قبل الشروع في الدراسة أحب أوضح ان فكرة الجحيم في المسيحية الأرثوذوكسية تختلف تماماً عن الجحيم في صورته الفلكلورية المتعارفة، فمثلا حاول بعض الرسامين المسيحيين في العصور الوسطي تصوير الجحيم في الاعمال النحتية والتصويرية فأخرجوها في صورة مساحة كبيرة من النار يتعذب فيها البشر، بل وبالغ البعض منهم بأن صور الله يلقي فيها البشر بواسطة ملائكته كنوع من العقوبة ! في صورة تشوه صورة الله وتحوله الي اله "منتقم جبار" هدفه الاقتصاص ممن خالفوه وعصوه فتتمثل عقوبته العادلة في وضع هؤلاء البشر في عقاب "عادل" وهو تعذيب "هيولي" دائم في نار لا تطفئ !!ـ
سنقوم سويا بتحليل هذا المعتقد الخاطئ من خلال كتابات آبائنا القديسين ومن خلال المنطق لتتضح الصورة الصحيحة للجحيم من المنطق الآبائي:ـ
نبدأ أولا بالصورة الحقيقية للجحيم ثم ننطلق للرد علي الصورة الخاطئة:ـ
قبل أن نبدأ في تحليل الصورة الصحيحة للجحيم لنتذكر قول القديس صفرونيوس:ـ
”كل من يحاول أن يغرس أي فكرة ما ضد محبة الله ... فهو متحالف مع الشيطان“ كتاب "الخوف" للقديس صفرونيوس
ولنتذكر كلمات القديس امبروسيوس:ـ
الرب يسوع عنده محبة لنا، بها يجذبنا الي نفسه، ولا يرعبنا لئلا نبتعد عنه
"Concerning Repentance", by St. Ambrose, NPNF II-X, Books I, Chapter I
ودائما تذكر هذه القاعدة في محاولة فهمك لتدبير الله كما وضحها القديس يوحنا ذهبي الفم:ـ
ينبغي الا ينسب أحد القسوة الي الله
تفسير الاصحاح الثاني لرسالة بولس الرسول لاهل افسس، العظة الرابعة عن النص اليوناني
ويجب أيضا ان ترفض اي فكرة تفترض وجود الله منفصلاً عن الحب، فيشرح هذا القديس يعقوب السروجي فيقول:ـ
"الله لا يسكن حيث لا يوجد الحب"
من قصائد القديس عن العذراء مريم
لنبدأ من المنطق، لنتخيل هذا السيناريو الصغير، أم لديها طفلة وحيدة وبمشاعر أمومتها المعتادة فهي تعشق طفلتها، ولكن طفلتها الصغيرة لا تكف عن التهام الشيكولاتة ! ولعلم الأم بأن هذه الشيكولاتة مضرة للطفلة فهي دائما ما تحثها علي ترك هذا النهم لانه مضر لها (تسويس في الاسنان، سمنة وما يتبعها من أمراض ... الخ)، تخيل معي عزيزي ان هذه الأم هي الله، وطفلتها هي انا وانت، ان الله بمحبته يسعي دائما ليخلصنا مما يهلكنا، ما يهلكنا هنا يمثله قطعة الشيكولاتة (الخطية) التي بنهمنا لا نكف عن تناولها رغم خطرها المميت ! تخيل معي ان الأم أعطت للطفلة فترة عشر سنوات حتي تنهي هذه العادة ، وعند انقضاء هذه المدة ان لم تكف واستمرت في تناولها ستقوم بوضعها في "زيت مغلي للأبد" !!! انتظر معي ... انها لن تضع قطعة الشيكولاتة في الزيت المغلي للأبد بل ابنتها !!!!!!!!! ما رأيك في هذا السيناريو ! هل تجده منطقيا !؟؟ لا أظن ! فهي ليست أم سوية ان نفذت هذا بحجة العدل !! فأي عدل يقول ان ابنتها تستحق العقوبة البشعة ويجب ان تُعاقَب بهذا العقاب البشع لانها أصرت علي خطأها !! ... امهل نفسك دقائق ولا تكمل القراءة من فضلك وتخيل هذه الصورة بتفاصيل أحداثها (بأدق التفاصيل وعندما تنتهي عاود القراءة) .... هل تصدق انك تقول علي الله نفس الشئ وتصفه بنفس الصفات !! انه يعذب من يخالفه من أبنائه لانه "مبيسمعش الكلام" بأبشع عذاب ممكن أن تتخيله ! والعجيب ان الانسان يجبر عقله علي تقبل هذه الصورة الفلكلورية بحجة ان الله "عادل" ولابد أن يكون "عادلا" ولكننا سوف نناقش العدالة الالهية في نهاية المقالة ليتضح لك فساد هذا المنطق بتناقضه مع ذاته.ـ
يقول القديس امبروسيوس:ـ
روح الله يميل الي الرحمة، وليس الي القسوة
