بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (15) أمانة الله الأساس الثابت لرجاء إسرائيل

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0
تابع ثانياً: شرح معاني كلمة الإيمان
تابع شرح المعنى الثاني للإيمان: الأمانـــــــــــــة πίστις
2 - أمانة الله: أولاً العهد القديم
(( الرجاء الرجوع للجزء السابق لفهم معنى يهوه وارتباطه بالأمانة والموضوع من هنا ))
بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (13) أمانة الله
بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (14) تابع أمانة الله



تابع 2 – أمانة الله
عموماً وحيث أن يهوه حافظ العهد، أمين، فالأمانة أيضاً من مُميزات العهد الجديد الذي هو عهد أبدي مضموناً بدم حمل الله رافع خطية العالم:

[ إلى الدهر (الأبد) أحفظ لهُ رحمتي وعهدي يثبت لهُ ] (مزمور 89: 28)
[ بِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ قَالَ وَلِيُّكِ (المُحِبُّ، والصَّدِيقُ، والنَّصيرُ) الرَّبُّ ] (أشعياء 54: 8)
but I will have pity on you with everlasting kindness, says Jehovah your Redeemer
برأفة أبدية أرحمك قال الرب فاديك (الذي يتولاك بخلاصه)

[ فإن الجبال تزول والآكام (التلال) تتزعزع، أما إحساني فلا يتزعزع قال راحمك الرب ] (أشعياء 54: 10)
[ وأخطبك لنفسي إلى الأبد، وأخطبك لنفسي بالعدل والحق والإحسان والمراحم، أخطبك لنفسي بالأمانة فتعرفين الرب ] (هوشع 2: 19 – 20)
[ وأخطبك لي للأبد، أخطبك بالبرّ (وهذا يدل على المهر الذي يُقدمه الخطيب لخطيبته، وهذا دلالة على العهد الجديد الذي سيكون فيه الشعب خليقة جديدة أمينة للعهد) والحق والرأفة (חֶסֶדخِسد وهي تدل على الارتباط والالتزام والأمانة للعهد وتترجم في العادة بمعنى نعمة وإحسان) والمراحم، وأخطبك لي بالأمانة فتعرفين الرب (وهنا معرفة الرب ترافق النعمة חֶסֶד، فليس المقصود بالطبع مجرد معرفة عقلية كمعلومات. فكما أن الله يُعرَّف الإنسان بنفسه بالارتباط معه بعهد وبكشف محبته على سبيل نعمة وإحسان عظيم (חֶסֶד)، كذلك الإنسان يعرف الله بموقف يقتضي الأمانة لهذه المعرفة والاعتراف بإحسانه الخاص (نعمته)، والمحبة تُرادف في أدب الحكمة المعرفة الإلهية، بمعنى أعرف الله أي أدخل في محبته واتجاوب معه بمحبتي له بكل قلبي، وهذا يظهر في إيماني بثقتي الشخصية فيه ]

[ لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: إِنِّي أَفْعَلُ بِكِ كَمَا فَعَلْتِ, إِذِ ازْدَرَيْتِ بِالْقَسَمِ لِنَكْثِ الْعَهْدِ، وَلَكِنِّي أَذْكُرُ عَهْدِي مَعَكِ فِي أَيَّامِ صِبَاكِ, وَأُقِيمُ لَكِ عَهْداً أَبَدِيّاً. فَتَتَذَكَّرِينَ طُرُقَكِ وَتَخْجَلِينَ إِذْ تَقْبَلِينَ أَخَوَاتِكِ الْكِبَرَ وَالصِّغَرَ, وَأَجْعَلُهُنَّ لَكِ بَنَاتٍ وَلَكِنْ لاَ بِعَهْدِكِ. وَأَنَا أُقِيمُ عَهْدِي مَعَكِ فَتَعْلَمِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ، لِتَتَذَكَّرِي فَتَخْزِي وَلاَ تَفْتَحِي فَاكِ بَعْدُ بِسَبَبِ خِزْيِكِ, حِينَ أَغْفِرُ لَكِ كُلَّ مَا فَعَلْتِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ ] (حزقيال 16: 60 – 62)

وفي هذا الصدد ترتبط أمانة الله ارتباطاً وثيقاً ببره وعدله ومراحمه الفائقة التي تفوق كل خطايا الإنسان وتعدياته، ففي النصف الثاني من إشعياء، بل وفي كثير من المزامير ينسب البرّ إلى الله لأنه يُسرع إلى معونة وخلاص شعبه، فالبرّ يُنسب دائماً وبالضرورة إلى الله القدوس، تماماً كما تُنسب إليه النعمة والرحمة والأمانة، لأن كل هذا مرتبط ببعضه البعض اشد ارتباطاً:


  • [ لا تخف لأني معك. لا تلتفت لأني إلهك. قد أيدتك وأعنتك وعضدتك بيمين بري ] (إشعياء 41: 10)
  • [ أنا الرب قد دعوتك بالبرّ فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم ] (إشعياء 42: 6)
  • [ أنا الرب مُتكلم بالصدق (بالبرّ) مُخبِّر بالاستقامة ] (إشعياء 45: 19)
  • [ من ذا الآتي من أدوم [ الأرض אֲדָמָהأدَمَاه ] بثياب حُمْرٍ من بُصْرَةَ، هذا البهي بملابسه المتعظم بكثرة قوته great power أنا المتكلم بالبرّ العظيم للخلاص (أو أنا عندي القوة الكافية لإنقاذكم، أو القوي الكافي لإنقاذكم) ] (إشعياء 63: 1)
Who is this coming from Bozrah in Edom with his clothes stained bright red? Who is this dressed in splendor, going forward with great strength? "It is I, the LORD. I am coming to announce my victory. I am powerful enough to save you (I that speak in righteousness, mighty to save)
ويبدو في هذه المواضع – التي ذكرناها وعلى الأخص إشعياء 63: 1 – يتسع معنى البرّ الذي هو العدل، يتسع من حدوده القضائية أو الشرعية، ليدخل في إطار متسع شامل، ليُصبح صفة الله المختصة به كمخلص لشعبه، فبرّ الله الذي هو عدله أصبح ملتصق التصاقاً بالخلاص [ أنا المتكلم بالبرّ (العدل) الكثير الخلاص – إشعياء 63: 1 ]
ويستند المرنم على هذه الصفة في الله كأساس الرجاء في الخلاص والنجاة:

  • [ عليك يا رب توكلتُ، لا تدعني أخزى مدى الدهر. بعدلك (ببرك) نجني (خلصني) ] (مزمور 31: 1)
  • [ أقضِ Judge لي حسب عدلك according to thy righteousness ، يا رب إلهي O Jehovah my God يا يهوه إلهي، فلا يشمتوا بي ] (مزمور 35: 24)
  • [ بعدلك (ببرك) نجني وأنقذني. أمل إليَّ أُذنك وخلصني ] (مزمور 71: 2)
  • [ من أجل اسمك يا رب تُحييني. بعدلك (ببرك) تُخرج من الضيق نفسي ] (مزمور 143: 11)
  • ومن ثَمَّ ارتبطت هذه الصفة برحمة الله ونعمته [ الأمانة + البرّ والعدل + الخلاص ] كل هذا وحدة واحدة معاً: [ العدل والحق قاعدة كُرسيك. الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك ] (مزمور 89: 14)، والرب نفسه صرح وقال: [ وأنا أكون لهم إلهاً بالحق والبرّ ] (زكريا 8: 8)


  • [ عدلك (برك) مثل جبال الله وأحكامك (قضائك) لُجة عظيمة. الناس والبهائم تخلص يا رب ] (مزمور 36: 6)
  • [ يدين المسكونة بالعدل والشعوب بأمانتك ] (مزمور 96: 3)
  • [ بار أنت يا رب وأحكامك مستقيمة ] (مزمور 119: 137)
  • [ عدلك عدلٌ إلى الدهر وشريعتك حق ] (مزمور 119: 142)
  • [ يا رب اسمع صلاتي واصغِ إلى تضرعاتي. بأمانتك استجب لي بعدلك ] (مزمور 143: 1)

وطبقاً لهذه الآيات، كان مفهوم العهد القديم عن برّ الله أو عدله من الناحية العملية مرادفاً لأمانة عهده، لأن العهد مرتبط بالأمانة، والأمانة مرتبطة بالبرّ الذي هو العدل.

وبالنسبة لهذه العلاقة الوثيقة بين البرّ والأمانة، يجب مراعاة عدم الذهاب إلى حد اعتبار أن البرّ والأمانة مترادفان في هذه الآيات من المزامير وإشعياء، وبمعنى واحد، ولكنهما متلازمان مع بعضهما البعض.

ويبدو عموماً مما سبق وذكرناه من خلال الآيات التي تظهر قوة خلاص الله وبصفته بار وعادل ورحيم وأمين، أن إسرائيل قد أخطأ ولم يعد لهُ أي حق عند يهوه، لأنه أتعبه جداً ولم يرضى بوصاياه بل سريعاً ما ينحرف عنها تماماً وبسهولة شديدة، فلا رجاء له في الخلاص، إلا في استناده على طبيعة يهوه إلهه، اي ليس له رجاء إلا في رحمة يهوه وأمانته، فحقيقة أن يهوه الرب رحيم وأمين هي أساس رجاء إسرائيل في النجاة من أعداءه، هكذا ارتبط البرّ ارتباط وثيق في هذه الحالات بالأمانة، ولكنه ليس مرادفاً لها، ولم يفقد قط نغمته القضائية، لأن واضح من العهد القديم كله، فأن سار الشعب مع الله ورجعوا عن خطاياهم يضمهم إليه ويغفر لهم ويصفح عنهم برحمته ويظهر امانته لهم ويُنجيهم من أعدائهم، أما أن تركوه يؤدبهم بمراحمه وبره ويتركهم لأعدائهم للتربية والتأديب ليعودوا فيتوبوا إليه.


