و اين التناقض بين النص هذا و ما ذكر سابقا؟ ارادة النساء بدهن المسيح بالطيب لتكريمهم له, اذ الطيب دهن به رجلي المسيح, فهو عادته للتكريم و التوقير
هي بتقول
((ولما قالت هذا التفت الي الوراء فنظرت يسوع واقفا ولم تعلم انه يسوع .قال لها يسوع يا امراة لماذا تبكين من تطلبين فظنت تلك ان البستاني فقالت له يا سيد ان كنت انت قد حملته فقل لي اين وضعته وانا اخذه قال لها يسوع يا مريم . فالتفت تلك وقالت له ربوني الذي تفسيره يا معلم قال لها يسوع لا تلمسيني لاني لم اصعد بعد الي ابي وابيكم والهي والهكم ))يوحنا 20 (14-17)
هل تستطيع تلك السيدة لو كانت تبحث عن الجسد ان تحمل الجسد بنفسها مع ما به من حنوط وباقي مستلزمات الدفن لم تكن تسئل عن جسد يا سيدي
موضوع "المكان" الخاص أين يمكث يسوع، وأين يذهب، هو موضوع حيوي. ففي بداية الإنجيل سأله التلميذان الأولان: "يا معلم أين تمكث؟" (يو 38:1). وفي العشاء الأخير قال له توما: "لسنا نعلم إلى أين تذهب" (يو5:14). وعند القبر سألته المجدلية: "إن كنت قد حملته، فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه" (يو 15:14). وعندما سألها أن تبشر بقيامته وجّه نظرها إلى أين تذهب، إذ أراد لها كما للتلاميذ أن يصعدوا درجات أعلى في معرفتهم لقيامته.
قبل أن يجيب أحد الملاكين عليها جاءت الإجابة عمليًا من السيد المسيح نفسه الذي وقف وراءها ليتحدث معها ويجيب على سؤالها. كان شهوة قلب المجدلية أن ترى جسد المسيح الميت، لكنه وهبها ما هو أعظم، إذ ظهر لها "القائم من الأموات". إنه يعطينا أكثر مما نسأل وفوق ما نطلب.
التفتت إلى الوراء ربما لأنها شاهدت الملاكين قاما بعملٍ غير عادي كالسجود متجهين نحوه، أو أن أنظارهما قد تحولت عنها إليه بوقار شديد. رأته إنسانًا عاديًا فلم تتعرف على شخصه. لم تكن نفسية المجدلية أو فكرها مهيأ للقاء مع القائم من الأموات. وربما بسبب حزنها الشديد لم تستطع أن تتعرف على شخص ربنا يسوع. حقًا كانت تبحث عنه بدموعٍ بقلبٍ منكسرٍ، ولم تدرك أنه قريب من منسحقي القلوب (مز ٣٤: ١٨)، أقرب مما يظنوا. هكذا يليق بنا حين نطلبه أن ندرك أنه قريب إلينا جدًا، فوق كل تصورٍ بشري. فهو في داخلنا يود أن يعلن ذاته لنا.
لم يروِ لنا يوحنا الإنجيلي أن أحد الملاكين قد أخبراها بقيامته، ربما لأنه سبق فأشار إلى ذلك الإنجيليون الثلاثة (مت ٢٨: ٥-٧؛ مر ١٦: ٦-٧؛ لو ٢٤: ٥-٧).
v
على ما يلوح لظني أنها إذ قالت إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه ظهر السيد المسيح خلفها بغتة! فأخاف الملاكين، فإذ عاينا سيدهما أظهرا في الحال بشكلهما وبنظراتهما وبحركتهما أنهما قد أبصرا ربهما، بهذا الحال استمالا التفات مريم.
ظهر لهما بهذه الكيفية، ولم يظهر هكذا للمرأة، حتى لا ترتعب منه عند أول نظرة إليه. إنما ظهر لها في شكل عادي بسيط كما يظهر من كونها قد ظنته أنه البستاني.
كان هذا يليق بفكر غير متقدم أن ينطلق إلى الأمور العلوية ليس دفعة واحدة بل بهدوءٍ، لهذا سألها: "يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟"
القديس يوحنا الذهبي الفم
v
إذ أحبت وشكت رأته ولم تتعرف عليه؛ حبها أعلنه لها، وشكها منعها عن معرفته.