"Concerning Repentance", by St. Ambrose, NPNF II-X, Books I, Chapter II
بعد أن حللنا الصورة الخاطئة لننتقل للفكر الآبائي:ـ
قد تتعجب او تصدم حين تعرف ان الجحيم في الفكر الآبائي ما هو الا "حب الله" ! يشرح القديس اسحق السرياني فيقول:ـ
”انه من الخطأ ان نظن ان الخطاة في الجحيم مبعدين عن حب الله ! الحب هو ابن معرفة الحق، وانه لا جدال مُعطَي للجميع، ولكن قوة الحب تعمل في طريقين: تعذب الخطاة وفي نفس الوقت تسر من عاشوا وفق الحب“
العظة 84 من ميامر مار اسحق السرياني
كيف تعمل نفس العطية المحبية في اثنين بطرق مختلفة فتصير للواحد فرحاً ونعيماً وللآخر ألما وعذاباً ؟ لنتخيل هذا التصور الاسخاتولوجي الفائق الوصف نحتاج لاستخدام امثلة مبسطة تصويرية كما اعتاد السيد المسيح ان يشرح علاقته مع أحبائه من خلال أمثال، فلنتخيل وجود آيس كريم (جيلاتي) ولدينا شخصين، كل شخص سنقوم باعطاءه الآيس كريم، أحد هؤلاء الشخصين كان يهتم بأسنانه، ينظفها باستمرار فصارت قوية، بينما الآخر لا يهتم بها، فتسوس بعضها، ان اعطينا الشخصين كليهما آيس كريم، فأحدهما سيستمتع بأكلها والآخر سيتعذب بأكلها وستؤلم اسنانه لانخفاض درجة حراتها او لكمية السكريات التي تؤلم أسنانه، انها نفس العطية ولكن لان طبيعة المستقبلين رغم كونها نفس الطبيعة البشرية آلت لحالة مختلفة صار تأثير العطاء المختلف للواحد استمتاع وللآخر عذاب ! انه نفس الحال، الآيس كريم يمثل محبة الله المعطاة للاثنين، هي عطية محبة للاثنين ليست تعذيبية او عقابية انتقامية لتحقيق عدالة، الانسان ذو الاسنان المسوسة الضعيفة هو الذي افسد طبيعته الخاصة ، والانسان ذو الاسنان القوية هو من يهتم بالقيام بعد السقوط لاستمرار اتحاده بالطبيعة الالهية غير المرئية المعطية له الحياة، صارت العطية للاثنين مختلفة رغم انها نفس العطية ومستقبلها له نفس الطبيعة، ولكن ما آلت اليه الطبيعة هي حالة مختلفة صيرت التأثير مختلف، كذلك المحبة الالهية تصير فرحا في المطوبين وعذابا في الهالكين
يؤكد القديس اغسطينوس نفس الرأي بمثال آبائي كلاسيكي مشهور فيقول:ـ
"كيف تريد أنت أن تري طلوع الشمس بعينين مريضتين ؟! اعمل علي أن تكون عينيك سليمتين فتفرح بالنور. أما إذا كانتا مريضتين فالنور عذاب لهما"
خواطر فيلسوف في الحياة الروحية - الكتاب الخامس - الفصل العاشر ص 291
حب يعذب ؟؟؟! نعم، هكذا علمنا آبائنا، ان الجحيم ليس انتقام أو تعذيب أو تشفي، بل حب مقدم من الله، يقع علي البعض سعادة وفرح وعلي الآخرين ألم وعذاب وحزن، مع انه ذات الحب بدون أي اختلاف ! فان الله لا يقدم سوي حب، فان طبيعته لا تستطيع ان تقدم غير هذا ! لأنه "محبة" ! كما يوضح الآباء في الرسالة الي ديوجينيتوس
الله كان دائماً محباً وسيبقي كذلك علي الدوام، وهو خال من أي ميل للانتقام
الرسالة الي ديوجينيتوس الفصل الثامن
ونفس المعني أكده اللاهوتي الأرثوذوكسي كوستي باندلي
”الحب يعمل بطريقتين مختلفتين فانه يصبح عذابا في الهالكين وفرحا في المطوبين“
الله والشر والمصير لكوستي بندلي ص 178
وهو نفس ما ذكره القديس اسحق السرياني حين يقول أن الحب يعاقب الانسان بعذاب لا مثيل له بسبب تشوهه بالخطية :ـ
في جهنم يتعذبون بعذاب الحب، فما هو الأكثر مرارة والأشد من عقاب الحب ؟ أعني هؤلاء الذين أصبحوا مدركين انهم اخطأوا تجاه الحب، فانهم يعانون بهذا عذاب أكثر من عذاب أي خوف من العقاب ! لأن الألم الناتج في القلب من الخطية ضد الحب أكثر حدة من اي عذاب.
