه: «مددت يدي طول النهار إلى شعب معاند ومقاوم.» (رو21:10‏)
«جلس هكذا على ألبئر وكان نحو السأعة السأدسة»: «هكذا» تفيد أنه جلس بدون ترتيب المكان الذي يجلس عليه من شدة التعب, أو بمعنى متعباً هكذا, وطبعأ كان جلوسه على الحجارة المرصوصة حول البئر. والبئر كان يبعد عن سوخار حوالي كيلومتر ونصف. وكان الوقت منتصف الظهيرة فأضاف الجو بحرارته على تعب الطريق جفاف الريق!!
‏وهل هي من مصادفات الحديث والرواية؟ أم أن هناك علاقة بين هذه القصة ومأساة الصليب، ففي الاثنين نقرأ عن التعب والعطش ونحو الساعة السادسة من النهار. بل والأدهش أن نقرأ في الروايتين أن التلاميذ تركوه وحده!!
‏«البئر»: يورد القديس يوحنا في هذه الرواية لفظين متباعدين يعبران عن البئر:
الأول ( ) وهو يعني ينبوع ماء, وفي أصوله اللغوية سواء باليوناني أو العبري أو العربي، يكون بمعنى «عين» بالعربي. وبالعبري ( ) وهو الينوع الطبيعي الذي لم تنقره يد إنسان وماؤه جار أي حي. وهذا اللفظ العبيري يذكره القديس يوحنا إذا كان ملازماً للرب سواء جلس عليه أو أعطى هو منه ماءً حياً. «يصير فيه ينبوع ( ) ماء ينبع إلى حياة أبدية» (يو14:4)
الثانى: وهو البئر المحفور باليد أو كخزان، ويكون غالباً عميقاً ومياهه شحيحة وراكدة. واللفظة بالعربية مثل العبرية «بئر» ( ‏). والعجيب أن هذا اللفظ التعبيري يذكره القديس يوحنا عندما يكون ملازماً للسامرية: «يا سيد لا دلو والبئر ( ) عميقة» (11:4)، وأيضاً عندما قالت: «ألعلك أعظم من أبيا يعقوب الذي أعطانا البئر ( ) وشرب منها هو وبنوه ومواشيه»(12:4).
‏وهكذا يكشف لنا القديس يوحنا عن منهجه الروحي، ويبثه بالحديث بثاً كمن يطوع الألفاظ لفكره اللاهوتي، وكأنه يريد أن يردد الآية: «شعبي عمل شرين. تركوني أنا ينبوع ( ) الماء الحي لينقروا لأنفسهم أباراً (خزانات) مشققة لا تضبط ماءً.» (إر 13:2)
‏أليس في هذا التصوير البديع باللعب بالألفاظ ما يكشف عن رؤية كاتب الإنجيل أن بئر يعقوب هو هو المسيح ينبوع الحياة: «أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً... من يسمع فليقل تعال، ومن يعطش فليأت، ومن يُرد فليأخذ ماء حياة مجاناً» (رؤ6:21؛ 17:22)
‏أما «الساعة السادسة»: فليست الساعات عند القديس يوحنا بلا حساب. أليست هي عينها ساعة الخلاص التي قال فيها «أنا عطشان»؟ إنه دائمأ على ميعاد مع الخطاة في منتصف النهار قبل أن يأتي ليدين في نصف الليل.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
حديث الرب مع السامرية. (يو7:4-26‏)

‏وتظهر فيه المقابلة بين القديم والجديد على النحو التالي:
القديم: بئر بركات وذكريات الآباه الجسدية, ذات الماء المُعطش.
الجديد: المسيح ينبوع الحياة الآبدية, والذي يشرب منه لا يعطش أبداً.
‏القديم: السجود في جبل أورشليم لليهود، وجبل جرزيم للسامريين الذين يسجدون لما لا يعلمون.
الجديد: «تأتي ساعة وهي الأن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون بالروح والحق "للآب"».
‏القديم: « أنا أعلم أن مسيا يأتي... ذاك يخبرنا بكل شيء».
الجديد والاستعلان: «أنا هو»!

7:4- فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَعْطِينِي لأَشْرَبَ».
8:4- لأَنَّ تلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَاماً.

