سيرة القديس العظيم الشهيد يوسابيوس ابن واسيليدس من المخطوطات الأصلية نقلا عن النص القبطي

karas karas

عضو مبارك
عضو مبارك
إنضم
13 مارس 2022
المشاركات
570
مستوى التفاعل
494
النقاط
63
نص المخطوط: شهادة القديس يوسابيوس (أوسابيوس) القائد، ابن واسيليدس، الشاهد المنتصر النبيل لربنا يسوع المسيح، في اليوم الثالث والعشرين من شهر أمشير (الموافق 2 مارس)، بسلام الله. آمين.

في عهد دقلديانوس، الملك الشرير الفاسد، الذي تخلى عن إله السماء ليعبد أصنامًا نجسة، عاش قائدٌ عظيمٌ للملك، كان يُكرّمه ملكه إكرامًا عظيمًا. كان هذا القائد مُلازمًا لخدمة الملك، ومستشارًا له دائمًا؛ كان اسمه واسيليدس. كان غنيًا جدًا بالذهب والفضة، وعبيدًا وإماء. كان هذا الرجل يعبد الله بحرارة، ويُحب الإحسان، وكان رحيمًا. كان أعظم شخصية في قصر الملك. وفي إحدى الليالي، بينما كان القديس واسيليدس مستيقظًا، ساهرا ومصليا كعادته، ظهر له يسوع المخلص الصالح في صورة شاب وسيم، وقال له: السلام لك يا واسيليدس المختار! السلام لك يا بطلاً منتصراً في المعركة؛ السلام لك يا من بُني مسكنك في أورشليم السماوية، مدينة جميع الأبرار. السلام لك يا من كتب اسمك مع اسم ابنك يوسابيوس ومكاريوس وكل أقاربك على الواح كنيسة الابكار التي في السماء مع لقب أب الشهداء. فقال له واسيليدس: اعلّمني من أنت، يا سيدي الذي اراك في هذا المجد العظيم. قال له المخلص: أنا يسوع المسيح الذي تعبده وتخدمه. هوذا أبي قد كتب اسمك على الواح كنيسة الابكار، مع اسمي يوسابيوس ومكاريوس أبنائك، وجميع أقاربك. غدًا صباحًا، عندما تستيقظ، سيستدعيك الملك لتأتي إليه لترتيب أمور المملكة والحرب. "افعل ما يأمرك به، وعندما يقول لك: أريد منك أن تقدم لي معروفًا بالذبح لآلهتي؛ قل له هذا: لا يمكنني أن أفعل ذلك حتى يعود ابني يوسابيوس وأبناء أخي اقلاديوس وأبادير وتادرس الأناضولي(المشرقي) ويسطس من الحرب والنصر. (انتظر حتى يعودوا)؛ ثم سنفعل ما تأمرنا به." وبعد أن قال هذا، ملأه المخلص قوةً، وأعطاه السلام، وصعد إلى السماء بمجد.

ولما طلع الصباح، أرسل الملك إلى واسيليدس، وتحدث معه في تسوية شؤون الحرب والمملكة. لذا حسم واسيليدس أمر الحرب واختار مائتي ألف رجل آخرين ليرسلهم إلى الحرب. وكتب رسالةً إلى ابنه يوسابيوس، أخبره فيها كيف تخلى الملك دقلديانوس عن الله ليعبد الأصنام النجسة، وكيف قال له الملك: "أريدك أن تُقدِّم لي معروفًا بتقديم القرابين لآلهتي".وكتب إليه أيضًا: إذا منحك الله النصر، فأسرع إليّ مع القادة رفاقك. ودمتَ سالمًا بقوة الرب إلهنا. ولما ختم واسيليدس الرسالة، أعطاها لأحد خدمه، حتى يسلمها سراً إلى ابنه يوسابيوس، وفي الوقت نفسه أعطى الخادم هذا الأمر: لا تدع أحداً يعرف هذا السر حتى تسلم الرسالة إلى ابني يوسابيوس. ثم انضم الجيش إلى يوسابيوس، فتقدم خادم واسيليدس إلى يوسابيوس وسلمه الرسالة. فلما استلم يوسابيوس الرسالة، دعا ابادير، ويسطس، واقلاديوس، وتادرس الأناضولي، أبناء عمومته، وطلب منهم قراءة رسالة أبيه. حزن يوسابيوس بشدة عندما سمع هذه الأمور. وقال ليسطس واقلاديوس وأبادير وتادرس: "يا إخوتي، ماذا نفعل؟ أنا في ضيق وكرب؛ لا أعرف ماذا أفعل. إن ضرورة الذهاب إلى أبي، كما كتب لي، بينما الحرب تضغط علينا، تُلقي بي في ضيق. لا أعرف حقًا ماذا أفعل. فقال يسطس للقائد يوسابيوس: يا أخي العزيز، لتكن مشيئة الرب.

في الليلة الماضية، قبل وصول هذه الرسالة، بدا لي أننا كنا جميعًا في قصر أبي واسيليدس، نأكل ونشرب بفرح. ورأيت رجلاً طويل القامة، متألقًا، يدخل البيت، كأنه ملك، وكان برفقته شابان يبدوان كالجنود، ورأيت نورًا عظيمًا ينتشر في البيت. فقال: أحضروا لي واسيليدس، القائد، لأخبره بهذا السر. ظننتُ أن أحد قادة الملك جاء ليبحث عنه. فلما جاء إليه أبي واسيليدس، عانقه ثم أومأ إلى أحد الجنود، فأخرج له عطرًا. فأعطاه (المخلص) لواسيليدس، وقال له: خذ هذا الطيب، وادهن به جسدك كله وأجساد جميع أقاربك. ثم أمره قائلاً: "احذر أن تعطي هذا الدهن لأحدٍ غريب، فهو لأهلك فقط". فرأيت الرجل النوراني يعانقنا جميعًا ويدهن أجسادنا بهذا الطيب العطر. فجعلني هذا الطيب أستنشق عطرًا زكيًا لم أشمه في المملكة كلها. ولما فرغ من مسحنا بالدهن، أخذ أيدينا جميعاً ووضعها في يد واسيليدس، وقال له: "احفظ هؤلاء الأولاد حتى يحين الوقت الذي حددته لإحضارهم إلى الوليمة التي بقربي. ها أنا قد بدأت بمسحهم بدهن الفرح، فاحفظهم إذًا حتى يحين الوقت الذي أدعوهم فيه إلى وليمة النور" .فسأل أبي واسيليدس الرجل النوراني: من أنت يا سيدي الذي في هذا المجد العظيم؟ أجابه الرجل المُنير: "أنا يسوع المسيح، ابن الله الحي. أنا من يحرسك أينما ذهبت. فاحرس هؤلاء الأولاد حتى يأتي يوم دخولهم ملكوتي. أستودعك إياهم أمانةً، حتى يأتي يوم أطلبهم منك مرة أخرى". ثم رأيته مرة أخرى يأخذنا بيده واحدًا تلو الآخر، ويسلمنا إلى سيدي واسيليدس: كانت تلك رؤيا. وقد أثارت هذه الأمور دهشتي الشديدة لما سيحدث لنا، فاستيقظت على الفور، واختفت الرؤيا.