Ascetical Homilies 28, Page 141
كما يجدر ان نلاحظ ان الحب شعور متبادل، فيكون العذاب فيه ان كان من طرف واحد !! حاول الله أن يزرع فينا هذه الصورة بعلاقات الحب البشرية، اعطانا صورة مصغرة لنتخيل هذا، هل جربت أن تحب شخص لا يحبك ولا يهتم بمشاعرك ؟ هل تألمت بهذا ؟ انه شعور ابوك السماوي الذي تقابل حبه بلا مبالاة، هل جربت ان تتلقي حبا من شخص حب عظيم وتكون في حالة لا مبالاة ويتعبك انه يقدم لك هذا الحب وانت عاجز عن مبادلته اياه لانك لا تطيقه ولكنك تقدر حبه واعمال حبه تجاهك ؟ تعجز عن رفضه لانه يعشقك وفي نفس الوقت لا تحتمل وجوده، تعذبك نظرات حبه لك وفي ذات الوقت رفضك له يمنعك من مجاراته رغم تقديرك لحبه ! هذا هو شعورك انت تجاه الحب الالهي في صورة مصغرة وضعها الله (في حياتك الدنيوية) لتتخيله فيها بقدراتك المحدودة، عن هذا يقول القديس سلوان الآثوسي:ـ
عرف آدم، أب كل البشرية، لطف وعذوبة حب الله في الفردوس، وهكذا توجّع، بمرارة، عندما طُرد من جنة عدن بسبب خطيئته وخسر حب الله. فأنتحب بزفرات عظيمة، وملأ عويله كل الصحراء لأن روحه كانت معذّبة بالفكر التالي: "إني أغضبت الله الذي أحبه ويحبني". لم يندم آدم كثيراً على فقدان الجنة وجمالها، لكنه ندم لأنه خسر حب الله الذي في كل لحظة يشد الروح إليه بدون توقف. كذلك كل نفس عرفت الله بالروح القدس، ثم فقدت النعمة، تمر بالعذابات التي مر بها آدم. الروح مريضة وتجرّب بندم مؤلم لأنها جرحت حب سيدها
St. Silouan the Athonite, by Archimandrite Sophronii, St. Vladimir Press.
ان الله في كل مكان، حتي في الجحيم، وحيث يوجد الله يوجد بحبه لان طبيعته لا تتغير، يؤكد القديس اغسطينوس وجود الله حتي في الجحيم بقوله:ـ
"أنا لم أصل الي الجحيم، اما انت فموجود فيها، ولو كان مصيري ان اهبط الي الجحيم لوجدتك هناك"
اعترافات القديس اغسطينوس - الفصل الاول
ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن عذاب الحرمان من تذوق حب معيته ومن الملكوت فيه:ـ
ستشعر بالعذاب أكثر من أي عقاب، وتحزن وتبكي، بل وتعتبر ذلك موتاً متكرراً ... فان فكرة وجود ملكوت الله كافية لفنائك وهلاكك اذا ما وُجِدَ وكنت محروماً منه
تفسير الاصحاح الثاني لرسالة بولس الرسول لاهل افسس العظة الرابعة عن النص اليوناني
فان عجزت عن تقديم الحب واستقباله فقد فقدت انسانيتك، فقدت أعظم ما يمكن أن يُقدم ويُستقبل، ان تقديم الحب ممتع بمثل ما هو استقباله ! لهذا فان الجحيم هو ان تصير عاجز عن تقديمه، يتناول القديس زوسيما هذا الموضوع فيقول
ما هو الجحيم ؟ انه المعاناة لعدم امكانية أن تُحِب مرة أخري
The Mystery of Faith’ by Metropolitan Hilarion Alfeyev
ويقول القديس يوحنا الدمشقي
ما هو الجحيم الا الحرمان مما هو مرغوب فيه بشدة
Against the Manicheans, PG 94:1573ΑΒ
صرت عاجزا عن تقديمه وصرت عاجزا حتي عن استقباله استقبالاً سليماً، رغم انه موجود فلا موضع يخلو من حب الله ! ولكن طبيعتك تعجز عن تلقيه تلقي سليماً ! هذا هو الجحيم بعينه، تكون عطشان للحب وتجد نفسك عاجز عن الوصول اليه ! وهذا ما يعلمه القديس اسحق السرياني
لا يوجد انسان مُبعد عن حب الله، ولا يوجد مكان يخلو من حب الله، ولكن كل من بتعمده يختار الشر بدل الخير يحرم نفسه من رحمة الله ... انه ذات الحب الالهي الذي يكون مصدر النعيم والعزاء للصالحين في الفردوس يصير هو نفسه مصدر العذاب للخطاة، لأنهم لا يستطيعوا المشاركة فيه ويكونون خارجه
The Mystery of Faith’ by Metropolitan Hilarion Alfeyev
لا تظن أبدا ان الله يسعي لعقابك ! أو انه خلق لك الجحيم عقابا عادلا ! ان الله لم يخلق لك جحيما بل أنت خلقته لذاتك ووضعت ذاتك فيه ! ان الجحيم وُجد كوجود سلبي، ليس لك بل لمن تستطيع طبيعتهم تقبل هذه الحالة، لتفنيد هذه النقطة نحتاج للحديث عن ثلاث نقاط أولها معني الوجود السلبي وثانيها اثبات انه خٌلِقَ لغيرك وثالثها اثبات انك من خلقت الجحيم وليس الله
النقطة الاولي هي الوجود السلبي، والوجود السلبي هو ما يتخذ وجوده من انعدام وجود نقيضه، اشهر مثال علي الوجود السلبي هو وجود الشر فيقول القديس اثناسيوس
