عدم عودة المسيحيين إلى الموصل يثير مخاوف تلاشي تراثهم وثقافتهم وكنائسهم

paul iraqe

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
3 يناير 2014
المشاركات
15,606
مستوى التفاعل
1,314
النقاط
113
الإقامة
IRAQ-BAGHDAD
عدم عودة المسيحيين إلى الموصل يثير مخاوف تلاشي تراثهم وثقافتهم وكنائسهم


articles_image120200822070409mPoA.jpg

عشتار تيفي كوم – ايزيدي 24/
جميل الجميل
منذ أكثر من ثلاثة أعوام حرّرت القوّات العراقية مدينة الموصل ومحافظة نينوى بشكل عام من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وبدأت الحياة تعود تدريجيا حتى يومنا هذا إلى مدينة الموصل ومحافظة نينوى، إلّا أنّ مدينة الموصل لا زالت فارغة من المسيحيين الذين كانوا يشكّلون نسبة كبيرة من سكانها عدا بعض العوائل المرتبطة في العمل في الجانب الأيسر من الموصل.
أقام نشطاء الموصل مئات المبادرات التي دعت إلى عودة المسيحيين إلى الموصل، مع منظمات دولية ومحلية وأنشطة مجتمعية حملت رسائل الثقة والمحبة والعلاقات التاريخية، كما وبادر محافظ نينوى نجم الجبوري عدّة مبادرات تحتوي على رسائل مهمة لإعادة المسيحيين إلى الموصل.
لا زالت بيوت المسيحيين الموصليين فارغة حتى الآن، حتى أنّ بعض البيوت تحوّلت إلى مقرّات للفصائل المسلحة وأخرى إلى بيوت تسكنها عوائل مسلمة من مدينة الموصل كان تنظيم داعش قد وهبها لهم ليسكنوا فيها.
قال سعدون إبراهيم لـــ إيزيدي 24 وهو أحّد المسيحيين من سكان الموصل القديمة ” عام 2007 تعرّضنا إلى التهديد من قبل عناصر القاعدة، وبعدها تركنا الموصل وانتقلنا إلى سهل نينوى وبعد سيطرة داعش على محافظة نينوى إنتقلنا إلى محافظة دهوك حتى تحرير محافظة نينوى، ذهبنا ووجدنا بيتنا مهدّم بالكامل، وعدنا إلى سهل نينوى ونحن نعيش في سهل نينوى”.
وأضاف إبراهيم” لم يعد بوسعنا العودة إلى الموصل بسبب أنّ أغلب المسيحيين سافروا إلى خارج العراق، ولا يوجد أيّ تعويض من قبل الحكومة كما أنّ الكنائس أغلبها مهدّم وأصبحت عبارة عن أطلال في بعض المناطق”.
وأكّد إبراهيم ” لم يعد لدينا ثقة في هذه الحكومة وأيضا في أغلبية الناس الذين كنّا نعيش معهم بسبب أنّنا فتحنا لهم بيوتنا والبعض منهم حينما جاءته الفرصة إستغلّها وساهم في تهجيرنا”.
لقد كان تفريغ مدينة الموصل من المسيحيين وتهجيرهم منها بعد سيطرة تنظيم داعش في يوم 10 حزيران 2014، على مدينة الموصل، وانسحاب الجيش العراقي من مدينة الموصل، حيث أعلن تنظيم داعش عن الخلافة الاسلامية وتنصيب أبو بكر البغدادي كخليفة لَهُم، وتكوين دولة غير معترف بها دوليا، وبدء تطبيق الشريعة الاسلامية في المدينة.
وواجه المسيحيون في البداية ظروفا صعبة، وذلك لعدم إستقرار الوضع الأمني نسبيا، وتهديد حياتهم بالخطر أيضًا، وكانت العوائل المسيحية تشعر بالخوف وعدم الأطمئنان حتى من أقرب الناس لهم ومن جيرانهم، حيث كتبت علامات واشارات على جدران المنازل الخاصة بالمسيحيين كعبارة (عقارات الدولة الاسلامية) بالإضافة إلى حرف ( ن ) والمقصود به نصارى، كما تم منع المسيحيين من استلام المواد الغذائية من قبل مسؤولي توزيع التموين وذلك للتمييز العنصري والديني كما قطعت عنهم الرواتب الحكومية.
في الثاني عشر من تموز نشر البيان الخاص بأحوال المسيحيين من أهالي الموصل بالمنشورات الورقية وعبر مكبرات الصوت ولأجل تخييرهم مابين الدخول في الإسلام أو دفع الجزية أو القتل، ولاحقا تم تبديل البيان ببيان آخر جديد في يوم 17 تموز يخير فيه المسيحيين بين مغادرة المدينة أو القتل، وسبب ذلك نتيجة رفض البيان الأول حيث تم تحديد مدة 24 ساعة لخروجهم ومصادرة املاكهم في مدينة الموصل وان لم يخرجوا فسوف يتعرضون للقتل.
غادر المسيحيون من مدينة الموصل بعد اجبارهم على المغادرة متجهين نحو مدن سهل نينوى واقليم كردستان وكان عددهم عشرات الآلاف ولقد تعرضوا اثناء مغادرتهم إلى نهب وسرقة مقتنياتهم الشخصية من أموال وحلي وهواتف نقالة وملابس بالإضافة إلى سلب المستمسكات الثبوتية الشخصية منهم ولعب الاطفال من قبل حراس السيطرات على مخارج المدينة والمعينين من قبل تنظيم داعش بذريعة امتثالهم لأوامر الخليفة القاضية بخروجهم بانفسهم فقط.
بعد التهجير القسري للمسيحيين اصبحت الموصل شبة خالية من المسيحيين حيث لم يبقى الا القليل منهم في دور العجزة ودور الايتام وآخرين لم يستطيعوا الخروج، وبعد تهجير المسيحيين دخلت عصابات تنظيم داعش إلى الكنائس ونزعوا الصُلبان عنها، وحرقوا أجزاء منها، ومن بينها كنائس أثرية وتراثية قديمة يعود بناؤها إلى مئات السنين، وحولوا بعض من الكنائس إلى مساجد ومقرات لهم، ولقد استولى تنظيم داعش على املاك وبيوت المسيحيين وسرق محتوياتها ثم حرقها وفجرها، ولقد اذاع لاحقا تنظيم داعش بيانا يطلب فية عودة الأهالي المسيحيين إلى الموصل شرط دخولهم في دين الإسلام والسماح لهم بالعودة إلى منازلهم وسيرفع عنهم الجزية مقابل ذلك.
كان هناك القليل من المسيحيين الذين لم يستطيعوا المغادرة، ومنهم من كانوا اطفالا في دور الأيتام حيث تدخلت الراهبتين عطور يوسف ومسكنتة لانقاذ الاطفال وهم فتاتين سارة خوشابا وهالة سالم وطفل يدعى آرام صباح وتم خطفهم جميعا في منطقة الخزرج قرب دار مطرانية الكلدان القديمة إذ كانوا في طريقهم إلى الخروج من الموصل باتجاه دهوك حيث فقد الاتصال بهم هناك ثم افرج عنهم بعد عدة ايام ولقد كانوا يصلون طيلة فترة احتجازهم من اجل اطلاق سراحهم ومن اجل ان يعم السلام في العراق، اما الذين كانوا في دور العجزة فقد تم اخراجهم بالقوة بالرغم من كبر سنهم وضعف حالتهم الجسدية من قبل مسلحي داعش بعد ان تم الاستيلاء على كل ما يملكون من نقود وحلي ومستمسكات رسمية وحتى الاغراض البسيطة ثم تم ارسالهم إلى المحكمة الشرعية التابعة لداعش وتم الحكم عليهم لاحقا بالنفي من الموصل وتم طردهم خارج المدينة حيث ذهبوا إلى منفذ سيطرة الخالدية مابين محافظة نينوى ومحافظة كركوك وبجهود جبارة قام بها البطريرك مار لويس ساكو و المطران يوسف توما رئيس ابرشية كركوك والسليمانية و عماد يوخنا ياقو عضو البرلمان العراقي و عماد متي في استحصال الموافقات الاصولية من قبل إدارة محافظة كركوك للسماح لهم بالعبور إلى المحافظة وذلك لان المعبر كان مسدوداً حيث انه كان خط التماس بين قوات البيشمركة وداعش 30 كم غرب كركوك، ولقد تم استقبالهم هناك من قبل السيد عماد متي والذي نقلهم إلى مطرانية الكلدان في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، اما البقية الذين بقوا لعدم امكانيتهم الصحية ولاسباب أخرى قد أرغمهم داعش على تغيير دينهم قسراً والدخول إلى الإسلام وقد اجبروا على ذلك خوفا من بطش داعش حيث ارغم التنظيم العوائل التي بقيت في الموصل على اعتناق الإسلام وقدر عدد العوائل التي بقيت بحوالي 25 عائلة لم تستطع الخروج من المدينة لأسباب طبية، وبعض هذه العوائل هاجمها المسلحون واقتادوها إلى المحكمة الشرعية لداعش وهناك عوائل لم تخير بين دفع الجزية أو اعتناق الإسلام بل خيرت فقط بين الإسلام والسيف.
أشارت ماريا بلبول لـــ إيزيدي 24 وهي مواطنة مسيحية من الموصل وتسكن حاليا في استراليا ” كنّا نعيش قبل عام 2003 في مدينة الموصل وكنّا أكثر من 500 عائلة إذا كان تركّز المسيحيين أغلبهم في الموصل، ولكن بعد عام 2003 بدأ عدد المسيحيين في تراجع مستمر بسبب أعمال العنف التي شهدها المسيحيون في مدينة الموصل من قتل وخطف وتهجير، وبعد عام 2007 تناقص عدد المسيحيين في مدينة الموصل تدريجيا حتى وصل إلى ما يقارب 150 عائلة”.
واجزمت بلبول ” بأنّ المواطن المسيحي لن يعود إلى مدينة الموصل حتى بعد تحريرها بسبب أنّ أغلب أقربائه سافروا إلى خارج العراق وأنّ الثقة لا زالت تحت الصفر عند المواطن المسيحي كما أنّ المسيحيين الموصليين المتبقين قد فضّلوا العيش في أربيل ودهوك، ناهيك عن تعدد الفصائل المسلحة وخطورتها على مستقبل المسيحيين، ووجود شرخ في التعايش وقلة فرص العمل”.
وختمت بلبول ” بأنّ رجال الدين المسيحيين أيضا لهم دور كبير في عدم عودة المسيحيين إلى مدينة الموصل، لأنّهم لم يساهموا في العودة ولم يطالبوا بعودة المسيحيين وتعويضهم، وأنّ وجود المسيحيين في مدينة الموصل سيزول حالها حال اليهود”.
وإنتهت معركة الموصل عام 2017 والتي أطلقها الجيش العراقي في أكتوبر 2016 لتحرير مدينة الموصل العراقية من سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام. حيث أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي رسميا تحرير المدينة في 10 يوليو 2017. وكانت مدينة الموصل تعتبر أهم مراكز تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق منذ سيطرته عليها في يونيو 2014 ابان انتصار التنظيم في معركة الموصل الأولى وانسحاب القوات الحكومية من المدينة والتي شهدت انتهاكات واسعة تجاه المدنيين بحسب ما ذكرته منظمة هيومن رايتس ووتش.
ولا زالت مناشدات ودعوات حكومية ودولية تسعى إلى أعادة المسيحيين إلى مدينة الموصل لكن كلّ هذا لم ينفع، حتى أنّ أهم أسباب عدم عودتهم ناهيك عن الثقة والشعور بالأمان، بل يتعدى إلى مبادرات رجال الدين المسيحيين المسؤولين عن كنائس الموصل بالإضافة إلى قلّة الدعم الحكومي والدولي لتعويض المسيحيين وضعف الحصول على فرص العمل.
 
أعلى