- إنضم
- 6 أكتوبر 2009
- المشاركات
- 16,056
- مستوى التفاعل
- 5,370
- النقاط
- 0
تابع مدخل عام للكتاب المقدس (8) مدخل لسفر التكوين בּֽרֵאשִׁית، سفر البدايات
قد جاء عنوان السفر في الأصل العبري [ بيراشيت = בּֽרֵאשִׁית، أي رأس أي في البدء ]، تبعاً للكلمة الأولى في السفر نفسه: [ في البدء خلق الله السماوات والأرض ]، وفي التلمود اليهودي قد أُطلق على السفر [ سفر خلق العالم ]، والعنوان حسب الترجمة السبعينية مبني على الإشارات العديدة في [ تكوين 2: 4 ] [ هذه مبادئ السماوات والأرض حين خُلِقَت، يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات ]، وأيضاً تعني ولادة وأصل وتكوين. أما في السريانية فأسمه كما في العبرية بمعنى الابتداء والرأس والباكورة، أو كما في اليونانية [بريتو] أي الخلق والخليقة.
عموماً سفر التكوين هو الكتاب الأول الذي يبدأ به الكتاب المقدس، وهو أول أسفار موسى الخمسة (البنتاتيوك) وهو المفتاح الذي يفتح كنوز الوحي الإلهي، إذ على أساسه بُنيت المعرفة الصحيحة لبداية الحياة على الأرض، لا في تفاصيلها ولكن في جوهرها ومن حيث مصدرها الذي هو الله خالق الجميع بكلمة قدرته، ومفتاح هذا السفر لا يستلمه الإنسان بالفكر أو بالفلسفة أو المعتقدات السائدة عند الناس ولا حتى بالتأمل والتفكير العقلي حسب منطق الناس واعتقادهم، بل ينبغي أن يستمله الإنسان بالوحي الإلهي من الله نفسه وبشخصه، ولكي نفهم ونستوعب سرّ هذا السفر ينبغي أن ندخل إليه بمهابة شديدة ولا نستخف بما فيه من أحداث معروفة لدينا أو نحاول أن نتأمل فيها بحسب خلفيتنا عنها من واقع خبرة السقوط التي اجتزناها في حياتنا، لأن هذا مدخل للسفر لا يخلو من المخاطرة لأننا سنخرج حتماً بما نتصوره نحن عن الخلق وطبيعة الإنسان قبل السقوط، فنخرج خارج مقاصد الله ويحدث خلط في الذهن في الأمور الإلهية كما يقع فيها غالبية من يشرحون ويفسرون سفر التكوين ويقدمونه كتعليم وليس كتأمل، لأن بالطبع هناك فرق بين التأمل حسب احتياج كل شخص ومرحلته الروحية وبين التعليم حسب مقاصد الله في الخلق وهدفه من الطبيعة ووجود الإنسان، وايضاً من معنى الجنس ومفهومه في بداية الخلق الذي أتعب الناس كلها وأدخلها في متاهات لا تنتهي لأنهم يقيسون الأمور الإلهية والخلق على سقوطهم وهذا خارج التدبير الإلهي حتماً، لأن الخطية لم ولن تكن من ضمن التدبير الإلهي على الإطلاق، لأنها دخلت إلى العالم بالغواية وتبعها الموت الذي هو نتيجتها الطبيعية التي أفسدت الإنسان حتى أنه يرى كل أعمال الله من منظور سقوطه وخطيئته ...