واضح أنه لو كان المسيح مع تلاميذه لما طلب ماء من امرأة. ولكن يتساءل الشراح لماذا تأتي امرأة لتستقي من بئر عميقة وحواليها عيون ماء كثيرة في المنطقة؟ كما يتساءلون لماذا تأتي وقت الظهيرة وهو ليس ميعاد استقاء؟ فالرد على ذلك بسيط ولكنه مُحرج. فالمرأة ذات سمعة سيئة، فهي اختارت وقتاً لا يكون فيه أحد من نسوة المدينة يستقي، كما أنها اختارت البئر الأقرب إلى قريتها. فالبئر تبعد عن سوخار حوالى نصف ميل. ولكن القديس يوحنا لم يلتفت إلى هذه التفرعات التي تلهي القارىء عن لُب الحوار ونتائجه، وهذا هو أسلوب القديس يوحنا أن لا يتدخل في معرض القصة إلا إذا التزم اللفظ بالتوضيح .
‏ولكن ماذا يوحي إلينا هذا المنظر؟ امرأة تستقي من بئر في منتصف النهار، والامرأة كجنس ينظر إليه بخفة عند الحكماء في أعين أنفسهم: «وكانوا يتعجبون من أنه يتكلم مع امرأة» (يو27:4)، ثم عند اليهود بازدراء وامتهان. فليست صنعة المرأة السقي من الآبار إن كانت امرأة ذات بيت وخدم. ولكن هنا نرى الرب يكسر حاجز الجنس القائم بين الرجل والمرأة, وحاجز العداوة القائم بين الإنسان والإنسان، لأننا سنسمع حالاً أن اليهود لا يعاملون السامريين. ولكن أيضاً يكسر حاجز الطبقات ما بين ذي حيثية وغير زي حيثية. فالمنظر أمامنا خصب يوحي بأن الجالس على البئر يمثل السمو غير الموجود في البشر. فإن قال: «أعطيني لأشرب»، فهو سؤال للأخذ, يخفي النية في العطاء. وهذا شأن الله دائماً: «يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي.» (أم26:23)
السامرية فرغ ماؤها في منتصف النهار، مثل عرس قانا الذي فرغ خمره. فإن كان اليهود قد ‏أعوزهم سر الفرح، فالسامريون أعوزهم سر الحياة.
ليس مصادفة أن تأتي امرأة سامرية لتستقي والمسيح جالس على بئر يعقوب. ليس هذا من صنع القدر بل من صنع من يصنع «أمراً مقضياً به على الأرض» (رو28:9). فقد ساق الروح هذه المرأة التي هي خير من يمثل البشرية المُهانة التي خارج السياجات، لتصنع هذه المقابلة التي تم تدبيرها منذ الأزل. امرأة مُهانة من شعب ذليل, ليس غريباً عليها أن تتقابل مع من لبس الغربة وأخذ شكل العبد المهان: «قليل أن تكون لي عبداً لإقامة أسباط يعقوب ورد محفوظي إسرائيل. فقد جعلتك نوراً للأمم لتكون خلاصى إلى أقص الأرض. هكذا قال الرب فادي إسرائيل قدوسه للمهان النفس, لمكروه الأمة, لعبد المتسلطين» (إش6:49-7). لقد سُجلت هذه المقابلة ليس في سفر إشعياء أول ما سُجلت، بل في سجل الآزل، لحساب من لبس ابن الله من أجلهم شكل العبد المهان!!
‏«أعطيني لأشرب»: القول ينضح بالمفارقة الصارخة. ينبوع ماء الحياة يطلب أن يشرب من ماء بئر مُعطش ومن يد امرأة جف منها ماء الحياء؟ ولكن دائماً أبداً تقف مفارقات الله مع الإنسان لحساب الإنسان. وهو دائمأ يحتاج إلينا ليعطينا. ولكن قول الرب محسوب حسابه, وليحسب معي القارىء كلمات الرب للمرأة السامرية وهذه هي أولها: فسوف نجدها سبع كلمات بكل ميزان العد والتصنيف وليس زيادة ولا نقصان. فكلمات الرب دائماً محسوبة ومُققنة: انظر العشر وصايا، وانظر السبع تطويبات، والسبع توسلات في الصلاة الربانية, والسبع أمثال في إنجيل متى، والسبع كلمات الأخيرة له على الصليب؛ نجد أن أقوال الرب تأتي مُحكمة الوزن والعد.
«لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً»: ‏من ملابسات القصة يبدو بترجيح شديد أن الرب أرسل تلاميذه ليبقى وحده. ولكن من المحتمل جداً أن القديس يوحنا بقي وحده معه. وكانت هذه مشيئة الرب وألح عليها, لأنه ليس من المعقول بأي حال من الأحوال أن التلاميذ جميعهم يذهبون ليبتاعوا طعاماً ويتركون الرب وحده على طريق السامرة. هذا أمر غير محتمل ولا مقبول من مسلسل القصة. فهم في أرض غريبة وأيضاً معادية. إذن, فكان هذا بناء على إلحاح المعلم حتى يخلو بخروفه الضال الذي طالما فتش عنه. أما القديس يوحنا فربما هو الذي ألح على البقاء معه واستجاب له الرب لأنه لا يغير شيئاً من الإحساس بوحدة المعلم. فكان هذا لحساب تسجيل هذه القصة المملوءة تعليماً وتجديداً. أما سكوت القديس يوحنا عن هذا التوضيح فهو أسلوبه المفضل في روايته.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
9:4- فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ: «كَيْفَ تَطْلُبُ مِنِّي لِتَشْرَبَ وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ؟» لأَنَّ الْيَهُودَ لاَ يُعَامِلُونَ السَّامِرِيِّينَ.​