فلما سمع يوسابيوس ذلك، فرح فرحًا شديدًا وتشجع قليلًا، ولكنه كان يفكر في أمور الحرب. فقال: «لتكن مشيئة الرب». ثم تكلم وقال لإخوته: «يا أحبائي، أنتم تعلمون أنه ليس بيننا غريب. إن نصرنا الرب في الحرب، تعالوا لنعترف بالمسيح شهداءً من أجل اسمه القدوس، لننال الإكليل الخالد. ولكن احذروا أن لا يعلم أحد بهذا السر، لئلا يُكشف للملك» .فقالوا جميعًا: «يا أخانا الحبيب، سنطيعك في كل ما تقول. ألم يأتمنك أبونا واسيليدس، حين أُرسلنا للحرب معك، قائلًا لنا: أطيعوه في كل شيء؟» والآن يا أخانا الحبيب، إن أنعم علينا الرب بالنصر على أعدائنا ورأينا أبانا واسيليدس، فسنفعل كل ما يأمرنا به. وبينما هم يتناقشون في هذه الأمور، جاء رسل إلى يوسابيوس وقالوا له: "إن العدو يضغط علينا بشدة ويقترب منا، فانظر ماذا ستفعل لئلا يقع علينا ويهلكنا في الحال". فأمر القائد يوسابيوس اقلاديوس بأخذ حشدٍ من مائتين وستين ألف جندي وتقسيمهم إلى فيلقين. وأمر يسطس وابادير بتشكيل فيلق واحد لصد العدو. أما القائد يوسابيوس وتادرس الأناضولي واقلاديوس، فقد تمركزوا بفيلق جيشهم في مواجهة العدو. وبعد ثلاثة أيام، اشتبكت كتائب يسطس وأبادير مع الخصوم. وحاصروهم بمساعدة يوسابيوس، ولم يسمحوا لأحدٍ منهم بالفرار، من المشاة إلى الفرسان. وانتصروا، بمعونة المسيح، على العدو الذي ضغط عليهم. واستولوا على جميع غنائمه وأدوات حربه، ثم رجعوا بقوة إلى منطقة الفرات التي كانوا فيها من قبل. انتشر القائد يوسابيوس هناك كالجرادة، إذ كانت قواته كثيرة العدد. ونصب خيمته على ضفة النهر، وأمر بأن يُدعى يسطس، وأبادير، واقلاديوس، وتادرس الأناضولي. فلما جاءوا إليه تكلم وقال لهم: أيها الإخوة، تعلمون أنه ليس بيننا غريب، بل نحن عائلة واحدة. والآن وقد أعطانا ربنا يسوع المسيح النصر على أعدائنا، فانظروا ماذا نفعل. أما أنا فقد عزمت على أن أمضي وأستشهد من أجل اسم ربي يسوع المسيح.

فأجابوه جميعًا قائلين: يا أخانا الصالح! ألم يكتب لنا أبونا واسيليدس: «إن كنتم منتصرين في الحرب، فعليكم أن تأتوا إليّ سريعًا؟» فقال: «لنقم ونذهب إليه لنعرف أخبار المدينة والمملكة، وعندما نجد الملك الذي ترك الله ليعبد الأصنام، فإننا نصبح غرباء عنه، ونطرده من القصر؛ ثم نأخذ يسطس ونجعله ملكًا؛ لأن مملكة الرومان لا ينبغي أن تقع في يد أي شعب غيرنا. أعجب هذا الكلام الجميع، إلا يسطس وحده، لأنه لم يكن يرغب في شيء مماثل إطلاقًا. بعد ذلك، أعدَّ القائد يوسابيوس الطعام، فأكلوا وشربوا معًا في فرح وسرور، لما أحرزوه من نصر. بعد العشاء، ناموا جميعًا جنبًا إلى جنب في خيمة يوسابيوس. وفي منتصف الليل، ظهر لهم المخلص الصالح، راكبًا في مركبة منيرة، ميخائيل عن يمينه وجبرائيل عن يساره. فأضاء المكان كله سبع مرات أكثر من الشمس. وطلب المخلص من رئيس الملائكة ميخائيل أن يلمسهم ليوقظهم. فلما استيقظوا من نومهم، رأوا النور يحيط بهم، فخافوا واضطربوا. لكن المخلص الصالح نزع خوفهم بلمسهم، وقال لهم: لا تخافوا يا عمداء (جمع عميد وهي رتبة في الجيش أي جنود) أبي الصالح والروح القدس، أنا يسوع ابن الله الحي.

فخرّوا جميعهم على الأرض وسجدوا له. فقال لهم: «لا تخافوا، أنا معكم لأقويكم وأنقذكم من جميع أعدائكم. لقد حفظتكم منذ طفولتكم إلى هذا اليوم. الحق أقول لكم: إن أبي قد كتب أسماءكم في سفر الحياة، وبُني لكم مسكن في أورشليم السماوية، مدينة جميع الأبرار.

