حصريا : لمحبى بابا شنودة (ملف ضخم جدا وممتع )

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
حياتنا هى للَّه وحده

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



إنَّ اللَّه هو الذي وهبنا الحياة، فأصبحت هذه الحياة له. إننا نحيا لأجله، ونحيا به. ولا نستطيع أن نفصل حياتنا عنه. لذلك ما أجمل المبدأ الذي يقول: " إن عِشْنا فللربِّ نعيشُ، وإن مُتنا فللربِّ نموت. إن عِشْنا وإن مُتنا فللربِّ نحن ".

?? وفي مجال التطبيق العملي نقول: إن أكلنا، فمن أجل الرب نأكل، لكي نأخذ طاقة للجسد نستطيع بها أن نعمل ما يرضيه. وإن صُمنا، فمن أجل الرب نصوم، لكي تقوى الروح وتكون في صلة قوية باللَّه. إذن طاقة الجسد هى من أجله، وقوة الروح هى من أجله...

كذلك من أجل اللَّه نتكلَّم أو نصمت: من أجله نتكلَّم، فنشهد للحق وللإيمان وللبِرّ، ونعلن وصاياه للناس، ونعزي الآخرين ونقويهم، وننطق بكلام الحكمة النافعة للبنيان ... ومن أجل اللَّه نصمت، عاملين بقول الحكيم: " كثرة الكلام لا تخلو من معصية ". إذن نتكلَّم حينما يفتح اللَّه أفواهنا، ونصمت حين نخشى الخطأ في الكلام.

?? كل عمل نعمله، فمن أجل اللَّه نعمله ... نعمله له من أجل طاعته. ونعمله بنعمته والقوة التي يمنحنا إيَّاها. وهكذا لا يكون أي عمل من أعمالنا مستقلاً عن اللَّه. وهكذا بالرب نعيش، لا لأنفسنا ولا لأهداف خاطئة كما يحدث للبعض.

?? هناك أشخاص يعيشون لذواتهم فقط وبطريقة خاطئة: كل ما يريده الواحد منهم، هو أن يبني ذاته، ويحيط ذاته بالمتعة والرفاهية. ورُبَّما في سبيل ذلك يزيح الآخرين من طريقه ليبقى هو. وفي كل ذلك يكون الذي يعيش لنفسه فقط إنساناً أنانياً. وقد صدق المَثل القائل: " ما عاش قط مَن عاش لنفسه فقط ".

ينبغي أن توضع الذات في آخر القائمة، حينما تُرتَّب الأوليات. فنقول إنَّ اللَّه أولاً، ثم الآخرين، ثم الذات أخيراً. على أن هذا الترتيب لا يكون سليماً إن كانت فيه انفصالية عن اللَّه. فالعمل لأجل الآخرين والعمل لأجل الذات، ينبغي أن يكون كلاهما داخل الحياة لأجل اللَّه، وليسا منفصلين عنه. وهكذا يكون اللَّه هو الكل في الكل.

?? وقد يقول إنسان: أنا أعيش لأجل أولادي. فمن أجلهم يعمل ويتعب ويشقى. ومن
أجلهم يكنز مالاً ليترك لهم ميراثاً. والعناية بالأولاد واجب مُقدَّس. ولكن الخطأ هم أن يُركِّز الإنسان على أولاده، ويهمل واجباته تجاه الآخرين وتجاه اللَّه! أي يهمل نصيب اللَّه في ماله، ونصيب الفقراء أيضاً. الواجب إذن أنك فيما تهتم بأولادك، أن تهتم بباقي الناس أيضاً. وكما تحب أولادك وتعطيهم من تعبك وكدك، تحب أيضاً الفقراء والمحتاجين وتعطيهم من تعبك وكدك، وتحب المجتمع كله وتخدمه وتبذل لأجله. وتكون محبتك للكل هى داخل محبتك للَّه. فالمفروض أن يكون الحب كله للَّه، والتعب كله للَّه. ومحبة الأبناء ومحبة الناس جميعاً داخل محبتك للَّه. كما تكون محبتك الأولى لأولادك، هى أن تجعلهم يعرفون اللَّه ويحبونه.