أمر غير مرتقب, وغريب عليها كل الغرابة, أن يتكلم رجل مع امرأة ويهودي مع سامرية، ويطلب يشرب ماء من إناء سامري منجس! وفوة هذا ما بال العداوة المحتدمة التي بيننا؟
ولكن ليس هذا كله الذي كان في حُسبان هذه المرأة, ولكن الأخطر من الكل الذي قفز إلى مقدمة تفكيرها أنها أحست بقداسة الجالس على البئر ورأت الخطر محدقاً بها، فاستنفرت فيها الخطيتة قواها لتصد الهجوم قبل أن يقع, وتسد على النور مساره الذي كان قد اخترق قلبها عنوة... قابلت رقة الرب بجفاء مصطنع وصوبت الكلمات في وقاحة متعمدة وكأنها تراجع تعدي رجل على حياء امرأة, أو ترد عنها خدشاً لعفتها المزعومة: «كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية!» ولكن هيهات! فالعين الإلهية لا ترتخ, والقداسة لا تهادن، وسهم النور يستحيل أن تصده جحافل الظلمة. فالنور يضىء باقتدار, والظلمة مهما تحصنت وشاكست فهي لا تقوى على صده. فالخاطىء يبادر النور بلطمة، ولكنه يكون كمن يلاطم الهواء يسقط بعدها صريعاً له. وعاد الرب يلح في دعواه والرب لا يُغلب أبداً ، وكأنه المحتاج يلوح بالعطاء، ويتمادى في شرح صدق دعواه، يتودد لها لكي يبدد الإحراج عنها وهو يخفي شباكه وراء كلماته... هو يطرح اللطف ‏وهى تبرز الحراب : «اليهود لا يعاملون السامريين». ثم بدأت الحواجز تنهار...
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
10:4- أَجَابَ يَسُوعُ: «لَوْ كُنْتِ تَعْلَمِينَ عَطِيَّةَ اللَّهِ وَمَنْ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً».​

‏عطية الله​
إش 6:9 «أُوعطيناً أبنناً»
يو 16:3 «هكذا أحب الله العالم حتى "أعطى" أبنه الوحيد»

ماءً حياً​
يو 4:1 «فيه كانت الحياة»
‏رؤ 17:7 «لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية».
‏رؤ 1:22 «‏وأراني نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش الله والخروف».
‏إش 3:12 «فتُسقؤن مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص».
إش 3:44 «أسكب (أعطي) ماء على العطشان. ‏أسكب روحي على نسلك».
يؤ 28:2 «أسكب روحي على كل بشر»