لقد حان وقت عودتكم إلى دياركم لتروا وجوه إخوتكم؛ عليكم أن تُؤدّون الخدمة المُكلّفين بها، لتفوزوا بالاكليل الذي لا يفنى في ملكوت السماوات، وتعيدون معي إلى الأبد. هوذا الملك الشرير دقلديانوس يعبد أصنامًا نجسة، ويريد أن يُجبر واسيليدس على عبادتها أيضًا. لكنني سمحت له بالمماطلة، ولم يطلب هذا من والدك حتى يرى وجوهكم. علاوة على ذلك، ينتظركم واسيليدس بعد انضمامكم إليه. فاحذروا أن تعصونه في أي شيء يقوله لكم. لقد حان الوقت الذي سآخذكم فيه إلى السماء بقربي، لتنعموا بالراحة الأبدية. وبعد أن أخبرهم بهذه الأمور، احتضنهم المخلص الصالح، وأعطاهم السلام، ثم عاد إلى السماء (أما القادة) فشخصوا اليه ناظرين.

في صباح اليوم التالي، استيقظوا، وركبوا خيولهم عائدين إلى بلادهم. وبعد أيام قليلة، اقتربوا من مدينة المملكة، التي كانت على بُعد ثمانية أميال فقط. فقال يوسابيوس لرفاقه القادة: "هيا بنا نتوقف هنا ونرسل رسولًا إلى والدي واسيليدس ليحضره سرًا ويسأله عن أخباره". فقالوا له: "فليُنفَّذ ما أمرتَ به يا أخونا الحبيب". فكتب يوسابيوس رسالةً وختمها بخاتمه. ثم أخذ أحد خدمه وألبسه ثوبًا متواضعا (رث)، ودفع إليه الرسالة ليُسلمها إلى أبيه واسيليدس. وأمره أن يحرص ألا يُخبر أحدًا من أين أتى حتى يدخل المدينة سرًا ويُسلم الرسالة إلى أبيه واسيليدس، ثم يعود سرًا. فأخذ الخادم الرسالة ومضى وحده حتى وصل إلى المدينة. ووقف خارجها حتى غروب الشمس، ثم قام ودخل المدينة. وتوجه على الفور إلى بيت سيده، وسلمه رسالة ابنه يوسابيوس. بمجرد أن استلم (واسيليدس) الرسالة، تعرّف على ختم ابنه، ففرح فرحًا شديدًا. فأرسل على الفور إلى بقطر، ابن رومانوس، ليقرأ الرسالة عليه. فنهض بقطر مسرعًا ليذهب إلى واسيليدس ويقرأ رسالة ابنه يوسابيوس. بعد أن اطلع بقطر على محتواها، تكلم وقال: "احذر يا أبي واسيليدس من مغادرة المدينة، لئلا يطلبك الملك، وإذا لم يجدك، يُسبب اضطرابًا كبيرًا في المدينة. لا سيما أنه يعتقد أن يوسابيوس وجميع إخوته في حالة حرب، ويعلم أن المملكة ملك يسطس، ابن أختك. دعنا بدلاً من ذلك نكتب رسالة إلى يوسابيوس، لنخبره بكل شيء، وكيف تخلى الملك عن الله لخدمة الأصنام"

أعجب باسيليدس بهذا الكلام، فأمر بقطر بأخذ رقٍّ وكتابة رسالة إلى القائد يوسابيوس نصها كالتالي: "نحيّي إخوتنا الأعزاء وابني الحبيب يوسابيوس. نُبلغ إخوتنا الأعزاء أن الملك الكافر دقلديانوس قد تخلى عن إله السماء ليعبد أصنامًا نجسة، وقتل عددًا لا يُحصى من الناس من أجل اسم ربنا يسوع المسيح. "علاوة على ذلك، يا حبيبي العزيز، أرغب في رؤيتك، لكن هذا الملك الكافر يتذرع بنا، عالمًا لمن تعود المملكة (أي تعود ليسطس). ومع ذلك، فقد عهدنا بكل هذا إلى ربنا يسوع المسيح." ولما ختم القديس أبا بقطر الرسالة، سلمها إلى خادم يوسابيوس وأرسله ليلا. فخرج الأخير ومضى. أما أبا بقطر، فنهض ومضى إلى بيته. ثم وقف ولم يكف عن الصلاة والبكاء أمام الله، حتى ظهر النور. بعد هذه الأحداث، انضمّ الخادم إلى يوسابيوس وأعطاه رسالة أبيه. فدعا يوسابيوس رفاقه، القادة، لقراءة الرسالة عليهم. فاجتمعوا حوله، وقرأوا الرسالة، وعلموا ما فيها. فكانوا في ضيقٍ شديدٍ بسبب العاصفة الشديدة التي أثارها الشيطان على جميع المسيحيين. ولما استيقظوا في اليوم التالي، امتطوا خيولهم، مع جيشهم بأكمله، وتوجهوا نحو المدينة، تسبقهم راية النصر. وانتشرت الخبر في المدينة بأن القائد يوسابيوس سيدخلها في اليوم التالي. سمع رومانوس، والد الأب بقطر، هذا الخبر، فسارع إلى إخبار الملك بكل شيء. خاف الملك دقلديانوس بشدة، وقال لرومانوس: "ماذا نفعل؟". فقال له رومانوس: "لنستدعِ واسيليدس، وسنتأكد من صحة ما قيل". فأسرع الملك دقلديانوس يستدعي واسيليدس مع خدمه.

فقال واسيليدس لرسله: "اذهبوا وأخبروا دقلديانوس أنني من الآن فصاعدًا لا أتفق مع ملك كافر، عابد أوثان نجسة، بل أنا غريب عنه في هذا الدهر وفي الآخرة، ولن أتشاور معه بعد الآن، ولا أتعامل معه في أي شيء. "وعاد الرسل إلى دقلديانوس، فأخبروه بهذه الكلمات. فلما رأى الملك أن واسيليدس لم يأتِ إليه، اضطرب وخاف بشدة، لأنه كان يعلم أنه بوسعه ان يفعل ما يشاء، وكان يعلم أيضًا أن المملكة ستعود إلى يسطس، ابن أخته. فحزن الملك دقلديانوس حزنًا شديدًا، فلم يأكل ولا يشرب. وفكر في نفسه: "عندما يعود يسطس من الحرب، سينصبونه ملكًا، وسأُطرد من القصر. ليت لي أن أنقذ نفسي من الموت الذي سيحل بي قريبًا! ليتني كنت قائدا في الجيش، بدلًا من هذه المملكة التي أنا عليها الآن!".

