البرنسيس - لمسة يسوع:
أولا سامحيني لأنني نقلت رسائلك إلى هنا. أعتقد أن هذا هو المكان المناسب، وأيضا حتى لا يتشتت الموضوع الآخر (والذي هو مشتت بالفعل لا ينقصه المزيد).
سامحيني أيضا للتأخير قليلا. انتظرت ألأستاذ مصري بالفعل لثلاثة أيام ولم يكن ممكنا الانتظار أكثر من ذلك. (في الحقيقة لولا هذه البطاقات والهدايا الجميلة من الغالية نعومة ربما ما استطعت المشاركة هذا الأسبوع أيضا ـ يعلم الله ضيق الوقت وتراكم المهام، صلواتك يا أختي الغالية).
ثانيا أشكرك على هذه "المراسيل"، على نقل هذه الرسائل من الأم الغالية نعومة لأجلي ولأجل الأحباء. متعبينك معنا يا "بوسطجي" معلش، بس أشهد إنك أجمل بوسطجي شفته بحياتي! 
انا مضايقة لاني مفتقدة وجودكم واذكركم بالاخص نعومة وانت والذين ذكرتهم والمحاربين القدامى حسب تعبيرك
لا تضيقي يا صديقتي ولا تحزني. إذا فهمنا الواقع الذي نعيشه جيدا فسوف نرتاح كثيرا. على سبيل المثال: معظم المنتديات التي أعرفها أغلقت بالفعل أبوابها، وواحد من أكبرها وأشهرها (الحق والضلال) غيّر نشاطه كليا وتحول إلى منصة إعلامية. لماذا؟ هل هو فشل عام ومفاجئ أصاب الجميع؟ بالطبع لا. لكن المنتديات ـ بالمعنى القديم ـ كانت مرحلة وانتهت. ربما في عصرها كانت أفضل ما قدمته الشبكة، لكنها الآن أثر من آثار الماضي، تجاوزتها الشبكة وتجاوزها العصر وتجاوزها وعينا نفسه تماما.
لذلك فحتى الأعضاء الجدد سرعان ما يذهبون أيضا ولا يعودون، وتدخل أسماؤهم بالتالي إلى "قائمة الغائبين"! (أين عبود عساف مثلا؟ ومن قبل عبود: أين Daughter of Jesus - فقط على سبيل المثال؟). حتى الأعضاء القدامى، في تلك اللحظات النادرة التي يعودون فيها، سرعان ما يتوقفون عن المشاركة ويعودون للاختفاء مرة أخرى (grges monir على سبيل المثال، صديقنا الجميل طارق Redemption، أو حتى الأم الغالية أمة نفسها)!
***
وحتى يتضح المعني دعينا نتذكر كيف كنا حقا وكيف كان هذا المنتدى: كنا ببساطة مجموعة ضخمة من كافة الأعمار والأجيال وحتى الثقافات والأديان، نجتمع كلنا معا في مساحة واحدة، تحت إشراف فريق من الإداريين الذين تطوعوا مشكورين لهذا العمل، وإن لم يكن كلهم بالطبع مؤهلا للإدارة أو حتى يتقن أبسط مهارات التواصل. أليس هذا ـ باختصار ـ هو المنتدى كما عرفناه وعشناه قديما؟
كان لهذه "الجماعية" لا شك جمالها ودفئها، بل سحرها وروعتها، حيث كنا جميعا معا: شيوخا وأطفالا، صبايا وشبانا، طلابا وموظفين، شواما وخليجيين، عراقيين ومصريين، حتى مسيحيين ومسلمين. كانت المحبة هي العنوان الذي يجمعنا، وكانت لنا في ربوع هذه المحبة أروع الحوارات وأطيب اللقاءات وأصفى الضحكات وأجمل الليالي والسهرات.