‏المسيح يبدأ قوله بكلمة: «لو كنت تعلمين»؛ هو لا يتمنى لها أن تنكشف بصيرتها وتُستعلن الشخص الجالس أمامها، بل بالفعل يفتح أمامها الباب وينبه ذهنها أن تُحسن الرؤيا، ويوحي إليها أن تطلب منه عطية، وهذا هو مفتاح الصلة الحقيقية التي بها تنشأ العلاقة القوية بين الله والإنسان.
‏وفعلاً نجح المسيح في هذا الإيحاء العجيب، وفعلاً طلبت، وان جاء الطلب غير صحيح فقد عدله لها حتى بلغت المستوى! كذلك فإن المسيح ينبهها أنها محتاجة أن تعلم «من هو» ولا تعثر في ‏منظره هكذا، المتعب والمجهد والعطثان! وكأنه يقول لها: «التفتي جيداً لأني افتقرت وأنا غني كما أنا، ولكني افتقرت لأغنيكم, فلا تتعثري في منظر بشريتي هكذا، بل ارفعي بصرك لتري حقيقتي.» وهذا قد تم بالحرف الواحد وفي أقل ما يمكن من الزمن!
‏في الحقيقة المسيح هنا بقوله «لو كنت تعلمين «عطية الله» إنما يقدم نفسه للبشرية الخاطئة كما قصد أبوه الصالح تماماً: «هكذا أحب الله العالم حتى «أعطى» ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة». ثم يعود ويربط هذه العطية، وهي نفسه، بالماء ثم بالحياة، ولكن في صورة الماء الحي أي الجاري، ومن هنا التبس على السامرية الأمر. وهذا أسلوب القديس يوحنا في استخدام اللفظ الذي يرمي إلى معنيين: الأول عادي ومادي، والثاني روحي وإلهي!!
‏والماء الحي الذي في عرف العهد القديم هو مجرد ماء جار كن نهر أو خلافه، هو في العهد الجديد «الماء المُحيي» كعطية الله للانسان على مستوى ماء الشرب الذي يُحيي الجسد بالأساس وبدونه يموت الإنسان. فالماء الحي عند المسيح هو «الحياة الأبدية نفسها». ولكن منظوره ومفهومه على أساس الحياة الجسدية التي يستمدها الجسد من الماء. أما الماء الطبيعي، إذا نال قوة روحية بالصلاة, فإنه يعتبر ماء للتقديس، وهو قادر أن يعطي الحياة الأبدية بالمعمودية بسبب قوة الحياة التي حلت فيه بالصلاة.
‏كذلك وحينما نسمع في المزمور قول داود النبي: «عطشت إليك نفسي» (مز1:63) فهو صراخ في طلب الحياة كصراخ العطشان إلى الماء طلباً للحياة. وهنا يكون الله هو بمثابة الماء الحي أو ماء الحياة أو الماء المُحيي!! ولكنه هنا يُسمى بالماء الحقيقي لنفرقه عن الماء الزائل.
‏ولو رجعنا بنظرة خاطفة إلى الوراء ، لرأينا الماء عنصراً أساسياً في التغيير للتحول من القديم إلى الجديد في تعاليم المسيح الماضية . ففي عرس قانا وجدنا الماء يتحول خمراً, ومع نيقوديموس الإنسان يتحول إل خليقة جديدة «بالماء والروح»، ومع معمودية المعمدان يلزم الماء الروح القدس وإلا بطل مفعوله. وهنا يقدم المسيح نفسه «كينبوع ماء حي» يفيض على من يعطش إليه ويطلب. وكان الماء في كل هذه المواقف هو الماء الحي الذي يعني بالنهاية «الأ ليثيا» أو الله نفسه.
‏ويلزمنا جداً أن نرتفع بالحوار في شكله الفردي، لا كأن المسيح سيعطي السامرية وحدها، ولكن علينا أن ننظره من أفق أوسع يشمل كل من كان على مستوى السامرية: «إنسان صنع عشماء عظيماً ودعا كثيرين وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين تعالوا لأن كل شيء قد أُعد, فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون ... حينئذ غضب رب البيت وقال لعبده اخرج عاجلاً إلى شوارع المدينة وازقتتها وأدخل إلى هنا المساكين والجدّع والعرج والعمي... اخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلىء بيتي.» (لو16:14-23)
‏لو أدركنا أن حقيقة ينبوع الماء الحي تخص الله القدير في العهد القديم كما هو واضح من الآية عن يسووع الماء الحي بكل وضوح: « أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك ييخزون. الحائدوذ عني في التراب يُكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية, اشفني يا رب فأُشفى ... لأنك أنت تسبيحتي» (إر 13:17-14)، لأدركنا في الحال أن المسيح هنا في هذه الآية إنما يستعلن نفسه من خلال الماء الحي بكل يقين.
‏وإن أردت أيها القارىء أن تعرف صحة هذه العقيدة اللاهوتية أن المسيح هو الرب القدير ينبوع المياه الحية الذي يشفي كل جراح البشرية ويخلص الذين في الحضيض، فانتظر إلى نهاية هذه القصة لترى كيف نضح الرب عليها بالماء الحي فشُفيت وكيف سكب عليها من روحه فخلمت وقامت واستقامت، وتأهلت البشرية العاهرة أن تأخذ رتبة البنين وتصير تلميذاً ومعلماً!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
11:4- قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ لاَ دَلْوَ لَكَ وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ؟.

‏أخيراً رضيت العاصية أن تدخل الحوار!... فالعرض سخي غاية السخاء ولكه غير معقول البتة؛ وهكذا دائمأ عطية الله. وأنى للخاطىء أن يدرك حقيقة العطاء الإلهي وهو مرتبك بعطايا العالم، والفرق بين العطائين لا يقاس ولا يُحد؟ هكذا أصرت النفس المنطوية على عجزها التي لم تذق بعد عطاء الله، ولسان حالها يقول: وهل تمطر الماء ذهباً؟ «أتحيا هذه العظام؟» (حز3:37‏)، «هكذا قال السيد الرب لهذه العظام ها أنذا أُدخل فيكم روحأ فتحيون» (حز5:37)
‏«يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة»: هكذا تغيرت صورة المسيح عند السامرية من: «أنت يهودي» إلى «يا سيد». وهكذا ينجح المسيح دائمأ في أن يغير، لا صورته بل صورة من يسمع إليه فيراه أكثر على حقيقته. ولكن الخاطىء يضع العراقيل دائماً في وجه من يحاول خلاصه!!
‏«يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة؟» لقد استقرت الخطيئة في القاع وهيهات أن تصل إليها, ولكن خيطاً رفيعاً من الأمل يستقر خلف «يا ميد». أليس في هذه الكلمة ما يعني أنه صار صاحب السيادة على نفسها؟ صحيح أنها تتمسك بنظرة المستحيل، ولكن لعل «السيد» عنده شيء؟
«فمن أين لك الماء الحي»: لقد عجزت أن ترى في الأفق حلاً، فإذا كان ليس له دلو ليستقي من بئر فكيف يعطي هذا ماء جارياً وكأنه من ينبوع؟ هكذا تضع النفس لها قيوداً وتقفل على نفسها بالقدر لترضى بعجزها وتقطع الطريق على المحاولة، ولكن عند الرب حلول تفوق القدر والمقدرات، وتتعدى كل الإمكانيات والتصورات: «والقادر أن يفعل فوق كل شيء أكثر جداً مما نطلب أو نفتكر بحسب القوة التي تعمل فينا.» (أف20:3‏)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
12:4- أَلَعَلَّكَ أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ وَشَرِبَ مِنْهَا هُوَ وَبَنُوهُ وَمَوَاشِيهِ؟