فأرسل الملك إلى رومانوس وعقد معه مجلسًا لبحث كيفية إنقاذ الملكية. فقال له رومانوس: "المملكة ليسطس، ابن أخت واسيليدس، ولذلك يتعالى عليك. فلنقم ونذهب إلى الهيكل لنقدم ذبيحة لأبولون. سنستشيره، وسنفعل ما يأمرنا به". أعجب هذا الكلام الملك دقلديانوس، فقاموا وذهبوا إلى الهيكل لتقديم ذبيحة، بناءً على كلام رومانوس. ثم أمر الملك بإغلاق أبواب المدينة ومنع دخول او خروج اي أحد . وبينما كان الملك ورومانوس في الهيكل، وصلت طليعة الجيش فوجدت أبواب المدينة مغلقة. وامتلأت المدينة بصيحات الخيل وحشد الجنود. فذهبوا إلى الهيكل ليُعلنوا للملك: "ها هي طليعة جيش يوسابيوس على أبواب المدينة". فغادر الملك الهيكل، وقد ارتاع خوفًا شديدًا، مرتديًا ثوبًا متواضعا، ومضى مختبئًا من الجموع التي لم تكن تعلم إلى أين هرب. عند دخولهم المدينة، استلّ جنود يوسابيوس سيوفهم وتوجهوا إلى القصر. فلم يجدوا الملك، ولم يعرفوا مكانه؛ فذبحوا مئة جندي من مرافقي الملك دقلديانوس. ثم غادر يوسابيوس القائد، ويسطس، وابادير، واقلاديوس، وتادرس الأناضولي القصر، وذهبوا إلى منزل واسيليدس. ولما علم واسيليدس بوصول ابنه يوسابيوس والقادة ورفاقه، فرح فرحًا شديدًا. فلما رأوه، قفزوا عن خيولهم واحتضنوه واحدًا تلو الآخر.

فأدخلهم واسيليدس إلى قصره وجلس بينهم بفرح وسرور عظيمين. وأخبروه بكل ما جرى لهم في الحرب، وكيف انتصروا بقوة الملك المسيح. ففرح واسيليدس فرحًا عظيمًا وشكر الله أنه رآهم سالمين. ومن ثم عقد القائد يوسابيوس مجلسًا مع رفاقه القادة لاحضار يسطس وتنصيبه ملكًا، وطرد دقلديانوس، بذريعة أنه أجنبي مصري. ثم أرسل يوسابيوس القائد في طلب الملك، لكنهم لم يجدوه، ولا عرفوا أين ذهب، لأنه كان مختبئًا في منزل رومانوس، والد أبا بقطر. بعد ذلك، أقام واسيليدس وليمة لإخوته، ففرح معهم فرحًا عظيمًا، وجمع كل عائلته. ولما وصل الجميع، اضطجعوا وأكلوا وشربوا وفرحوا، فقام واسيليدس وخدمهم. وبعد الوليمة، أخذ واسيليدس بيد يسطس، وأدخله إلى مخدعه، وقال له: "يا بني الحبيب، لا تنظر إلى ملكوت هذا العالم، فهو زائلٌ سريع الزوال، بل انظر إلى ملكوت ربنا يسوع المسيح، فهو دائمٌ إلى الأبد. ملكوت هذا العالم زائل، أما ملكوت ربنا يسوع المسيح فهو أبدي".

أجاب يسطس وقال له: "يا أبي واسيليدس، حي هو الرب الإله!". اني لن أسعى أبدًا وراء مُلك هذا العالم؛ ولكن إن منحني الله، برحمته، القوة على تنفيذ مشيئته، فسأذهب شهيدًا لأفوز بملكوت ربي يسوع المسيح الأبدي." فأمسكه واسيليدس وقال له: «أقسم لي أنك لن تسعى وراء هذا الأمر». ووعده ألا يسعى وراءه أبدًا. ولما رأى (واسيليدس) أن يسطس لا يطلب الملك، نهض فرحًا وسأل أين يختبئ الملك. فأُخبر أنه مختبئ لدى رومانوس، والد أبا بقطر. فأرسل إليه رسولًا بهذه الكلمات: "قم، اخرج، واجلس" على العرش الملكي، لإنهاء الاضطرابات السائدة في المدينة؛ فأنت الملك، سيد المدينة كلها؛ وسكانها "خاضعون لك: إنهم خدمك وينفذون أوامرك".لكن هذه هي الكلمات التي تكلم رومانوس، والد أبا بقطر، إلى الملك. (ولكن) قال رومانوس للملك دقلديانوس: "احذر أن تنخدع بالخطابات الكاذبة، لكي لا تذهب إلى القصر ويرسل يوسابيوس، ابن باسيليدس، وتادرس الأناضولي (جنودًا) لقتلك. أعلم أن واسيليدس رجلٌ ماكر، يسعى لقتلك ليحكم يسطس، ابن أخيه، مكانك. وسرعان ما ستعلم ايها الملك أنه يكره عبادة الآلهة المجيدة. إن أراد عودتك إلى القصر وحكمك كما في السابق، فليرسل إلينا خاتم القائد يوسابيوس وخاتم تادرس الأناضولي؛ فهما اللذان يعارضان حكمك. أما يسطس وابادير، فليسا من أهل السعي وراء الملكية أو ما شابه فأرسل الملك على الفور إلى واسيليدس قائلاً: "إذا كنت تريدني أن أذهب إلى القصر وأجلس على عرش الرومان، فأرسل لي خاتم القائد يوسابيوس وخاتم تادرس الأناضولي ابن أخيك. وليقسموا لي بقدرة إلههم أنهم لن يضروني بأي شيء. ثم سأذهب إلى القصر".

