تفسير رسالة رومية - الأصحاح 8 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1:
آية (1): "إذاً لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح."

إذاً= الحالة الجديدة في المسيح بعد المعمودية. رأينا في ص7 صراع مرير بين الروح والجسد. ورأينا في (1:5) السلوك بالروح يهب سلاماً. لأن اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح حياة وسلام (6:8). وهنا نرى أن بولس الرسول يستعلن قوة الروح القدس العامل في الإنسان لفكه من رباطات الخطية وإعطائه النصرة. لا شئ من الدينونة الآن= ومما سبق وقلناه من أننا قد مُتنا للناموس (4:7) إذاً تمت الدينونة، نستنتج أنه لم يعد هناك أي نوع من الدينونة على الذين قد إتحدوا مع المسيح وهم ثابتين فيه= على الذين هم في المسيح. السالكين ليس حسب الجسد= بالرغم من أني أنا جسديٌ ومبيع تحت الخطية، أي أن ناموس الخطية مازال يعمل فيّ، ومعنى هذا أنني معرض للسقوط إلاً أن ناموس الحرية أيضاً يعمل فيَّ. ومع جهاد المؤمن يضمحل ناموس الخطية فيزداد الفرح والسلام، وبهذا يشتاق المؤمن للفرح الكامل في السماء وهذا يعني إختفاء ناموس الخطية بالكامل وموت الإنسان العتيق بالكامل وحصولي على التبني الكامل، وهذا ما أسماه الرسول "التبني فداء الأجساد" (رو23:8) وهذا لن يكون إلاّ في السماء. ومعنى هذا أنه طالما نحن مازلنا في الجسد على الأرض فنحن معرضين للسقوط ولكن السالك في النور يقوم من خطيته تائباً بسرعة. فالمستعد للتوبة باستمرار هو سالك بالروح لأنه يستجيب للروح الذي يبكت على خطية (يو8:16) وهو يستجيب لإقناع الروح الذي يقود للتوبة "توبني فأتوب لأنك أنت ربي" (أر18:31) إذاً السالكين ليس حسب الجسد= هم الذين لا يسيرون وراء شهوات الجسد خاضعين للإنسان العتيق بلا تفكير في التوبة. فبر المسيح لا يعمل في المتهاونين الذين باستسلامهم مرة أخرى للشهوات الجسدية الخاطئة يوقظون الإنسان العتيق.

بل حسب الروح= أي الذين يلتزمون بوصايا الروح القدس ومطالبه، وحين يبكتهم على خطية يقدمون توبة سريعة. فالمسيح علمنا أن نصلي وإغفر لنا ذنونبا. إذاً لابد من وجود خطايا وذنوب حتى للقديسين. وهذا السالك بالروح من سماته النمو في الروح، وترك الخطايا الجسيمة. هو ربما يسقط في خطايا بسيطة وسريعاً ما يتوب عنها. ويكون واضحاً إنقياده للروح القدس، محباً للصلاة والكتاب المقدس والتسابيح. ولنعلم أن نعمة المسيح تحرر جميع القديسين يوماً فيوم لمن يخضع ويسلم حياته للروح القدس. ولكن علينا أن نتمم خلاصنا بخوف ورعدة، نضع دائماً خطايانا أمامنا فنتواضع. نحن لا نخاف من أن الله يتركنا ولكن نخاف من ضعفي أنا إذ أن الإنسان العتيق يمكن أن ينفجر في أي لحظة مع إهمالي الجهاد، وإنسياقي وراء شهواتي.


العدد 2:
آية (2): "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من ناموس الخطية والموت."

لأن= هي رد علي سؤال "لماذا لا دينونة؟" في الآية السابقة. ناموس روح الحياة. راجع (المقدمة) وكلمة ناموس= قانون بلا شواذ، مثل قانون الجاذبية وهو كل جسم تتركه يسقط علي الأرض إن لم يكن هناك قوة تسنده. وهذا يحدث في أي مكان في العالم. وهكذا ناموس الخطية ، ففي أي مكان في العالم، لو أهين إنسان ستشتعل في داخله انفعالات الغضب والكراهية والمرارة وحب الانتقام. وحتى لا يسقط الجسم المتروك علي الأرض بفعل قانون الجاذبية يحتاج لمن يسنده. وهكذا روحياً فناموس روح الحياة، الذي جعله الله كناموس آخر يعمل ضد ناموس الخطية والموت. فناموس موسى لا قدرة له أن يسندني، هو فاضح للخطية وليس معالج لها، وأما ناموس الروح فيظهر المسيح الغالب الذي يشرق علينا بالإمكانيات الإلهية التي تعمل فيمن يؤمن. وهذا لا يتم بالإجبار بل بروح الإقناع (أر7:20)الروح يسكن فينا ويفتح حواسنا، ويدعم إرادتنا ويبكتنا علي خطايانا. إذاً هذه القوة تسند المؤمن حتى لا يسقط. هي قوة النعمة التي تزداد بالجهاد. فالخمس عذارى ملأن مصابيحهن بالزيت (النعمة ) ومسئولية الملأ هي مسئولية كل مؤمن، أن يجاهد لكي يمتلئ. لقد قدم لنا هذا السفر قوة إمكانيات الحياة المقدسة في الرب وتمتعنا ببر المسيح غالب ناموس الخطية فناموس روح الحياة يعطي للمؤمن أن يسلك بحسب الروح لا بحسب الجسد. فيحسب الإنسان بكليته (جسداً ونفساً وروحاً) إنساناً روحياً .

ناموس روح الحياة= هو ناموس= أي قانون، فكل من يعتمد يحصل علي هذه القوة. روح= هذه القوة ناشئة من الروح القدس الساكن فينا بسر الميرون. الحياة= فهو يعطينا حياة للنفس والجسد والروح . حياة بر عوضاً عن موت الخطية، حياة بنوة عوضاً عن حياة العبودية للخطية، فنحن بالمسيح حصلنا علي غفران للخطايا + خليقة جديدة وطبيعة جديدة. الروح القدس محيي ويعطي حياة للنفس والجسد معاً للمتحدين مع المسيح، هذه القوة قد حررتنا من ناموس الخطية، ومن قوة الخطية وجذبها ومن الموت. فناموس الروح هو تمتع بعطية الروح ، لأنه يحطم فينا عنف الخطية ويسندنا في صراعنا ضدها.

ما عجز عنه موسى (عبور الأردن) تممه يشوع= ما عجز عنه الناموس تممه يسوع المسيح. ما الفرق بين ناموس موسى الذي اسماه الرسول روحي (14:7) وناموس روح الحياة ؟ الأول أعطاه الروح القدس ليدين والثاني يهب الذين يتقبلونه الروح بلا حدود . ولذلك هو ناموس حياة، يحرر ويحي ويبرر ويعين ويعطي قوة للمؤمن ليسلك روحياً ويصارع الخطية ، ويعطي قوة لعمل الخير ويدعم إرادة الإنسان فلا يتعرض المؤمن للدينونة والحكم.

اعتقني= أعطاني قوة اغلب بها ناموس الخطية والموت فأتحرر من عبوديتي للخطية التي حتماً ستقودني للموت.


العدد 3:
آية (3): "لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه في ما كان ضعيفاً بالجسد فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد."

لأنه ما كان الناموس عاجزاً عنه= الناموس كان هدفه أن يحيا الإنسان في بر، ولكنه عجز عن أن يتمم هذا، لا لعيب في الناموس ولكن بسبب ضعف الإنسان، ضعف جسد الإنسان = في ما كان ضعيفاً بالجسد. فلم يستطع أحد أن يلتزم بالناموس ويتممه إلاّ الرب يسوع وحده. أمّا سبب ضعف الإنسان كان أن الخطية سكنت فيه وإستعبدت أعضاءه أمّا ناموس روح الحياة فقد حررني فيما عجز عنه ناموس موسى، لأن ناموس موسى لم يعطى الروح القدس لأحد. والروح القدس هو الذي يستطيع أن يتغلب وينتصر علي اهتمامات الجسد، فهو يعين ضعفاتنا (آية26) فالله إذ أرسل ابنه= لما عجز الناموس عن أن يبرر الناس، أرسل الله ابنه ليعمل عمل الفداء، ثم يرسل الروح القدس، يعطي نعمة نتبرر بها.

في شبه جسد الخطية= أي جسد كامل مثل جسدنا، ولكن لاحظ دقة بولس فهو لم يقل في شبه جسد إنسان، فهو كان كاملاً كإنسان، ولكن بلا خطية ومثال لهذا الحية النحاسية فهي تشبه الحية الحقيقية ولكنها بلا سم يقتل. وكما كانت الحية النحاسية قادرة علي الشفاء، هكذا المسيح استطاع أن يبرر المؤمنين. دان الخطية في الجسد= المسيح حمل كل خطايا البشرية في جسده، ومات بجسده ليحكم علي الخطية ويميتها ويدينها. وبقدر جهاد الإنسان في أن يميتها تساعده النعمة في ذلك، لذلك يطلب الرسول قائلاً "احسبوا أنفسكم أمواتاً عن الخطية" (رو11:6) وبهذا يبرأ الإنسان وكلما كانت الخطية ميتة فيَّ فهذا علامة علي أنني مملوء نعمة وجهادى مقبول وكلما كانت الخطية متفجرة فيَّ فهذا علامة علي أنني محتاج لجهاد كثير لأمتلئ من النعمة. وإذا كانت الخطية ميتة داخلي فلا دينونة عليَّ (آية1)

ولأجل الخطية= أرسل الله المسيح ليكسر شوكة الخطية فيَّ. موت الخطية في الإنسان المعمد هذا ما لا يستطيعه الناموس لكن هذا عمل النعمة.