?? لا تجعل للَّه منافساً في محبتك، سواء كان المنافس شخصاً أو شيئاً. وهكذا تحب اللَّه من كل قلبك ومن كل فكرك، وبكل إرادتك. ثم تحب الناس جميعاً داخل محبتك للَّه. أي لا تتعارض محبتك لأحد منهم مع وصية من وصايا اللَّه.

إننا نعيش للرب لأنه خلقنا. لم يكن لنا وجود فأوجدنا. منحنا هذا الوجود فصرنا له. ونحن نعيش حياتنا الحالية معه كعربون للحياة الأبدية، نعيش للرب هنا لكي نستحق أن نعيش معه في السماء.

?? والذي يعيش للرب، يظهر ذلك في فضائل كثيرة يحياها، أو تتميَّز بها حياته. إنه يُسلِّم حياته للَّه، ويعيش في حياة الطاعة له. وبالتالي يحيا حياة الفضيلة والنقاء. ويُنفِّذ وصايا اللَّه عن حب لا عن تغصب. ولا يهتم بشهوات المادة والرغبات الفانية. وقد صدق أحد الآباء حينما قال: " خير الناس مَن لا يُبالي بالدنيا في يد مَن كانت ". لذلك فالذي يعيش لأجل اللَّه لا يهتم ولا يضطرب لأجل أمور كثيرة، متيقناً أن الحاجة الحقيقية هى إلى واحد وهو اللَّه. وقد اختار الأبرار هذا النصيب الصالح.

?? والذي من أجل اللَّه يعيش، لا يخاف الموت. بل يقول: ونحن من أجل اللَّه نموت. أي نموت لكي نلتقي باللَّه في الحياة الأخرى، راجعين إليه من غربة هذا العالم لكي نحيا معه ومع ملائكته في ملكوته السماوي. وعبارة نموت للرب قد يقولها أيضاً الشهداء، والذين يبذلون حياتهم بأية الطرق من أجله.

لذلك يحسن بك أن تتأمَّل في السماء وفي الحياة الأخرى وفي عِشرة الملائكة وعِشرة الأبرار والقديسين. حينئذ تشعر أن الموت هو مُجرَّد جسر ذهبي يصل بين الأرض والسماء، وبين الحياة الوقتية والحياة الأبدية.

?? كذلك مما يساعدك على الحياة مع اللَّه السلوك في شتى الفضائل التي تشعر بها أنك مع اللَّه، وأن اللَّه معك، وأنك تحيا في طريقه، وتُنفِّذ مشيئته على الأرض. وما أسهل أن تُدرِّب نفسك على ذلك، ولو واحدة بواحدة ... وثق أنك كُلَّما عشت في حياة الفضيلة، تستطيع أن تقول بثقة: " مع الرب نعيش ".

?? يُساعدك أيضاً في هذا المجال أن تتأمَّل في صفات اللَّه الجميلة ... تتأمَّل في اللَّه
الشفوق الحنون، وفي اللَّه المُعين، المُغيث، الرازق، المُعطي، وفي اللَّه القادر على كل شيء الموجود في كل مكان، الناظر إلى كل ما نفعله، والسامع لكل ما نقوله ... وإلى غير ذلك من الصفات الإلهية المحببة إلى النفس ... حينئذ ستشعر أنك تعيش مع هذا الإله الذي تحبه وتحب كل صفاته.

