تفسير رسالة كورنثوس الأولى - الأصحاح 8 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1:
آيه 1 :- و اما من جهة ما ذبح للاوثان فنعلم ان لجميعنا علما العلم ينفخ و لكن المحبة تبني.

لجميعنا علماً = جميعنا نعلم أنه ليس إله آخر سوى الله، وأنه لا وثن. وبالتالي فإن أكل هذه اللحوم لا يؤثر علينا في شئ. فالأوثان عاجزة عن تقديس أو تدنيس الذبيحة لأنها، أي الأوثان، غير موجودة بالمرة. وما ذبح هو خليقة الله، يمكن أن نأكلها أياً كان مصدرها. العلم ينفخ = العلم الخالي من المحبة يصبح بلا قيمة وكانَّ صاحبه مملوء هواء، فهو يملأ النفس كبرياء وغرور. ولكن المحبة تبنى = تبنى الإنسان ليحيا ويرتفع سماوياً، وكل يوم يعرف عن الله أكثر ويدخل إلى أعماق أكثر. ومن له العلم والمحبة يبنى الآخرين في علاقتهم بالله. أما المعرفة بدون محبة للضعفاء إيمانياً، تجعلهم يتعثرون، ومعرفة دون محبة تقود للكبرياء. والكبرياء سيهدم علاقتنا بالله وبإخوتنا (رو 14 : 3 – 22). إما إذا أرتبط العلم بالمحبة فإنه يسخر ذاته لخدمة الآخرين، لكن العلم الكثير مع الكبرياء فقد قاد لهرطقات كثيرة.


العدد 2:
آية 2 :- فان كان احد يظن انه يعرف شيئا فانه لم يعرف شيئا بعد كما يجب ان يعرف.

فإن كان أحد يظن أنه يعرف شيئاً = أي يعرف عن الله معرفة عقلانية

فإنه لم يعرف شيئاً بعد كما يجب أن يعرف = فالله محبة ولا يمكن أن نعرفه سوى بالمحبة، أمّا العقل فيقف عاجزاً أمام الله اللانهائي. والمعرفة البشرية ناقصة ومعرضة للخطأ، ومهما علمنا فنحن نعلم بعض العلم (1كو 13 : 8، 9).


العدد 3:
آية 3 :- و لكن ان كان احد يحب الله فهذا معروف عنده.

من يحب الله = فهو مقرب إليه، محبوب لديه بغض النظر عن كونه عالماً أم جاهلاً، الله يُسَّرْ به ويختاره لمجده = معروف عنده = المحبوب من الله والله يكشف له أسراره، هذا يقال عنه معروف عنده. أمّا الخطاة فسيقول لهم الله إذهبوا عنى لا أعرفكم (مت 7 : 21 – 23). والمحبة تجعل الإنسان أكثر قرباً من الله وبالتالى فروح الله يملأه ويرشده للمعرفة الحقيقية (غل 4 : 9) " أما الآن فَعَرَفْتُمْ الله بل بالأحرى عُرِفْتُمْ من الله ". فمن يحب الله معروف عنده، أي أن الله عرف قلبه وأنه متجاوب معه، ويحاول التقرب منه، فيعطيه الله أن يعرفه إذا طلب من الله أن يعرفه " اسألوا تعطوا... " فالله يريد أن يكشف ذاته لنا وأن نراه في مجده. والله أعطانا روحه الذي يفحص كل شئ حتى أعماق الله (1كو 2 : 10) وبهذا نفهم أن العلم الذي يعطيه الله هو ثمرة من ثمار المحبة، والمحبة ثمرة للروح القدس (غل 5 : 22). إذن العلم هو ثمرة لفاعلية الروح القدس.


العدد 4:
آية 4 :- فمن جهة اكل ما ذبح للاوثان نعلم ان ليس وثن في العالم و ان ليس اله اخر الا واحدا.