مع ذلك: كانت لهذه الجماعية أيضا مشكلاتها وتناقضاتها التي لا تنتهي، خاصة وأننا لم نكن "كنيسة" حقا، ولم نكن "قديسين" ارتقت حقا قلوبهم عن سائر الأهواء والأسقام واستناروا بالنعمة جميعا. تراكمت من ثم الأخطاء والتناقضات، وكان حتميا مع مرور الوقت أن تظهر "الفردية" مرة أخرى ـ مقابل هذه الجماعية التي لا نستطيع الوفاء بشروطها دائما ـ لا سيما أن "الفردية" على أي حال هي نزوعنا الطبيعي منذ سقط آدم. ظهرت من ثم الخلافات فيما بيننا وظهرت الصراعات، ظهرت "الشللية" والانقسام، بدرجة أو بأخرى، وظهرت تقريبا كل الأمراض الاجتماعية المعروفة.
في هذا السياق تحديدا: وُلد الفيسبوك وأخوته أخيرا. أصبح لكل فرد مساحته الخاصة، أدواته الخاصة، حريته الخاصة. توفر فضاء جديد لا "عضو" فيه ينازع عضوا آخر فيما يكتب ويعبر به عن نفسه، ولا "مشرف" فيه يأتي، حتى دون إبداء الأسباب، لينتهك كلماته وأفكاره بالحذف أحيانا أو بالتحرير أحيانا. (ناهيك عن أن يحذفه "هو" نفسه شخصيا ويطرده من فردوس المنتدى في بعض الأحيان)!
انتهى من ثم عصر المنتديات. رغم ذلك: ما زال الإنسان يحمل دائما هذا الحنين بل حتى الاحتياج لتلك الجماعية المفقودة، تلك المشاركة الإنسانية الحميمة المباشرة. الآن تحديدا، أكثر من أي وقت مضى، حيث كاد الجميع ـ فيما يُسمى زورا "مواقع التواصل" ـ يختنقون بالفعل، كلٌ في مساحته الخاصة وفي عزلته واغترابه عن الآخرين. ذلك أن الأصل في تكوين الإنسان هو هذه الوحدة التي تجمعنا جميعا معا ("هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي")، وما ظهرت هذه الفردية وظهر الانفصال والافتراق إلا بعد السقوط ("أنتِ إلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك").
***
الخلاصة: الطبيعي والمتوقع في هذا الموقع هو الغياب يا صديقتي، وليس الحضور. حضور بعضنا أحيانا ـ ولو على فترات ـ هو بالعكس الاستثناء. هذا الموقع أقرب إلى "أرشيف" كبير، أو حتى "متحف" للآثار والمخطوطات القديمة، لكنه بالتأكيد ليس "منتدى" كما يتصور الكثيرون.
من ناحية أخرى: يمكن أن يتحول هذا الموقع إلى "منتـدى" بالفعل، ولكن ليس أبدا بالمعنى القديم. الفرصة لذلك فيما أعتقد قائمة دائما، خاصة وقد استنفذ الفيسبوك وأخوته أغراضهم وبدأ الناس يشعرون بوطأة هذه الفردية وثقلها على قلوبهم وأرواحهم. لكن المؤكد أنه لن يعود أبدا كما كان ولن يكون "منتدى" بالصيغة القديمة. نحتاج ببساطة إلى نموذج جديد من المنتديات. لا أعرف شخصيا ما هو هذا النموذج وكيف يمكن بناؤه، لكني أعرف يقينا أنه يحتاج أن نجدد أفكارنا وربما أن نتجدد أيضا نحن أنفسنا أولا. يحتاج إلى الوعي والفهم والتخطيط والجهد والوقت والعمل، القائم على الإيمان والإخلاص والتفاني والثقة. يحتاج إلى المحبة، الكثير من المحبة، كما يحتاج إلى معونة الله بالطبع أولا وآخرا.
وهكذا في الحالتين يا أختي الغالية: لا داعي أبدا للضيق.
سواء جئتِ إلى هذا الموقع بصفته "أرشيفا" أو "متحفا" جميلا تلتقين فيه أحيانا ـ حتى بالمصادفة ـ مع بعض الأصدقاء القدامى، أو جئتِ إليه بصفتك "شريكا" في بناء نموذج جديد من المنتديات لم يتبلور بعد تماما وما زال قيد الدراسة والتخطيط: في الحالتين ليس هناك حقا ما يبعث على الضيق.
نعم، ابتسمي يا صديقتي الجميلة، فكل شيء في الحقيقة على ما يرام دائما. عذرا للإطالة وحتى نلتقي. ♥