العدد 4:
آية (4): "لكي يتم حكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح."

لكي يتم حكم الناموس فينا= بر الناموس حسب ترجمة اليسوعيين والترجمة الإنجليزية. فالناموس كان هدفه أن يتبرر الإنسان، ولما عجز الناموس أرسل الله ابنه ليدين الخطية أي يميتها في المؤمن فيتبرر، وبهذا يتحقق ما أراده الناموس أن لا نصنع الشر ونفعل البر. هذا الذي أصبح بإمكاننا أن نعمله بالروح القدس الساكن فينا.
العدد 5:
آية (5): "فإن الذين هم حسب الجسد فبما للجسد يهتمون ولكن الذين حسب الروح فبما للروح."

الرسول هنا لا يقارن بين الجسد كأعضاء بين الروح. ولكن بين إنسان عتيق يقود الأعضاء وبين إنسان جديد مولود من المعمودية يقوده الروح القدس. الأول أسماه الذين هم حسب الجسد (من أيقظ إنسانه العتيق وأهمل جهاده فإنكمش إنسانه الجديد). والثاني أسماه الذين حسب الروح (هذا الإنسان يجاهد ويستجيب للروح القدس) الأول صار كأنه جسد بلا روح يسلك بحسب شهوات جسده فصار جسدانياً شهوانياً والثاني صار كمن هو روح بلا جسد. واهتمامات الجسد هي الملذات والكرامة والشهوات. واهتمامات الروح هي إرضاء الله والتفكير في الروحيات والخدمة لحساب مجد الله والاهتمام بالأبدية.


العدد 6:
آية (6): "لأن اهتمام الجسد هو موت ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلام. "

اهتمام الجسد= إرضاء الشهوات والمتع والملذات، هذا ينطبق أيضاً علي من يهتم بعمله كل الوقت، ولا وقت عنده لله. ولكن مثل هذا الإنسان ينفصل عن الله، فيموت= اهتمام الجسد هو الموت. ولاحظ أن هذا الإنسان لا يهتم سوى بما سوف يفني، فكل ما للجسد سوف يفني. ولو ترك الإنسان شهواته تقوده تموت نفسه ثم جسده (1تي6:5) ثم يخسر أبديته. ولكن اهتمام الروح هو حيوة وسلام= من يهتم بأن يرضي الله ويعمل من أجل أبديته يفرح بالصلاة والصوم، فالروح يسكب فيه فرح وسلام ويصير حياً أمام الله، يختبر سلام الله الذي يفوق كل عقل ثم تكون له حياة أبدية، إذ بجهاده هذا ظل ثابتاً في المسيح، والعلامة أن الروح سكب فيه سلام (رو1:5).
العدد 7:
آية (7): "لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله إذ ليس هو خاضعاً لناموس الله لأنه أيضاً لا يستطيع."

لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله= الجسد ليس عدواُ لله، فالله حين خلقه وجده حسنٌ جداً. لكن المقصود هو الإنسان العتيق، واهتمام الجسد أي تغذية الإنسان العتيق بإثارة شهواته وعدم الاهتمام بغذاء الإنسان الجديد، الذي يتغذى علي كلام الله. ولكن عدو الله هو هذا العالم ورئيسه (الشيطان). والجسد إذا إنحاز للعالم صار عدواً لله بالتبعية . فالله خلقني في العالم لأستعمل العالم ولا أنسي تبعيتي لله فأظل أعبده، أمّا لو تحول العالم إلى هدف وصارت الشهوة وإرضاءها، أو المال والمقتنيات إلهاً، يصير من يتبع هذا الإله أداة في يد الشيطان يهين بها الله، ويتعدى علي وصاياه ويصير في عداوة مع الله، لذلك سمعنا أن محبة العالم هي عداوة لله (يع4:4) ولكن هل معني هذا ألاّ نأكل ونشرب ونعمل؟ لا بل نعطي لقيصر ما لقيصر وما لله لله. المهم أن يكون هناك نصيب للروح. فالجسداني الذي هو في عداوة مع الله ينسى الروحيات لانشغاله بالجسديات. والإنسان الروحي يصوم لا لعيب في الطعام، بل هو يضغط علي نفسه ويمنع نفسه مما يحبه وذلك حتى ينمو في الروح. لذلك طلب الله من البدء أن يعمل الإنسان 6 أيام ويتفرغ لله يوماً واحداً. إذاً المطلوب التوازن. وعدم الاهتمام بأمر وترك باقي الأمور. فشعب تسالونيكي حينما قالوا نهتم بالروحيات ونترك أعمالنا غضب بولس الرسول وقال "من لا يشتغل لا يأكل" (2تس10:3). ولذلك قيل في آية (6) اهتمام الجسد هو موت لماذا؟ لأن هذا هو عداوة لله.

مثال: لماذا اٍعتبر السيد المسيح المال إلهاً يعبد؟ علي الإنسان أن يعمل ليتكسب ويعيش، ويدخر ليزوج أولاده. لكن بدون هَمْ، وبدون أن يضع في قلبه أنه كلما زادت أمواله إطمأن قلبه علي المستقبل، بهذا هو خلط بين المال كأداة أعيش بها، أو هو هدف أسعى وراءهُ. أمّا الروحي فهو يعلم أن المال قد يضيع في لحظة، والله هو الضامن للمستقبل، الله وحده. إذ ليس خاضعاً لناموس الله= أي أن الإنسان العتيق لا يستطيع أن يخضع لناموس الله فطبيعته عاصية متمردة.

لأنه أيضاً لا يستطيع= فالجسد بدون الروح القدس مستحيل أن يخضع لله ولوصاياه. وكيف نمتلئ من الروح؟ هذا بأن نهتم بالروح بالصلاة والصوم ودراسة الكتاب، واجتماعات الكنيسة والقداسات والتسابيح والمزامير..الخ .
العدد 8:
آية (8): "فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله."

الذين هم في الجسد= ليس لهم الطبيعة الجديدة، خاضعين لإنسانهم العتيق، يسعون وراء شهوات الجسد. فهذا قد أطفأ الروح وجعل إنسانه الجديد ينكمش، هذا الذي يقوده الروح القدس. وهذا أيقظ الإنسان العتيق الذي هو بطبيعته متمرد علي الله. هذا لا يستطيع أن يرضي الله فمن هو في الجسد فهو ليس في الروح ولا هو ثابت في المسيح.
العدد 9:
آية (9): "وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح إن كان روح الله ساكنا فيكم ولكن إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له."

الذين تركوا تيار الشهوات العالمية يصيروا كروح بلا جسد أما أنتم ..في الروح= اعتمدوا وحل عليهم الروح القدس (بالميرون ) ابتعدوا عن تيار الشهوات. هؤلاء يهتمون اهتمامات روحية وبهذا يضرمون الروح القدس فيهم ويمتلئوا منه (2تي6:1) وبهذا يصيروا خاضعين للروح القدس. المهم أن يسأل كل إنسان نفسه، هل أنا باٍهتماماتي الجسدية أطفئ الروح، أم هل أنا باٍهتماماتي الروحية أضرمه ومن يضرم الروح يسكن فيه الروح ويقوده. وكيف نعلم هل نحن في الجسد أم الروح =إن كان أحد له روح المسيح فهذا يكون مملوء من الروح القدس. فهدف الروح القدس أن يجعلنا نلبس المسيح وأن يتصور المسيح فينا (غل19:4+ رو14:13) فمن له صفات المسيح من محبة ووداعة وتواضع..(هذا معني روح المسيح) فهذا إنسان يسكن فيه روح الله.
العدد 10:
آية (10): "وإن كان المسيح فيكم فالجسد ميت بسبب الخطية وأمّا الروح فحياة بسبب البر."

إن كان المسيح فيكم= إن كان المسيح متحداً بنا وثابتاً فينا. وهذا طبعاً لن يحدث إلاّ لمن يسلك بالروح ويميت الجسد (أي الإنسان العتيق) فالجسد ميت= هذه تعني: [1] الإنسان العتيق ميت بالمعمودية. [2] الإنسان يميت نفسه، أي يمارس أعمال الإماتة، منع كل الشهوات + أصوام + مطانيات. [3] الله يعمل من ناحيته علي إذلال الجسد حتى لا تثور الشهوات كما سمح لبولس بشوكة في الجسد + إن كان إنساننا الخارج يفني فالداخل يتجدد يوماً فيوم (2كو16:4) + فاٍن من تألم في الجسد كُفَّ عن الخطية (1بط 1:4). [4] يظل الجسد في ألم وضيقات وأخيراً يموت الجسد. ولكن هل معني هذا أن الإنسان الروحي مات نهائياً؟ قطعاً لا لأن الروح ستكون حية، لأنه عاش في بر= تبرر= وأمّا الروح فحياة بسبب البر ولماذا يسمح الله بكل هذا الألم؟ بسبب الخطية= حتى لا تثور شهوات الجسد. ومن هو ثابت في المسيح ستكون شهواته الخاطئة ميتة. لذلك نسمع في القسمة (رقم19) في الخولاجي "فالتناول يثبتنا في المسيح" "وعند اٍصعاد الذبيحة علي مذبحك تضمحل الخطية من أعضائنا بنعمتك" ولكن حتى يعمل التناول فينا هذا العمل علينا أن نميت أنفسنا عن الخطية. أما الروح فحيوة= أي الإنسان الجديد القائم مع المسيح من الأموات. ومن هو حي بالروح حين يأتيه موت الجسد ينتقل من حياة إلى حياة أبدية. ولاحظ أننا نبدأ حياتنا الأبدية هنا علي الأرض حينما تكون لنا حياة المسيح.