لذلك ينبغي علينا أن ننتبه جداً، بانتباه قلبي شديد مع طلب استنارة من الله بالروح لهذا السفر العظيم، لأنه أساس فهم كل شيء حسب تدبير الله ومقاصده العظيمة، وتأكدوا أن أي خلل في فهم هذا السفر يصنع قصُوراً في فهم الخلق حسب مقاصد الله وأيضاً عدم فهم طبيعة السقوط وتدبير الخلاص بوعد الله الذي بدأ منذ سقوط الإنسان بإعلان إلهي قدمه الله للإنسان في هذا السفر العظيم، وينبغي أن نعرف أن القصور الناتج عادةً في شروحات الكتاب المقدس والعقيدة ومفهوم الخلق والسقوط والفداء هو نبعه عدم فهم هذا السفر فهماً صحيحاً والاعتماد على الفلسفة الفكرية أو غالباً التأملات التي ينطلق معظمها من خبراتنا الشخصية من حيث حياتنا في خبرة الشر ثم توبتنا وعودتنا لله ومعرفتنا بالأمور الإلهية، غير منتبهين أن الإصحاحات الأولى تتكلم عن خبرة الإنسان قبل السقوط، ولا ينبغي أن نفسرها في ضوء خبرتنا نحن، لذلك كثيرون لا يفهمون أصول خلق الكون كله والإنسان على ضوء ما قاله الله بتكرار مستمر وواضح مقصود في ختام كل مرحلة من الخلق والتي لم توجد في فكر باقي الشعوب أو معرفتهم وهي: [ ورأى الله ذلك أنه حسن ] (تك1: 10و 12 و18و 21و 25) وفي ختام الخلق أعلن الله عن كمال سروره [ ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسنٌ جداً ] (تك1: 31)
لذلك أعلن الله كمال سروره في حالة راحة من جهة كل ما صنع [ فاستراح الله في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه. لأنه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً ] (تك2: 1 – 3)، وفي سفر الخروج قال [ وتنفس ] الذي يدل على كمال الارتياح والسرور بما صنع [هو بيني و بين بني اسرائيل علامة الى الابد لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض وفي اليوم السابع استراح وتنفس ] (خروج 31: 17)، كما هي إشارة بليغة عن رائحة السرور الناتجة من العمل تام، لذلك لا يصلح التفسير الذي يقول عن بعض أشياء في الخليقة أن الله لم يُسرّ بها لأنها ستصير فيما بعد عقاب لخطايا الإنسان... الخ، وكل ما هو مثل هذه التفسيرات العقيمة التي تدل على ظلمة العقل الغير مستنير...
ولنا أن نعلم أن سفر التكوين لا ينشغل بشرح تفاصيل الخليقة وتطورها أو يعلن كل دقائق الخلق بتفاصيلها – كما يظن بعض الذين يحاولون حشر الاكتشافات العلمية حشراً بالكتاب المقدس ويأكدون على الإعجاز العلمي فيه – فليس هذا هو موضوع سفر التكوين إطلاقاً ولا حتى الكتاب المقدس كله، إنما سفر التكوين يوضح مصدر الخليقة وينطلق مباشرة لوصف حالة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله وهو في حالة البراءة الكاملة والسيطرة على جميع المخلوقات كسيد عليها والسعادة الفائقة التي وُهِبَت لهُ في جنة عدن.
ويُظهر لنا هذا السفر المجيد الحالة الرائعة للإنسان مع الله كمحب ومحبوب، في لقاء دائم يومي عند هبوب ريح النهار، ولكنه يُظهر لنا عنصر دخيل على هذه العلاقة الفائقة المجد يُفسد على الإنسان سعادته ويحرضه على مخالفة وصية المحب الذي هو خالقه وصانعه الله القدوس، فيستجيب الإنسان لغواية العدو ويفقد ثوب براءته ورباط المحبة لجابله وينكشف عُريه لأنه نُزع عنه غطاء النعمة الخاصة الموهوبة له من الله لتحفظه في عدم فساد، فاختطف حكم الموت لنفسه بإرادته عكس مشيئة الله وإرادته وتدبيره الحسن.
