عمل الرب في غاية الأهمية والضرورة والسمو ويحمل في ثناياه سبب اللعنة على كل من يهمل عمله. يطلب الله، بل ويستحق أفضل ما عندنا، ولا يحتمل أساليب الكسل والتأخير ونصف الإهتمام وعدم الدقة. لذلك لا نتفاجأ عندما نرى كثرة المشاكل التي نواجهها.
في النصف الثاني من سنة 1968 كان أحد المؤمنين الشباب في مدينة براغ في تشيكوسلوفاكيا يشهد لشاب تشيكي يدعى جان بالخ. كان جان يظهر اهتماما جديا وقد وعده الشاب المؤمن بإرسال كتاب العهد الجديد له. كان هذا الشاب مفعماً بالنوايا الحسنة لكن مرّت أسابيع عديدة قبل ان يحصل على الكتاب وبقي يؤجل تسليمه.
في يوم 16 كانون الثاني من سنة 1969 وقف جان بالخ في وسط ساحة وينسلاس في براغ، وصب النفط على جسده وأشعل النار بنفسه. لم يعش ليرى كتاب العهد الجديد الذي وُعد به.
النوايا الحسنة غير كافية. يقال ان شوارع الجحيم مرصوفة بالنوايا الحسنة، لكنها لا تقوم بالعمل. ينبغي ترجمة النوايا الحسنة إلى اعمال حسنة. إليك بعض الطرق لذلك.
أولاً: لا ترفض إرشاد الله لك لتقوم بخدمة معيّنة له. إعترافنا به سيدا يعني أن نطيعه.
ثانياً: لا تماطل. التأجيل قاتل، يسلب من الآخرين البركة والعون اللازم لهم ويملأنا بالشعور بالذنب والأسى.
ثالثاً: كن مثابرا. «كُلُّ مَا تَجِدهُ يَدُكَ لِتَفْعَلَهُ فَافْعَلْهُ بِقُوَّتِكَ» (جامعة10:9).
ينبغي ان يكون عند جميعنا الروح الذي كان عند إيمي كارمايكل التي كتبت تقول، «نذر الربّ عليَّ. لن أتوقف لألهو بالظلال أو أجمع الأزهار الأرضية حتى أتمم عملي وأدفع الحساب».
سمعت هذا التعبير، «في البيت شيطان، في الخارج ملاك» يصف هذا المثل الميل المفزع لمن يكون لطيفاً ومسايرا لمن هم من خارج بيته ويكون قاسيا وشديدا في البيت.
هذا الضعف ليس وقفاً على فئة معينة من البشر. ينبغي على الشباب ان يقوا أنفسهم من هذا الأمر. من السهل أن يكون الانسان شخصية تلفزيونية مع اترابه، وفي الوقت ذاته ارهابياً مع والديه.
يحافظ بعض الأزواج على روح مرحة مع زملائهم في العمل لكن عندما يعودون إلى البيت ينقلب المرح إلى كَدر وغضب سريع. يمكن ان يظهر بعض الوعاظ متألقين من على المنبر لكنهم متسلطون في عائلاتهم. وقد كتب ريلا ويلار ويلكوكس ما ترجمته:
حقيقة عظيمة في الحياة وجدتها في رحلة نحو الجنوب
إن الناس الوحيدين الذين نجرحهم هم الذين نوليهم حبنا الاعظم
ونساير من نحن بالكاد نعرفهم ونُسِرَّ الضيف سريع العبور
ونصدم باقسى صدماتنا بلا تفكير من نحبهم
وقد عَبَّرَ أحد الشعراء عن هذا الحال بقوله: «لدينا تحيات للغريب وبسمات للضيف، ولكن لدينا لهجة مريرة لذوي القربى، رغم أننا نحبهم أفضل الحب».
يسهل جدا أن تكون متديّنا كنسيا أو متدينا في اجتماع الصلاة أو متدينا في خدمة مسيحية لكن يختلف الأمر كليا عن ان تعيش متدينا يوما بعد يوم. من أهم نواحي الحياة المسيحية ممارسة التقوى في البيت مع أنها نادرة لأننا كثيراً ما نرى مؤمنين يظهرون برّهم أمام الغرباء ليراهم الناس بينما وبكل أسف يفشلون في إظهار تقواهم لأهل بيتهم. أعرف أبا قويا في صلاته في إجتماع الصلاة الأسبوعي ومؤثرا في عظاته على كل الكنيسة لتُبنى كمثال تقواه، لكن عندما كان يعود إلى بيته بعد الإجتماع يتصف بالقسوة والإساءة لزوجته ولعائلته الذين كانوا يرتعبون لئلا تصدر عنهم أية كلمة في حضرته» (ه. و. سميث)
قال السيد صموئيل جونسون: «ينتقم الحيوان لآلامه ممن يحيطون به.» ينبغي على الإنسان أن يتجنّب الوقوع في هذا الميل الطبيعي.
تصرفنا في بيوتنا دليل حقيقي على شخصيتنا المسيحية أكثر من سلوكنا في الخارج.
يحمل العديد من الناس فكرة مثالية جدا عن الحياة المسيحية. يعتقدون أنها ينبغي أن تكون عبارة عن سلسلة من الإختبارات السامية. يطالعون كتباً ومجلات مسيحية ويسمعون شهادات شخصية عن أحداث مثيرة ويقولون ان هذه هي الحياة كلها. وفي أحلامهم عن الحياة انها لا تحمل مشاكل أو أوجاع أو تجارب أو تعقيدات، لا صعوبات، لا حياة روتينيّة، لا وتيرة واحدة. يعيشون عاليا في السحاب. وعندما يجدون ان حياتهم لا تتناسب مع هذا النموذج، يشعرون بخيبة الأمل والإحباط والحرمان.