العدد 11:
آية (11): "وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكناً فيكم فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم."

هل تتصور أن موضوع القيامة صعب؟ هذا ما يصوره لنا الشيطان. خصوصاً القيامة من موت الخطية والرسول هنا يؤكد أن الذي أقام المسيح من الأموات قادر أن يقيمك من موت الخطية أولاً، ثم في القيامة العامة سيقيمك بجسد ممجد. ونفس الفكرة نجدها في (أف19:1) أى أن نفس القوة التي أقامت المسيح من الأموات قادرة أن تعمل فيكم لتقيمكم في القيامة الأولى والقيامة الثانية يحيي أجسادكم المائتة= لذلك نسمي الروح القدس الروح المحيي .

ملخص: ماذا أعطاني ناموس الروح :

1) أعطاني روح الغلبة والنصرة فنواجه حرب الخطايا بقوة.

2) اعتقني من الدينونة إن سلكت حسب الروح فتكون لي حياة أبدية.

3) صرنا أبناء بعد أن كنا عبيد. المسيح حمل مالنا (موت وخطية وعبودية) وأعطانا ما لهُ (صرنا أبناء وأحباء). وبهذا صار لنا الميراث.

4) صار لنا الروح القدس معيناً.

لذلك اعتبرنا الرسول مديونون للروح القدس وليس للجسد.
العدد 12:
آية (12): "فإذاً أيها الاخوة نحن مديونون ليس للجسد لنعيش حسب الجسد."

رأينا ماذا يعطينا الروح، أما الجسد فيعطيني لذة لحظات يعقبها كآبة وتعب. لذلك ومن أجل عظم ما أعطاه لنا الروح فنحن مديونون للروح. والذي يشعر انه مديون للروح ماذا يعمل [1] يستعمل وزناته ليمجد إسم الله (الوزنات= الصحة /المال /الذكاء..) [2] أن لا نجعل الشهوات تسودنا ثانية، ونخضع للروح القدس.
العدد 13:
آية (13): "لأنه أن عشتم حسب الجسد فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون."

أن عشتم حسب الجسد فستموتون= أي إن عشتم عبيداً لشهوات أجسادكم فإنكم ستتعرضون للموت الأبدي (الانفصال الأبدي عن الله).

النعمة= الروح يعين ضعفاتنا. أمّا جهادى أنا أن أقف أمام الخطية كميت. وهذه الآية تساوى تماماً قول الرسول ختان القلب بالروح (رو29:2) والجهاد المطلوب[1] سلبي (نحسب أنفسنا أمواتاً عن الخطية) [2] اٍيجابي (صلاة وتسبيح وصوم ومطانيات..)

وهناك طريقين للجهاد:

1. بالعزيمة وقوة الإرادة تزيد كل يوم الأصوام والصلوات.. ولكن هذه عبادة بالجسد، تشبه الفريسية. وسنطالب الله بالأجر.

2. عبادة الروح (راجع تفسير رو9:1) أن نتسمع صوت الروح القدس في هدوء يطالبنا ويقنعنا بما نعمل، فلا نطالب بأجر بل نجد لذة فيما نفعله. ولكن علينا أولاً أن نغصب أنفسنا، فملكوت السموات يغصب (مت12:11) ثم نطلب المعونة من الروح فيبدأ الإقناع فنصوم ونزهد في الملذات لأننا نجد لذة وتعزيات في العبادة بالروح.
العدد 14:
آية (14): "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله "

نحن نحصل علي البنوة بثباتنا في المسيح الابن، ونحن نتحد بالابن في سر المعمودية، وننفصل عنه بالخطية ونعود للثبات بسر التوبة والاعتراف والتناول من جسد الرب ودمه، وكل الأسرار، فاٍن العامل فيها هو الروح القدس. والروح أيضاً هو الذي يبكتنا لو أخطأنا ًومن ينقاد بروح الله يظل ثابتاً في المسيح، ويظل أبناً لله بالتالي.
العدد 15:
آية (15): "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب."

روح العبودية= كان هذا في ظل الناموس. كان الإنسان يمتنع عن الشر خوفاً من عقوبة الناموس، وإذا عمل شيئاً صالحاً يطلب الأجر عنه فالعبد يعيش خائفاً، طالباً الأجر، بل هو يعمل من أجل أجر زهيد يعطيه له سيده نظير عمله. وهناك من يعيش مع الله هكذا، يطلب من الله طلبات متواضعة كالمال والصحة.. الخ. وإذا لم يأخذ طلباته يذكر الله بأعماله طالباً أجره عنها. والآية السابقة حدثتنا عن أن من ينقاد بالروح يصبح أبناً لله روح التبني= ماذا يفرق الابن عن العبد؟ الابن يعمل في محبة، ولا يطلب من الله نظير عمل عمله بل بدالة البنوة وطلباته لأبيه ليست متواضعة فهو يطلب مجد السماء، بل هو يطلب الله نفسه "أنا لحبيبي وحبيبي لي". في العهد القديم كان العقاب زمنياً والمكافأة زمنية أيضاً. والآن صارت لنا مكافأة هي الله نفسه ننعم به أباً أبدياً، والروح القدس يشهد في داخلنا بهذه البنوة. وبهذه الروح، روح البنوة نصرخ يا آبا الآب.

آبا= بالعبرية abba (آبا) الآب patr (باتير)= أي يا بابا الذي هو الآب. وهي عبارة تشير لوحدة اليهود والأمم (اليونانيين) فكلمة آبا تشير لبنوة اليهود لله وكلمة باتير تشير لبنوة الأمم لله. فالبنوة صارت لكليهما فاليهود يخاطبون الله بقولهم abba واليونانيين يخاطبونه patr.

روح العبودية للخوف= هناك نوعان من الخوف:

1. خوف مقدس طاهر وأمثلته: طالب يخاف من الفشل وهذا يدفعه لمزيد من الجهد لاستذكار دروسه.

2. خوف مرضي مثل من يدخل الامتحان ولا يجيب أسئلة الامتحان بسبب خوفه الفظيع، مع أنه يعرف الإجابة.

وروحياً: [1] خوف مقدس طاهر قيل عنه تمموا خلاصكم بخوف ورعدة ( في12:2) + لا تستكبر بل خف (رو20:11). هنا نخاف الله ولكن ليس عن فزع بل خوف المحب الذي يخاف أن يحزن قلب محبوبه، هو خوف يدفع للجهاد.[2] خوف مرضي قيل عنه أنه يُطرَد بالحب الكامل (1يو 4: 18).


العدد 16:
آية (16): "الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله."

الروح القدس يعطي لقلوبنا وأرواحنا أن تشعر بالبنوة، هذه الشهادة المعزية لا تعطي إلا لمن لهم طبيعة البنين، أي ثابتين في المسيح. والروح القدس يعطينا الإحساس بأن محبة المسيح تحصرنا فنتحمل الألم. ولكن حتى نسمع صوت الروح القدس فهذا يحتاج لجلسة هادئة مع الكتاب المقدس، والصلاة بهدوء والسكوت بعض الأحيان. وإذا فعلت هذا في ألمك ستسمع صوت الروح قائلاً "أنا جانبك فلماذا تخاف أنت إبن الله، فهل يترك الله أولاده ويتخلي عنهم لا تخف وتشدد".


العدد 17:
آية (17): "فان كنا أولاداً فأننا ورثة أيضاً ورثة الله ووارثون مع المسيح إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه."

نرث الله لأننا صرنا أبناء له، ونرث ماذا.. نرث مجده ونرث مع المسيح حيث أنه قد وضع نفسه كأخ لنا (يو22:17،24،26) آية عجيبة. أن نرث الله ونرث مع المسيح ولكنها تفسر ما قاله الرسول في (عب2:1) فالمسيح تمجد بجسده هذا معني صار وارثاً لكل شيء وذلك لحسابنا، فنحن جسده. وهو الذي قال حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" (يو3:14) وقال أيضاً من يغلب يجلس معي في عرشي (رؤ21:3) بل سيصير لنا صورة مجده (في21:3 +1يو2:3) هذه الأمجاد لا يمكن تصورها أو تخيلها فهناك "ما لم تره عين.." حقاً من يفتح الله عينيه علي ما هو معد في السماء فسيدرك أن العالم وما فيه ما هو إلا نفاية (في8:3). ولقد حسب اليهود أنهم وحدهم ورثة، وبولس في هذه الآيات يؤكد أن الميراث لكل البنين الذين يقولون يا آبا الآب وهم ظنوا الميراث أرضي زمني ، لذلك فالرسول يقول بل هنا آلام.