‏عودة سريعة إلى الخلف ليتحصن الخاطىء في ماضيه ليراه حسناً وأفضل على كل حال من القفز نحو المجهول، هكذا تشبث نيقوديموس بشيخوخته ورأى فيها استحالة الدخول في ضيق البطن ليولد من جديد؛ بل هكذا رأى رؤساء الكهنة والفريسيون أن الهيكل بوضعه أفضل من تعديل يودي بحياة الأمة؛ بل وهكذا رأى تلاميذ المعمدان أن معمودية الماء أفضل من التغيير نحو معمودية الروح.
‏إن أصعب ما يلاقيه الخاطىء هو كيف يقفز نحو المجهول، ولكن هذا هو مطلب الإيمان الأول.
‏هكذا تعود السامرية تتشبث ببركات الآباء وبطوطم البئر الذي ورثوه عن يعقوب, وكأنه يغني عن كل جديد! فمياهه الشحيحة الراكدة هي أفضل من الماء الحي.
‏يلاحظ هنا أن الإنجيل يورد كلمة «وشرب منها هو وبنوه ومواشيه»، وهذا للامعان في تحديد وظيفة الماء, باعتباره ماءً جسدياً أو حيوانياً محضاً في مقابل ما سيكشف عنه بخصوص «الماء الحي» الذي هو الماء المختص بالحياة الجديدة السماوية، التي طالما تغنى بها الربيون اليهود أنها هي هي التوراة. فالتوراة (الناموس) في تأملاتهم هي الماء الحقيقي التي تجلي العين وتنير البصيرة, والتي صحح معناها المسيح بأنها هي الحياة الآبدية التي تنبع في روح الانسان بالروح القدس: «لأن الناموس (التوراة) بموسى أُعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا» (يو17:1). فمياه الربيين لم تحرج عن كونها مياه الحرف لتطهير الجسد، أما مياه الرب يسوع فهي مياه الروح للحياة الابدية.
«إن كنت لا أرى معه دلواً ولا حبلاً، أو «إن لم أضع إصبعي في أثر المسامير»! (يو25:20). ولكنها تبحث في المستحيلات على كل حال، لأن في تقليد اليهود في التلمود وعند السامريين، أن يعقوب وهو عاطش مع بنيه ومواشيه وقف وصلى على البئر ونادى باسم الرب، ففاض منه ماءَ حياُ أي جار، وظل هكذا نابعاً والمياه تجري منه عشرين سنة، ولكن منذ ذلك الزمان لم نسمع أن هذا البئر فاض ماؤه, فالسامريون يدعون أنهم من نسل أولاد يوسف ابن يعقوب، أفرايم ومنسى الذين امتلكوا السامرة.
«فهل أنت أعظم من أبينا يعقوب؟»: وهنا يلذ للقديس يوحنا أذ يبرز هذا التساؤل كتساؤل اليهود: «ألعلك أعظم من أبينا إبراهيم... من تجعل نفسك؟« (يو53:8). وذلك لينبه ذهن القارىء أن: نعم »«قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» (يو58:8‏). أما هنا فيرد المسيح بطريقة أخرى و لوأنه لا يمانع أن يدخل هذا السياق فهو: «ههنا أعظم من الهيكل» (مت6:12‏)، و «ابن الإنسان هو رب السبت»» (مت7:12)، و«قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن» (يو58:8)، و «هوذا أعظم من سليمان ههنا» (مت42:12‏)، و «هوذا أعظم من يونا ههنا» (مت41:12). ولكنه هنا بهدوء سيأخذ يدها وعينها حتى ترى فيه من هو أمظم من أبيها يعقوب!!
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
13:4- أَجَابَ يَسُوعُ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً.
14:4- وَلَكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ».