الحقيقة هي كالتالي: معظم الحياة في المسيحية تكون كما قال عنها كامبل مورغان: «طريق السير البطيء المثابر في عمل أمور تبدو بسيطة» وقد وجدت ان هذا صحيحا. كان هناك قسط من اعمال الخدمة، ساعات طويلة من الدراسة المركزة، من الخدمة دون نتائج ظاهرة. وقد يطفو أحيانا هذا السؤال: «هل تمَّ حقا انجاز عمل ما؟ عندها يعطي الرب علامة تشجيع، استجابة عجيبة لصلاة، أو كلمة إرشاد واضحة. فأعود أتقوّى لأستمر لفترة أطول».
شَبَّه الحياة المسيحية بسباق لمسافة طويلة وليس لخمسين متراً. نحتاج لقوة التحمل للإشتراك في هذا السباق. البداية مهمة لكن الإحتمال أهم وهو ما يمكِّننا من الوصول إلى خط النهاية بروح من المجد.
حصل أخنوخ على مكانة مشرِّفة في سجلات الإحتمال. لقد سار مع الله – لمدة ثلاثمائة سنة (تكوين22:5) لكن لا تفتكر ان هذه السنوات كانت كلها مسرة وإثارة لا منقطعة. كما هي حياتنا، فقد عاش حياة فيها التجارب والصعوبات وحتى الإضطهادات. لكنه لم يقلق بل تحمل حتى النهاية.
إن جاءتك التجارب فلا تهرب، تذكر كلمات عبرانيين36:10 «لأَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى الصَّبْرِ، حَتَّى إِذَا صَنَعْتُمْ مَشِيئَةَ اللهِ تَنَالُونَ الْمَوْعِدَ.»
يخبرنا الكتاب المقدس أن الحكم يكون مقبولا اذا كان مدعوما بشهادة اثنين أو ثلاثة. لو كنا نحافظ على هذا المبدأ، نوفّر على أنفسنا الكثير من العناء.
نميل بطبيعتنا عند الإستماع لقضية شخص من جانب واحد، أن نقرر حالا الوقوف إلى جانبه. لانه يبدو مقنعا ونتعاطف معه. ونعلم فيما بعد ان ما قصّه علينا كان من جانب واحد. وعندما نستمع إلى الجانب الآخر، نتحقق ان الشخص الأول قد شوه الحقائق أو على الأقل قد حول الأمور إلى صالحه. وهكذا. «اَلأَوَّلُ فِي دَعْوَاهُ مُحِقٌّ فَيَأْتِي رَفِيقُهُ وَيَفْحَصُهُ» (أمثال 17:18). عندما نتخذ قرارا قبل التأكد من كل الحقائق، نكون بتصرفنا هذا أقل بِرَّاً من نظام العالم القضائي ونضع أنفسنا موضع انتقاد كما ورد في أمثال 13:18 «مَنْ يُجِيبُ عَنْ أَمْرٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَهُ فَلَهُ حَمَاقَةٌ وَعَارٌ».
عندما أخبر صيبا الملك داود أن مفيبوشت كان يطمع في كرسي العرش، صدق داود هذا الإتهام دون تحقيق في الموضوع وأعطى صيبا كل ممتلكات مفيبوشت (صموئيل الثاني1:16-4). لكن حانت الفرصة لميفيبوشت وأخبر الملك بالحقيقة. عندها تحقق داود أنه قد اتخذ قرارا مغلوطا دون تروّ ودراسة للبراهين.
عمل الرب يسوع المسيح بالمبدأ الصحيح. قال ان شهادته لوحده عن نفسه ليست كافية (يوحنا 31:5). لذلك اقتبس شهادة أربعة شهود: يوحنا المعمدان (عدد 35-32)، أعماله (عدد 36)، الله الآب (عدد37 و38)، الكتاب المقدس (عدد 39 و40).
أن نفشل في الحصول على شهادة صادقة من اثنين أو ثلاثة نسبب حزنا شديدا لانفسنا ولغيرنا، تشويه سمعة، انقسام كنيسة وانقطاع صداقة. لكن اذا اتّبعنا كلمة الله نتجنّب الكثير الكثير من الظلم والأذى للبشر.
الخميس 12 كانون الثاني
«وَأَيُّ شَيْءٍ لَكَ لَمْ تَأْخُذهُ؟» (1كورنثوس7:4)
هذا سؤال جيد لأنه يضعنا في حجمنا. لا نملك شيئا لم نأخذه. لقد أخذنا معداتنا الجسدية والذهنية بالولادة. منظرنا وقوانا العقلية لا تخضع لسيطرتنا لكيما نفتخر. جاءت هذه في عملية الولادة.
كل ما نعرفه ينتج عن تعلمنا. لقد صبَّ آخرون معلومات في عقولنا. وغالبا ما نعتقد أننا قد توصلنا إلى فكرة أصلية، نجدها في كتاب قرأناه قبل عشرين سنة. قال إمرسون: «أفضل أفكاري سرقها الأقدمون».
ماذا نقول في مواهبنا؟ بعض المواهب موروثة وموجودة في العائلة. تتطور بالتدريب والتمرين. المهم هنا انها لم تبدأ منا. لقد أُعطيت لنا.
كان بيلاطس يتباهى بالسلطة التي مارسها، لكن الرب يسوع ذكّره قائلا، «لَمْ يَكُنْ لَكَ عَلَيَّ سُلْطَانٌ الْبَتَّةَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قَدْ أُعْطِيتَ مِنْ فَوْقُ». (يوحنا 19:11)
وباختصار نقول ان كل نسمة نتنفسها هي عطية من عند الله. ولهذا يقول بولس سائلا في 1كورنثوس 7:4 «...وَإِنْ كُنْتَ قَدْ أَخَذْتَ فَلِمَاذَا تَفْتَخِرُ كَأَنَّكَ لَمْ تَأْخُذْ؟»
ولهذا رفضت هارييت بيتشر ستو قبول أيّ مديح عن كتابة «كوخ العم توم» وقالت: «هل ألفت أنا كوخ العم توم؟ كلا. لم استطع التحكم بالقصة. لقد كتبت نفسها بنفسها. كتبها الله، كنت الأداة المتواضعة بين يديه. جاءني الكل بالرؤيا، الواحدة تلو الأخرى وأنا ترجمتها إلى كلمات. المديح للرب فقط».