أن كنا نتألم معه= قبل أن نعيش في أفكار المجد والميراث، يذكرنا هنا الرسول، بأننا مازلنا علي الأرض وفي الجسد، ومادمنا في الجسد فهناك قطعاً آلام. ولكن يُكْمِلْ لمن يحتمل الألم بشكر، أن الألم.. لكي نتمجد أيضاً معه= لشرح هذا لنذكر قصة داود الهارب المطارد من شاول الملك وهو في آلام فظيعه وكان يرافقه بضعة أصحاب صدقوا وآمنوا بوعد الله لداود، أنه سيصبح الملك، فلازموا داود طوال فترة آلامه. وحينما تمجَّد داود مجَّدهم معه، فكان منهم القادة والوزراء..الخ، فهل نصرّ علي ملازمة المسيح في فترة آلامنا علي الأرض. والميراث هو لمن يتألم مع المسيح وبشكر. ولنعلم أن الله يسمح بالألم لنكف عن الخطية (1بط1:4).


العدد 18:
آية (18): "فأني أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا."

الآلام الحاضرة هي لا شيء ولا تُذكَر بجانب الأمجاد المعَّدة لنا:

1. مهما كان الألم فهو بسيط جداً بجانب المجد المعد.

2. زمن الآلام أيام والأمجاد فهي للأبد، بلا نهاية.

3. الآلام هنا هي حتى نكمل، وهي شركة آلام مع المسيح، ويصاحبها تعزيات (2كو3:1-8) حتى أن من تذوق الآلام مع التعزيات إشتهي الآلام، لذلك اعتبرها بولس الرسول هبة (في29:1) ولكن لنعلم أن التذمر يوقف التعزيات. وهذا ما جعل السيد المسيح يقول "احملوا نيرى (الآلام التي أسمح بها + الوصايا التي آمركم بها) فهو خفيف (مت29:11،30).

4. كلما ازداد الألم إزداد المجد "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً (2كو17:4).

المجد العتيد أن يستعلن فينا= العتيد= الآتي. يستعلن= أي المجد الذي نحن فيه الآن غير مرئي، وأما في الأبدية سيصير مرئياً. فنحن حَلَّ علينا الروح القدس وهو كألسنة نار، فهل يري أحد هذه النار. والتناول من الجسد والدم المتحدان باللاهوت، هذا في وسطنا يومياً، لكن هل يري أحد اللاهوت؟ إذاً نحن في مجد لكن غير مستعلن ، وسيستعلن في الأبدية ولنرجع لقصة داود مع شاول فلقد كان شاول في مجد ظاهري (جيش وخدم وخضوع الناس له، وقوة ظاهرية..) وداود كان في ضعف ولكنه في مجد، لأن الروح كان يملأ داود، وأما شاول فقد نُزِعَ منه الروح القدس. ثم مات الملك شاول وجاء داود فإستعلن المجد الذي كان فيه خفياً.


العدد 19:
آية (19): "لأن انتظار الخليقة يتوقع إستعلان أبناء الله."

الخليقة هي العالم بكل ما فيه من جمادات فالله خلق العالم لأجل الإنسان، والله خلقه فوجده حسن ، كان العالم جميلاً جداً. لكن حينما فسد الإنسان إنعكس فساده علي الأرض لذلك سمعنا قول الله "ملعونة الأرض بسببك.. شوكاً وحسكاً.." (تك17:3،18) وحين قاوم الإنسان إلهه قاومته الخليقة، كما إظلمت الشمس حين صُلِبَ رب المجد. فالفيضانات المدمرة والتصحر المهلك، والزلازل المدمرة القاتلة عكست فساد الإنسان بل أن وحشية الناس ( قايين /شعب روما بملاعبه التي يعذبون فيها العبيد..) انعكست علي الحيوانات فصارت وحوشاً تأكل بعضها. صارت الخليقة كالمرآة تعكس حال الإنسان. وعكس هذا فقداسة برسوم العريان انعكست علي الثعبان ففقد وحشيته. وبسبب الأنبا بولا قيل إن الله يفيض مياه النيل. لهذا تصور بولس الرسول هنا إن الخليقة تنتظر أن يستعلن مجد أبناء الله فينعكس هذا عليها، وتستعيد صورتها الجميلة الأولى وبهائها.

إستعلان أبناء الله= حين يعلن المجد المستتر الآن في أبناء الله. وهذا لن يحدث إلاّ في الأبدية حينما يعود الإنسان للأحضان الإلهية.

العدد 20:
آية (20): "إذ أخضعت الخليقة للبطل ليس طوعاً بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء."

لقد استعبدت الخليقة للبطل VANITY أي صارت بلا قيمة صارت كسراب، مهما كنز الإنسان، فهو إمّا يضيع أو يتركه الإنسان ويموت. ولكن كان هذا علي رجاء، أن هذا الوضع سينتهي. وكان ما حدث مع الشعب حينما ذهبوا لسبي بابل رمزاً لما حدث مع الخليقة فالله وعد الشعب بأن يذهبوا للسبي تحت عبودية لملك بابل نبوخذ نصر ولكن كان ذلك لمدة محدودة هي 70 سنة، وبعدها يتحرروا بيد كورش ملك فارس. والخليقة والبشر إستعبدوا في يد إبليس (نبوخذ نصر) لكن لمدة محددة حتى يأتي المسيح (كورش) الذي يحررها من يده. ولكن ستظل الخليقة في صورتها الحالية حتى إستعلان مجد أولاد الله وهذا لن يحدث إلاّ في المجيء الثاني. وكما أصدر الله أمراً بأن يستعبد الشعب لملك بابل ولكن علي رجاء العودة، أصدر الله أمراً بإخضاع الخليقة للباطل (إبليس) مع رجاء في فك سبي الإنسان وتجديد الخليقة ( أر8:25-12) وهذا الأمر وذاك كانا بسبب الخطية ومن يعود للخطية يستعبد ثانية.

ونلاحظ أن سليمان النبي أكد علي هذه الحقيقة أن العالم هو باطل الأباطيل فبسبب الخطية فقدت الخليقة صورة الحق والجمال لكن على رجاء، فإذا كانت الخليقة الجامدة لها رجاء أن تتجدد صورتها، فهل يتركني أنا الإنسان المخلوق علي صورته.

وراجع (2بط10:3 + مز25:102،26 + إش6:51 + رؤ1:21)، ومن كل هذا نفهم أن الأرض ستزول وتنحل العناصر محترقة، ولكن هذا يفهم بأنه كما يموت الإنسان قبل أن يكتسب صورة الجسد الممجد، هكذا ستنتهي صورة العالم الحالي الملعونة، تمهيداً لكي يستعيد بَهاءَهُ.


العدد 21:
آية (21): "لأن الخليقة نفسها أيضاً ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله."

الرجاء الذي تنتظره الخليقة أنها هي ستعتنق وستتحرر من عبودية البطل والفساد ولا تعود فاسدة. سيكون لها نصيب في حرية مجد أولاد الله= أي ستنتهي صورة العبودية التي تعاني منها =حرية. وستنتهي حالة الفساد= مجد. كل هذا من أجل خاطر أولاد الله. إذ قال الآباء، إن الأب يلبس المربية وخدام البيت ملابس جديدة يوم ميلاد الابن، أو في عيد ميلاده أو عرسه وهذا لا يفهم منه أن الأرض ستعود فردوساً يحيا فيه الإنسان كما أيام آدم، فهذا ضد فكر الكتاب المقدس (فملكوت السموات ليس أكلا ًولا شرباً رو17:14) وهناك لا يزوجون ولا يتزوجون (مت30:22). ولا جوع ولا عطش (رؤ16:7) ولكن الرسول يريد أن يظهر فاعلية عمل المسيح، فالخليقة ستتجدد والإنسان سيتمجد، فهل نرتبك بألام الحياة والطبيعة لها رجاء، بل هي ستتجدد من أجلك أنت يا ابن الله.؟ ولكن نحن لن نعيش في الأرض ثانية بل في السماء، لكن الله خلق الأرض والسماء ولن يستغني عنهما بل سيكون لهما صورة جديدة. المهم أن الصورة الحالية للأرض ستختفي، ولن نعرف ماذا سوف يحدث تماماً، ولكن هناك صورة جديدة للخليقة سوف تولد وهذا معني تئن وتتمخض (آية22) ولكننا لن نحتاج لنور الشمس مثلاً، فالمسيح بنوره سينير لنا، ولن يكون هناك ليل (رؤ5:22).
العدد 22:
آية (22): "فأننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن."

