(2)
لكن بعض الأباء مثل امبروسيوس واعتقد أيضًا جيروم قد قالوا أن تعبير "ولا الابن" هو إضافة من الأريوسيين، فهذا التعبير جعلهم يفترضوا هذا الكلام، ومن جهة أخرى بعض العلماء في القرن العشرين اعتبروا أن تعبير "ولا الابن" لا يعود إلى الرب يسوع نفسه.......
ومن جهة أخرى رد عليهم بعض العلماء بأن من الصعب أن أي شخص في الكنيسة الأولى يبتكر تعبير "ولا الابن" وينسبه للمسيح لأن هذا من شأنه وضع صعوبة لاهوتية، حيث من البديهي أن يُطرح سؤال كيف "الابن" لا يعلم الساعة........
على الأقل منذ عهد أوريجانوس ونحن نواجه مشكلة مع هذا النص، وكان أوريجانوس نفسه بالتالي من أوائل الذين حاولوا تقديم حل لها. بعبارة أخرى: النص كان بالفعل منتشرا ثابتا أصيلا لا خلاف عليه (على الأقل حتى ذلك العهد) قبل أن يظهر أثناسيوس نفسه أو حتى تظهر الأريوسية عموما بحوالي قرن كامل. كيف إذاَ نزعم إن الأريوسيين هم مَن أضافوا هذا التعبير انتصارا لمذهبهم؟
تصدّى بالتالي لهذه المشكلة بشكل مباشر أولا أوريجانوس، ثم أثناسيوس، ثم هيلاري (أثناسيوس الغرب)، ثم أوغسطين (تلميذ أمبروسيوس)، ثم باسيليوس الكبير، ثم غريغوريوس اللاهوتي، ثم غريغوريوس التوري، ثم توما الأكويني، وغيرهم وغيرهم على مدار القرون. كل واحد من هؤلاء قدم شرحه الخاص لهذا النص، وكان بعض هذه الشروح فريدا مبدعا، لكن أحدا منهم على أي حال لم يشكك بأصالة النص نفسه.
في هذا السياق إذاً يمكن القول إن ما ذهب إليه أمبروسيوس وجيروم ـ من أن النص دخيل لا أصيل ـ كان هو نفسه بالأحرى نوعا من التصدي لهذه المشكلة ومحاولة إيجاد حل لها. مع ذلك فنحن في النهاية لا نستطيع قبول هذا الحل: أولا لأن النص موجود ومتداول كما ذكرنا حتى من قبل أن يظهر الأريوسيون. ثانيا لأن المخطوطات التي بحوزتنا لا تدعم هذا الاتجاه وإنما بالعكس تؤكد أصالة النص. ثالثا وأخيرا لأن أوغسطين ـ رغم كونه تلميذا لأمبروسيوس وصديقا لجيروم ـ لم يأخذ دعواهما فيما يبدو على محمل الجد وظل يعتبر النص أصيلا، من ثم قدّم هو نفسه أيضا إحدى التفسيرات الأخرى الممكنة حلا لهذه المشكلة.
الخلاصة التي أرمي إليها هي: لا يهم يا أستاذنا الحبيب في هذا المجال «مَن قال ماذا». ليس لكل رأي نفس "الوزن" النسبي الذي قد يكون لرأي آخر، وإلا صرنا كريشة في مهب الريح وأصابنا بالفعل التشتت وتفاقم إحساسنا بهذه "المعجنة" التي تشير إليها. أوغسطين كما ترى تجاهل تماما رأي أمبروسيوس ـ وهو معلمه ومرشده، وهو حتى الذي منحه سر المعمودية ـ وراح بالعكس يقدح زناد أفكاره ويسعى من أجل الوصول إلى حل أفضل.
***
ففي ضوء كل هذا حينما يقول القديس اثناسيوس الرسولي ما نقلته عنه، أحاول أن استوضح كيف نظر اثناسيوس لهذا التعبير في سياق مرقس 32:13.
تقول "ولا الابن" أي "ابن"... هذا بالفعل جاء في ذهني ولكن لاحظ أن نص إنجيل مرقس لم يقل "ابن" بل اعتقد أن هذه هي المرة الوحيدة التي قال فيها إنجيل مرقس لفظ "الابن"، ولم يقل أيضًأ القديس اثناسيوس تعبير "ابن".
مرة أخرى أحاول توضيح سؤالي أنا لا اسأل عن موضوع علم الساعة في سياق كلام اثناسيوس أو غيره من الأباء.... فقط أنا استوضح كيف نظر اثناسيوس لتعبير "الابن" في ظل هذه "المعجنة"
أعتقد أنك ربما تحمّل الأمر هنا أكثر مما يحتمل، تقوم بهذا "الإسقاط" الذي أشرت إليه في البداية، أو ربما كان القصور برسالتي السابقة فلم تصل الفكرة جيدا.
هناك باختصار لقبان للسيد المسيح على مدار الكتاب: ابن الإنسان، وابن الله.
"ابن الإنسان" هو اللقب الذي يستخدمه السيد المسيح نفسه دائما عندما يتحدث عن نفسه (وقد ورد 32 مرة في إنجيل متى وحده على سبيل المثال، 14 مرة في هذا الإنجيل مرقس). أما "ابن الله" فهو لقب يُقال عنه، أو يُخاطب به، لكنه هو نفسه لا يستخدمه. (حتى في محاكمته عندما سأله قيافا صراحة: «أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟» رد عليه: «أنت قلت! وأيضا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء»).
وعليه: عندما نقرأ في مرقس 13:
«وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا الملائكة الذين في السماء، ولا الابن، إلا الآب»:
إذا كان السيد المسيح هو الذي يتكلم هنا، وكان يتكلم عن نفسه، عرفنا بالتالي أن هذا "الابن" المقصود هو "ابن الإنسان"، لأنه هكذا يتحدث المسيح دائما عن نفسه.
ليس هناك بالتالي "معنى خاص" أو "رؤية فريدة" تتعلق بلفظ "الابن" تحديدا ـ لا عند أثناسيوس ولا عند غيره. الوحيد تاريخيا ـ فيما أعرف ـ الذي توقف عند كلمة "الابن" في هذا النص ـ وحاول حل المشكلة من هذه الزاوية ـ هو غريغوريوس التوري (538 - 594)، في معرض رده أيضا على الأريوسيين. (كانت فكرته ببساطة هي أن "الابن" هنا تشير إلى "شعب الله"، أي إلى "الأبناء" بالتبني. ولكن طبعا، ولأسباب عديدة، لم يلق هذا التفسير رواجا كبيرا).
***
أعتذر ختاما عن الإطالة، كذلك عن أي تقصير من جهتي في فهم ما تقصد، ولكن ما يزال الباب على أي حال مفتوحا دائما للحوار والنقاش والمشاركة. تحياتي ومحبتي.