التحقق دوما من أننا لا نملك شيئا لم نأخذه ينقذنا من روح التفاخر والزهو بالنفس. ننقاد لنعطي المجد للرب لأجل كل شيء صالح فينا أو في عملنا.
يسهل جدا إساءة فهم آية كهذه. نقرأ هذه الآية ونفتكر بمئات الأمور التي لا نستطيع أن نعملها. على الصعيد الجسدي، مثلا، نفتكر بالقيام ببعض الحركات اللا معقولة التي تتطلب قوى فوق بشرية. أو نفتكر ببعض الإنجازات الذهنية التي تفوق مقدرتنا. وهكذا تصبح هذه الكلمات أداة عذاب بدل ان تكون أداة تعزية.
ان المعنى الحقيقي لهذه الآيه هو طبعا أن الله يمنحنا القوة لعمل أي شيء يريدنا هو ان نعمله. ضمن مجال إرادته لا شيء مستحيل.
لقد عرف بطرس هذا السرّ. عرف أنه إن تُرك لوحده لن يستطيع السير على وجه الماء. لكنه عرف أيضا أنه يستطيع ذلك إن أراد له الرب أن يقوم بهذا العمل. وحالما قال له يسوع «تعال» خرج بطرس من السفينة وابتدأ يخطو على سطح الماء باتجاه يسوع.
لا يسقط الجبل عادة في البحر بأمري. لكن إن يحول هذا الجبل بيني وبين إنجاز مشيئة الله، أستطيع أن أقول «إنقلب» فينقلب.
القصد من هذه الآية هو أن الله يعطي القدرة لتنفيذ وصاياه. فهو يمدّنا بالقوة لنستطيع تحمّل التجارب. يمكنّني من مقاومة كل تجربة ومن التغلّب على كل عادة. يقوّيني ليكون عندي فكر طاهر للحياة، لدوافع طاهرة، ولأقوم دائما بعمل ما يرضي قلب الله.
عندما لا تكون لديً القوة لإنجاز عمل ما، عندما أكون مهددا بالإنهيار الجسدي أو العقلي أو العاطفي، أعرف وأتساءل إن كنت قد فشلت في معرفة إرادته وسعيت وراء رغباتي. يمكن أن أقوم ب «عمل الرب» بينما هذا ليس عمل الرب. عمل كهذا لا يحمل هذا الوعد بمنحي القوة.
لذلك مهم جدا أن أعرف أنني أسير قُدُما ضمن مخططه. عندها يكون عندي الفرح الذي بالثقة أن نعمته تحفظني وتقويني.
كان قدّيسو كورنثوس الغير مقدَّسين يتنازعون حول القيادة البشرية للكنيسة. كان بولس المثال للبعض. آخرون كان أبولس المفضّل عندهم. بينما آخرون رفعوا راية صفا. يقول لهم بولس الرسول أنه من السخافة أن يختاروا لأنفسهم واحد من هؤلاء بينما جميعهم ملك لهم. فبدل القول «أنا لابلوّس» ينبغي أن يقولوا «بولس، أبلّوس وصفا، كلهم لي».
نقع في نفس الخطأ اليوم عندما نصبح أتباعا حصريين للوثر أو لويسلي أو لبوث أو لداربي أو لبلي غراهام أو لأي موهوب عظيم آخر في الكنيسة. جميع هؤلاء لنا ويمكننا أن نفرح بسبب مقدار النور الذي يصلنا من كل منهم. ينبغي ألا نكون تابعين لأي إنسان.
ليس خدام الرب فقط وحدهم ملك لنا. الله لنا. العالم لنا. نحن ورثة الله وشركاء المسيح بالميراث. يوما ما سنعود لنحكم العالم مع الرب يسوع المسيح. لكن في هذه الأثناء يدير الأمور أناس غير مخلصين وكأن العالم ملك لهم. لكن الامرليس كذالك. إنهم فقط يعتنون ويدبرون العالم بدلا منا إلى حين يأتي ذلك اليوم الذي به نمسك زمام الأمور.
الحياة ملك لنا. وهذا لا يعني فقط أن لنا حياة، الجميع يملكون ذلك. المقصود هنا أننا نملك الحياة الفيّاضة، الحياة الأبدية، حياة الرب يسوع نفسه. حياتنا ليست روح افتخار أو غضب. لحياتنا معنى، قصد ومجازاة.
الموت لنا أيضا. لا نخضع فيما بعد لعبودية الخوف من الموت. أصبح الموت رسول الله الذي يأتي بأرواحنا إلى السماء. فالموت ربح. وبالإضافة لكل هذا نحن ملك للمسيح، والمسيح ملك لله. وعنما أفتكر بهذا أتذكّر عبارة تقول، «يا لي من متسوِّل».
حرية أولاد الله ملك لا يُقَدّر بثمّن. الذي يحرّره الإبن يكون حرّاً حقا ً. لكن عليه ان يتحمل مسؤولية الحرية، وليس لعمل ما يريد.
يريد الأولاد ان يتحرروا من قيود البيت. يريد الشباب أن يتحرروا من قيود الدراسة. يريد الكبار أن يتحرروا من عهود زواجهم. ويثور آخرون لأنهم يشعرون أنهم مرتبطون بعمل دائم. لكن هذه ليست الحرية التي يدعونا الله إليها.
النجوم لا تتمتع بحرية مغادرة مدارها لتتجول في الفضاء. القطار لا يتمتع بحرية مغادرة قضبانه الحديدية ليطوف في الأرياف. الطائرة غير مخولة لتغير مسارها المعين إذ تتوقف سلامتها على اتباع القبطان للقوانين.