إش 10:49 «‏لن يجوعون ولن يعطشون، ولا يضربهم حر ولا شمس, لأن الذى يرحمهم يُهديهم, وإلى ينابيع المياه يوردهم»
رؤ 16:7 «لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد, ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحر. لأن الخروف في وسط العرش يرعاهم ويقتادهم إلى ينابيع ماء حية».
رؤ 6:21 «أنا أعطي العطشان من ينبوع ماء الحياة مجاناً».
‏إش 1:55 «‏أيها العطاش جيعاً هلموا إلى المياه».
‏يو35:6 «فقال لهم يسوع أنا هو خبز الحياة من يقبل إلي فلا يجوع, ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً».


‏يلزمنا هنا في البداية أن نوضح الفرق بين «هذا الماء» ماء يعقوب؛ و «الماء الذي اعطيه أنا»؛ والفرق بين «يعطش أيضاُ»؛ و «لن يعطش إلى الابد». فالمسيح هنا يستخدم الماء موضوع الحوار استخداماً من واقع حال الإنسان فيما يخص جسده, وفيما يخص روحه؛ فيما يخص حياته على الأرض, وفيما يخص حياته الأبدية. فالجسد يعطش ويعطش ويعود إلى الماء كل مرة، فهو لا يرتوي أبداً أبداً؛ ولكن الروح تعطش، فإذا ارتوت فلن تعطش أبداً لأنها ترتوي من ماء الحياة الآبدية, أو الماء الحي أو الماء الحقيقي, الذي هو الحياة الأبدية نفهسا: «وهذه هي الحياة الأبدية، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته.» (يو3:17)
‏المسيح يضع إصبعه على نفسه ويشير إلى ذاته، «والماء الذي أعطيه» هو عطية الاستعلان التي إذا سكبها على قلب الإنسان ووعيه فإنه يتعرف على حقيقة المسيح، فيدخل مجال الحق الإلهي وينتمي بروحه إل السماويات؛ ومن كل ما هو سام يشبع ويرتع ويمتلىء ويرتوي، فلا تعود الأشياء التي في الدنيا موضع عطش أو تلفف أو متعة روح.
‏المسيح يضرب على الوتر الحساس ليرن صوته في أعماق النفس المتعبة التي نهبتها الشهوات والملذات والجري وراء سراب الغرور والمتعة, التي كلما شربت منها النفس ازدادت عطشاً إليها دون أن يدري الإنسان أنها تمتص رحيق حياته ونضارته وإرادته وكرامته, وأخيراً تتركه صريعاً للندم واليأس وخيبة الأمل. هذه هي «يعطش أيضاً».
‏«لن يعطش إلى الأبد»: إنها قولة صدق ذات رنين حي تردده ألوف ألوف وربوات ربوات الأرواح القديسة في السماء ‏بآمين.
‏إنها مقولة تتجلى في حياة من يقبل ويشرب كل يوم، ولكها سوف تبلغ أوج تجليها في المجد الأعلى, ومنتهى تحقيتها في ملكوت ابن الله: «لا يجوعون ولا يعطشون ولا يضربهم حر ولا شمس، لأن الذي يرحمهم يهديهم, والى ينايع الميا، يوردهم» (إش10:49). هذا يراء إشعيا، من وراء الدهور، ينطقه بروح الله، فترد عليه أرواح الأبرار التي تكملت في المجد: «لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم.» (رؤ16:7‏)
‏هو هو المسيح المتكلم: «ينبوع الحياة الأبدية», هنا «بالاستعلان» وهناك بالرؤيا والمشاهدة والعيان.
‏كل من أدمن على شرب المياه المعطشة هنا، يتمنى في يوم من الأيام لولم يولد حينما يبلغ به العمر أرذله؛ أما الذي ذاق الحياة في المسيح يسوع فهو كل يوم يولد جديداً.
‏كل من ضيع العمر في ملذات هذا الدهر وضيقت عليه الدنيا بعد ذلك، يتمنى لو يموت؛ أما الذي استعلن المسيح واستنشق الحياة الأبدية فيه، فهو يحيا كل يوم حياة جديدة ولن يموت أبداً.
«بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية».
‏إش2:12-3 «‏هوذا الله خلاصى فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي وترنيمتي وقد صار لي خلاصاً. فتستقون مياهاً بفرح من ينابيع الخلاص».
‏نش 12:4 «‏اختي العروس جنة مغلقة, عين مقفلة, ينبوع مختوم»
«الماء الذي أعطيه» هو نعمة الاستعلان بالروح القدس، وبالاستعلان يتجلى المسيح في قلب الإنسان, فيشعر بالخلامى كقوة تجرف حياته كلها كنهر جارف لا يستطيع أن يحجزه، فينطق لسانه بالفرح والتهليل ويظل ينبع بفيضان. و يعيش باطمئنان في بهجة الخلاص, يشرب منها و يعب عباً كل يوم, ويفيض على كل من يتعرف عليه, ويظل يفيض إلى أن يلتحم بالحياة الأبدية، وحينئذ ينجلي الخلاص في أكمل مفاعيله ومباهجه إلى أبد الدهور.
‏وهذا يعني أن الماء الذي يعطيه المسيح الأن يتحول فيه إلى خلاص في الحاضر يمتد إلى أبد الأبدين.
‏وبقدر ما يحتاج الخلاص هنا إلى مزيد من الشرب, أي الاستعلان, بقدر ما في النهاية يصير في الإنسان قوة تزداد من تلقاء ذاتها حيث يصبح المسيح في القلب هو نفسه ينبوع الخلاص الذي لا يجف.
‏فـ «المياه الحية»، وقد أسماها المسيح «عطية الله»، حينما تستقر في نفس الإنسان تصبح قوة حية فاعلة بذاتها تسكن هيكل الإنسان الروحي وتعمل فيه، تحييه وتهذبه وتجدده. مثلها مثل عطية «الحياة» التي ينالها الإنسان من «أكل الجسد» الذي هو العطية الكبرى: «من يأكل جسدي وشرب دمي فله حياة أبدية.» (يو54:6)
ومثلها مثل «كلمة الله». ««كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة فيكم.» (ايو 14:2)
‏ومثلها مثل «الحق». «من أجل الحق الذي يثبت فينا وسيكون معنا إلى الأبد.» (2يو2)
ومثلها مثل «روح الحق»: «روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم.» (يو17:14)
‏ومثلها مثل «مسحة النعمة»: «وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم أن يعلمكم أحد، بل كما تعلمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء، وهي حق وليست كذباً كما علمكم تثبتون فيه.» (1يو 27:2)
‏ومثلها مثل «بذرة الله»: »كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية (طوعاً)، لأن زرعه (زرع الله) يثبت فيه، ولا يستطيع أن يخطىء لأنه مولود من الله»» (1يو9:3).
‏هكذا «المياه الحية», روح الاستعلان ومعرفة الله, فإنها تسكن وتنبع فيه بلا توقف كالمياه الجارية وبلا نهاية، وتفيض قوة وراء قوة بلا نقصان بل بزيادة، حتى كما يقول بولس الرسول: «ملء الله».
‏وهكذا فإن نفس الإنسان التي تم فيها تجلي المسيح بالاستعلان، أي شربت من ينبوع الخلاص, تصير هي بذاتها ينبوع خلاص, كما يخاطبها سليمان النبي في نشيد الأنشاد: «أختي العروس جنة مغلقة، عين مقفلة، ينبوع مختوم» (نش 12:4)، بمعنى أن مواردها في الداخل وليس لها حاجة من الخارج: «ينبوع جنات، بئر مياه حية، وسيول من لبنان» (نش15:4‏). وسفر الرؤيا يكشف لنا عن مصدر الإندفاق ومنبع الفيضان الحر الدائم في داخل النفس هكذا: «وأراني نهراً صافياً من ماء حياة لامعاً كبلور خارجاً من عرش الله والخروف.» (رؤ 1:22)
وقانون الارتواء من روح الله هو الامتلاء للزمان الحاضر والفيض الدائم، ثم الحياة الأبدية التي نلناها هنا نصعد بها إلى فوق حيث مصدرها: «وإن مضيت وأعددت كم مكاناً، آتي أيضاً واخذكم إلى، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً.» (يو3:14‏)
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
15:4- قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هَذَا الْمَاءَ لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آتِيَ إِلَى هُنَا لأَسْتَقِيَ».