الشر ليس موجود بذاته، بل هو انعدام الخير والحالة المضادة للخير
تجسد الكلمة 1: 4
ان لم تستطع تخيل الصورة، فاسألك هل للظلام وجود ؟؟؟ ان قلت نعم فأنت مخطئ، لان الظلام ما هو الا انعدام النور، اذن فهل للجحيم وجود ! لا فانه انعدام الشعور بالتلذذ والمتعة بالحب الالهي !! هل الله لم يحب ! حاشا بل احب ولم تستطع ان تعيش انت هذا الحب ! انه كوجود النور للاعمي، النور موجود ولكن لعماه يعجز عن استقباله فيصير له النور ظلاما ! الحب موجود ولكن لفسادك تعجز عن استقباله فيصير لك الحب الما !ـ
اما النقطة الثانية فهي في غاية الأهمية: ان الجحيم لم يوجد لك انت، بل لمن تناسب طبيعتهم وجوده، انه رحمة وحب لهم رغم خطيتهم !!! تذكر الله لا يقدم سوي الحب هل اتجاوز وأقول حتي للشيطان، نعم، حتي للشيطان حيث هيأ له المكان الذي يناسب طبيعته، يشرح هذا القديس غريغوريوس بالاماس متكلما بلسان الله:
”لم تكن تلك ارادتي المسبقة، لم أخلقك لهذا الغرض، لم أخلق بحيرة النار والكبريت من اجلك ! بل كانت بحيرة النار الغير مائتة قد اُشعِلَت للشياطين ومن يتحملون معيشة الشر. “
Homily 4 on the Second Coming
قبل ان تعترض علي هذا الكلام، أرجوك تذكر ان طبيعة الله لا تقدم الا الصلاح حتي للاشرار وأشدهم شرا، وهو ما وضحه القديس انطونيوس الكبير:ـ
"كيف يمكننا الحديث عن الله بقولنا انه يفرح بالابرار ويظهر رحمته لمن يكرمونه، ويحجب وجهه عن الاشرار ويغضب علي الخطاة ؟ ...الله صالح وهو فقط يمنح كل عطية صالحة ولا يمكنه ان يقدم الضرر والاذي لانه لا يمكنه ان يتغير"
The philokalia translated from greek by G. Palmer, P. Sherrard, Kallistos Ware
الله لا يعطي سو الصالحات للجميع، حتي مع اشد الكائنات سقوطا وفسادا كالشيطان يبقي الله معطاءا !! فان الله طبيعته معطاءة للخير والحب وهو لا يناقض طبيعته كما يقول القديس يوحنا الدمشقي
الله يعطي الصالحات حتي للشيطان ! ولكنه لا يقبل ان يستقبلها، في الابدية الله يعطي الصالحات للجميع، لانه مصدر الصالحات ويتدفق خيره علي الجميع
Against the Manicheans, PG 94:1569Β
اما أهم النقاط انك انت من خلقت الجحيم لذاتك وليس الله
ويشرح هذا القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحاني) قائلا:ـ
”ويل للنفس التي من التطويبات منعت ذاتها بهواها الشرير ... وأعمت ذاتها لكي لا تبصر بهاء طبعها، هذه التي الجحيم داخلها ... من اغلق في وجهك الباب لكي لا تبصري وجه ربك ؟! ان مفاتيح ملكوته بيديك جعلهم واعطاك سلطان الفتح والغلق“
المخطوطة 163 بدير السريان الميمر الثاني عشر علي عظمة أقنوم الروحانيين
وهو ذاته ما يؤكده القديس يوحنا الدمشقي حين يعلم قائلا
ليس لان الله صنع الجحيم، بل نحن من اوجدنا الجحيم لذواتنا، كما انه بالتأكيد ليس الله هو من صنع الموت، بل نحن من سببناه لانفسنا.ـ
Against the Manicheans, PG 94:1569Β
فان في الانسان تكمن جرثومة موته، كما يقول القديس اغسطينوس:ـ
"ان الانسان ينطوي علي جرثومة موته"
اعترافات القديس اغسطينوس - الفصل الاول
ويؤكد هذا المعني القديس باسيليوس أيضا:ـ
"ليس الله مسببا لعذابات الجحيم بل نحن انفسنا، لان اصل الخطية وجذرها كائن في حريتنا وارادتنا"
الرؤية الارثوذوكسية للانسان ص 137
ونفس المعني نجده في تعاليم القديس اثناسيوس حين يعلم
البشر حين يرفضون الأمور الأبدية وبمشورة الشيطان يتحولون الي الأمور الفاسدة يكونون لأنفسهم سببا في فساد الموت !ـ
St. Athanasius the Great On the Incarnation 5, Migne, PG 25. 104-105
انت وانا من جمعنا لذواتنا النيران واشعلناها وجعلناها موضع نسكن فيه، لم يرد الله هذا، بل وسعي لنقيضه، ولكن نحن من انشأنا عازل المحبة بيننا وبيننا، شيدنا جحيمنا بايدينا ! شيدناه بوجوده السلبي !! كان التدبير أن يوجد الملكوت داخلك ان تُغلب من المحبة، ان يصير لك الحب الالهي موطن حياة أبدي، فقمت أنت بوضع نفسك بمثابه العاجز عن تلقي الحب وعن تقديمه صيرت ذاتك لذاتك جحيما للأبد، فيقول العلامة أوريجانوس
”عندما تجمع النفس في داخلها اعمالا شريرة كثيرة وخطايا عديدة يأتي وقت تغلي فيه هذه الشرور ... عندما تجد النفس انها خرجت بارادتها من الترتيب والتدبير الكامل الانسجام مع ذاتها سوف تتحمل النفس الام العقوبة التي جلبتها علي ذاتها بخروجها الحر وسوف تشعر بعقوبة تغربها وتشتتها خارج هذا التديبر. “