يقول جويت مُعلّقاً، «لا يوجد مجال لا خضوع فيه لقوانين. حيثما اردنا ان نتوجه ينبغي ان نقبل تقيداً ما لنكتشف الحرية. ينبغي على الموسيقار ان يحترم قوانين التجانس إن أراد الإبداع في عالمه الجميل. يجب على البنّاء أن يخضع لقيود الجاذبية وإلا لا يبني بيتا بل كومة من الحطام. ما هو نوع الحرية التي يتمتع بها أحدهم وباستمرار يناقض قوانين الصحة؟ في كل هذه الحقول يكون التعدّي مؤلما بينما الخضوع حرية.»
صحيح أن المؤمن قد تحرر من الناموس (رومية 7:3) لكن لا يعني هذا أنه بلا ناموس. هو في ناموس المسيح، مرتبط بخيوط المحبة، وملتزم باطاعة الوصايا العديدة الموجودة في العهد الجديد.
يتحرر المؤمن من سيادة الخطية (رومية 6 :7، 18، 22) لكي يصير خادما لله وللبرّ.
يتحرر المؤمن من الناس (1كورنثوس9: 19) لكي يصير عبدا للجميع، لكي يربح الجميع.
لكن لا يُسمح له باستخدام حريته كذريعة للشرّ (1بطرس 16:2) فهو غير حر للإنغماس في الجسد (غلاطية 5 :13). غير حر ليُعثر أو يسيء لشخص آخر (1كورنثوس 8 :9). المؤمن ليس حرا ليجلب العار لاسم يسوع المسيح (رومية 23:2). ليس حرا ليحب العالم (1يوحنا 15:2-17). المؤمن ليس حرا ليحزن الروح القدس الساكن فيه (1كورنثوس 19:6).
لا يجد المرء تحقيق ذاته أو راحته في عمل ما يحلو له. يجد ذلك فقط بحمل نير المسيح والتعلم منه. «خدمته هي الحرية الكاملة».
هذه رسالة يشعّ منها الأمل والوعود. فشل إنسان واحد لا يعني أن الله قد استغنى عنه أو انه «وضعه على الرفّ».
مواضع فشل داود مسجلة بكل وضوح. حينما نقرأها، نجلس في الرماد معه ونحترق ندماً. لكن داود عرف كيف ينكسر أمام الرب، كيف يتوب بكل جدية. ولكن الله لم ينتهِ منه. لقد غفر له وأعاده إلى حياة الوفاء.
أخفق يونان في استجابته لدعوة الله للبشارة وانتهى به الأمر إلى جوف سمكة كبيرة. في تلك الأثناء وفي هذه الحالة التي تشبه الغواصة تعلم الطاعة. عندما دعاه الله ثانية، ذهب إلى نينوى، بشّر بالدينونة القادمة، ورأى المدينة بأسرها تغوص في توبة حقيقية.
كان ليوحنا مرقس بداية لامعة مع بولس وبرنابا، لكنه ترك وذهب إلى بيته. لكن الله لم يتركه. عاد مرقس إلى ميدان القتال، استعاد ثقة بولس وانتدب ليكتب إنجيلا عن الخادم غير الفاشل.
لقد فشّل بطرس الرب بالرغم من تأكيده على ولائه له. لربما يصفه البعض بالطير المكسور الجناح الذي لم يعد يستطيع التحليق عاليا. لكن الله لم يتخلَّ عنه وهكذا حلّق بطرس إلى ارتفاع أعلى بكثير مما سبق. فتح باب الملكوت لثلاثة آلاف شخص في يوم الخمسين. عمل بلا كلل وتألم مرة تلو المرة على أيدي مضطهديه. كتب رسالتين تحملان اسمه، ثم توّج حياة خدمة مجيدة بموت الشهادة.
عندما نتكلم عن الخدمة يمكننا القول أن الله إله الفرصة الثانية. لا يترك الإنسان حين يفشل. عندما يجد قلبا مكسوراً نادما، ينحني ليرفع رأس جنديّه المُطأطأ.
لكن هذا لا يعني أنه يتغاضى عن الخطية أو عن الفشل. الشعور بالمرارة والندم التي خذلت الرب، ينبغي أن تكون دافعا كافيا لردعنا في المستقبل.
وهذا لا يعني أن الله سيمنح الخاطيء الغير تائب فرصة ثانية بعد هذه الحياة. هنالك نهاية مفزعة عن الموت. لأن الإنسان الذي يموت في خطاياه، ينطبق عليه القول: «...فَفِي الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَقَعُ الشَّجَرَةُ هُنَاكَ تَكُونُ». (الجامعة3:11).
إرشادات بولس للعبيد (أفسس5:6-8) مشحونة بالمعاني لكل من يعترف أنه خادم للرب يسوع.
تُظهر هذه الإرشادات، قبل كل شيء، أن أي عمل شريف مهما كان وضيعا، يمكن أن يُعمل لمجد الله. يمكن أن العبيد الذين يكتب لهم بولس كانوا يعملون في تنظيف الأرض، إعداد الطعام، غسل الثياب، العناية بالحيوانات أو العمل بالزراعة. ومع كل هذا يقول بولس أن كل هذه الأشغال يمكن أن تُعمل «كما للمسيح» (عدد 5)، أي إنهم عند القيام بهذه الأعمال، يكونون «بَلْ كَعَبِيدِ الْمَسِيحِ، عَامِلِينَ مَشِيئَةَ اللهِ مِنَ الْقَلْبِ» (عدد6) أنهم كانوا خادمين كما للرب، (عدد 7)، وتكون مكافأتهم من الرب لأنهم «عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ» (عدد8).