بولس الرسول يصور الخليقة الجامدة علي أنها شخص وهذا قد فعله الأنبياء في العهد القديم، فهم صوروا الطبيعة كأن لها أحاسيس تعبر بها عن بركات الله في فرح وتهليل، أو تئن وتتألم مع غضب الله. وهذا ما يسمي بالتصوير الشعري أمثلة:- الأنهار تصفق بالأيادي (مز8:98) والتلال تقفز والجبال تتحرك.. المعني أن بركات الله كأنها أثارت الخليقة غير الحسية فتهللت (حب11:2 + أي38:31). ولكن هناك أحداث فعلية فغضب الله مثلاً يظهر في الطبيعة (طوفان /حريق سدوم وعمورة /إظلام الشمس يوم الصليب..). ورأينا الطبيعة تطيع الله، بل ورجال الله. فالبحر والريح أطاعا المسيح (مر39:4). والشمس والقمر أطاعا يشوع (12:10،13). بل الوحوش أيضاً كان للقديسين سلطان عليهم (دانيال ) والسواح سكن بعضهم مع الوحوش، والغربان عالت البعض. وهذا ليس قاعدة عامة بل الله يسمح بهذا ليساند الإيمان ولتأكيد عطاياه الإلهية والأمجاد المرتقبة. تئن وتتمخض= تئن بسبب فسادها والذي هو انعكاس لآلام البشر بسبب فسادهم. ولكن من وسط هذا الفساد ستولد صورة جديدة لذلك يشبه الخليقة بأم علي وشك الولادة (المخاض هو آلام الوضع) والذي سيولد هو صورة الخليقة الجديدة التي ستكون بلا نقائص (زلازل وبراكين..). فأولاد الله حينما يكونون في مجد سينعكس هذا أيضاً علي الخليقة فالخليقة كمرآة تعكس حالة أولاد الله. والله أسلمنا للباطل لنئن في آلام نتنقى بها ونتأدب حتى نليق بحالة المجد المرتقب. كما سلم الله اليهود لنبوخذ نصر ليتأدبوا، فلما عادوا، عادوا وقد شفوا من الوثنية تماماً.


العدد 23:
آية (23): "وليس هكذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح نحن أنفسنا أيضا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا."

ليست الخليقة وحدها هي التي تئن، بل نحن أنفسنا علي الرغم من أننا قد أخذنا باكورة الروح= بنوة / محبة / سلام / فرح.. إلاّ أننا بسبب الخطية التي مازلنا نعاني منها، وبسبب فساد طبيعتنا التي لم نتخلص منها كلية، وبسبب فساد العالم حولنا، مازلنا نئن خصوصاً بعد أن تذوقنا العربون، صرنا نشتهي كمال عطايا الروح في السماء. حينما تتحرر أجسادنا بالكامل من الفساد، ونحصل على كمال التبني بعد أن تقوم أجسادنا من الموت، فالمسيح بدمه أمَّنَ خلاص نفوسنا وأجسادنا لتشترك أجسادنا في مجد أولاد الله. وإن عبارة فداء أجسادنا تعني قيامة الأجساد من الموت، وبلا موت بعد ذلك. بل نقوم بأجساد ممجدة في حالة تبني كامل ( بلا خطية 1يو9:3) في فرح كامل. سيكون لنا صورة جسد المسيح الممجد (1كو42:15،53+ في21:3+ 1يو2:3).


العدد 24- 25:
الآيات (24،25): "لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضاً. ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فأننا نتوقعه بالصبر."

لأننا بالرجاء خلصنا= بدأت قصة الخلاص بميلاد وفداء المسيح وستنتهي بحصولنا علي الجسد الممجد في السماء. وبالنسبة لي تبدأ فصول عمل الخلاص بالمعمودية وتنتهي بحصولي علي الجسد الممجد. وهذا الخلاص وهذا التبني الكامل، والأجساد الممجدة هي حالات أخروية لن تعلن إلاّ في الدهر الآتي، وما نحياه الآن في قصة الخلاص نحياه بالإيمان الذي به نبدأ طريق الخلاص. وبالرجاء نبدأ نتذوق هذه البركات، وهذا العربون، فالرجاء يفتح القلب لمعاينة هذا الخلاص. ولكن دون أن نرى شيئاً محسوساً. كل ما حصلنا عليه هو عربون مثل اضمحلال الخطية في جسدنا هو عربون الحياة بلا خطية في الجسد الممجد في السماء، شهادة الروح القدس فينا بالبنوة هي عربون البنوة الكاملة في السماء. الإيمان يتطلع إلى الوعد، والرجاء يتطلع إلى الموعود به. وبعض الناس يفسرون هذه الآية أنه تم لنا الخلاص، لكن كيف؟ فلو كان الخلاص مؤكداً ما كان هناك معني للرجاء، فهل سمعنا طالب في كلية الطب يقول لي رجاء أن ادخل كلية الطب. ولو كان الخلاص مؤكداً، هل كان بولس الرسول يقول تمموا خلاصكم بخوف ورعدة (في12:2) فالخلاص بدأ ومستمر وسيكمل، لذلك يستعمل بولس فعل الماضي والحاضر والمستقبل للتعبير عن الخلاص (راجع تفسير رو9:5). ولكن قوله خلصنا أن المسيح تمم عمل الخلاص ونحن بدأنا، لكن علينا أن نكمل العمل بخوف.

الرجاء المنظور ليس رجاء= لو كان الخلاص منظوراً ما كان هناك معني للرجاء. لكننا مع وجود الرجاء (الأمل) وهذا يعطينا فرح، فهناك آلام يسمح بها الله لنَكْمُلْ ونصلح للسماء، فالعالم هو الضيقة العظيمة (رؤ14:7) ونحن نصبر بسبب الرجاء، نتحمل الألم لأن عيوننا تثبتت علي ما نرجوه والصبر هو عطية من الله أيضاً= فأننا نتوقعه بالصبر.
العدد 26:
آية (26): "وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاتنا لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها."

رأينا في الآية السابقة ان الله يعطينا الصبر لإحتمال آلام هذا العالم، بينما عيوننا مثبته في رجاء نحو الخلاص المعد في السماء. ولكن الله لا يعطينا الصبر فقط بل أرسل لنا الروح القدس ليرافقنا في خلال رحلتنا في هذا العالم وحتى نصل للسماء، ويعيننا في ضعفاتنا.

فيماذا يعين الروح ضعفاتنا:-

1. هو الروح المعزى في وسط الضيقات، لمن يشكر. ولكن من يتذمر يتقسى قلبه ويحرم نفسه من التعزيات والبركات السماوية.

2. هو روح النصح (2تي7:1) نحتاجه وسط مشاكل هذا العالم، ليعطينا نصيحة مناسبة.

3. يبكت علي خطية بأن يقنعنا علي تركها، ولو إقتنعنا يعطي قوة ننتصر بها علي ضعفات الجسد وشهواته. ثم يبكت علي بر، أي يقنعنا بعمل البر وحينما نقتنع يعطينا قوة نسلك بها في حياة البر.

4. يذكرنا دائماً بإحسانات الله فنشكره عليها، وبعقاب الأشرار المعد لهم فنخاف خوفاً مقدساً علي أبديتنا، ويذكرنا بكل تعاليم السيد المسيح ويعطينا قوة علي التنفيذ ( مثل محبة الأعداء وعدم الانتقام..).

5. يعطينا قوة نجابه بها المخاطر، ويعطينا كلمة أمام الملوك والرؤساء.

6. إن توانينا في عبادة الله وتكاسلنا فهو ينشطنا ويشدد عزيمتنا.

7. هو يعطينا ما نصلي به (هو1:14،2) فالروح يعطينا كلاماً نقوله لله وإذا طلبنا طلبات ليست في مصلحتنا أو لا يوافق الله عليها.. أمثلة (طلب بولس الشفاء لنفسه وهذا ليس في مصلحته/ طلب خيرات زمنية قد تبعدنا عن الله/ طلب مجد كطلب ابني زبدى أو طلبهم ناراً تحرق من رفضوا المسيح ظناً منهم أن هذا يمجد الله والله لا يرى أن هذا يمجده/ قد يطلب أحد الرهبنة وهذا ليس طريقة..) يكون دور الروح القدس أن يقنع المؤمن أن ما يطلبه ليس بحسب مشيئته ( أقنعتني يا رب فإقتنعت (أر7:20 + إن طلبنا شيئاً بحسب مشيئته فإنه يستجيب لنا (1يو14:5). بل قد يقنعني الروح القدس بما يريده الله فأطلبه، أو يقنعني بأن طلبي ليس في مصلحتي فأتخلى عنه. عموماً سواء هذا أو ذاك سأصلى من قلبي لتكن مشيئتك.

الروح أيضاً يعين ضعفاتنا= ولكنه كمن يرى رجلاً يحمل حملاً فيتقدم ليعينه. فالروح لن يعين سوى من يحاول ويجاهد في العمل. لا أن نجلس كسالي نطلب المعونة ونتوقع أن الروح القدس يتمم كل شيء. فبدون الله لا نقدر أن نفعل شئ. وبدوننا لا يريد هو أن يفعل شيء. ولنلاحظ أنه يعين حتى في أتفه الأمور ويقوينا ويشدد قوانا الطبيعية الضعيفة. وكلمة يعين في أصلها اليوناني هي "يساعد مع" فالروح لا يعين من لا يرفع يده بالصلاة فمعونة الروح متوقفة علي إرادة وجهاد وتغصب الإنسان في الصلاة، فمن يغصب نفسه يعينه الروح بأن يعطيه لذة في الصلاة.

لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله= لاحظ أن المتألم يصلي لكي تحل مشكلته أو يشفي من مرضه، آية25 انتهت بأننا نصبر وسط آلام هذا العالم وآية26 رأينا فيها الروح القدس يعين ضعفاتنا. ثم نسمع عن الصلاة وسط الألم فكيف يعين الروح القدس من يصلي؟ الروح يرشد من يصلي عن طريق الإقناع مثلاً كما حدث مع بولس أن الشفاء ليس في مصلحته وانه ضد إرادة الله التي هي الخير بالنسبة له، فهو صانع خيرات. ولكن نحن لا نعلم هذا الخير، ولا نعلم ما يجب أن نطلبه في صلواتنا. فهناك قديسون صلوا ليس بحسب مشيئة الله، فبولس صلي طالباً أن يري روما، وموسى اشتهي أن يري فلسطين. وأرمياء طلب عن اليهود، وصموئيل عن شاول وابراهيم عن سدوم، هنا نجد قلوب مقدسة تحب الآخرين، ولكنهم لا يعرفون ما يصلون لأجله، وقد نصلي لأمور ضد خلاصنا، كما صلي بولس حتى تنزع منه الشوكة (المرض). حسناً قال السيد المسيح ليعقوب ويوحنا "لستما تعلمان ما تطلبان" فغموض المستقبل يجعلنا لا نعرف ما نصلي لأجله، ونصلي لأجل طلبات قد يكون فيها ضرر كبير لنا.

وعمل الروح القدس في داخلنا أنه يقودنا في الصلاة ليعطينا ماذا نقول ويقنعني بإرادة الله أو بأن ما أطلبه ليس في مصلحتي فاسلم بإرادة الله، وقد يبدأ الإنسان صلاته بأن يطلب طلب ما، ومع استمرار الصلاة يقنعه الروح القدس بقبول إرادة الله فيقول لتكن مشيئتك، وحين يسلم الإنسان أموره لله يصير مقبولاً أمام الله. فالصلاة لا تغير مشيئة الله بل هي تغير مشيئتي بعمل الروح القدس حتى تتطابق مشيئتي مع مشيئة الله. ولكن حتى نسمع صوت الروح القدس مطلوب أن نهدأ ونسكت لنسمع. لا تتكلم طول الوقت أثناء الصلاة، بل إهدأ لتسمع صوت الروح القدس. يقول السيد المسيح "كل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه" (مت22:21). فهل لو طلبت شيئاً خطأ، أو ليس في مصلحتي يعطيه الله لي؟ لا. لكن علينا أن لا نتعامل مع آية واحدة. وضع أمامك هذه الآية "وهذه هي الثقة التي لنا عنده إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا" (1يو14:5). فالله لن يستجيب إلا لو كانت صلاتنا متطابقة مع مشيئته. وكيف نعرف مشيئته؟ هذا هو عمل الروح القدس الذي يقنعني بالتسليم الكامل له. وبهذا أصير مقبولاً لدي الله. وهذه هي شفاعة الروح القدس. فحينما نقول أن المسيح شفيع لنا لدي الآب (1يو1:2)، فهذا ليس معناه أن المسيح يطلب من الآب عنا، فهذه شفاعة توسلية وهذا عمل السمائيين، أما المسيح فشفاعته كفارية، بمعني أننا بسبب خطايانا فنحن غير مقبولين أمام الآب، لكن المسيح غطانا بدمه (كَفَّرَعنا) فصرنا مقبولين أمام الآب. وبنفس المنطق فإختلاف مشيئتي عن مشيئة الآب يجعلني غير مقبول لديه، أمّا الروح القدس الذي يقنعني بأن أسلم مشيئتي للآب فهو بهذا يجعلني مقبولاً لدي الآب، وبهذا فهو يشفع فيّ لدي الآب= الروح نفسه يشفع فينا. بأنات لا ينطق بها : الذي يئن هو أنا فالروح لا يئن، فالروح يضع فينا مشاعر حب وشكر لله واشتياق وحنين للسماء، ويعطينا ما نقوله في الصلاة. والروح لا يخلق البلاغة والفصاحة في صلواتنا بل الاشتياق لله. والنفس قد تكون متألمة بسبب تجربة تلم بها ويقف صاحب التجربة ليصلي، ويعطيه الروح أن يضع كل ثقته في الله الذي يحبه بالرغم من التجربة، بل أن التجربة هي طريقه للسماء، ويلتهب قلبه بالحب لله ولا يجد ما يعبر به نحو الله، يعبر به عن مشاعره، لا يجد كلمات تعبر عن هذه المشاعر فيئن. والله يسمع هذه الأنات التي تعبر عن تجارب النفس مع الروح القدس. الله يسمع هذه الأنات المقبولة (آية 27) كما سمع صراخ موسى دون أن يصرخ ودون أن يتكلم كلمة (خر15:14) وسمع صراخ إسمعيل في عطشه دون أن يفتح فاه (تك17:21) وسمع أنات أم صموئيل (1صم13:1)، والله يسمع أي يعرف من يتجاوب مع الروح القدس. وفي آية27 "نسمع بحسب مشيئة الله" فعمل الروح القدس يجعل مشيئتي تتطابق مع مشيئة الله. ونلاحظ أن هذا هو ما حدث مع المسيح. ففي وقت التجربة أصرخ لله أياماً وشهور والروح القدس يقنعني خلال كل هذه المدة أن أسلم مشيئتي لله. وكلما تقدم الإنسان روحياً يختزل هذا الوقت جداً. ومع المسيح إختزل هذا الوقت إلى لا شيء يذكر، ولاحظ صلاة المسيح "إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". وكما اختزل الوقت بين طلبتي وبين تسليم مشيئتي بالكامل لله كلما ارتفعت قامتي روحياً. فالمؤمن يبدأ صلاته وهو مُصِّرْ علي طلب ما وينهي صلاته وقد سَلَّمَ الأمر تماماً ليدي الله في ثقة ويذهب وقلبه مملوء سلاماً. والروح يشفع فينا أي يعطينا أن نكون مقبولين أمام الله فتنسكب فينا بركاته ومنها السلام الذي يملاً القلب فمعني أن الروح يشفع هو أنه يجعلنا نتصل بالله بطريقة صحيحة (والاتصال هو الصلاة) .
العدد 27:
آية (27): "ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين."

الذي يفحص القلوب= الله هو فاحص القلوب والكلي (رؤ23:2) أي هو عارف بكل ما في قلبي. يعلم ما هو اهتمام الروح= الروح القدس هو الذي يعطي الإقناع كما قلنا بشيء معين. وهو وحده الذي يعرف هل اقتنعت قلبياً بما حاول أن يقنعني به أم لا. لأنه حسب مشيئة الله يشفع. أي أن الروح القدس يحاول مع الإنسان الروحي أن يغير قراره في الصلاة، ويغير طلبته لتتطابق مع مشيئة الله وهذه هي الشفاعة فصلاتي لن تغير مشيئة الله، بل تغير مشيئتي لتتطابق مع مشيئة الله فأصير مقبولاً لدي الله. يشفع في القديسين= عمل الروح القدس هذا لن يجدي مع الإنسان الجسداني فهذا لا يسمع أصلاً للروح القدس.

ملحوظة: ليس المهم أن نتكلم كثيراً في الصلاة بل أن نتسمع صوت الروح القدس في داخلنا، ونئن بما يمليه علينا.


العدد 28:
آية (28): "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده."

نعم إننا نئن ولكننا من ناحية أخرى نعلم أنه بالنسبة لهؤلاء الذين يحبون الله فإن كل شيء يتعاون ويتضافر ويعمل معهم من أجل خيرهم وصلاحهم ولبنيان نفس المؤمن الحقيقي. حتى ما نراه من أمور معاكسة أو مضادة، وحتى المؤلم منها (كشوكة بولس الرسول) فهي تعمل لأجل خلاص نفس المؤمن. وهذه الآية متعلقة بالسابقة. فالروح يقنعني في وقت ضيقتي بأن ما يحدث في حياتي فهو للخير فأقول لتكن مشيئتك. نحن نعلم= أي هذه أمور بديهية لا تحتاج إلى إثبات أن الله صانع خيرات، ولا يستطيع أن يعمل شراً لأولاده. وحتى ما أراه شراً فالله قادر أن يخرج من الجافي (الألم) حلاوة (خلاص نفس1كو22:3).

تعمل معاً= الشيء وحده قد يبدو سيئاً وغير مفهوم بسبب غرابته وقسوته (نقصد الألم) ولكن حينما يضاف إلى الأعمال الأخرى والظروف الأخرى التي أتت والتي سوف تأتى فإن كل هذه الظروف معاً تعمل لأجل هدف واحد، تعمل للخير بإنسجام، وما هو الخير= خلاص نفسي.

أمل علمي لشرح الآية :-

حينما تؤثر عدة قوي علي جسم يتحرك هذا الجسم في إتجاه محصلة القوي. وهذه لها طريقة لحسابها والمؤمن الذي يحب الله يتعرض لمجموعتين من القوي:-

الأولى= أعمال إحسانات الله وخيراته الزمنية والروحية.

