أولا أنتِ في صلاواتنا يا أستاذة
حياة دائما ـ
ويوميا ـ دون حتى أن تطلبي.
ثقي وتأكدي من هذا يا صديقتنا الغالية. نسأله إلهنا القدير الرحوم أن يعطيك القوة والتحمل والصبر، أن يترأف على ضعفك وضعفنا، أن يمد يده بالشفاء والراحة وأن يأذن حسب مشيئته الصالحة فترتفع عن جسدك سائر آلامه وتزول عن قلبك سائر همومه وأحزانه.
ثانيا يبدو أنك لا تتبعين أي "تكنيك" لمواجهة الألم: لماذا؟ هناك بالطبع المسكنات المختلفة، ولكن هناك أيضا تكنيكات وأساليب "
عقلية" لمواجهة الألم. اسألي طبيبك عن هذا فهم خاصة بالغرب لديهم بالتأكيد ولو فكرة عن ذلك. اسأليهم عن أي تدريب لـ"
إدارة الألم" خاصة التدريبات التي تحتوي على "
تمرينات التنفس" مثلا. ابحثي أيضا عن هذه الكلمات على الشبكة، أعتقد أنك ستجدين بمشيئة الرب شيئا ما ـ حتى بالعربية ـ يساعد على الأقل في تخفيف الألم.
على أي حال الفكرة وراء معظم هذه التكنيكات أو الأساليب هي أننا لا نبدأ كالعادة برفض الألم وإنما على العكس
بقبول الألم. رفض الألم ومقاومته يؤديان إلى مضاعفة الإحساس به. حتى الجسد نفسه والعضلات والأوعية الدموية كلها تنقبض بشدة عند منطقة الألم ـ بسبب هذه المقاومة ـ وهذا مما يزيد الإحساس بالألم وقد يعطل حتى عملية الشفاء.
بشكل عام ـ حتى مع
الآلام النفسية ليس فقط الجسدية ـ هناك دائما "حقيقة" أو "واقع"، وهناك دائما في المقابل "
أفكار" عن هذا الواقع. الواقع نفسه ليس جيدا أو سيئا. أفكارنا عنه هي التي تحدد ذلك. فإذا حكمت أفكارنا على أي حدث أو شيء أو شخص فقالت "سيء" مثلا: بدأ فوريا رفض العقل له ومقاومته. فإذا بدأت
المقاومة بدأت بالضرورة المعاناة وبدأ الألم. المشكلة إذا ليست هي الواقع نفسه وإنما هي "
حكمنا" عليه أولا ثم "
مقاومتنا" له بناء على هذا الحكم.
علينا بالتالي ـ كخطوة أولى ـ أن نبدأ على الأقل
بقبول الواقع وقبول كل ما فيه، حتى الألم. أفضل من ذلك هو ألا "
نحكم" ابتداء على أي شيء وألا "ندين" أي شيء! أفضل من ذلك ألا نقول/نفكر أبدا عن شيء إنه "سيء" مثلا أو "قبيح" أو "كريه" أو "شرير" أو حتى "مؤلم" أصلا. لكن هذه "
برامج العقل" نفسها وجذوره العميقة وقد يحتاج تغييرها بالتالي بعض التدريب وكثيرا من الصلاة والتأمل. بكل حال هذا "الواقع" الذي نتحدث عنه هنا هو ما يمكن مسيحيا ترجمته بـ"
المشيئة الإلهية". الألم بالتالي قد يكون جزءا من هذه المشيئة لنا في هذه اللحظة، وقبول الألم من ثم هو ببساطة ما نسميه مسيحيا "
التسليم" للمشيئة الإلهية!
وعليه: هل يمكن الحكم على مشيئة الله أنها سيئة؟ ثم حتى لو حكم العقل وأفكاره عليها بذلك: هل نقبلها ـ كما نزعم يوميا "لتكن مشيئتك" ـ أم نرفضها ونقاومها؟
أول الرحمة الإلهية وأول التعزية نفسها هي بالتالي
قبول مشيئته سبحانه ـ حتى لو كانت ألما ـ لا رفضها. لابد أن نقبلها قبولا
حقيقيا، نروّض عقولنا على هذا القبول، بل نعلن للعقل بكل حزم عن عزمنا واستعدادنا الكامل حتى للعيش هكذا دائما مع هذا الألم ـ
دون أية مقاومة ـ طالما هذه مشيئة القدوس لأجلنا.
بهذا
التسليم الواضح والأكيد، بهذا
القبول المطلق دون قيد أو شرط، ستتوقف "أفكار المقاومة" تدريجيا وتتلاشى، وعندئذ قد يدهشك أن الألم نفسه تناقصت بالفعل حدته كثيرا (وقد يزول في بعض الحالات كليا)!
(لاحظي فضلا أن الألم كله بالعقل وليس حقا بالجسد! لذلك عندما ننام مثلا تختفي الآلام والأحزان والهموم والإدانة والرفض والمقاومة.. إلخ ـ باختفاء "الأفكار" التي هي السبب الحقيقي وراء ذلك كله ـ ولا تعود كل هذه الدراما الإنسانية مرة أخرى إلا مع اليقظة وعودة العقل للعمل مرة أخرى)!
هذه على أي حال مجرد فكرة بسيطة مختصرة لكنها أساسية ـ ومسيحية أيضا ـ أرجو بالتالي تأملها قليلا وتجربتها إذا عاد الألم. أخبريني أيضا عما سوف يحدث بدقة ـ إذا جربتي ـ وعن أفكارك عموما حول الأمر. وفي النهاية كما في البداية صلاواتنا لأجلك يا صديقتنا الجميلة وقلوبنا دائما معك.