لقد نجح هذا السيد البديع، فهوذا استجابت السامرية إلى قول الرب: «... لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حياً». هذه أول علامات العودة، عودة النفس إلى خالقها تلغلغ بطلبات كطفل يطلب على قدر تفكيره!!
‏كانت المرأة صادقة صدق الطفولة وهي تطبق كلام الرب: «من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش»، فقالت هى: «أعطني هذا الماء لكي لا أعطش». وأكملت من عندها: «حتى لا أتي إلى هنا وأستقي».
‏لقد استهوتها فكرة الماء الذي كل من يشرب منه لا يعطش، وأضافت بالضرورة ولا يتعب ويجيء ليستقي، لقد هدها مشوار كل يوم حاملة جرتها فارغة وملآنة؛ وكل ذراعاها من فرد الحبل وثنيه ورفع الجرة بثقلها، الحبل بذراع والجرة بذراع، حتى ضاقت ذرعاً! ولكن لو كان هذا هو كل هم الإنسان، وحتى مثله مائة أف مرة لما غُلب الله من تحننه وبذل ابنه على الصليب من أجل الإنسان.
‏ولكن في قولها: «حتى لا آتي إلى هنا وأستقي»، فيه معنى الاغتاء ليس لما هو لذاتها فحسب، بل للذين تخدمهم أيضاً، وإلا على من سيعيش من تخدمهم؟ وهنا يلتقط الرب الخيط من فمها ويطلب أن يرى من تخدمهم.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
16:4- قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «اذْهَبِي وَادْعِي زَوْجَكِ وَتَعَالَيْ إِلَى هَهُنَا».