?? مِمَّا يساعدك أيضاً أن تعيش مع اللَّه، أن تزداد صلتك به عن طريق صلواتك. ولا أقصد فقط الصلوات المحفوظة التي يُصلِّيها الكل، وإنما أقصد بالذات الصلوات الشخصية التي تتخاطب فيها مع اللَّه بقلب مفتوح وبلسان صريح، تجعله يشترك معك في كل عمل تعمله، ويوحي إليك بكل كلمة تقولها، وتكون لك مشيئة توافق مشيئة اللَّه، في حياتك وحياة الآخرين.

?? ولكي تعيش مع اللَّه ينبغي أن تجعل اللَّه يملأ قلبك وفكرك، ويقود خطواتك ورغباتك، وبقدر الإمكان يشغل نصيباً طيباً من وقتك. ذلك لأنَّ الذي ينشغل وقته بأمور تافهة عديدة ورُبَّما بأمور تبعده عن اللَّه كثيراً ... فهذا لا يمكن أنه يشعر أنه يحيا مع اللَّه.

?? لذلك أحب أن تدرِّب نفسك على الحياة مع اللَّه ولو يوماً يتدرج إلى يومين ثم إلى أسبوع. فإن أتقنت ذلك تستطيع أن تجعل حياتك كلها مع اللَّه، وليكن اللَّه معك يقويك ويعينك.

 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
لا للشكلية والحرفية

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



?? الإنسان الفاضل يهتم بعُمق الأمور وليس بشكليتها. ومن جهة تعامله مع وصايا اللَّه، يهتم بروحانيتها وليس بحرفيتها. ذلك لأنَّ الشكليات هى المظهر الخارجي. والإنسان الروحي لا يهتم بالمظهر إنما بالجوهر. وليس هذا فقط من جهة الأمور الدينية، وإنما حتى في الأمور الإدارية والمدنية والحياة عامة. وسنحاول في هذا المقال أن نتناول العديد من الأمثلة لشرح هذا الموضوع:

?? كان اليهود وبخاصة أيام إشعياء النبي يهتمون بالعبادة الشكلية من صلوات وأصوام وتقديم ذبائح والاهتمام بالاحتفالات والأعياد الدينية، بينما هم بعيدون عن اللَّه تماماً. ولذلك رفض اللَّه صلواتهم وقال لهم: " حين تبسطون أيديكم، أستُرُ وجهي عنكم. وإن أكثرتم الصلاة لا أسمع. أيديكم ملآنة دماً ". وقال عنهم أيضاً: " هذا الشعب يُكرمُني بشفتيه، أمَّا قلبه فمُبتعدٌ عني بعيداً ". حقاً إن اللَّه يُريد العبادة التي من القلب وليس مُجرَّد الشكليات الخارجية.

?? مثال آخر، قد يركع الإنسان ويسجد. ويظن أن السجود هو إنحناء الجسد أو مُجرَّد ملامسة الرأس للأرض. ويهتم بهذه الشكلية ويكتفي بها. بينما روحانية السجود هى إنحناء الروح مع الجسد أيضاً، وهذا لا يأتي إلاَّ بخشوع النَّفس من الداخل. وسجود الإنسان الخاشع أمام اللَّه يختلف تماماً عن مُجرَّد السجود الخالي من خشوع القلب. وجوهر السجود هو الشعور بعظمة اللَّه وهيبته، فأمامه تنحني الرأس حتى تلامس الأرض ويشعر الإنسان إنه
لا عظمة له أمام عظمة اللَّه. وهكذا قال داود النبي في مزاميره: " لَصِقَتْ بالتُّراب نَفْسِي ". ولم يقل لصقت بالتراب رأسي.