وفي اليوم التالي، استدعى واسيليدس ابنه يوسابيوس وتادرس الأناضولي، وخاطبهما قائلاً: "يا أبنائي، اسمعوا لي؛ أعطوني خاتمكم (كضمان) بأنكم لن تُلحقوا أذىً بهذا الملك الكافر. إنه أداة للشيطان. الله يصبر عليه، لأنه لا بد أن يقع في يديه، وحينئذٍ سيجازيه حسب أعماله." فأجاب القادة البواسل: "حيٌّ هو الرب الإله! لا يجلس أجنبي على عرش الرومان؛ إنه مُخصص ليسطس، ابن الملك. من أحق بالمملكة منه؟ هل يجلس أجنبي على عرش الإمبراطورية؟ ومن هو دقلدديانوس؟ فليُمح هذا الاسم من تحت السماء!" فلما رأى واسيليدس غضبهم مُلتهبًا، خشي أن يثوروا ويسفكوا دماءً. فغادر يوسابيوس القائد وتادرس الأناضولي منزل واسيليدس وذهبا إلى يسطس ابن الملك، وناقشا معه أمر الملك. فأجابهم: «لا أطلب ملكوت هذا العالم الذي يزول سريعًا، بل ملكوت ربي يسوع المسيح الذي يدوم إلى الأبد. إن سمعتم لي، فسنذهب شهداء من أجل اسم ربنا يسوع المسيح، لننال الإكليل الذي لا يفنى، في ملكوت السماوات». ألا تذكرون الليلة التي رأيت فيها رؤيا؟ (لما كنا في الحرب)؛ لما رأيت رجلاً منيراً يدهننا بدهن عطر. أقول لكم يا إخوتي الأحباء: إنه المسيح يسوع إلهنا، قد مسحنا بزيت الفرح الذي به سنمضي إلى الاستشهاد بفرح، لنقاتل من أجل اسمه القدوس. فذابت قلوبهم من كلمات يسطس. وهم أيضًا اشتعلت فيهم الرغبة في الاستشهاد، لينالوا الاكليل الذي لا يذبل. أجاب القائد يوسابيوس وقال ليسطس ابن الملك: "يعلم الرب إلهي أنني لم أطلب المملكة لنفسي، لكن بذلت كل جهدي لمنعها من الانحدار إلى قومٍ غرباء؛ ولكن بما أن الأمر كذلك، فلنرسل خاتمنا إلى والدي واسيليدس، ليأخذه إلى الملك (دفلديانوس)، وليذهب إلى القصر ويجلس على العرش".

وفي تلك اللحظة، أخذ يوسابيوس رقًا وحبرا، وكتب هكذا: أنا يوسابيوس، ابن واسيليدس، القائد، أكتب بيدي إلى الملك دقلديانوس: "حي هو ملكي الحقيقي، سيدي يسوع المسيح، الذي سأكون جنديه من هذه الساعة! انهض، اخرج، اذهب إلى القصر، واجلس على عرش المملكة، وافعل بنا ما تشاء. المدينة كلها أمامك، وأوامرك ستُنفذ". ثم سلم يوسابيوس الرسالة إلى يسطس، فكتب هو الآخر بالمثل. فختماها بخواتمهما وأرسلا الرسالة إلى الملك دقلديانوس. ولما استلم الملك رسالة القائد يوسابيوس، استجمع شجاعته وأمر بإحضار رومانوس إليه ليقرأ عليه رسالة يوسابيوس. فلما قرأ رومانوس الرسالة على الملك، فرحوا فرحًا عظيمًا. ثم قال رومانوس للملك: "ها هي المدينة كلها أمامك، وقد عقد القادة الذين حاربونا السلام معنا، وهذه هي الرسالة التي أرسلوها إلينا، مختومة بخاتمهم. فأرسل إلينا لتزيين الهيكل غدًا، وسنذهب إلى هناك لنذبح للآلهة". فأرسل الملك لتزيين الهيكل على الوجه المناسب. (في اليوم التالي)، ما إن طلع الفجر، حتى أمر المنادي في جميع أنحاء المدينة: "اجتمعوا إلى الهيكل لتقديم الذبائح للآلهة، كما أمر الملك". وعندما اجتمع الملك والجمع كله في الهيكل، نهض الملك أولاً وسجد للأصنام بحضور الجمع كله. بعد الملك، سجد القائد رومانوس مع حشد لا يُحصى من الناس. أما من عصى ولم يعبد، فقد قُتل بحد السيف بلا رحمة؛ وكان عددهم لا يُحصى. ثم نصح القائد رومانوس الملك قائلاً: "احذر" ألا تخشى أحدًا، بل قم واكتب مرسومًا للعالم أجمع من أرض روما إلى فيلة التي للإثيوبيين، حتى يتمكن الجميع من الذبح للالهة الجديدة التي صنعتها.

فأعجب هذا الكلام الملك دقلديانوس، فذهب إلى القصر، وجلس على العرش، وأرسل إلى رومانوس ليأتي ويتشاور معه في شؤون المملكة. فذهب رومانوس إلى الملك، فقال له الملك: "ماذا تريدني أن أفعل؟" قال رومانوس: "أريدك، باسم سلطتك الملكية، أن تأمر جميع الناس، في كل مكان، بعبادة الآلهة التي صنعتها. ثم أمر الملك دقلديانوس، مدفوعًا بغضب شديد من إبليس أبيه، بكتابة مرسوم للعالم أجمع، نصه كالتالي: أنا دقلديانوس الإمبراطور، أكتب للعالم أجمع، (آمرًا) أن يعبد جميع (رعاياي) الآلهة الجديدة، وهم أبولو وديانا وغيرهما. ومن يقاوم ويرفض الذبح للآلهة، آمره بتعذيبه تعذيبًا شديدًا، ثم بقطع رأسه بالسيف". ثم أصدر هذا المرسوم، ليُنشر في جميع أنحاء العالم، ويُجبر الجميع على عبادة الأصنام النجسة.

ولما رأى القائد واسيليدس أن الشيطان قد أثار عاصفةً شديدةً ضد كنائس الله في جميع أنحاء العالم، شعر بضيقٍ شديدٍ في روحه (عذبه) ليلًا ونهارًا. فتوقف عن الذهاب إلى الملك، وعن استشارة الملك، ولم يعد يشترك معه في هموم هذا العالم أو شؤونه. وقد أرسل الملك في طلبه مرة، ثم مرتين، ثم عدة مرات، لكنه لم يأتِ. لكنه أرسل رسلًا إلى الملك يقول: "لا علاقة لي بملك يعبد الأصنام". ولما رأى الملك أنه رغم كل هذه الرسائل لم يأت إليه، غضب بشدة، ولكنه لم يستطع أن يؤذيه خوفاً من أبنائه وأبناء إخوته. فقال الملك لرومانوس: "ماذا أفعل؟ لقد أرسلت في طلب واسيليدس مرارًا، لكنه لم يأتِ إلى القصر وأرسل لي قائلا إنه لا يشترك في شيء مع ملك يعبد الأصنام. ربما يخفي خدعة في قلبه ويسعى إلى إعطاء المملكة ليسطس ابن أخيه؟ "أجاب رومانوس وقال للملك دقلديانوس: "أنت الملك الجبار؛ افعل ما تشاء؛ لتكن ذراعك مرفوعة، ولتكن يمينك قوية!"ولكن دعنا نكتب رسالة ونرسلها إلى واسيليدس؛ (سنقول له): "لقد اندلعت حرب علينا وعلى المملكة. أرسل إلينا قوادّك مع ابنك يوسابيوس، ليخوضوا الحرب وينقذوا مملكتنا وجميع مقاطعاتنا." أعجب الملك بهذا الكلام، فكتب رسالة وأرسلها بدهاء إلى واسيليدس. ولما استلم واسيليدس الرسالة، استدعى أبناء أخيه، مع ابنه يوسابيوس، وقرأ عليهم رسالة الملك. فلما سمعوا هذا الكلام، نهضوا جميعًا بصوت واحد قائلين: «لن نخوض حربًا بعد الآن، ولا نقاتل من أجل ملكٍ تخلى عن الله، بل سنستشهد في سبيل اسم ربنا يسوع المسيح، الملك الخالد».