الثانية= أعمال مقاومات إبليس والتجارب والضيقات ولكنها بسماح من الله (قصة أيوب)

وإحسانات الله هدفها جذب المؤمن لله. وإبليس حين يهاجم بتجاربه فهو يقصد أن يبعد الإنسان عن الله، لكن الله يسمح بها لينقي المؤمن:-

1. شوكة بولس هي من إبليس..... والله سمح بها ليحميه من الكبرياء (2كو7:12).

2. آلام أيوب كانت من إبليس..... والله سمح بها ليشفيه من بره الذاتي.

3. خاطئ كورنثوس حَكَمَ عليه بولس بان يُسلم للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع (1كو4:5).

لاحظ أن إبليس يوجه ضرباته وتجاربه للمؤمن حتى يتذمر علي الله ولكن الله في محبته يسمح بهذا من أجل خلاص نفس المؤمن. وكل الأمور التي تجري في حياتي هدفها أن أسير في إتجاه (المحصلة) وهي لها إتجاه واحد هو خلاص نفسي، هو الخير دائماً لمن يحبون الله.

مثال: لو كانت كل عطايا الله خيرات زمنية (مال /صحة /أمجاد زمنية ..) لتعلقنا بالأرض ولرفضنا فكرة الموت. ولو كانت عطايا الله كلها خيرات روحية (تلذذ بالصلاة /مواهب شفاء..) لإتتفخ الإنسان وتكبر ولفقد خلاص نفسه. لذلك نقول. أن إبليس هدفه من التجارب التي يصيب بها المؤمن أن يفصله عن الله، والله يسمح بها فهو وحده الذي يعلم ما الذي يحتاجه الإنسان ليخلص، وهو وحده الذي يعلم كيف يحمي أبنائه من أي انحراف حتى لا يهلكوا. والله وحده هو الذي يعلم تفسير كلمة معاً كيف يوجه الإحسانات والتجارب كليهما في اتجاه خلاص نفس أحباؤه. لذلك يوجه الشيطان ضرباته ليفصل المؤمن عن الله، والله يستهزئ به ويضحك عليه، إذ أنه بهذا يتمم ما أراده الله بالضبط (مز1:2-4) وحتى وقت الضيق فالله لا يترك أولاده وحدهم، بل يعطيهم تعزيات ليجتازوا الضيقة بسلام "شماله تحت رأسي (الضيقات) ويمينه تعانقني (تعزياته)" (نش3:8) "عند كثرة همومي في داخلي تعزياتك تلذذ نفسي" ( مز19:94).

الذين يحبون الله= أمّا الذين لا يحبون الله فهناك قانون آخر يحكمهم هو "ملعونة الأرض بسببك" فهم يعانون ويتألمون بلا فائدة كثمرة لخطاياهم، وبسبب لعنة الأرض.

وما يفسد عمل الله هو التذمر علي ما يسمح به الله، فهذا قد يوقف التدبير الإلهي، بل قد يرفع الله عن الإنسان التجربة التي كانت لخلاص نفسه ولبنيانه، ويرتد المتذمر إلى مشيئة نفسه، وتتخلى عنه العناية الإلهية. ويضيع من أمامه طريق الترقي لبلوغ القصد الإلهي الأسمى. فكل ما نراه في حياتنا من الأمور التي يقال عنها شر، هي إمّا تفطمنا عن العالم أو تقربنا للسماء وتؤهلنا لها. ونلاحظ في (حز13:10) أن كل البكرات (الظروف التي تؤثر في حياتنا ومصيرنا) كأنها بكرة (يعني وحدة الهدف والتناسق والإنسجام والتعاون معاً) والهدف الواحد لمن يحبون الله هو خلاص نفوسهم. الذين هم مدعوون= الذين يحبون الله، قد دعوا واختيروا بحسب علم الله السابق. حسب قصده= قصد الله نراه في آية29 "ليكونوا مشابهين صورة ابنه". فإن كان الله قد دعاهم وهذا هو قصده فكيف لا تعمل كل الأمور من أجل صالحهم وخيرهم.
العدد 29:
آية (29): "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين."

سبق فعرفهم= إذاً إختيار الله ودعوته ليسا عن محاباة، بل هو يعرف من سيقبله كمخلص، ويقبل دعوته، وبمعرفة الله الكاملة عرف استحقاقاتهم. سبق فعينهم= عينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه= أي يكتسبوا نفس الصورة الروحية والأخلاقية التي للابن. المسيح شابهنا في موتنا لنشبهه في حياته. نشبهه في صفاته وقداسته، بل ومجد حالة ابن الله. إذاً هو الذي يدعو وهو الذي يبرر، وهو الذي يمجد ولكن ليس في سلبية من جهتنا. فالله يدعو الكل (1تي4:2) ولكن قد يريد الله ولا يريد الإنسان فلا تكمل إرادة الله "أنا أردت.. لكنكم لم تريدوا" (مت37:23). فماذا نعمل لنشابه صورة ابنه؟

يقول بولس الرسول في (رو2:12) "تغيروا عن شكلكم.. ولا تشاكلوا هذا الدهر" إذاً بقدر ما نتغير عن شكل هذا الدهر نتشكل كأبناء لله، نشبهه في قبوله للألم والصليب، وفي قداسته وطهارته ورفضه للخطية فنشبهه في عدم موته. إذاً من تم اختيارهم، أختيروا للقداسة أي لمشابهة المسيح، فليس هنا مجال لأن يقول أحد طالما أنا مختار فلأخطئ كما أريد (2تس13:2). ونحن قد وُلدنا علي صورته في المعمودية بموت العتيق فينا وقيامة الجديد مع المسيح.. وعمل الروح القدس فينا أن يُصوِّر المسيح فينا (غل19:4). فنحن نتغير إلى صورة المسيح المتألم علي الأرض لنأخذ صورة جسد مجده في السماء (2كو18:3+ كو10:3+ 1كو49:15+ في21:3+ 1يو2:3).

ليكون بكراً بين إخوة كثيرين= [1] بكر أي هو الابن الوحيد القدوس للآب، هو عقل الله وحكمته (1كو24:1). هو به كان كل شيء وبغيره لم يكون شيء ممّا كان (يو3:1) فهو أول ومؤسس الخليقة كلها.

[2] كلمة بكر تعني فاتح رحم أمه العذراء ولا تعني بالضرورة وجود إخوة يكون هو بكراً لهم. [3] هو بكر الخليقة الجديدة مات وقام، ونحن بالمعمودية نموت ونقوم معه، فنحن ندخل الخليقة الجديدة به وفيه (كو15:1). فهو مؤسس وأول الخليقة الجديدة. وهو السابق لنا في دخول السماء في الأمجاد، هو أول من دخلها. هو البكر لأنه هو الأول كإبن لله ونحن تاليين له باتحادنا به وتشابهنا معه في صورته.
[4] هو بديل آدم البكر، بكر الخليقة، فالمسيح صار آدم الأخير ونحن صرنا أبكاراً باتحادنا بالمسيح. صرنا وارثين كأبكار (عب23:12). [5] هو بديل إسرائيل ابن الله البكر، فلقب البكر انتقل إليه، إذ فقد إسرائيل بكوريته بسبب خطيته. وكذلك فإسرائيل حمل لقب البكر لأن المسيح سيأتي منه ويصير هو البكر الحقيقي وسينوب عنه.
العدد 30:
آية (30): "والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضاً والذين دعاهم فهؤلاء بررهم أيضاً والذين بررهم فهؤلاء مجدهم أيضاً."

سبق فعينهم= هو يُعَيِّنْ الذي يعرف أنهم يقبلون نعمته في كمال حريتهم. كما قال الله لأرمياء "قبلما صورتك في البطن عرفتك" ("ر5:1). دعاهم= بواسطة الكرازة للإيمان والآن هذه الدعوة هي دعوة داخلية ومن يقبلها يتبرر ومن يتبرر يتمجد.
العدد 31:
آية (31): "فماذا نقول لهذا إن كان الله معنا فمن علينا."

فماذا نقول لهذا= هذه كلمة تعجب. فأشياء العالم متي عرفناها ينتهي تعجبنا، أمّا محبة الله فكل ما نعرفها نزداد عجباً. إن كان الله معنا= يسكن فينا روحه القدوس ومتحدين بالمسيح، فالله يساندنا، يحفظنا ويحرسنا هو في صفنا. فمن يمكنه أن يعمل ضدنا، ولا حتى الشيطان يقوي علي هذا. فمن علينا= لا أحد يستطيع أن يؤذينا طالما نحن في حمايته وحصانته. بل إن كان الله معي فحتى الأمور التي هي ضدي تتحول لحسابي. إن سلبت مال المؤمن تصير بالأكثر صرافاً لمكافأته، وإن تحدثت عنه بشر يُحسب هذا الشر مصدر بهاء جديد في عيني الله، وإن حرمته من الطعام أشبعه الله من تعزياته، وإن قدمته للإستشهاد فسينعم بإكليل الحياة الأبدية.


العدد 32:
آية (32): "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء."