?? الصلاة أيضاً ليست مُجرَّد ألفاظ نُردِّدها. فهذا الترديد هو مُجرَّد شكلية الصلاة.
إنما الصلاة في جوهرها، هى صلة اللَّه ومن هذا أخذت اسمها. والصلاة في عمقها هى
انفتاح القلب للَّه، بكل خشوع، وكُل حُب، وكل إيمان. لذلك عجيب جداً أن يُصلِّي إنسان،
أو يظن إنه يُصلِّي، بينما لا توجد صِلة بينه وبين اللَّه فيما يسميها صلاة!! فإن كانت لك مثل هذه الصلاة الشكلية التي رُبَّما تكون أيضاً بلا فهم وبلا مشاعر، فقل لنفسك في صراحة تامة: " أنا ما وقفت أمام اللَّه لكي أعدّ ألفاظاً!! "... إن علاقتك باللَّه في الصلاة ليست علاقة مع شفتيك إنما مع قلبك قبل كل شي.

?? نطبق هذا الأمر أيضاً من جهة العطاء أو الصدقة. فجوهر العطاء هو أن تعطي من قلبك ومن حبك لا أن تعطي من مالك ومن جيبك. لأنَّ البعض قد يعطي بغير مشاعر،
لمُجرَّد التنفيذ الحرفي لوصية اللَّه، أو يعطي حياء منه حينما يطلب ذلك منه، أو يعطي وهو متذمِّر، أو يعطي الفقراء وهو يحاسبهم حساباً عسيراً ويقول أحياناً: هذا مستحق وهذا غير مستحق. أو يعطي مجاملة لبعض المشروعات الاجتماعية التي تقوم بها بعض الهيئات ...
وفي كل ذلك يظهر أن القلب غير مشترك في العطاء، أو أن العطاء غير مرتبط بمحبته للمحتاجين واشفاقه عليهم، أو يعطي بشيء من التعالي والافتخار!! كل ذلك هو لون من الحرفية في العطاء أو الشكلية التي تخرج عن روح المحبة والشفقة والمشاركة الوجدانية مع أولئك المحتاجين. أمَّا الإنسان الروحي فيرى أن المُعطي الحقيقي هو اللَّه. وأن ما يعطيه هو للناس قد أخذه من اللَّه ليوصله منه إليهم، في اتضاع وإنكار للذات.

?? بنفس المنطق نتكلَّم من جهة الصوم. فروحانية الصوم هى في إخضاع الجسد وضبط النفس، تمهيداً لأن يكون ذلك منهج حياة. غير أنه قد يوجد شخص يهتم بالشكل فقط،
أي مُجرَّد فترة الانقطاع عن الطعام. ثم بعد ذلك يعطي جسده ما يشتهيه بغير انضباط! وبهذا فإن ما ينتفع به في صومه، يفقده بعد إفطاره. ويذكرني هذا الأمر بقول أمير الشعراء أحمد شوقي عن زجاجة الخمر:

رمضان ولَّى هاتها يا ساقي .. مشتاقة تسعى إلى مشتاق

بينما روحانية الصوم تقول إن الذي امتنع شهراً من الزمان عن زجاجة الخمر،
من المفروض أنه قد وصل إلى قوة الإرادة التي يرفض بها تلك الزجاجة. ولا يقول عنها إنه مشتاق يسعى إلى مشتاقة.

?? نقطة أخرى وهى أن اللَّه ـ تبارك اسمه ـ قد وهبنا يوماً في الأسبوع ليكون يوماً مخصصاً لعبادته، ولهذا أيضاً جميع البلاد تُعفي الموظفين من العمل في هذا اليوم. غير أن كثيرين ينسون جوهر هذا اليوم ويعتبرونه مُجرَّد يوم عطلة يقضونه كيفما يشاؤون دون أن يدخلوا إلى العمق ويخصصوه كله لعبادة اللَّه وخدمته.

فاسأل يا أخي نفسك عن موقفك من هذا اليوم، وهل أنت تخصص للَّه جزء يسيراً منه أم تعطيه اليوم كله؟ ... ونفس الكلام نقوله عن الأعياد والمواسم الدينية وجوهرها وليس حرفيتها، ومقدار نصيب اللَّه منها؟! وهل هى لمجرد اللهو أم لها طابع التقديس؟!

?? ننتقل إلى نقطة أخرى وهى خدمة المجتمع، سواء الخدمة الفردية أم ما تقوم به بعض المؤسسات من خدمة عامة أو اجتماعية ... فهل الذي يقوم بهذا العمل يعتبر خادماً للمجتمع بقدر ما تحمل هذه الكلمة من معنى؟ أم أن هؤلاء الخدام ينسون كلمة خدمة. ويرتفع قلبهم، ويتسلطون في مواقع خدمتهم، ظانين أن عضويتهم في تلك المؤسسات أو الجمعيات
أو رئاستهم لها تعطيهم السلطة فيما يخدمون. وهكذا يكونون قد فقدوا جوهر الخدمة ومعناها، وأصبحت الخدمة بالنسبة إليهم مجالاً لإظهار الذات، أو مُجرَّد أعمال إدارية ومالية يقوم بها الأعضاء، أو مُجرَّد أنشطة لتلك الهيئات وفي كل ذلك ينسون جوهر الخدمة وعُمقها وروحانيتها.

?? موضوع الشكليات يدخل أيضاً في نطاق الأخلاقيات. فرُبَّما شاب يظن أنه عفيف لأنه
لم يرتكب الخطية عملياً، بينما شهوة الخطيئة في قلبه تملأ أفكاره وأحلامه. وعن مثل
هذا الشخص قال القديس چيروم: " هناك اشخاص لهم عفة في أجسادهم، بينما أرواحهم
زانية "،... بنفس الوضع إلى حد ما في الاهتمام بالشكليات، تلك الفتاة التي تظن أن كل العفة في اختيار نوع ملابسها، وليس في نقاء القلب أو طهارة السلوك!!

?? نذكر في هذا المجال أيضاً، الاحترام الشكلي. فقد يوجد أشخاص في العمل يقابلون رؤساءهم بمظهر من الاحترام الشديد والطاعة، بينما قلوبهم بغير ذلك ... وبنفس المنطق الذين يتحدَّثون كثيراً عن الوطنية واحترام بلادهم، بينما في جوهر حياتهم لا يخدمون وطنهم كما ينبغي بل يركزون على ذواتهم كيف ينتفعون من كل وضع أو مركز يوجدون فيه. وينظرون إلى الوظائف على أنها مُجرَّد مجال للكسب المادي وليس لخدمة المجتمع. ومن هذا الوضع نائب الدائرة الذي ينسى إنه في خدمة الدائرة. وتصبح الدائرة هى التي خدمته باختياره نائباً!!



 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة
خطايـا الجهـل

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

جريدة الأهرام



قد يُخطئ شخص عن شهوة أو سوء نيَّة، وقد يُخطئ آخر عن جهل. ويدخل في نطاق الجهل: عدم المعرفة، وعدم الفهم، وسوء الفهم. ويقع في هذا الأمر العديد من الناس. وحينما نقول ( عدم المعرفة )، لا نقصد المعنى المُطلَق لهذه الكلمة، إنما معناها بطريقة جزئية،
أي عدم معرفة الشيء الذي يخطئ فيه، أو عدم فهمه له، أو سيء فهمه له ... وينطبق هذا الأمر على كثيرين، حتى من الكبار ... وسنحاول في هذا المقال أن ندخل في تفاصيل هذا الموضوع:

?? من الأمثلة الواضحة: بعض سكان القرى الذين يعيشون في جهل بأشياء عديدة. يأتي إليهم مَن يقودهم فكرياً في إتجاه مُعيَّن سياسي أو مذهبي أو اجتماعي. فيرددون ما يُقال لهم عن غير وعي أو غير فهم، وقد يتحمَّسون لِمَا سمعوه وينشرونه فيخطئون عن جهل. ويذكرني ذلك بما قاله أمير الشعراء أحمد شوقي في كتابه ( مصرع كليوباترا ) عن مثل هذا الشعب:

أثّر البهتان فيهِ
يا له من ببغاءٍ
<!--[if !supportLineBreakNewLine]-->
<!--[endif]-->
..

..
وانطوى الزور عليهِ
عقله في أذنيهِ
<!--[if !supportLineBreakNewLine]-->
<!--[endif]-->


وللأسف قد يقع في هذا الأمر أيضاً بعض الكبار من المُتعلِّمين والمثقفين وأصحاب المناصب. ولكنهم على الرغم من ثقافتهم في مجال اختصاصهم، فإنهم على جهل بما قيل لهم، فتأثروا به وأخطأوا وانقادوا كغيرهم!!

?? هنا وأذكر حرب الشائعات: يطلق بعضهم شائعة مُعيَّنة، أو ينشرها في إحدى الصحف ووسائل الإعلام، وقد تكون بعيدة عن الحقيقة كل البُعد. ومع ذلك تجد مَن يصدقها ويتأثَّر بها. ورُبَّما يرتكب تبعاً لذلك أخطاء عديدة، تكون أيضاً أخطاء عن جهل...

وتدخل في هذا الموضوع دعايات عديدة خاطئة ومغرضة تسير في إتجاه غير الحقيقة. ومَن يتبعها يخطئ عن جهل!

?? ولقد صادف السيد المسيح بعضاً من قادة اليهود، مثل الكتبة والفريسيين والصدوقيين، كانوا يقودون الشعب في طريق خاطئ، مع أنهم من رجال الدين! وذلك بتفسيرهم الدين تفسيراً منحرفاً. والذين ساروا وراءهم أخطأوا. وكانوا لا يدرون ماذا يفعلون! ولذلك قال السيد المسيح عن أولئك القادة: إنهم أغلقوا أبواب الملكوت أمام الناس، فما دخلوا هم، ولا جعلوا الداخلين يدخلون! كما قال عنهم أيضاً إنهم قادة عميان، ينطبق عليهم المَثَل القائل: " أعمى يقود أعمى، كلاهما يسقطان في حفرة "!

أليس عجيباً أن يصدر الجهل مِمَّن يدّعون أنهم مصادر المعرفة! ومَن يثق بهم ويُصدِّقهم، يخطئ عن جهل...

?? من العجيب أيضاً أن الإلحاد يدل على جهل، مع أن ناشريه يوصفون بأنهم فلاسفة! ولكنهم على جهل باللَّه، وجهل بنشأة الخليقة ومصدر الطبيعة، وجهل بالعالم الآخر وبالملائكة والحياة بعد الموت...! ولو كانوا على عِلم أو ذوي معرفة، لعرفوا أن " السموات تُحدِّث بمجد اللَّه، والفَلَك يُخبر بعمل يديه " كما ورد في المزمور. من أجل هذا كله، قال داود النبي أيضاً في المزمور: " قال الجاهل في قلبه: ليس إلهٌ "! فوصفه بأنه جاهل، حتى لو كان من الفلاسفة، ومهما إدَّعى لنفسه من العلم...

?? يمكننا أن نقول أيضاً أن عبادة الأصنام كانت لوناً من الجهل بطبيعة اللَّه الكلي المعرفة والقدرة، إذ كيف يمكن أن يعبد الناس وثناً لا يعقل ولا يتكلَّم، وقد صنعوه بأنفسهم من الحجارة أو المعادن؟!

?? لذلك، من أجل مقاومة الجهل بالدين، أرسل اللَّه ـ تبارك اسمه ـ الأنبياء، وأقام المُعلِّمين والمرشدين، لكي ينقلوا الناس من ظلمات الجهل إلى النور. كما أمر الوالدين في كل أسرة أن يُعلِّموا أبناءهم، ويثبِّتوهم في معرفة اللَّه والإيمان به.

وبهذه المناسبة أقول إن بعض الأمهات، إذا أخطأ طفل واحدة منهن، تقول له إنك بذلك
" ربنا يزعل منك ". وتُكرِّر هذا الكلام في كل خطأ، فينشأ الطفل غاضباً من اللَّه الذي باستمرار يتضايق منه!