البابا غريغوريوس (الكبير)
"قال لها يسوع:
يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟
فظنت تلك أنه البستاني،
فقالت له: يا سيد إن كنت أنت قد حملته،
فقل لي أين وضعته،
وأنا آخذه". (15)
ربما جاء تساؤل السيد المسيح يحمل شيئًا من الحزم: يا امرأة لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ وكأنه يقول لها: لماذا أتيتِ إلى هذا الموضع باكرًا؟
لقد سبق فرُمز لهذا التصرف بيوسف الذي تظاهر أمام اخوته كغريبٍ قبل أن يكشف لهم عن شخصه (تك 44، 45). إنه يعاتبها: "لماذا تبكين؟ أنا قمت! من تطلبين؟ ها أنا أمامك! قيامتي فيها الإجابة على كل أسئلتك، وفيها شبع لكل احتياجاتك".
جاءت إجابتها تحمل معنى: "لماذا تلومني على دموعي الغزيرة؟ ولماذا تسألني من أطلب؟ أنت تعرف سرّ دموعي وموضوع طلبي"، وإذ حسبته البستاني ترجته أن يخبرها أين هو إن كان قد حمله إلى موضع آخر.
ربما ظنت أنه كبستاني لم يقبل أن يوضع جثمان مصلوب مرفوض من المجتمع في قبر سيده الجديد، لذلك حمله إلى موضع آخر. لذلك طلبت أن تأخذه لتجد له قبرًا آخر تضعه فيه. بحبها لم تشعر بأي ثقل من جهة حمل جسد المسيح والبحث عن قبرٍ لائق به.
v
مرة أخرى تتحدث عن جسد موضوعٍ أو محمولٍ بعيدًا كما عن جثة ميت. إنها بهذا تعني: "إن كنت قد حملته خوفًا من اليهود، أخبرني. فإنني أأخذه". عظيم هو حنو المرأة وانفعالها المحب، لكن لم يكن لديها شيء علوي. لذلك يضع الأمر أمامها بالصوت لا بالمظهر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v
سألها عن سبب حزنها لكي يزيد من شوقها، حتى إذ سأل تلك التي تبحث لترى تشعر بحب ملتهب متزايد من نحوه.
البابا غريغوريوس (الكبير)
"قال لها يسوع: يا مريم.
فالتفتت تلك، وقالت له:
ربوني، الذي تفسيره يا معلم". (16)
إذ بحثت عنه بغيرة متقدة ومحبة تأهلت أن تسبق غيرها في التمتع بصوته المفرح. لقد سرّ السيد المسيح أن يهبها فرح قيامته، لكي تشهد وتكرز بإنجيل القيامة. تحدث معها لا بلهجة بستاني حارس للبستان، وإنما بنغمة المحبة التي اعتادت عليها. سمعت اسمها على فمه فعرفت شخصه، وكما قال السيد عن خرافه أنها تعرف صوته (يو ١٠: ٤). كان يكفيها كلمة واحدة، أن يناديها السيد باسمها. وكما تقول الكنيسة: "صوت حبيبي، هوذا آتٍ طافرًا على الجبال، قافزًا على التلال" (نش ٢: ٨).
قالت له: "ربوني" وهو لقب يحمل نوعًا من الكرامة أكثر من لقب "راباي". إنه يحمل معنى "يا معلمي العظيم الكرامة".
v
إلى أن دعاها باسمها وظهر لها كهاتفٍ لا تزال تظنه ميتًا وتسأل أين هو موضوع، دعاها باسمها. وكأنه يقول لها: "لتعرفي ذاك الذي يعرفك". وإذ دُعيت مريم باسمها عرفت خالقها. أنه ذاك الذي تبحث عنه خارجها، وهو يعلمها أن تبحث عنه داخليًا.
البابا غريغوريوس (الكبير)
v
علة حزنها الشديد أنها لم تعرف أين تذهب لتهدئ من حزنها. لكن قد أتت الساعة حين يعلن لها الملاكان إلى حد ما بالفرح الذي يحل بعد الحزن، فقد طلبا منها ألاَّ تبكي.
v
عندما حولت جسمها (التفتت إلى الوراء) ظنته على غير ما هو عليه (١٥)، بينما حينما حولت قلبها تعرفت عليه كما هو.