فذهب الرسل وأخبروا الملك بهذا الكلام، ففرح به فرحًا عظيمًا. مدفوعًا بشر عظيم، ومتأثرًا بنصيحة رومانوس النجس، نهض وأمر بتجهيز المحكمة؛ فأُحضرت أدوات التعذيب ووُضعت أمامه. ثم أمر بإشعال النار على المذبح، وأُحضرت الآلهة ووُضعت أمامه. (وبعد ذلك) أمر المنادي بالصراخ بصوتٍ عالٍ: "يأمر الملك قيصر بأن يعبد العالم أجمع آلهته. من يُطيعه ويعبد آلهته سينال تكريمًا عظيمًا؛ ومن لا يُطيعه سيُعذب عذابًا شديدًا بعقوباتٍ مُختلفة؛ وسيُسلم إلى عقاب السيف والنار". وجموع لا تحصى (من المسيحيين) قدمت أجسادها للنار، ونالت الإكليل الذي لا يفنى في ملكوت السماوات، واحتفلوا مع جميع القديسين في أورشليم السماوية. بعد ذلك، نهض واسيليدس مع جميع أهل بيته، وخرجوا يهتفون أمام المحكمة: "نحن مسيحيون (ونعترف بذلك) جهارًا نهارًا. نؤمن بربنا يسوع المسيح، ابن الله الحي". ولما رأى الملك هذا الجمع الغفير، ارتعب ارتعابا شديدًا، فنهض من المحكمة وهرب إلى القصر. ولكن واسيليدس، إذ رأى أن الملك قد خاف وهرب، أرسل إليه قائلاً: "حي هو الرب الإله القدير! إن خرجت فلن يصيبك مكروه، ولن يمسك أحد من القادة". ما طلبنا منك إلا الاستشهاد، لنسفك دمنا من أجل اسم ربنا يسوع المسيح. إن شئت، فقم وتعالَ واحكم علينا. وإلا فسأُهيج هذه المدينة كلها عليك، فيقتلونك في الحال.

ولما سمع الملك هذه الكلمات، امتلأ فرحًا، وقام وجلس على كرسي القضاء. ثم أحضر القائد واسيليدس وجميع أهل بيته، وخاطبهم بهذه الكلمات المجاملة: "ما بالكم؟ هل أجبركم أحد على شيء رغماً عنكم؟ تفضلوا وأقيموا معي في القصر؛ ستكون لي بمثابة أب (او اباء)، وسأطلب مشورتكم كما في السابق".لكن القائد واسيليدس قال للملك: "لن أتخلى أبدًا عن ربي يسوع المسيح لأتبع كلماتك الخادعة التي تؤدي إلى الهلاك". وكان الملك دقلديانوس يخشى واسيليدس، لأنه كان يعلم أنه أب الملوك، وأنه سينفذ ما يريده بسرعة. فتشاور في نفسه على الفور قائلاً: سأنفي واسيليدس إلى مصر أولًا، لأقتله فورًا. أما يوسابيوس وتادرس الأناضولي، فإذا رأيا أنني نفيت أباهما واسيليدس، فسيخافان مني خوفًا شديدًا، وسأفعل بهما ما أريد. إن قدّما ذبائح للآلهة، فسأكرمهما؛ وإن لم يفعلا، فسأنفيهما أيضًا، ليُقتلا في أرض أجنبية. ثم أمر بإحضار القديس واسيليدس إليه مرة أخرى، وقال له: "فيمَ تفكر؟ هل فكرتَ في الأمر، وهل أنت عازم على الذبح للآلهة المجيدة؟" أجابه القديس واسيليدس وقال: "حي هو ربي يسوع المسيح، الذي أنا جنديه من هذه الساعة! إن لم توقع على نفيي إلى مصر، ليسفك دمي هناك من أجل اسم ربي يسوع المسيح، فسأثير عليك هذه المدينة كلها وستُقتل".

فخاف الملك دقلديانوس خوفًا شديدًا، فكتب على الفور رسالة إلى ميصورس، حاكم أفريقيا، يطلب فيها إعدامه هناك. وكان القائد يوسابيوس رجلًا طويل القامة ومحاربًا ذا قوة جبارة. عندما رأى أن والده قد نُفي، ليستشهد ويموت في سبيل المسيح، مُلتهبًا بروح القداسة، أخذ سيفًا في يده، وصعد إلى المحكمة، وقال للملك دقلديانوس الكافر: حي هو ربي يسوع المسيح! إن لم تُحكِم عليّ أنا أيضًا بإرسالي إلى مصر لأُسفِكَ دمي هناك، كما فعلَ واسيليدس أبي وجميع إخوتي، فسأقطع رأسك. فانتاب دقلديانوس خوفٌ شديدٌ ورعدةٌ شديدة. فكتب على الفور رسالةً الى صعيد مصر إلى موريان، حاكم مدينة قبطس(قفط) ، كما يلي: أنا دقلديانوس، الملك، قيصر، أكتب إلى موريان، حاكم مدينة قفط ؛ تحياتي! بما أننا أصدرنا أمرًا بأن يُقدِّم الجميع ذبائح للآلهة المجيدة أبولو وديانا والآلهة الأخرى؛ ويوسابيوس، ابن باسيليدس، القائد العظيم، قد عصى أمرنا، فقد أرسلناه إليك. فعذبه كما يستحق. إن أطاعك وقدّم ذبائح للآلهة، فامنحه تكريمًا عظيمًا؛ وإن عصى، عذبه بتعذيبات مروعة، ثم اقطع رأسه بالسيف. وداعًا يا عزيزي، في رعاية الآلهة."