The faith of the early fathers vol I, p196
اياك ان تتخيل ان الله لغضبه قرر معاقبتك بالجحيم كعقوبة عادلة ، ان الجحيم ليس غضب وحكم عادل من الله عليك !!! وقد أكد آبائنا القديسين هذا المعني، وعلي رأسهم عظيم وأب الآباء القديس انطونيوس الكبير:ـ
الله صالح وغير متغير. الذي يعتقد أنه من المنطق والحق أن نؤكد أن الله لا يتغير سوف يسأل في هذه الحالة: "كيف يمكن الحديث عن الله كفَرِح بالصالحين ويظهر رحمته لممجديه، وكمتحول بعيدا عن الأشرار وغاضب علي الخطاة ؟!"، وعن هذا يجب أن تكون الاجابة: ان الله لا يفرح ولا يغضب لأن الفرح والاهانة مشاعر (آلام)، وان الله لا يكتسب عطية من ممجديه ! فلا معني لكونه متأثر بالمتع ! ولا يصح ان اللاهوت يشعر برضا او عدم رضا من حالة الانسان ! أن الله صالح، وفقط يمنح بركاته، ولا يؤذي أبدا، فهو يبقي دائما كما هو، ولكننا نحن البشر علي الجانب الآخر، ان ظللنا صالحين من خلال التشبه بالله نظل متحدين به، ولكن ان بقينا اشرار بعدم التشبه بالله ننفصل عنه، بالحياة في القداسة نلتصق بالله، وبالشر نجعله عدونا، ليس لأنه غضب مننا في صورة حُكم، ولكن لأن خطايانا منعت الله ان يلمع فينا وتعرضنا للشياطين ليعذبوننا. “
St. Anthony in the Philokalia, ch. 150, first volume
ان الله هو هو غير متغير مقدم للمحبة وداعِ للشركة فيه ولا يقدم سوي الخيرات، وما الجحيم سوي عدم امكانية تقبل تلك العطايا والنعم الالهية للشركة فيه، يقول القديس يوحنا الدمشقي موضحا ان العذاب ليس عقاب العي، بل عدم امكانية الشركة في الله والتمتع والتلذذ به:ـ
الله لا يعاقب أحد في المستقبل، لكن الجميع يجعلوا أنفسهم مستقبلين للشركة في الله. فالشركة في الله فرح، بينما عدم الشركة فيه هو الجحيم !ـ
Against the Manicheans, PG 94:1545D-1548A
بعد ان شرحنا الصورة الصحيحة للجحيم لنأتي للرد علي الصورة الخاطئة ومعللاتها:ـ
اقوي النصوص التي يتشدق بها اتباع الصورة الفلكلورية للجحيم هو وصف السيد المسيح لها بانها بحيرة نار وكبريت وصرير اسنان ودود ونيران لا تطفأ .... الخ، لكن هؤلاء يتجاهلون ان المسيح علم بأمثال وصور غير مطابقة للحقيقة بنسبة مئة بالمئة ! ان تعاليم المسيح تعاليم رمزية لا فلسفية، تخيل معي ان المسيح يشرح ما شرحناه لفلاح بسيط او لراعي غنم ! ان الفلسفة عدوة البسطاء ! لم يكونوا ليفهموه لذا كثيرا ما علمهم بما يناسب تخيلهم فيقول خرج الزارع ... الخ او كان لانسان ابنان ... الخ أو عن راعي للخراف ... الخ، انه يحدثهم بمفهومهم هم (الصور التمثيلية) لا بالحقيقة المطلقة (عمق الفلسفة المسيحية)، يوصل لهم المعاني من خلال مسلماتهم البسيطة، ولأن الانسان البسيط في عصر المسيح كان يخشي قوي الطبيعة المجهولة وأشدها النيران والأمراض، فقد صور له المسيح حالة الجحيم بأنها كبحيرة ممتلئة بالنار وبها دود (الذي يظهر مع المرض) وهذا ما أكده آبائنا ووضحه القديس امبروسيوس:ـ
”صرير الأسنان ليس صرير أسنان جسدية ! وليس الدود أيضا جسديا ! لم تكتب هذه الأمور الا لأن الدود يظهر مع الحمي الشديدة، وكذلك من لا يتوب ويطهر من خطاياه سوف يحترق في ناره ويتآكله دوده. لهذا كتب اشعيا سيروا في نيرانكم والشرار الذي أوقدتموه (اش 50: 11) انها نيران كآبة الخطية ونتيجتها، انها كالدود لأن خطايا النفس تطعن العقل والقلب وتأكل أحشاء الضمير. “
The Faith of the Early Fathers Vol 2 p 163
ويقول الاسقف كاليستوس وير استاذ الدراسات الارثوذوكسية بجامعة اكسفورد عن لغة المجاز في العهد القديم عن غضب الله وعقابه
"ان اللغة التعليمية التي تستخدم المجاز (والذي لا يجب ان تتحول الي عقيدة بل يبقي كمجاز تعليمي) هي لغة موجهة في العهد القديم الي شعب غليظ الرقبة وعنيد، لغة تشرح نتائج الشر باسلوب وصور يمكن ان يتفهمها الانسان الساقط ... ولكن الله ليس بمنتقم كالبشر !ـ"
Elements of faith p. 84
وعن المجاز في لغة الكتاب يتحدث العلامة اريجانوس فيقول:ـ
عندما نكلم طفل عمره سنتان، نستخدم لغة "طفولية" من أجل الطفل، لأنه ان التزمنا باللغة الناضجة وتحدثنا الي الطفل دون أن ننزل الي طريقة كلامه لن يفهمنا. تخيل ان ما يحدث هو ذات الأمر في حالة الله، حين يتعامل مع البشر وبخاصة الذين ما زالوا أطفال ... ستجد العديد من الأمثلة [في الكتب المقدسة] حيث يسلك الله طرق شبيهة بالبشر ! فإن سمعت عن "غضب" الله و "نقمته"، لا تفكر في النقمة والغضب كمشاعر يجتازها الله ! ... الله في الحقيقة ليس بناقم ولا غاضب
Homilies on Jeremiah 18
وهو ذاته ما أكد عليه القديس القديس مار اسحق السرياني:ـ
" ان كنا نتخيل ان الغضب او الغيرة او ما يشابه له اي صلة بالطبيعة الالهية فهذا شئ كريه بالمرة لنا، لا يوجد عاقل عنده فهم بالمرة ويمكنه ان يتصور بهذا الجنون شيئا مثل هذا عن الله، ولا نستطيع ايضا ان نقول انه من قبيل العقوبة يتصرف، حتي ولو كان الكتاب المقدس من الظاهر يعلن ذلك، فمجرد التفكير هكذا عن الله وتوقع ان عقوبة الشر موجودة عنده شئ كريه ... لانه تجديف ان نظن ان الله يكره او انه يرفض الخليقة"
Mystic treatises of Isaac of nineve, translation by A.J. Wensinck
ثاني أهم النقط التي يتشدق بها اتباع الصورة الفلكلورية هي "عدالة الله" وللأسف هنا البشر يقيسون عدالة الله بعدالة البشر ! وهذا قمة التشويه لعدالة الله ولصورة الله عامة، لعلك لم تلاحظ ولم تدقق في ان عدالة البشر عدالة عاجزة ! ان قتل أحدهم الآخر تقول العدالة البشرية ان يُقتَل القاتل (كان لدينا ميت فصار لدينا ميتين !)، لان العدالة البشرية ببساطة لا تستطيع رد الحياة المسلوبة من المقتول، بينما عدالة الله هي ان ترد حياة المقتول اليه وان القاتل يُقَوَّم و "يُعَدَّل"، انها عدالة للمعوج ، أي تعديله (معني عدل (ويترجم احيانا بر) العبري يتفق مع عدل العربي في انه يشمل معنيين العدل اي ارداد الحق والعدل أي تقويم المعوج "عدله")، فكما رأينا عدالة الله غير عدالة البشر، عدالة البشر هدفها معاقبة الانسان، من كسر يد رجل تكسر يده ! (كان لدينا معاق واحد بالعدالة البشرية صار لدينا اثنان) ! انما عدل الله فـيُقَوَّم (يُعَدَّل) صاحب اليد المكسورة بحيث تُرَد اليه اليد صحيحة ويُقَوَّم (يُعَدَّل) الطرف المتعدي بان ترجع طبيعته للاستقامة (العدل والتقويم) بعدما آلت اليه من فساد واعوجاج وهلاك !ـ
من أروع من انتبه لهذا وعلمه هو القديس يوحنا ذهبي الفم حين قال:ـ
"ان الكنيسة مستشفي وليست محكمة"
العدالة الالهية حياة لا موت مغفرة لا عقوبة للد. هاني مينا ميخائيل
لا تظن ان الله يتحول من اله محب الي اله منتقم لينفذ عدله فيعادي هؤلاء من رفضوه وعصوه ويصير مصدر عذابات متعددة له، ان الله لا يعادينا بل نحن من نفعل، اما هو فيبقي مثلما هو لا يتغير بل يظل محباُ كما يوضح القديس يوحنا ذهبي الفم
ان الله ليس هو من يعادينا، ولكن نحن من نفعل ! الله لا يعادي قط !ـ
PG 61. 478
ان الله يامرنا بالمغفرة لمن يخطئ الينا حتي وان كان غير مستحق المغفرة افلا يغفر هو لمن اخطأ اليه حتي وان كان غير مستحق المغفرة ؟ بل وعجبا يراه البعض يصر علي العقوبة لتحقيق العدل حتي وان كان الهدف التقويم ويطالب باستحقاقات للمغفرة ؟ ان ما شوه تلك الصورة هو محاولة تطبيق العدالة البشرية علي عدالة الله ولهذا يقول اللاهوتي الارثوذوكسي رومانيدس:ـ
"لكي نفهم الكتاب المقدس علينا التخلي الكامل عن اي نظام للعدالة مما نعرفه بحسب الحياة البشرية بعيدا عن الله والتي تطالب بالعقوبة والثواب تبعا للقوانين الوضعية"
مقالة الخطية الاصلية في تعليم بولس الرسول
فلا تظن ان الله يعاملك بمنطق العدل البشري لانه معك يعاملك كأبن، يتغاضي كثيرا عن أخطائك ليقومك (هدفه العلاج لا العقوبة) راجع مفردات وكلمات القديس اثناسيوس التي تركز علي العلاج وتنفي العقوبة حيث يقول القديس اثناسيوس
"نظرت الي سوء افعالي ولم تعالجني بالعقوبة ولم تهتك ستري عند وقعتي"
الصلوات السبع لايام الاسبوع مكتبة دير السريان العامر
واكد القديس مار اسحق السرياني نفس المعني
"لا تدع الله عادلا، لان عدالته لا تعلن في الامور المتعلقة بك، اين اذن عدالة الله ؟! هو صالح حسب كلمات المسيح مع الاشرار وايضا مع غير الاتقياء !!"
Christos Yannaras - Elements of Faith - T & T Clark, p83
وعن نقطة العدالة استفاض القديس اسحق السرياني شرحاً ليؤكد ضرورة سوء فهم الله بصورة المنتقم حين نحاول ان نتخيل عدله بصورة بشرية، ويؤكد علي كونه حب وهذا الفكر يخالف منطق الحب فيقول
الحب لا يهدف أبدا للتعذيب ... اما من يعتقد ان الله منتقم باعتبار ان هذا يؤكد عدالته فانه ذاته يتهم الله بأنه خال من أي صلاح ! ان الانتقام لا يوجد أبدا في ينبوع الحب والمحيط المملوء من الصلاح
Ascetical Homilies 48, Page 230
:ويقول القديس اغناطيوس
الله لا يغضب علينا، بل غضبه علي الشر، لأنه بالتأكيد الألوهية لا تتعرض لآلام (غضب) وترغب في الانتقام.ـ
Philokalia, Vol. II, p. 370
وتوضيحاً للفكرة يركز القديس باسيليوس الكبير علي رفض تخيل الله في صورة مسبب للشرور أو الهلاك او العذاب الأبدي، لاننا بهذا نشوه صورته التي أقرها علي نفسه ان هو ذاته الحب:ـ
أحمق حقا وفاقد للفهم وللعقل من يقول انه لا يوجد اله، وأيضا معه لا يقل عنه جنوناً من يقول أن الله مسبب للشرور، أعتبر خطاياهم متماثلة لان كل واحد ينكر مثل غيره الصلاح، الأول ينكر وجوده كلياً والآخر يعرِّفه كغير صالح لأنه مسبب الشرور فيكون بوضوح غير صالح، فمن الجانبين هناك انكار لله.ـ
EPE, op. cit., 7, 90
وفي صورة الجحيم (الفلكلورية) تشوه صورة الله (بحجة عدله) فنفقد اهم طبائعه "الرحمة" وهي الصفة الناتجة عن كونه الحب الأمثل، ولهذا ركز القديس اسحق السرياني علي رفض اي صورة تشوه رحمة الله وتصوره كمن يلقي مخالفيه ورافضيه في عذاب أبدي، لأنه وحده غير متغير فيقول:ـ
ظلم أن نفكر أن الله ممكن أن يكون غير رحيم ! لأن خواص (صفات) الألوهية لا تتغير مثلما تتغير في المائتين، الله لا يكتسب شيئاً لم يكن له، والله لا يفقد شيئاً له
St. Isaac the Syrian, Homily 60
نقطة أخري أخيرة يتمسك بها أتباع الصورة الفلكلورية عن بحيرة النار والكبريت كعقاب الهي، بأن هذا العقاب يؤدي لخوف الانسان مما ينتج عنه اجباره او علي أقل تقدر دفعه علي فعل الصلاح، ولكن أدعوك عزيزي القارئ أن تفكر معي: هل هذا فعل مطوب للصلاح ؟ هل الصلاح الجبري الملزم صلاح ؟! هل فعل الخير نتيجة لخوف العقاب يستحق التطويب ؟! يجيب علي هذا القديس اغسطينوس في عظته عن الخوف موضحاً ان هذا ليس من فكر أبناء الله، بل فكر يماثل اللصوص والأشرار العبيد ويؤكد علي كونه فكر يبعد عن حب الله، فيقول:ـ
أين العظمة في أن يخشي الانسان عقاباً الهياً ؟!! من يفعل هذا يكون مثل العبد الخاطئ أو اللص الشرير !!! لا عظمة في أن يخشي الانسان عقاباً، انما العظمة في أن يحب الله، وكل من يحب الله [البر] لا يخشي عقاباً، بل يخشي فقدان الله [البر] ... الفرق بين خوفك وخوف اللص، هو أن اللص يخشي قوانين البشر فيسرق طامعاً في أن يخدعها، وأنت بخوفك من عقوبة مثله، تخشي شرائع وتخشي بالأكثر عدم استطاعتك خداع الله، لكن فكر: "ان استطعت ان تغش الله، ألن تغشه ؟!!" ... إن الانسان الصالح يخشي أن يُحْزِن معشوقه ... فإن استمريت في فعل الخير خوفاً من الهلاك فلست من أبناء الله ! حتي متي تخشي عقاباً ؟! الخوف عبودية والحب حرية !ـ
خواطر فيلسوف في الحياة الروحية - الكتاب الأول - الفصل الثالث، عظة عن الخوف
ملحوظة: لفظ البر هو لفظ للدلالة علي الله في كتابات الآباء ويماثله الفاظ كالصلاح والخير ... الخ
وأخيراً لكي تكتمل الصورة ، أدعوك للتأمل في معني قيمتك بشركتك مع الله من هنا (أرضيا) والي الأبد (سماويا)، لتكن قيمتك في الله لا في ذاتك وليكن الملكوت داخلك به وفيه ومعه بدلا من ان يكون الجحيم داخلك، تأمل في هذه المقولة الرائعة للاهوتي الارثوذوكسي الكسندر شيمان وأعد قراءتها عدة مرات فان الجحيم هو "انعدام قيمتك" و"عدمك" والملكوت هو وحدتك مع الله وشركتك فيه و"كيانك" !ـ
”عندما نري العالم ذاته كنهاية، يكون كل شئ فيه ذو قيمة، فيفقد كل شئ قيمته ! لأنه فقط في الله يكون لكل شئ قيمة، والعالم يصير ذو قيمة فقط عندما يكون سرائرياً في وجود الله، فان ما يُعامل كشئ في ذاته يُدمر ذاته، لأنه فقط في الله يكون له حياة “
Hell And God's Love, An Orthodox View
يلخص هذه التعاليم المُطَوّب ألراهب فليمون المقاري فيقول:ـ
نحن لن نُكافأ على أعمال صالحة، ولن نُعاقب على أعمال شريرة ... الملكوت ليس مكافأة تُعطى للإنسان، بل ميراث حياة، أعني ليس شيئًا سوف يُضاف إلينا مثل الأموال والعقارات، بل هو الحياة الأبدية التي وُهِبت لنا في يسوع المسيح ابن الآب الوحيد، وهى هبة في كياننا لأننا أصلاً خُلِقنا على صورة الله. طيب هذا سهل، وماذا عن العقاب؟ يا أخ يا محبوب، العقاب ليس عقوبة خارجية مثل الضرب والسلاسل، بل هو فقدان نعمة الله، والحرمان منها هو العذاب الحقيقي، ونحن الذين سوف نعاقب أنفسنا وسوف نُلقي بأنفسنا في النار، نار الحرمان ويا ويل مَن يقع في هذه النار.
رسائل أبونا فليمون المقاري، الرسالة 27
انهي المقالة الطويلة نسبيا باقتباس من د. هاني مينا ميخائيل الكاتب الارثوذوكسي الآبائي:ـ
"الموت الأبدي هو انعدام الحياة الأبدية، وليس الموت الأبدي خليقة من خلائق الله ! الموت وجهنم ليسا مكانا أو أتونا محمي بالنار خلقه الله ليلقي فيه بمن يكرهونه ... الله لا يرد الشر بالشر ... حاشا !والا كيف يكون الله أبا ويخلق ويدبر بارادته هلاك خليقته بيديه!؟؟!"ـ
العدالة الالهية حياة لا موت مغفرة لا عقوبة للد.هاني مينا ميخائيل
نقاط الخلاصة:ـ
- صورة الجحيم الفلكلوية بالعذابات والألم من الاله العادل بالملائكة في النيران هي صورة غير ارثوذوكسية
- الله المحب لا يعذب بنيه فالله لا يعاقب مخالفيه بعذاب أبدي وحشي
- الجحيم لم يوجد لك، بل ليس له وجود في ذاته انما هو وجود سلبي من انشاءك
- انت من خلقت الجحيم لذاتك وانت من تخلق الملكوت لذاتك
- الجحيم هو حالة تقبلك لحب الله مع عجزك عن ادراكه ورده
- عدالة الله ليس معناها العقوبة التعذيبية بل عدل المعوج ورد المسلوب
- الفاظ الكتاب المقدس رمزية تقريبية ولا يجوز اقرار التشبيهات عقائد
- من يطالبك بمنح المغفرة لغير المستحق (بغير عدل بشري) لابد وان يكون هو أولا قدوتك
- أي فكر يخالف توثيق معني "حب الله" هو فكر مرفوض ارثوذوكسيا !ـ
- الكنيسة مستشفي وليست محكمة (القديس يوحنا ذهبي الفم)ـ
أتمني تكونوا استمتعتوا بالبحث ده
صلواتكم