?? ومن أجل التوعية والإرشاد، أوجد اللَّه في أعماق كل إنسان ضميراً يهديه إلى الخير، ويُبِّكته إذا أخطأ. والضمير السليم هو قاضٍ عادل في أحكامه. ولكن قد يحيطه الضباب في بعض الأمور، فلا يُميِّز أين الصواب وأين الخطأ! لهذا أرسل اللَّه الوحي الإلهي في كتبه المقدسة، لإرشاد الناس عن يقين، حتى لا يخطئوا عن جهل.

?? إن الجهل له أيضاً تأثيره القوي في الحياة العملية. وسنضرب لذلك بعض الأمثلة:

ومن أهمها جهل البعض بمفهوم الحرية. وظنهم أنه من حق الإنسان أن يفعل ما
يريد، دون أن توقفه وصايا اللَّه، ولا قواعد النظام العام، ولا العرف السائد!! وهكذا فإنَّ
الـ Liberals ( أي المتحررين ) في بعض بلاد الغرب يسمحون بزواج المثل Home sexuality باعتبار أن ذلك يدخل في الحرية الشخصية! كما يسمحون أيضاً بحرية المرأة في إجهاض جنينها دون أي قيد أو شرط. كما يسمحون أيضاً ـ في نطاق الحرية ـ بأخلاقيات أخرى منحرفة! وكل ذلك يدل على جهل بمفهوم الحرية ونطاقها.

?? كذلك قد يُخطئ الإنسان عن جهل بمفهوم العظمة، حينما يظن أن العظمة في التعالي والتباهي، وفي أن يأمر وينهي، ويرغم الغير على الخضوع له، وأنَّ العظمة أيضاً هى في المال والمناصب! بينما كل هذه مُجرَّد مظاهر خارجية. أمَّا العظمة الحقيقية فهي الشخصية المتكاملة، المتجملة بالعقل والحكمة وسائر الفضائل...

?? أيضاً ما أكثر ما يخطئ الإنسان عن جهل بمفهوم السعادة. فالبعض يظنون أن السعادة في اللهو ومتعة الجسد، وفي الجاه والغنى. فينهمكون في اللذة الزائفة. وفيما يظنون أنهم يسعدون أنفسهم، فعلى العكس يهلكونها عن جهل.

?? وهناك أيضاً مَن يخسرون حياتهم الزوجية، لجهلهم بحقوق كل زوج تجاه الآخر، وبطبيعة الحياة الأسرية وطريقة حل مشاكلها.

?? وأخيراً، يوجد مَن يُضيِّع نفسه، لجهله بحقيقة نفسه وما يلزمها ههنا وفي الأبدية. لذلك صدق ذلك الحكيم الذي قال: " اعرف نفسك ".




 

asmicheal

احبك ربى ياقوتى
عضو مبارك
إنضم
16 يونيو 2009
المشاركات
14,498
مستوى التفاعل
232
النقاط
63
الإقامة
مصر ام الدنيا - القاهرة

فاصل ثم عودة

للمقالات



:download:
موسوعة تحتوى على اكثر من 1000 سؤال اجاب عنه قداسة البابا شنودة فى المحاضرات الاسبوعية (اثني عشر جزء كل جزء يحتوى على 100سؤال) وهم كالأتى :




الجزء الاول




الجزء الثانى




الجزء الثالث




الجزء الرابع




الجزء الخامس




الجزء السادس





الجزء السابع




الجزء الثامن





الجزء التاسع




الجزء العاشر




الجزء الحادى عشر




الجزء الثانى عشر



والمجأة الجميلة بقى ان كل جزء موجود فيه فهرس لكل الاسئلة اللى جاوب عليها قداسة البابا فى الجزء
منقول



:download:
 
أعلى