ولما انتهى من كتابة الرسالة،(امر) بتقييّد يدي وقدمي القديس، ووضع طوقًا حول عنقه، وحمله وألقاه في عنبر السفينة. ثم سلّم الملك الكافر الرسالة إلى أحد حماته العظام، ويُدعى أناتول، فأمر البحارة بالصعود إلى السفينة والإبحار فورًا. وبعد شهر من الإبحار، وصلوا إلى ميناء مدينة هنيس (اهناسيا). ترك القائد القديس في السفينة، وأخذ الرسالة، وذهب إلى المدينة، وطلب الوالي. فرافقه أهل المدينة وقادوه إلى موريان، والي ققط. فلما رأى الحاكم الحامي، أدرك أنه من عند الملك، فقام وانطلق للقائه وعانقه فرحًا. وجلسا متجاورين. فسلّمه الحامي رسالة الملك. فلما فتحها ووجدها مكتوبًا عليها: "أرسل إليك يوسابيوس بن واسيليدس، القائد العظيم"، خاف خوفًا شديدًا وقال للحامي: "هل غضب عليّ سيدي الملك لأنه أرسل قائد المملكة العظيم ليقتلني ويدمر هذه المدينة كلها بالسيف؟ هل يستطيع خادم أن يُذلّ سيده؟ أقول لكم: إن أخذ هذا الرجل سيفًا، فسيفسُدّ المدينة كلها في لحظة، لأني أعرف قوته".وبينما كان الوالي والحاكم يتناقشان في هذه الأمور، أمرا بأخذ الطوباوي يوسابيوس إلى السجن حتى الغد.

ولما وصل إلى السجن، وجد قديسين مسجونين على اسم الرب يسوع المسيح: وهم: الأنبا إيليا، وإباجاثوس، وخريستوفورس، وكالينيس، وجمع غفير من القديسين. فلما رأوا القائد يوسابيوس، نهضوا جميعًا واحتضنوه واحدًا تلو الآخر قائلين: "أهلًا بك يا جندي (محارب) الملك العظيم المسيح؛ السلام لك. لقد أعلن لنا المسيح مُسبقًا أنك ستأتي إلينا اليوم". فاجتمع القديسون جميعًا وقضوا الليل في تسبيح الله حتى طلع ضوء الصباح. وفي الغد، أمر الحاكم موريان بإحضار جميع القديسين المسجونين إليه للمحاكمة. فذهب الخدم لإحضارهم، وصعدوا بهم إلى المنصة صفًا صفًا، وكان القديس يوسابيوس يمشي أمامهم. فلما نظر الحاكم ورأى القائد (يوسابيوس) يتفدم الحشد، نهض ووقف أمامه كأنه يُكرمه. فقال له الحاكم: "ما الذي حدث لك يا سيدي يوسابيوس، قائد الجيش الروماني العظيم، حتى انحدرت إلى هذه الإهانة العظيمة؟ أين كرامتك الرفيعة وثروتك الطائلة؟" فقال له القديس: "تركتُ كل هذا لأطلب ملكوت سيدي يسوع المسيح. افعل بي ما تشاء؛ فأنا مسيحي (أعترف بذلك) جهارًا: أؤمن بربي يسوع المسيح". ولما سمع الحاكم هذه الكلمات، قال له: "كتب إليّ الملك أن أعذبك بشدة، ولكنك ترى أنني أخجل من عظمتك، فأنت لستَ رجلًا يستحق الإذلال. ومع ذلك، إذا أردتني أن أتصرف معك وفقًا لأمر سيدي الملك، فسأفعل". فأجابه القديس وقال: «نعم، بالتأكيد! أريدك أن تعاملني وفقًا لما كتبه لك ملكك، دقلديانوس الشرير، وإن لم تفعل، فسأقتلك بالسيف».

بعد أن سمع الوالي هذه الكلمات، أمر بوضعه على المِعْلَق (المخلعة او الهنبازين) وعذبه حتى سقط لحمه المدمى قطعة قطعة على الأرض. لكن القديس رفع عينيه إلى السماء وصلى في قلبه قائلًا: "أشكرك يا سيدي يسوع المسيح لأنك جعلتني أهلًا للمعاناة من أجل أسمك القدوس". وفي تلك اللحظة نزل الملاك سوريال من السماء، وحمل نفس القديس يوسابيوس إلى السماء، وأراه المناطق السماوية. ثم قاده وأراه بيته وعرشه واكليله، مُزيّنًا بالجمال. كما أراه بيوت أقاربه واحدًا تلو الآخر، وبيت أبيه واسيليدس، الذي كان واسعًا جدًا، وقد تجمعت حوله بقية المساكن. فسحبه مرة أخرى وأراه فردوس الفرح، ثم أعاد روحه إلى جسده، وشفى جراحاته، وأعطاه السلام، وصعد إلى السماء. فتوقف الجلادون عن تعذيبه، وقالوا للوالي: «لقد تعبنا من تعذيبه، فهو لا يشعر بشيء». أمر بإنزاله، وإحضار قار وكبريت وراتنج أرز، وصبّهم وهم يغلون على جسده. فاخترقت النار جميع أعضاء القديس، فصرخ قائلًا: "يا ربي يسوع المسيح، استجب لي ولا تتركني". وبينما هو يتكلم، إذا بالمخلص الصالح قد ظهر له في صورة شاب، ميخائيل وجبرائيل ورؤساء الملائكة السبعة الآخرون (نص مفقود)(يشير السنكسار الى تعذيبه بتقطيع اعضاءه وضربه بشدة ايضا ومن المتوقع ان يكون في النص المفقود شفاء القديس من بعد الامه ودهشة الوالي وربما ايمان بعض من شاهدوا معجزة الشفاء)...