ويبدو – بوجه عام – أن هذا هو المقصود بالبرّ والعدل في المزامير والنصف الثاني من إشعياء، ويمكن أن نقول هذا أيضاً عن ميخا وزكريا:

  • [ وماذا يطلبه منك الرب (أو ما الذي يطلبه الرب منك) إلا أن تضع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلهك. صوت الرب يُنادي للمدينة والحكمة ترى اسمك (وذو الحكمة مَن يهاب اسمه). اسمعوا للقضيب (عصا قضاء) ومن رسمه ] (ميخا 6: 8و 9)
  • [ هكذا قال رب الجنود. هائنذا اُخلِّص شعبي... وآتي بهم... ويكونون لي شعباً وأنا أكون لهم إلهاً بالحق والبرّ ] (زكريا 8: 7و 8)
ويتضح تأكيد هذه الصفة من صفات الله، في العهد القديم، في أنه في كل اجزاءه تقوم علاقة عهد يهوه بشعبه على أساس نعمته فحسب، وليس على أساس أي استحقاق فيهم.

فلو أن علاقة هذا العهد قد تأسست على أي حق لإسرائيل، لكانت كل عطايا الله واجبه وملزمة لأنها أصبحت حق من حقوقه مدفوعة الثمن وكان قد وقف إسرائيل بجسارة أمام الله ليطالب بحقه (مثل العشار الذي تكلم عنه الرب في الإنجيل)، ولكن حيث أن علاقة يهوه بإسرائيل ومواعيده للخلاص قد نبعت واعتمدت تماماً على نعمته وحدها، فأن هذا هو ما أعطى اليقين الأكيد بأن اختبار الماضي لنعمة الله وتذوقها كإحسان منه وعطية محبة خالصة، وأنه سيستمر في المستقبل، وهذا الاختبار الذي تذوقه شعب إسرائيل هو أمانة يهوه الثابتة الغير متغيرة، وثابته هنا تعني: مؤكد – مُخلص – مستقيم – ثابت – راسخ – قوي – مضبوط – تمام – مثالي – كامل – صادق – صحيح – certain – faithfulness – perfect – honest

ولذلك أصبح لاختبار الآباء قيمة دينية كبيرة عند إسرائيل من جيل لجيل، فكما امتدت أمانة الله [אֱמֶת = alí̱theia ἀλήθεια] من الماضي للحاضر، فأنها تربط أيضاً بين الحاضر والمستقبل، وبذلك أصبحت هي الأساس الثابت لرجاء إسرائيل، كما في (مزمور 89) الذي يبرز امانة الله في عظمتها وثباتها كأساس العهد، الذي يقوم عليه الرجاء في معونة يهوه في المستقبل، لأن رجاء عهده يدوم إلى الأبد.



وعندما ابتعد شعب الله عنه، أصبح التأكيد على أمانته أشد، حتى أن الرجاء الوحيد لشعبه لا يستند على نعمته ورحمته فقط، بل أيضاً على أمانته، بالمقابلة مع عدم أمانة وتقلب شعبه، ولعل هذا هو معنى الآية الصعبة في هوشع: [ قد أحاط بي إفرايم بالكذب وبيت إسرائيل بالمكر، ولم يَزَل يهوذا شارداً عن الله وعن القدوس الأمين ] (هوشع 11: 12)

_________________
في الجزء القادم سنتكلم عن (ب) أمانة الإنسان
 

aymonded

مشرف سابق
مشرف سابق
إنضم
6 أكتوبر 2009
المشاركات
16,056
مستوى التفاعل
5,360
النقاط
0

  • فهرس الموضوع للمتابعة:
1 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس - تمهيد
2 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس - تابع تمهيد - الإيمان رأس الحياة
3 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس - تابع تمهيد - الإيمان العقائدي (1)
4 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس - تمهيد - تابع الإيمان العقائدي (2)
5 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس -3- العمق الذي يعجز التعبير عنه
6 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس -4- كيف نفهم العقيدة
7 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس -5- موضوع الإيمان - معاني الكلمة
8 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح في الكتاب المقدس -6- المعنى الأول: الثقة
9 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (7) تابع شرح كلمة الإيمان أولاً الثقة Παρρησίαν
10 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (8) الإيمان بالله ثقة بمحبته، وما هو عدو الإيمان
11 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (9) الثقة والصلاة المتواضعة
12 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (10) الشك + علامات فاعلية الإيمان الحي والتخلص من الشك
13 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (11) ثقة ويقين بفرح - الجزء الأخير من المعنى الأول
14 - بحث عن الإيمان في أصول معناه ومفهومه الصحيح (12) المعنى الثاني: الأمانة πίστις

_____يتبع_____

 
التعديل الأخير:
أعلى