يسهل علينا في تفكيرنا أن نفصل بين ما هو علماني وما هو مقدس. نفكر في أن عملنا خلال الأسبوع علمانيا بينما كرازتنا، شهادتنا وتعليمنا الكتاب المقدس دينيا. لكن هذه القطعة تعلمنا أنه لا يجوز للمؤمن أن يعمل هذا التمييز. أدركت هذا الأمر زوجة أحد الكارزين البارزين ووضعت شعارا فوق مغسلة المطبخ، «خدمة إلهية تجري هنا ثلاث مرات في اليوم».
مع وجود هذا المفهوم عندك
يجعل العمل الشاق مقدساً
كنس غرفة كقانون تتبعه
يجعل من العمل شيئاً سامياً
درس آخر يمكن تعلمه هنا وهو بشكل رئيسي أنه مهما كان مركز الشخص الإجتماعي وضيعا، لا يكون مستبعداً من البركات والمكافآت المسيحية. يمكن ألا يستبدل ملابس العمل ببدلة أصحاب الأعمال، لكن إن كان عمله متقناً وبجودة عالية ليأتي بالمجد للمسيح، ينال مكافأة كاملة. «عَالِمِينَ أَنْ مَهْمَا عَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَيْرِ فَذَلِكَ يَنَالُهُ مِنَ الرَّبِّ، عَبْداً كَانَ أَمْ حُرّا». (عدد8)
مع معرفة هذه الحقيقة يمكننا أن نصلي بهذه الكلمات مع جورج هيربرت:
علمني يا إلهي ويا ملكي
أن أراك في كل الأشياء
ومها عملت من اعمال
أن أعملها من أجلك
بما أن مملكة يسوع ليست من هذا العالم، تكفي هذه الحقيقة لإبقائي بعيدا عن السياسة العالمية. إن أشتراكي في السياسة، كأنني أقترع بوضع ثقتي في مقدرة النظام على حل مشاكل العالم. لكن وبكل صراحة ليس عندي ثقة كهذه لأنني أعلم أن «الْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ». (يوحنا الأولى 19:5).
لقد ثبت أن السياسة لوحدها لا يمكنها حل مشاكل المجتمع. الحلول السياسية ليست إلا عِصابة توضع فوق الجرح المتقرِّح لا يمكنها أن تعالج أصل الإلتهاب. نعلم ان الخطية هي المشكلة الأساسية في مجتمعنا المريض. فأي أسلوب سوف يفشل في التعامل مع الخطية ولا يمكن أخذه على محمل الجدّ لعلاج ما فسد.
يصبح الأمر موضوع أولويات. هل أقضي وقتي في السلك السياسي أم أكرس ذاك الوقت في العمل على نشر الإنجيل؟ أجاب يسوع على السؤال عندما قال: «دع الموتى يدفنون موتاهم، وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله» (لوقا 60:9). أولويتنا العليا ينبغي أن تكون رفع أسم المسيح ليكون معروفا على أنه هو الذي يعطي الحلول لكل مشاكل هذا العالم.
«إِذْ أَسْلِحَةُ مُحَارَبَتِنَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللَّهِ عَلَى هَدْمِ حُصُونٍ» (كورنثوس الثانية 4:10). وبما انه كذلك، فإننا نصل إلى النتيجة الحتمية أننا نستطيع أن نشكّل تاريخ أمتنا وامم العالم بواسطة الصلاة، الصوم وكلمة الله، أكثر بكثير من اقتراعنا في الإنتخابات.
قال أحد الاشخاص المشهورين مرة أن السياسة فاسدة بطبيعتها. وأضاف كلمة التحذير الآتية: «ينبغي على الكنيسة ألا تنسى وظيفتها الحقيقية عندما تحاول الإشتراك في مجال شؤون البشر حيث تكون منافِسة هزيلة فتخسر طهارة القصد من مشاركتها.»
خطة الله لهذا الجيل أن يدعو الأمم ليكونوا شعبا لإسمه (أعمال 14:15). بدل أن يجعل الناس مرتاحين في عالم فاسد، يلتزم الله أن ينقذ الناس من هكذا عالم. يجب أن ألتزم أنا أيضاً لأعمل مع الله في هذا التحرير.
عندما سأل الناس يسوع كيف يعملوا أعمال الله، أجابهم أن عمل الله هو أن يؤمنوا بالذي أرسله الآب (يوحنا 28:6، 29). هذه إذن مهمتنا، أن نقود الناس إلى الإيمان وليس إلى صناديق الإقتراع.
بدون التأكيد الموجود في هذا العدد، يكون تطبيق الحياة المسيحية العملية غير ممكن. بينما ننمو بالنعمة نحصل على معرفة عميقة لطبيعتنا الخاطئة. يجب أن يكون عندنا عطية للتطهير الفوري من الخطية، وإلا يكون مصيرنا الذنب الأبدي والإنهزام.
يخبرنا يوحنا أن العطية للمؤمنين تكون عن طريق الإعتراف. يأخذ غير المؤمن غفرانا شرعيا من عقاب الخطية بالإيمان بالرب يسوع المسيح. يحصل المؤمن على غفران أبوي من نجاسة الخطية بواسطة الإعتراف.
الخطية تكسر الشركة في حياة أولاد الله، وتبقى هذه الشركة منقطعة حتى يتم الإعتراف بالخطية وتركها. عندما نقوم بالإعتراف ونعلم ان الله أمين لكلمته، وقد وعد أن يغفر. نجد إنه عادل في المغفرة، بسبب عمل يسوع المسيح على الصليب، الذي جهّز أساس التبرير الذي به نتبرر.
فهذا العدد يعني إذاً، أنه عندما نعترف بخطيتنا، نعلم أن سجلنا نظيف، أننا قد تطهرنا تماما، وقد استعيدت حياة العائلة الروحية. فحالما نعي وجود الخطية في حياتنا، نستطيع أن نقف في حضرة الله، نذكر الخطية باسمها ونتوب عنها، عندها نعلم بكل تأكيد أننا قد تخلصنا منها.
لكن كيف نتأكد من ذلك؟ هل نشعر بأننا نلنا المغفرة؟ الأمر ليس مسألة شعور. نعلم أننا قد غُفر لنا لأن الله يقول ذلك في كلمته. لا يمكن الإعتماد على الشعور حتى في أحسن الظروف. كلمة الله صادقة.
ربما يقول قائل، «أعلم أن الله قد غفر لي لكني لا أستطيع أن أغفر لنفسي». قد يبدو هذا ورَعا شديدا لكنه في الواقع لا يُكرم الله. إن يغفر لي الله، يريدني أن أقبل هذا الغفران بالإيمان، أفرح به، أخرج وأخدمه كإناء مطهّر.
مقدرة الله على نسيان الخطايا التي قد تغطت بدم المسيح مقدرة من أعظم الحقائق المُسرّة للروح في الكتاب المقدس.
إنه لأمر عجيب عندما نقرأ، «كَبُعْدِ الْمَشْرِقِ مِنَ الْمَغْرِبِ أَبْعَدَ عَنَّا مَعَاصِيَنَا» (مزمور12:103). ما أجمل أن نقول مع الملك حزقيا، «...فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ» (أشعياء 17:38). ينذهل العقل عندما نسمع الرب يقول، «قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ» (أشعياء22:44). لكن أجمل من كل هذا ما نقرأه، «...لأَنِّي أَصْفَحُ عَنْ إِثْمِهِمْ وَلاَ أَذْكُرُ خَطِيَّتَهُمْ بَعْدُ» (أرميا 34:31).
عندما نعترف بخطايانا، لا يغفر لنا فقط، بل ينساها حالا. لا نبالغ بقول الحق عندما نقول أنه حالاً يدفن خطيتنا في بحر نسيانه. ويتضح هذا من اختبار أحد المؤمنين الذي كان يتخبّط في حربه على خطية فيه. وفي لحظة ضعف سقط في التجربة. أسرع إلى حضرة الله وصاح من غير تفكير، «يا رب، لقد عملتها ثانية». ثم وكأنه قد سمع الرب يقول، «ماذا عملت ثانية؟» والمعنى هنا أنه في تلك اللحظة عينها التي تلت الإعتراف، كان الله قد نسي الخطية.
هذا تناقض مفرح في كون الله كليّ المعرفة وقادر أن ينسى. من ناحية يعلم كل شيء، ومن ناحية اخرى يحصي النجوم ويعطي إسماً لكل منها. يحصي سقطاتنا ويعدَّ دموعنا، يسمح بسقوط طير ويحصي شعر رؤوسنا. مع كل هذا ينسى خطايانا التي اعترفنا بها وتركناها. قال دافيد سيماندس: «لا أعرف كيف الله الكلي المعرفة قادر على النسيان، لكنني أعلم أنه ينسى.» ونقطة أخيرة! يقال أن الله عندما يغفر وينسى يرفع لافتة تقول، «ممنوع الصيد». أُمنع من اصطياد خطاياي الماضية أو خطايا الآخرين التي قد نسيها الله. وفي هذا المضمار ينبغي أن يكون عندنا ذاكرة ضعيفة ونسيانا جيداً.
"بالإيمان إبراهيم لما دُعى أطاع .. فخرج هو لا يعلم إلى أين يأتى" عب8:11
إن واحداً من أكبر العوائق التى نواجهها فى إتباعنا للمسيح هو الخوف من المجهول. ونحن نتمنى أن نعرف مسبقاً نتيجة طاعتنا، وإلى أين يأخذنا الله.
ولكننا نعطى فقط اليقين بأنه هو معنا وأنه الماسك بزمام الأمور. وبهذا اليقين نتقدم بثقة وجرأة إلى قلب المجهول.
لقد كان إبراهيم نموذجاً لاستجابة شخص راغب ومستعد للسير مع الله إلى قلب مستقبل مجهول (عب8:11)، لقد عرف أن الله دعاه وقد أعطاه وعداً، وكان ذلك كافياً. لذلك كان راغباً ومستعداً لاستئمان الرب على مستقبله.
ولنا نحن أيضاً أن نتمثل بإبراهيم فنثق بالرب من جهة المستقبل، ونخطو متقدمين إلى الأمام بالإيمان. فإذ نقف على عتبة سنة جديدة، فلنجدد اتكالنا على الرب فى دروب الحياة التى نجهل شعابها وصعابها، ولنتشجع بالرب رغم عدم معرفتنا إلى أين نحن ذاهبون، واثقين أن يده تقودنا ومحبته تسندنا. ألا تكفينا رفقته ؟؟
تكلم النبي المأجور بلعام بحقيقة مهمة وهي أن الله الذي يرى كل شيء، لا يمكنه أن يرى الخطية في شعبه إسرائيل. الحقيقة التي كانت تنطبق على إسرائيل تلك الأيام تنطبق بشكل عجيب على المؤمن اليوم. ينظر إليه الله، ولا يجد فيه خطية ما ليعاقبه عليها بالموت الأبدي. فالمؤمن «بالمسيح» وهذا يعني أنه يقف أمام الله بكل كمال واستحقاق المسيح. يقبله الله كما يقبل ابنه الحبيب. مركز نعمة كاملة لا نهاية لها. مهما يفتش الله فلن يجد أي تهمة أو ذنب ضد من هم في المسيح.
يتضح هذا الأمر في حادثة مع رجل انجليزي وسيارته الرولز رويس. كان في رحلة سياحية في فرنسا أثناء عطلته عندما انكسر المحور الخلفي. لم يستطع صاحب ورشة تصليح السيارات أن يغير المحور فقاموا بالإتصال بإنجلترا. فقامت الشركة بإرسال محور جديد مع ميكانيكيين اثنين ليقوما بتركيب المحور في مكانه. تابع الإنجليزي رحلته السياحيه ثم عاد إلى بريطانيا متوقعاً استلام فاتورة الحساب. مرت عدة أشهر ولم تصل الفاتورة، فكتب للشركة يصف لهم تفاصيل الحادث وطلب اليهم أن يرسلوا فاتورة الحساب. وبعد وقت قصير استلم رسالة من الشركة تقول، «فتّشنا سجلاّتنا تفتيشاً دقيقاً ولم نجد أي ذكِر لسيارة رولز رويس كُسر محورها.»
يستطيع الله أن يفتش سجلاته بالتدقيق ولن يجد أي ذكِر لحساب على المؤمن ليحكم عليه بالجحيم. يُقبل المؤمن بالحبيب. فهو كامل بالمسيح. يلبس بِرّ الله الكامل. يتمتع بمركز كامل في حضرة الله. يمكنه أن يرنم بانتصار وبثقة:
متكل على مخلّصي المبارك
واضعاً ثقتي به
واضعاً عليه كل آثامي
لأصبح طاهراً بالمسيح
يقع البعض في تجربة ماكرة حتى في الخدمة المسيحية إذ يريدون ان يروا أسماءهم في الصحف والمجلات أو يسمعون صوتهم في الإذاعة. لكن هذا فخ كبير. يسلب المسيح مجده. ويسلب الشخص السلام والفرح. ويجعلنا هدفاً رئيسياً لسهام إبليس.
يسلب المسيح مجده. كما قال س. ه. ماكنتوش: «يكمن خطر كبير عندما يصبح شخص أو عمله لامعاً. يمكنه ان يكون متأكدا من أن ابليس يحقق قصده عندما يشتد الإنتباه إلى الشخص بدل أن يكون الإنتباه موجهاً للرب يسوع نفسه.
يمكن لعمل أن يبدأ بشكل بسيط جداً، وبسبب عدم الحذر المقدس والروحانية من جانب الخادم نفسه أو بسبب نتائج عمله يجذب إليه الإنتباه العام ومن ثم يسقط في فخ إبليس. إن هدف إبليس الرئيسي وغير المنقطع هو جلب العار للرب يسوع. وإن استطاع ان يفعل ذلك بما يبدو كخدمة مسيحية، فيكون عندها قد حقق انتصاراً باهراً. كذلك قال آخر: «لا يمكن لأي شخص ان يبرهن على أنه في نفس الوقت هو عظيم ويسوع عجيب.»
نسلب أنفسنا في عملية كهذه. قال أحدهم: «لم أعرف السلام والفرح في الخدمة حتى توقفت عن محاولاتي لأكون عظيماً.»
والرغبة في العظمة تجعلنا هدفاً سهلاً لهجوم إبليس. سقوط شخصية مشهورة يجلب ذماً أكثر لعمل الرب.
كان يوحنا المعمدان يرفض باستمرار أي ادعاء للعظمة. وقد كان شعاره، «ينبغي أن هو يزداد وأني أنا أنقص». نحن كذلك ينبغي أن نجلس في المكان الأكثر تواضعا إلى أن يرفعنا الرب.
صلاة مناسبة لكل منا، «اجعلني صغيراً وغير مشهور، محبوباً وغالياً على الرب فقط».
كانت الناصرة مكاناً صغيراً، وكذلك كان الجليل.
هنالك الكثير من الأمور التي تقلق الإنسان، إمكانية المرض بالسرطان، بأمراض القلب، وعدد كبير من الأمراض المختلفة، الأطعمة التي قد تكون ضارة، الموت بحادث، أعمال إرهابية، حرب نووية، تدهور العملة، مستقبل غير واضح، القلق على الأولاد الذين يكبرون في عالم كهذا. فالإمكانيات للقلق لا تُعد ولا تُحصى.
ومع كل هذا يعلّمنا الكتاب المقدس، «لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ». يريد الله ان تكون لنا حياة بدون قلق. ولأسباب وجيهة.
القلق غير ضروري. الرب حارسنا. يحملنا على كفّيه. لن يصيبنا إلا ما يسمح به الرب. لسنا ضحايا أحداث أو مصير أو قضاء وقدر. حياتنا مخططة، منظمة وتحت إرشاده.
لا فائدة من القلق. لا يحل أيَّة مشكلة أو يجنب أيَّة صعوبات. وكما قال أحدهم: «لا ينجي القلق من مآسي الغد، بل يسلب اليوم من قوّته».
القلق ضارّ. يتفق الأطباء على أن الكثير من أوجاع مرضاهم ناتج عن القلق، وتوتر الأعصاب. معدل قرحة المعدة مرتفع بين الأمراض المنسوبة للقلق.
القلق خطية. يشكك في حكمة الله، يشير إلى ان الله لا يعرف ما يعمل. يشك في محبة الله، يقول أن الله لا يهتم. يشك في قوة الله، يقول أنه غير قادر على التغلب على بعض الظروف التي تسبب القلق.
نفتخر أحيانا بكثرة قلقنا. فعندما وبخَّ الزوج زوجته على قلقها الذي لا يتوقف، أجابته قائلة، «إن لم أقلق، فلا يوجد هنا من يقوم بهذا العمل الثمين». لن نتخلص من القلق ما لم نعترف به كخطية ونتركه تماماً. عندها نقول بثقة:
ليس في الغد ما يقلقني
لأن مخلصي يهتم ماسك بي
لو ملأه بالصعاب والحزن
يساعدني لأتحمله
ليس في الغد ما يقلقني
فلِمَ أحملَ الهموم
النعمة والقوة ليست من عندي
فَلِمَ أقلق إذن
أَدخَل مجيء المسيح الأول كلمة جديدة إلى اللغة اليونانية بمعنى المحبة وهي: أغابي.
كانت هنالك كلمة للصداقة: فيليو، وأخرى للحب الشهواني إيروس. لكن لم يكن هناك كلمة لتعبّر عن الحب الذي أظهره الله ببذل ابنه الوحيد والتي يطلب من شعبه أن يمارسوه الواحد تجاه الآخر.
هذا حُب عالمي جديد، حُب بأبعاد جديدة. ليس لمحبة الله بداية ولا يكون لها نهاية. محبة بلا حدود لا يمكن قياسها أبداً. محبة نقية، متحررة من فساد الشهوة. محبة مضحّية، لا تحسب حساب الثمن. محبة تعلن عن ذاتها بالعطاء لأننا نقرأ «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد...» و «أحبنا المسيح أيضا وبذل نفسه لأجلنا...». هذه المحبة تطلب مصلحة الغير. تنطلق إلى كل من يُحَب وكل من لا يُحَب. تنطلق إلى أعدائها وإلى أصدقائها. لا تخرج لأي استحقاق أو فضيلة في المقصود لكن من صلاح معطيها. المحبة ليست أنانية أبداً، لا تنتظر شيئاً بالمقابل ولا تستغل الآخرين لمصلحة شخصية. لا تحصي الأخطاء لكن تطرح غطاء فوق العديد من الزلات والإهانات. المحبة تقابل كل إهانة باللطف وتصلي لأجل قاتليها. تفكر المحبة دائماً بالآخرين وتقدّرهم فوق نفسها.
لكن يمكن للمحبة أن تكون حازمة. يؤدب الله محبّيه. المحبة لا تتساهل مع الخطية لأن الخطية ضارة وهدّامة بينما المحبة تسعى إلى الحماية من الضرر والهلاك.
أعظم إعلان عن محبة الله كان بذل الله لابنه الحبيب ليموت على خشبة صليب الجلجثة
يجب ألا نفتكر بالمحبة كعاطفة لا يمكن السيطرة عليها ومتقلبة. يوصينا الله أن نحب، ويكون هذا غير مستطاع لو كانت المحبة غامضة أو إحساس مؤقت آتية من حيث لا نعلم، كالإصابة بالبرد. المحبة تشمل العواطف لكنها أكثر من ذلك، المحبة نابعة من الإرادة وليس من العواطف.
ينبغي أن نحترس من الإعتقاد أن المحبة محصورة في عالم الأحلام وقصورها ذات العلاقة الهامشية بالحياة اليومية. لا يمكن أن نحيا بالأحلام لأن الواقع آت.
وبكلمات أخرى فإن المحبة عملية جداً. فمثلاً عندما يُمرّر صحن من الموز على مائدة الطعام وتحمل إحداها بقعة سوداء، تختار المحبة تلك الموزة. المحبة تنظف المغسلة والحمام بعد استعمالهما. المحبة تأتي بلفائف الورق عندما تنفق ليجد الشخص القادم حاجته منها. المحبة تطفيء النور عندما لا تكون له حاجة. تجمع الأوراق عن الأرض بدل السير عليها. المحبة تُعيد الوقود والزيت لسيارة مستعارة. المحبة تُفرغ صندوق النفايات دون طلب من أحد. المحبة لا تترك الناس ينتظرون. تخدم الآخرين قبل الذات. تحمل الطفل الباكي إلى الخارج كي لا يُزعج الإجتماع. المحبة تصرخ لكي يسمعها الأصم. تعمل المحبة كوسيلة للمشاركة مع الآخرين.
ثوب المحبة هدب في نهايته
ينخفض ليصل إلى مستوى الشارع
وتلمس ما اتسخ في الشوارع والأزقة
وستفعل لأنها تستطيع ذلك
لا تجرؤ على البقاء مرتفعة فوق الجبل
بل يجب أن تنزل إلى الوادي
لأنها لا تجد تحقيق مأربها
حتى تضرم حياة الساقطين
لا يمكن لأحد غير مخلّص أن يدعو باِسم الرب. هذا الدعاء اليائس لن يمر دون إجابة. عندما نصل إلى نهاية مصادرنا، عندما نفقد الأمل في إنقاذ أنفسنا، عندما لا نجد ملاذاً غير العلي، نرسل صيحة أسى إلى الرب، فيسمعنا ويجيبنا.
كان شاباً من طائفة السيخ يدعى سادهو سندر سينج مصمّماً على الإنتحار في حال عدم ايجاده سلام. فصلّى قائلا، «يا رب، إن كنت موجوداً، أظهر نفسك لي في هذه الليلة.» فإن لم يحصل على إجابة خلال سبع ساعات، كان سيقذف بنفسه أمام القطار المسافر إلى لاهور.
في الساعات الأولى من ذلك الصباح، رأى مشهد الرب يسوع داخلاً إلى غرفته ويكلّمه بالهندوسية، «كنت في صلاتك تبحث عن الطريق الصحيح. فلِم لا تقبلها؟ أنا هو الطريق.»
اندفع إلى غرفة والده وقال، «أنا مسيحي. لن أستطيع أن أخدم أحداً غير يسوع. حياتي مُلك له حتى مماتي.»
لا أعرف أحداً دعا باِسم الرب بكل جدية إلاّ وحصل على استجابة. طبعاً هنالك الذين يصلّون للرب حين يكونون تحت وطأة مشكلة صعبة، يَعِدون بالحياة للرب اذا أنقذهم، لكن ينسون بسرعة بعد أن ترتفع الصعوبة عنهم. لكن الله يعلم قلوبهم، يعرف أنهم استغلّوا المناسبة ولم يكن وعدهم ينم عن التزام حقيقي.
لكن الحقيقة الأبدية هي أن الله يُظهر نفسه دائماً لكل من يبحث عنه. في الأماكن التي لا يمكن الحصول على الكتاب المقدس، يمكن أن يظهر في حلم أو رؤيا. وفي بلاد أخرى من خلال قطعة من الكتاب، أو من شهادة شخصية، أم عن طريق مواد مسيحية تصل بطريقة عجيبة تعالج المشكلة. وهكذا وبكل معنى يمكن القول، «أن الذي يطلب الله قد وجده فعلاً.» أمر مؤكّد جداً.