ويشرح سفر التكوين بعد ذلك بداية حياة الإنسان على الأرض الملعونة بسبب خطيئته، والتي أصبحت قاسية وكلها أخطار ولكنها مع ذلك مُحاطة دائماً برعاية الله، لأنه لازال يقبل من الإنسان الخاطئ عبادته التي يقدمها لخالقه عن حب وإيمان متطلعاً نحو تحقيق الوعد المنتظر بالخلاص، وتظهر بالطبع شخصيات بارزة ومحدودة جداً تستطيع بحسها الإيماني أن تسير مع الله، مثل هابيل الذي أرضى الله بقرابينه الذي قدمها بقلب طاهر محباً لله خالقه، وأخنوخ الذي سار مع الله ونُقل ولم يَرى الموت [ إذ قبل نقله شُهِدَ له بأنه قد أرضى الله ] (أنظر تكوين 5: 24 ؛ عبرانيين 11: 5)
عموماً الموضوعات الرئيسية في سفر التكوين فيُمكن حصرها في موضوعين أساسيين :
[FONT="]تابع سلسلة مدخل عام للكتاب المقدس - الجزء الثامن
[/FONT]سفر التكوين – سفر البدايات____________________________
[FONT="]للعودة للجزء الأول أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الثاني أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الثالث أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[/FONT]سفر التكوين – سفر البدايات
بيراشيت = בּֽרֵאשִׁית = Bereshith = في البدء
[FONT="]للعودة للجزء الأول أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الثاني أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الثالث أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الرابع أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الخامس أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الخامس أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء الخامس أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء السادس أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
[FONT="]للعودة للجزء السابع أضغط هُنــــــــــا[/FONT][FONT="]للعودة للجزء السادس أضغط هُنــــــــــا[/FONT]
قد جاء عنوان السفر في الأصل العبري [ بيراشيت = בּֽרֵאשִׁית، أي رأس أي في البدء ]، تبعاً للكلمة الأولى في السفر نفسه: [ في البدء خلق الله السماوات والأرض ]، وفي التلمود اليهودي قد أُطلق على السفر [ سفر خلق العالم ]، والعنوان حسب الترجمة السبعينية مبني على الإشارات العديدة في [ تكوين 2: 4 ] [ هذه مبادئ السماوات والأرض حين خُلِقَت، يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات ]، وأيضاً تعني ولادة وأصل وتكوين. أما في السريانية فأسمه كما في العبرية بمعنى الابتداء والرأس والباكورة، أو كما في اليونانية [بريتو] أي الخلق والخليقة.
عموماً سفر التكوين هو الكتاب الأول الذي يبدأ به الكتاب المقدس، وهو أول أسفار موسى الخمسة (البنتاتيوك) وهو المفتاح الذي يفتح كنوز الوحي الإلهي، إذ على أساسه بُنيت المعرفة الصحيحة لبداية الحياة على الأرض، لا في تفاصيلها ولكن في جوهرها ومن حيث مصدرها الذي هو الله خالق الجميع بكلمة قدرته، ومفتاح هذا السفر لا يستلمه الإنسان بالفكر أو بالفلسفة أو المعتقدات السائدة عند الناس ولا حتى بالتأمل والتفكير العقلي حسب منطق الناس واعتقادهم، بل ينبغي أن يستمله الإنسان بالوحي الإلهي من الله نفسه وبشخصه، ولكي نفهم ونستوعب سرّ هذا السفر ينبغي أن ندخل إليه بمهابة شديدة ولا نستخف بما فيه من أحداث معروفة لدينا أو نحاول أن نتأمل فيها بحسب خلفيتنا عنها من واقع خبرة السقوط التي اجتزناها في حياتنا، لأن هذا مدخل للسفر لا يخلو من المخاطرة لأننا سنخرج حتماً بما نتصوره نحن عن الخلق وطبيعة الإنسان قبل السقوط، فنخرج خارج مقاصد الله ويحدث خلط في الذهن في الأمور الإلهية كما يقع فيها غالبية من يشرحون ويفسرون سفر التكوين ويقدمونه كتعليم وليس كتأمل، لأن بالطبع هناك فرق بين التأمل حسب احتياج كل شخص ومرحلته الروحية وبين التعليم حسب مقاصد الله في الخلق وهدفه من الطبيعة ووجود الإنسان، وايضاً من معنى الجنس ومفهومه في بداية الخلق الذي أتعب الناس كلها وأدخلها في متاهات لا تنتهي لأنهم يقيسون الأمور الإلهية والخلق على سقوطهم وهذا خارج التدبير الإلهي حتماً، لأن الخطية لم ولن تكن من ضمن التدبير الإلهي على الإطلاق، لأنها دخلت إلى العالم بالغواية وتبعها الموت الذي هو نتيجتها الطبيعية التي أفسدت الإنسان حتى أنه يرى كل أعمال الله من منظور سقوطه وخطيئته ...