إن الله الذي وهبنا إبنه الوحيد وقدمه للموت من أجلنا، كيف لا يهبنا معهُ جميع العطايا والنعم التي يحتاجها خلاصنا. إن كان الله قد وهبنا المسيح فكيف لا يهبنا معه كل ما نحتاجه لكي يتحقق خلاصنا. وإن كان الله بذله عنا ونحن أعداء، فهل يحجب الخلاص الآن عن التائب. ولكن مازال إبليس يخدع البعض كما فعل مع الأخ الأكبر للإبن الضال، الذي إشتكي من أن أبيه لم يعطه جدياً بينما الميراث كله له، فمازال إبليس يصنع نفس الشيء معنا ويصور لنا أن الله لا يحبنا إذ قد حرمنا من أشياء مادية (مال /صحة /مركز /ترقية..) ونبدأ نشتكي مرددين ما وضعه الشيطان في أذاننا من شكوي علي الله. والرسول هنا يتعجب من هذا!! هل نتخاصم مع من أعطانا إبنه! هل نشتكي أنه لم يعطنا كذا وكذا وهو أعطانا إبنه لنحصل بهذا علي ميراث السماء! هل من أعطانا إبنه يبخل علينا بأي شيء يكون فيه فائدة لنا! لكن لنفهم أنه يهبنا كل شيء يعدنا للسماء، أما ما يبعدنا عن السماء فلن يعطيه لنا لمحبته لنا. وهذا الإيمان بمحبة الله وهذا الفكر بأنه يعطينا ما يجعلنا نصل للسماء سيعطينا النصرة علي الآلام والمضايقات. بعد هذا الحب يجب أن نقبل أي صليب، بل نطلب أن نرتفع بصليبنا إلى الأحضان الأبوية. ولا نطلب شيئاً آخر، فنحن أمام هذا الحب وبسبب خطايانا نخجل أن نطلب أي شيء.
العدد 33:
آية (33): "من سيشتكي على مختاري الله. الله هو الذي يبرر."

الشيطان هو المشتكي (رؤ9:12،10) الله هو الذي يبرر= أي يمنح أولاده بره الخاص أي نعمته المجانية. حينما يبرر الناس أنفسهم تبقي الشكوى قائمة، ولكن حين يبرر الله يستر تماماً، وتبطل كل شكوي، الله يغفر تماماً كل خطايا الذين بررهم.


العدد 34:
آية (34): "من هو الذي يدين المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا."

نحن هنا أمام صورة محكمة.. المتهم هو أنا.. الذي يدين (القاضي) وهو المسيح فالآب أعطى الدينونة للإبن (يو22:5) والذي يشتكي (المدَّعي /النيابة) هو الشيطان (رؤ9:12،10). الذي يشفع فينا (المحامي) هو أيضاً المسيح الذي مات عنّا وقام، فلو لم يقم لكنا قد بقينا حيث نحن، وهو ممجد عن يمين العظمة الإلهية ويتشفع أمام الله لأجلنا. فحبيبنا الذي يشفع فينا هو نفسه القاضي الذي يديننا. الذي يحكم علينا هو نفسه الذي غسلنا بدمه. هذا المشهد جعل بولس الرسول ينشد نشيد المحبة الآتي.


العدد 35:
آية (35): "من سيفصلنا عن محبة المسيح أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف."

أمام كل ما عمله المسيح من تجسد وفداء وألام لتبريرنا وإرسال الروح القدس وإعطائنا ناموس روح الحياة لم يجد في نفسه إلاّ تسبحة الحب هذه ليرد الحب بالحب. من سيفصلنا عن محبة المسيح= محبتنا نحن للمسيح. أشدة أم ضيق= ظهر هذا في تسليم الشهداء أنفسهم للموت حباً في المسيح. (لما أتى الجنود ليحرقوا القديس بوليكربوس وجاءت له فرصة للهرب، طلب منه شعبه أن يهرب، فقال، المسيح كان معي 86سنة لم أرى فيها منه خيانة فهل أخونه أنا الآن بعد 86سنة). الشدائد موجهة لنا حتى نترك المسيح، ولكن الروح القدس يسكب محبته فينا لله فنجوز في الضيقات التي تفرض علينا كل يوم منتصرين بسبب هذه المحبة. لم تعد الضيقات ولا الآلام تحطم النفس بل سبباً لدخول موكب الغلبة والنصرة تحت قيادة المسيح المتألم.


العدد 36:
آية (36): "كما هو مكتوب أننا من أجلك نمات كل النهار قد حسبنا مثل غنم للذبح."

هذه الآية مأخوذة من (مز22:44) كل النهار= يعني كل الزمان الذي نحياه ونتألم فيه. نمات= قد تعني موتاً نحن معرضون له من أعداء المسيح بسبب تمسكنا بالمسيح، وهذه الصورة لأننا نحن نتعرض علي الدوام للمخاطر والموت من الذين يضطهدوننا وينظرون إلينا كأننا غنم معدة للذبح= حسبنا مثل غنم. وقد تفهم علي أننا نقدم أنفسنا كذبائح حية في خدمة، وأصوام وصلوات غير مبالين بآلام الجسد بل نخدم الله حتى النفس الأخير.


العدد 37:
آية (37): "ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا."

يعظم انتصارنا= في ترجمة أخرى "أعظم من منتصرين". هذه طريقة غريبة للانتصار تشبه إنتصار المسيح، الذي إنتصر علي الرياسات بالصليب. طريقة العالم في الانتصار هي الانتصار بالنار والسيف، أمّا طريق المسيحي في الانتصار هي عن طريق احتماله النار والسيف بإيمان وصبر، بل بهذا يصبح أعظم من منتصر، فكل ما يكسبه منتصر في معركة عالمية يخسر أمامه شيء، أمّا نحن فماذا نخسر؟! بعض الآلام.. ولكن هذه الآلام هي النار التي تنقي الذهب. حتى خسارة الجسد فهي ليست خسارة فهو تراب وأرضي. فالخسائر قليلة جداً والمكاسب ثقل مجد أبدي ومجد وكرامة وسلام هنا علي الأرض. إن من يحاربنا يحارب الله نفسه.

تأمل في الحسد:- هل نخاف من الحسد؟ حسد الناس لا يضر لأنني محفوظ في يد الله. (يو11:17،12). فمن يحفظه الآب والابن هل يقدر أحد أن يؤذيه. ولكننا نصلي في صلاة الشكر.. "كل حسد وكل تجربة وكل فعل الشيطان" فكل نعمة نحصل عليها تزيد حقده ضدنا، ويدبر المؤامرات ضدنا والله يسمح بهذا ولكن نخرج من هذه المؤامرات بمكاسب عظيمة، وما يشرح هذه الفكرة ما حدث مع الملك يهوشافط راجع القصة في (2أي20) فهو لقداسته أهاج الشياطين التي أهاجت أعداؤه ضده، لكن ماذا كانت نتيجة المؤامرة؟! غنيمة عادوا بها وظلوا ينقلونها عدة أيام هذا معني أعظم من منتصرين. ولكن نحن بتواضع نقول لله "لا تدخلنا في تجربة"، أمّا لو سمح الله بتجربة فسنعود أعظم من منتصرين وهكذا تواضع الأنبا أنطونيوس أمام الشياطين.
العدد 38- 39:
الآيات (38،39): "فأني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة. ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا."

لا موت ولا حياة= صار الموت غير مخيف فهو انتقال إلى أحضان القديسين في رفقة الملائكة. فأهوال الموت أو ملذات الحياة غير قادرة أن تفصلنا عن محبة المسيح. لن ننفصل عنه لا في هذه الحياة ولا بعد الموت. ولا ملائكة ولا رؤساء ولا ..= الرؤساء والقوات هم رتب للملائكة. والملائكة نوعان: [1] أبرار وهؤلاء لا يريدون أن يفصلونا عن محبة المسيح. [2] أشرار وهم الشياطين وهؤلاء لا يقدرون أن يفصلونا. الأبرار يفرحون بتوبتنا والأشرار مقيدين بالصليب. ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة= فالله ضابط الكل، حياتي في يده وهو يحبني وفداني. ولا علو= علو النجاح والرخاء والمجد الكاذب (لأنه غير دائم) والمناصب. ولا عمق= عمق الشدائد والخزي والعار. وقد يشير العلو لما في السماء من عواصف وأنواء. وقد يشير العلو لما في السماء من عواصف، والعمق لما في أعماق البحار أو أعماق السجون. لا شيء يرفعنا إلى فوق أو ينزل بنا إلى اسفل قادر أن يفصلنا عن محبة المسيح. ولا خليقة أخرى= حتى إن وجدت خليقة أخرى لا نعرفها فلن تقدر علي هذا محبة الله التي في المسيح يسوع= ثباتنا في المسيح هو الذي أعطانا هذه المحبة لاشيء إذاً يفصلنا عن محبة الله.. إلاّ شيء واحد.. الخطية بلا توبة. فالخطية تطفئ الروح القدس الذي يسكب الحب فيَّ، وتنطفئ حواسي الروحية فلا أعود أرى المسيح، وبالتالي أفقد محبته. الروح القدس الذي قال عنه الرسول أنه يسكب محبة الله في قلوبنا (رو5:5) هو الذي سكب كل هذا الحب في قلبه.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى