جزء من مقال عن سلطة الكهنوت :
ما من شك أن السيد المسيح قد أعطى للكنيسة سلطاناً فائقاً بقوله "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء" (مت18:18) على أن هذا السلطان ليس سلطاناً مطلقاً بلا حدود ولا قيود، وإلا خلق من قادة الكنيسة (أساقفتها) حكاماً مستبدين، وجعل الكهنوت دكتاتورية متسلطة، وأردى الشعب عبيداً مذلولين.
في حين أن الأمر على العكس من ذلك تماماً، فإن الرب الذي أعطى هذا السلطان الفائق هو نفسه الذي قال لمن وهبهم إياه "أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم، فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يكون فيكم عظيماً فليكن لكم خادماً. ومن أراد أن يكون فيكم أولاً فليكن لكم عبداً." (مت25:20-27)؟
وضرب لهم أروع الأمثلة بنفسه، إذ عقب على هذا الكلام بقوله: "كما أن ابن الإنسان لم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت28:20).
من أجل هذه الاعتبارات وغيرها حرص الآباء الرسل على أن يضعوا العديد من التحفظات، والتحذيرات الشديدة للأساقفة، وكل من عندهم هذا السلطان، حتى لا يسيئوا استخدامه، وإليك بعضاً منها كما ورد في الدسقولية (أو تعاليم الرسل).
1. بخصوص إتاحة الفرصة للمتهم أن يدافع عن نفسه:
فلربما أسيء فهمه، أو نسج عنكبوت الأحقاد والشائعات خيوطاً كثيفة لطمس الحق. لذلك أوجبت الدسقولية إتاحة الفرصة للمتهم ليقف على أرض أمينة في ساحة العدالة، ليعبر عن نفسه، ويحتج عما قُذف به، فقالت:
[لأنكم – أيها الأساقفة – إذا سمعتم كلام الفريق الواحد وحجته في دعواه التي يدعيها، وأوجبتم قضيته، وقطعتم الحكم بسرعة، وليس الفريق الآخر (المتهم) حاضراً معكم، ليجيب عن نفسه، ويحتج عما قُذف به، فإنكم تكونون مستحقين للقتل الذي حكمتم به]
(الدسقولية - الباب الثامن)
2. بخصوص عدم التسرع في الحكم:
كان بطرس في البستان متسرعاً في استلال السيف، وفي لمح البصر هوى على أذن عبد رئيس الكهنة فقطعها، فما كان من السيد المسيح إلا أن أعادها إلى مكانها، وأعاد سيف بطرس إلى غمده، ليعلمه التمهل وعدم التسرع.
ولقد نبر الآباء الرسل في قوانينهم على أهمية هذا الأمر، فقالوا:
[لا تكن متسرعاً إلى "القطع"، ولا جسوراً، ولا تسارع بالمنشار الكبير الأسنان، بل ابدأ بما ينقي وينظف، وأخرج الوسخ بلطف، لكيما تخرج الفساد الذي هو علة الجرح وسبب الأوجاع ليبرأ الجسم كله من المرض.]
(الدسقولية - الباب الثامن)
3. بخصوص استبعاد الدوافع الشخصية أو حب إذلال النفوس:
أحياناً تلعب الأغراض الشخصية دوراً غير شريف في معركة الحق، فيجنب الحق، ويجنح الحكم. ما أرهب هذا الوضع، فأصدر الآباء الرسل قانوناً يحذر من هذا الانحراف، يقول:
[فإن هو – الأسقف – ربط وحرم بغير حق طلباً للتشفي من الناس، والتماس ذلهم وخضوعهم له، فليكن هو المربوط والمحروم.]
(مقال لنظير جيد "قداسة البابا شنوده" في 26 يونية 1952م)
4.عقوبة من يصدر حكماً ظالماً. أو يستخدم سلطان الحل والربط استغلالاً سيئاً:
[وأسقف يوجب القضية على أحد ظلماً، يخرج الحكم من فيه على نفسه]
(مقال لنظير جيد "قداسة البابا شنوده" في 26 يونية 1952م)
وأيضاً:
[فأنتم الآن اعرفوا عقوبة كل الخطايا المختلفة لئلا يكون منكم ظلم لأحد، فتحركوا رجز الله عليكم بحكم الظلم. لأن الحكم الذي تحكمون به، يحكم الله به عليكم.]
(الدسقولية – الباب الثامن)
وأيضاً:
[إن أوجبتم القضية على أحد ظلماً، فاعلموا أن الذي يخرج من أفواهكم يرتد على أنفسكم.]
(الدسقولية – الباب الثامن)