لذلك ينبغي علينا أن ننتبه جداً، بانتباه قلبي شديد مع طلب استنارة من الله بالروح لهذا السفر العظيم، لأنه أساس فهم كل شيء حسب تدبير الله ومقاصده العظيمة، وتأكدوا أن أي خلل في فهم هذا السفر يصنع قصُوراً في فهم الخلق حسب مقاصد الله وأيضاً عدم فهم طبيعة السقوط وتدبير الخلاص بوعد الله الذي بدأ منذ سقوط الإنسان بإعلان إلهي قدمه الله للإنسان في هذا السفر العظيم، وينبغي أن نعرف أن القصور الناتج عادةً في شروحات الكتاب المقدس والعقيدة ومفهوم الخلق والسقوط والفداء هو نبعه عدم فهم هذا السفر فهماً صحيحاً والاعتماد على الفلسفة الفكرية أو غالباً التأملات التي ينطلق معظمها من خبراتنا الشخصية من حيث حياتنا في خبرة الشر ثم توبتنا وعودتنا لله ومعرفتنا بالأمور الإلهية، غير منتبهين أن الإصحاحات الأولى تتكلم عن خبرة الإنسان قبل السقوط، ولا ينبغي أن نفسرها في ضوء خبرتنا نحن، لذلك كثيرون لا يفهمون أصول خلق الكون كله والإنسان على ضوء ما قاله الله بتكرار مستمر وواضح مقصود في ختام كل مرحلة من الخلق والتي لم توجد في فكر باقي الشعوب أو معرفتهم وهي: [ ورأى الله ذلك أنه حسن ] (تك1: 10و 12 و18و 21و 25) وفي ختام الخلق أعلن الله عن كمال سروره [ ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسنٌ جداً ] (تك1: 31)
لذلك أعلن الله كمال سروره في حالة راحة من جهة كل ما صنع [ فاستراح الله في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل، وبارك الله اليوم السابع وقدسه. لأنه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً ] (تك2: 1 – 3)، وفي سفر الخروج قال [ وتنفس ] الذي يدل على كمال الارتياح والسرور بما صنع [هو بيني و بين بني اسرائيل علامة الى الابد لأنه في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض وفي اليوم السابع استراح وتنفس ] (خروج 31: 17)، كما هي إشارة بليغة عن رائحة السرور الناتجة من العمل تام، لذلك لا يصلح التفسير الذي يقول عن بعض أشياء في الخليقة أن الله لم يُسرّ بها لأنها ستصير فيما بعد عقاب لخطايا الإنسان... الخ، وكل ما هو مثل هذه التفسيرات العقيمة التي تدل على ظلمة العقل الغير مستنير...
ولنا أن نعلم أن سفر التكوين لا ينشغل بشرح تفاصيل الخليقة وتطورها أو يعلن كل دقائق الخلق بتفاصيلها – كما يظن بعض الذين يحاولون حشر الاكتشافات العلمية حشراً بالكتاب المقدس ويأكدون على الإعجاز العلمي فيه – فليس هذا هو موضوع سفر التكوين إطلاقاً ولا حتى الكتاب المقدس كله، إنما سفر التكوين يوضح مصدر الخليقة وينطلق مباشرة لوصف حالة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله وهو في حالة البراءة الكاملة والسيطرة على جميع المخلوقات كسيد عليها والسعادة الفائقة التي وُهِبَت لهُ في جنة عدن.
وأيضاً وضح شركة المحبة بينه وبين الله في حالة من الحُرية والاختيار، إذ أعطاه الله وصية تربطه بشخصه العظيم، لكي بواسطة طاعته لها يُعلن حبه وولائه المتجدد لمصدر وجوده التي تقوم عليه حياته كلها، واعترافاً بفضله العظيم لأنه أبدع كل الأشياء لأجله...
ويُظهر لنا هذا السفر المجيد الحالة الرائعة للإنسان مع الله كمحب ومحبوب، في لقاء دائم يومي عند هبوب ريح النهار، ولكنه يُظهر لنا عنصر دخيل على هذه العلاقة الفائقة المجد يُفسد على الإنسان سعادته ويحرضه على مخالفة وصية المحب الذي هو خالقه وصانعه الله القدوس، فيستجيب الإنسان لغواية العدو ويفقد ثوب براءته ورباط المحبة لجابله وينكشف عُريه لأنه نُزع عنه غطاء النعمة الخاصة الموهوبة له من الله لتحفظه في عدم فساد، فاختطف حكم الموت لنفسه بإرادته عكس مشيئة الله وإرادته وتدبيره الحسن.
وفي هذه الحالة المخجلة والمُزرية للإنسان يظهر الله كأب يُعاتب ابنه على عصيانه، ويظهر نتيجة العصيان الذي حدث له في صورة عقاب ناتج طبيعياً عن الخطية الذي ظهر بالموت، وفيما ينطق الله بنتيجة الخطية الطبيعي وعقابها المُميت، يعطي وعداً بالخلاص في عمق العقوبة ذاتها، مُعلناً عن مجيء المُخلِّص الذي يأتي من نسل المرأة ليسحق رأس الحية التي هي أصل الغواية ...
ويشرح سفر التكوين بعد ذلك بداية حياة الإنسان على الأرض الملعونة بسبب خطيئته، والتي أصبحت قاسية وكلها أخطار ولكنها مع ذلك مُحاطة دائماً برعاية الله، لأنه لازال يقبل من الإنسان الخاطئ عبادته التي يقدمها لخالقه عن حب وإيمان متطلعاً نحو تحقيق الوعد المنتظر بالخلاص، وتظهر بالطبع شخصيات بارزة ومحدودة جداً تستطيع بحسها الإيماني أن تسير مع الله، مثل هابيل الذي أرضى الله بقرابينه الذي قدمها بقلب طاهر محباً لله خالقه، وأخنوخ الذي سار مع الله ونُقل ولم يَرى الموت [ إذ قبل نقله شُهِدَ له بأنه قد أرضى الله ] (أنظر تكوين 5: 24 ؛ عبرانيين 11: 5)
ويوضح أيضاً بعد ذلك أن الخطية تفاقمت جداً وتفشت في الأرض إذ بدأ الناس يخترعون الشر على كل وجه، وانتشرت كالوباء الخطية التي أفسدت البشر تماماً مثل السرطان المُميت والفيروس المُعدي حتى طغت على الكل وامتلأ مكيالها وفاض، فقرر الله محو الإنسان من على وجه الأرض لأنه لا يُريد أن يتراجع أو يتوب، بل يتصاعد شره ويزداد كل يوم بصورة مبالغ فيها جداً وبإفراط، طبعاً فيما عدا أُسرة واحدة وجدت نعمة في عيني الله، فأبقاها لتكون نواة لحياة جديدة أو غُرس جديد للتمجيد وتجديد الخليقة [ فيدعون أشجار البرّ غُرس الرب للتمجيد ] (إشعياء 61: 3)، ثم بعد ذلك اختار الله من نسل نوح إبراهيم الذي أفرزه من وسط أهله ودعاه لكي يتبعه إلى أرض جديدة لا يعرفها، حيث أعطاه الوعد بجعله أُمه عظيمة ويُباركه جداً، وفي نسله تتبارك جميع قبائل الأرض، وبهذا الاختيار يبدأ تاريخ الشعب العبراني الذي استخدمه الله ليكون خادماً للخلاص، بل ويصير واسطة لتحقيق الفداء لجميع الشعوب [ أنظر مزمور105: 7 – 23 ]، وهذه هي خُلاصة سفر التكوين كما رواها سفر المزامير في الفقرة التي أشرنا إليها في مزمور 105
وعموماً سفر التكوين يكشف حقائق إلهية وهي موضوعه الرئيسي والذي هو محصور بينهما وهما: الخلق والاختيار والإعلان الإلهي، وهذا بالتالي يُدلي بتأكيدات لاهوتية عميقة تنعكس على الكتاب المقدس ككل، صعب شرحها الآن لأنها ستأخذ منا مراحل في الشرح كثيرة جداً وطويلة، وكلننا هنا نركز على المعنى العام فقط كمدخل لفهم هذا السفر العظيم والذي هو بمثابة مدخل لكل الأسفار ...
عموماً الموضوعات الرئيسية في سفر التكوين فيُمكن حصرها في موضوعين أساسيين :
- [أولاً] الموضوع الأول [ البدايات ]: وهي من الإصحاح الأول إلى الإصحاح الحادي عشر، وتبدأ بالعبارة [ في البدء خلق الله السماوات والأرض ]، وهي تُقرر الحقائق اللاهوتية الكُبرى للإيمان بمنتهى التركيز والاختصار، وكأنها عملية غرس لبذار الحقيقة في وضعها الأولى لكي تنمو إلى ملء استعلانها في نهاية العالم كما هو واضح في آخر سفر في الكتاب المقدس [ يقول الشاهد بهذا نعم. أنا آتي سريعاً. آمين تعالى أيها الرب يسوع. نعمة ربنا يسوع المسيح مع جميعكم آمين ] (رؤية22: 20و 21)... وطبعاً هذا نجده في قانون الإيمان الذي نردده في كل وقت وكل ساعة ...
ويُمكن تقسيم هذه الحقبة إلى ثلاثة مراحل [ وهي تُسمى الكتاب الأول: بداية الكون والإنسان ] وهما:
- المرحلة الأولى : بداية الخليقة حتى السقوط [تكوين 1 – 3]
- المرحلة الثانية : بداية السقوط حتى الطوفان [تكوين4 – 8: 14]
- المرحلة الثالثة : بداية الطوفان حتى بابل وسلسلة انساب نوح [تكوين8: 15 – 11: 23]
- [ثانياً] مرحلة جديدة في تاريخ الخلاص وبداية تاريخ الجنس العبراني: وهي تبدأ من الإصحاح الثاني عشر إلى آخر إصحاح [تكوين 50]، حيث تُحدثنا عن بداية تدبير الله باختيار إبراهيم للإعداد لمجيء المُخلِّص من نسله الذي تتبارك فيه جميع قبائل الأرض، وينتهي السفر بتغرب بني إسرائيل – الشعب المُختار الذي جاء من نسل إبراهيم – في أرض مصر التي بدأت بمظهر الكرامة والعزة وانتهت بالخزي والمذلة وإعلان العبودية، وذلك كله بناءً على تدبير إلهي لحكمة سوف تتجلى فيما بعد وتُعلنها الأسفار المقدسة التي تلي سفر التكوين ...
ويُمكن تقسيم هذه الحقبة إلى ثلاثة مراحل [ وهي تُسمى الكتاب الثاني: آباء شعب الله المختار ] وهما:
- المرحلة الأولى: دعوة إبراهيم حتى انتقاله [تكوين12 – 25: 18]
- المرحلة الثانية: ميلاد عيسو ويعقوب حتى سلسلة أنساب آدوم [تكوين25: 19 – 37: 2]
- المرحلة الثالثة: بيع يوسف وذهابه لمصر كعبد حتى التجاء شعب إسرائيل لمصر واستقراره فيها، وانتقال يعقوب ثم يوسف [تكوين 37: 2 – 50: 26]
وهذا التقسيم الذي ذكرناه يعطينا فكره عامة عن محتويات السفر، ولكن السفر نفسه يضع لنا تقسيماً مُحدد في ذكر كلمة [ البدء ] أو [ مبادئ ] أو [ مواليد ]، فقد وردت هذه الكلمة 11 مرة في السفر وأنشأت 11 قسماً وهما كالتالي:
1 – [ في البدء ... ] (تك1 – 2: 3) وهي بداية الخلق
2 – [ هذه مبادئ السماوات والأرض ] (تك2: 4)
3 – [ هذا كتاب مواليد آدم. يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله ] (تك5: 1)
4 – [ هذه مواليد نوح ] (تك6: 9)
5 – [ هذه مواليد بني نوح : سام وحام ويافث ] (تك10: 1)
6 – [ هذه مواليد سام ] (تك11: 10)
7 – [ هذه مواليد تارح ] (تك11: 27)
8 – [ هذه مواليد إسماعيل بن إبراهيم ] (تك25: 12)
9 – [ هذه مواليد إسحق بن إبراهيم ] (تك25: 19)
10 – [ هذه مواليد عيسو الذي هو أدوم ] (تك36: 1)
11 – [ هذه مواليد يعقوب ] (تك37: 2)
2 – [ هذه مبادئ السماوات والأرض ] (تك2: 4)
3 – [ هذا كتاب مواليد آدم. يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله ] (تك5: 1)
4 – [ هذه مواليد نوح ] (تك6: 9)
5 – [ هذه مواليد بني نوح : سام وحام ويافث ] (تك10: 1)
6 – [ هذه مواليد سام ] (تك11: 10)
7 – [ هذه مواليد تارح ] (تك11: 27)
8 – [ هذه مواليد إسماعيل بن إبراهيم ] (تك25: 12)
9 – [ هذه مواليد إسحق بن إبراهيم ] (تك25: 19)
10 – [ هذه مواليد عيسو الذي هو أدوم ] (تك36: 1)
11 – [ هذه مواليد يعقوب ] (تك37: 2)
- المدلول الرئيسي في سفر التكوين:
1 – البدايات: وهي تُعلن أن الله مصدر كل شيء وأب الخليقة وراعيها الأعظم، وأن الأرض حسنة وصالحة، وأن الجنس البشري عزيز جداً عند الله وقد هيئ وأخضع كل شيء له، وأعطاه سلطاناً على الخليقة التي رآها حسنة.
2 – العصيان: يكشف سرّ التكوين عن لماذا صار الناس أشرار لا يقبلون مشيئة الله ولا يقدرون على العمل بها، وكيف اختاروا الموت، وكيف ازاد الشر ونما ولم يقف عند حدّ إلا حينما تدخل الله ليوقفه ويحده...
3 – الخطية: الخطية شديدة الدمار وهي مشكلة الإنسان الأساسية، والحياة بحسب الله وانتظار يده للخلاص بطاعته ليخرج الإنسان من مشكلة خطيئته التي تعمل على دماره كما تعمل على دمار كل من حوله حتى الكون نفسه ...
4 – الوعود: يكشف سرّ التكوين قوة وعد الله القائم على عهد، والله يحفظ وعوده ويتممها في ميعادها بكل دقة حسب تدبيره وقصده.
5 – الطاعة: وهنا يكشف لنا هذا السفر أن الطريق الوحيد لاسترداد العلاقة مع الله هو الإيمان الحي، وطبيعة الإيمان الحي هو الطاعة، وطاعة المحبة تُظهر الثقة الشديدة في محبة الله والتأكيد على الإيمان بوعوده وهذا نجده ظاهراً في طاعة إبراهيم لله.
6 – النجاح: وهو نتيجة الطاعة الحتمية، فعندما يطيع الإنسان الله كنتيجة الإيمان الحي، يجد السلام يحل في قلبه ويجد نفسه ناجحاً في طريقه مع الله وينعكس على نفسه بسعادة تامة وفرح عظيم.
7 – شعب الله: بداية إنشاء شعب خاص، أو ميلاد شعباً أخص، مكرساً لله الحي: (1) يحفظ طرقه ويظهرها أمام العالم؛ (2) بعلن للعالم من هو الإله الحقيقي؛ (3) يُعد العالم لميلاد المُخلِّص كتحقيق للوعد الأول الذي أعطاه الله لآدم.