أمر الملاك سوريل بإحضار أطراف يوسابيوس الشهيد القديس المجيد. فجمع رئيس الملائكة سوريال أطراف الرجل المبارك وقدمها أمام المخلص الصالح. فناداه (المخلص) بصوته الوديع قائلاً: "يوسابيوس، حبيبي، جندي أبي الصالح والروح القدس، انهض من هذا النوم؛ أنا آمرك". فقام القديس يوسابيوس في الحال من بين الأموات، قوي الجسد، وكأنه لم يعانِ من أي أذى؛ وخر وسجد للمخلص. قال له الرب: "تشجع يا مختاري المجيد. أقول لك: كما أن اسمك عظيم على الأرض، فسأجعله عظيمًا في السماء أمام جميع القديسين. من يتصدق باسمك يرث ملكوتي مع جميع القديسين. وسأمزق سجل خطايا من يكتب كتاب شهادتك، ويعلن عن جهادك والمعاناة التي تحملتها من أجل اسمي، وسأكتب اسمه في سفر الحياة". وعندما نطق المخلص بهذه الكلمات، منحه السلام وصعد إلى السماء بمجد. قام القديس ومشى وانطلق مباشرةً إلى حيث كان موريان، الحاكم. فلما نظر الأخير ورأى القديس مقبلاً نحوه، صرخ: "بحق هرقل! من شفاك هذه المرة أيضاً؟" قال له القديس: "صليتُ إلى إلهي، فأتى إليّ وشفاني". فأمر الحاكم بطرده من مدينة هنيس (اهناسيا)، وأغلق الباب تنفيذًا لأمره. فقام القديس في الحال، وبسط يديه، وصلى قائلًا: يا ربّ وإلهي، لا تتركني؛ أنت ترى يا ربّ أنهم طردوني من المدينة ولن يسمحوا لي بالعودة. والآن يا ربّ، أرسل لي ملاكًا صالحًا، ليمنحني وسيلةً لدخول المدينة، وهناك أُنهي جهادي على يد هذا الحاكم الكافر، لك المجد، ولأبيك الصالح وللروح القدس، إلى الأبد. آمين. وبعد أن قال آمين، وإذا برئيس الملائكة القديس رافائيل واقفًا عن يمينه، ورفعه على جناحيه النورانيين، وأنزله بالقرب من بوابات المدينة، واحتضنه وشجعه وصعد إلى السماء بمجد.

وفي الغد، جلس الحاكم على منصة المحكمة؛ فإذا بالقديس نهض، ممتلئًا بقوة المسيح، وذهب إلى المنصة وصاح قائلًا: "اخجل أيها الحاكم! أنا يوسابيوس، خادم المسيح". فغضب الحاكم غضبًا شديدًا عندما رأى القديس وصاح: "بخلاص الآلهة! سأحرقك حيًا". وعلى الفور، أشعل (موريان) نارًا عظيمة، وقيد يدي وقدمي القديس، وألقاه في وسط النار المشتعلة. ثم مدّ القديس يديه وسط النيران وصلّى قائلاً: "استجب لي يا سيدي يسوع المسيح، يا من تسمع كل من يدعوك. يا من سمعت الفتية الثلاثة في وسط أتون النار، استجب لي اليوم. يا من كنت مع النبي يونان في بطن الحوت، استجب لي اليوم. يا من سمعت النبي دانيال وهو في جب الأسود، استجب لي اليوم وأنقذني من هذه النار المشتعلة، حتى لا يقول هذا الطاغية: لقد غلبته! المجد لك مع أبيك الصالح والروح القدس، إلى دهر الدهور. آمين."

وبعد أن قال هذه الكلمات، وقف عليه رئيس الملائكة القديس رافائيل، فمسح لهيب النار عن جسده، فجعله يبدو كالندى (النسيم) العليل. ثم أحضر له ثمارا من الفردوس، فأكلها (يوسابيوس). ثم أخذه الملاك بيده وأخرجه من النار، وأقامه سالمًا، وشجعه، وأعطاه السلام، وصعد إلى السماء، والقديس يوسابيوس يراقبه. قام على الفور وتوجه إلى المحكمة، فرحًا وسعيدًا كقائم من وليمة. فلما رآه الحاكم مقبلًا نحوه، غضب غضبًا شديدًا وقال: "ان جنس المسيحيين هذا هو كربي (يعذبني أو يقلقني)، وخاصة هذا الجندي يوسابيوس". فقال له مساعده: "اكتب حكمه (قضيته) وأرسله بعيدًا حتى نتخلص منه". فدوّن الحاكم حكم يوسابيوس، وأمر بقطع رأسه بالسيف. ففرح القديس فرحًا عظيمًا لسماع حكم إعدامه. ربط الجند اللجام في فمه واقتادوه لقطع رأسه قرب تلة كبيرة شرقي المدينة. فطلب من الجنود أن يسمحوا له بالصلاة قليلاً، فسمحوا له. ثم مدّ القديس ذراعيه وصلى طويلاً. وبعد صلاته، قال للجنود: "تعالوا واعملوا ما تريدون". ثم أخذ أحد الجنود بشعره ودفعوه (دفعوا رأسه) إلى الأمام، وضربوه بالسيف، وقطعوا رأسه المقدس في اليوم الثالث والعشرين من شهر أمشير. وأخذ رافائيل نفسه، وعانقها، ولفها برداء كتاني (روحاني)، وحملها إلى السماء، إلى المجد. السلام على جميع الذين استشهدوا من أجل اسم ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي به المجد للآب ومعه ومع الروح القدس، إلى أبد الآبدين. آمين. (انتهى نص السيرة في المخطوط)

خاتمة الناسخ:

روح بشاي أنوب، ابن مكاريوس. ليرحمها الله ، فقد أخطأ كثيرًا. ليغفر لي (الله) خطاياي.
طوبى لمن قال: "آمين". آمين، آمين.
باسم الآب والابن والروح القدس، الثالوث الأقدس، في لاهوت واحد. آمين. - أتوسل إليكم، أن تذكروني برحمة، أنا وسادتي، وآبائي، ورهباني، ورجال ديني، وشعبي، وجميعكم يا من تقرأون هذا الكتاب، حتى يمنح المسيح إلهي قليلًا من الرحمة لنفسي الضعيفة التعيسة، في دينونته الرهيبة، ويغفر لي قليلًا من خطاياي الكثيرة، سبعة أضعاف رمل البحر. آمين 99 مرة

نسخ بتاريخ 7517 لآدم ؛ بتاريخ 1017 للمسيح بتاريخ 741 لعصر الشهداء
 
التعديل الأخير:
أعلى