‏نعم يجب أن يأتي من تخدمه، وهو بالتقدير المبدئي زوجها، لأن العطية بحسب نظرها هي، تعني زوجها أيضاً. ولكن الرب الذي قرأ فكرها وضع هذا الطلب محكاً لصدق قبولها العرض بأخذ العطية، وبالأكثر اختباراً لمدى صحة إيمانها بالكلام ومستوى يقظة ضميرها. الرب هنا يركز على السامرية نفسها وليس على زوجها أو أهلها، لأنه بتوبتها وايمانها هي, سيُقبل الجميع ، فهو هنا مستمر في إعدادها هي للعطية، ولأنه يستطيع أن يغفر الخطية فهو يستطيع أن يراها ويحاصرها بالضرورة. والآن وقد صارت خطيتها هي العقبة الوحيدة في وجه نوال العطية، لذا كان يتحتم كشفها والإعتراف بها تمهيداً لرفعها لتصبح على مستوى العطية. وحينئذ كما قال المسيح نفسه حينما تشرب هي من الماء الحي فإنه سينبع منها ويفيض على الزوج وعلى المدينة كلها. المسيح هنا يعرف الجواب مسبقاً: «ليس لى زوج», عار المرأة الأعظم، لذلك يضع المسيح إصبعه على الجر‏ح، ومشرطه على الورم، ولكن برقة فائقة كمن يستخدم المخدر حتى لا يشعر المريض بالألم. لقد تدرج معها وهو يسندها حتى تقوى على نطق ما لا يُنطق. وهكذا بلغ بها إلى نقطة اليقظة العظمى للضمير.
 

ميشيل فريد

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
23 ديسمبر 2008
المشاركات
1,472
مستوى التفاعل
93
النقاط
48
17:4- أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ: «لَيْسَ لِي زَوْجٌ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «حَسَناً قُلْتِ لَيْسَ لِي زَوْجٌ.
18:4- لأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ أَزْوَاجٍ والَّذِي لَكِ الآنَ لَيْسَ هُوَ زَوْجَكِ. هَذَا قُلْتِ بِالصِّدْقِ».

‏إجابة مقتضبة يلفها الحزن في مسحة من الألم كما من سهم يخترق القلب. هي رجفة الضمير الذي يجاهد كي يغلب انهياره، ويتلمس القوة من العين المسلطة عليه!
‏كان رد المسيح الفوري هو قبول الإعتراف أحسن قبول: «حسناً قلت». ومكذا جاء السند الذي كانت تحتاجه لتغلب انهيارها. وهكذا يسند المسيح «المعين بكلمة» (إش4:50‏)، «أسندني فأخلص» (مز117:119). ليس العمل الذي وراء اعترافها هو الحسن، بل الحسن جداً أن تعترف به، فقول الحق عندما يشهد به الإنسان عل خطاياه يُحسب حقاً.
‏وعندئذ رفع المسيح النقاب عن شخصيته قليلاً وأخذ يسرد لها قصة حياتها كما في مرآة.
‏لأنه كان لها خمسة أزواج والذي لها الأن ليس زوجاً، ونحن لا نريد أن نخوض في ما لم يخض فيه المسيح، ولكن شيئاً واحداً كان واضحاً من كلام المسيح أن وراء حياتها مأساة من الخيانات واستباحة الحرام اعترفت به السامرية ليس للمسيح فقط، فهو يعرف كل شيء ولا يحتاج إلى تفصيلات، ولكنها اعترفت هي بنفسها لأهل مدينتها أيضاً؛ وإن أعظم الإعتراف ما جاء علنا: «وقالت للناس... إنساناً قال لى كل ما فعلت!!» (يو29:4)
‏حينما يستيقظ الضمير لا يعود يبالي بما يُقال عنه، بل يكون كل همه أن يقول هو عن نفسه، لا يعود ماضيه مخفياً وراءه، بل يصير مكشوفاً أماكه: «وخطيتي أمامي دائماً» (مز3:51). والجر‏ح الذي كان يخفيه يرفع عنه العصابة و يستعرضه لمن هو قادر أن يشفيه.
‏والمسيح في كشفه هنا لبقية سر مأساة السامرية إنما يكشف لها عن قدرته على محوها، وكأنه يكمل عنها اعتراف ما لم تقدر على الاعتراف به, ليستعيد لها صحة نفسها لتستضى عيناها وتراه على حقيقته.
 
أعلى