إذاً ما قدموه للأوثان لا شئ فيه من معنى الديانة، فلا إله آخر سوى الله، فلا تفترضوا أن هذه الذبائح قدمت لإله آخر غير الله، فليس غير الله إله. وبالتالى فلا فرق بين لحوم هذه الذبائح وباقي الأطعمة.
العدد 6:
آية 6 :- لكن لنا اله واحد الاب الذي منه جميع الاشياء و نحن له و رب واحد يسوع المسيح الذي به جميع الاشياء ونحن به.

الآب أوجد كل شئ بالرب الواحد يسوع المسيح بحسب كون المسيح هو حكمة الله. ونحن له = خلقنا لنمجده. ونحن به = هو خلقنا وفدانا كلنا. ولا يستطيع أحد أن يقول أن المسيح رب إلاّ بالروح القدس (1كو 12 : 13). فالروح القدس عمله الآن أن يشهد فينا للإبن


العدد 7:
آية 7 :- و لكن ليس العلم في الجميع بل اناس بالضمير نحو الوثن الى الان ياكلون كانه مما ذبح لوثن فضميرهم اذ هو ضعيف يتنجس

ليس العلم فى الجميع = ليس الجميع يعرفون هذه الحقيقة أن الله واحد ولا آلهة سواه، و بالتالي يمكننا أن نأكل مما ذُبِحَ للأوثان. بل أناس بالضمير نحو الوثن هؤلاء هم الذين مازالوا يظنون أن الوثن إلهاً. فضميرهم إذ هو ضعيف = ضعيف هنا تعني نقص المعرفة، فضميرهم يبكتهم إذ هو ضعيف أنهم أكلوا مما ذُبِحَ لوثن كأنه ذُبِحَ لإله أخر يتنجس = إذا أكل بهذا الشكل فكأنه يقدم عبادة للوثن فعلاً، لأنه يظن ذلك. فمن يأكل بعكس ما يمليه عليه ضميره فهذا خطية لهُ حتى لو لم يكن خطية.


العدد 8:
آية 8 : - و لكن الطعام لا يقدمنا الى الله لاننا ان اكلنا لا نزيد و ان لم ناكل لا ننقص.

الطعام لا يقدمنا إلي الله = لماذا تصرون علي أكل هذه اللحوم مع أن فيها معثرة للضعفاء، إن أكلنا لن يزيد فضائلنا بل يعثر إخوتنا. لأننا إن أكلنا لا نزيد = لا تقربنا الأطعمة لله كما يعتقد الوثنيون ولن تزداد فضائلنا بالأكل. و إن لم نأكل لا ننقص = لا ننقص قبولاً إذا لم نأكل منها، لن ينقص رضي الله علينا إذا امتنعنا عن أكلها، بل بالعكس فامتناعنا سيرضي الله إذ قد راعينا أن لا نعثر إخوتنا. وملكوت الله ليس أكلاً و شرباً (رو 14 : 17). بل هو روحاني فيه البر والسلام والفرح. وهذه الآية لا نفهم منها الامتناع عن الصوم فالصوم :-

1- هو الطريق الذي رسمه السيد المسيح مع الصلاة لنهزم الشياطين (مت 17 : 21)

2- والسيد المسيح نفسه صام 40 يوماً وبولس صام كثيراً (2كو 11 : 27)

3- السيد قال حين يُرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الأيام (لو 5 : 35)

4- هو طريق لقمع الجسد واستعباده (1كو 9 : 27). فالجسد يشتهى ضد الروح (غل 5 : 17). فلكي تنطلق الروح لتتذوق السمائيات فنحن نقمع جسدنا.

5- هو وسيلة نشترك بها مع المسيح في صليبه، هو وسيلة لقبول صليب مع المسيح فهل لا أترك طعاماً أحبه لمن أخلى نفسه لأجلى آخذاً صورة عبد وصلب عنى.

6- هو طريقة لتقوية الإرادة، ففي أصوامنا لا نهتم فقط بالإمتناع عن أكل معين أو الجوع، بل أ) بترك كل شهواتنا وملذاتنا ب) التقرب لله فليس الأكل هو الذي يقدمنا أو يؤخرنا، بل هو قمع لملذاتنا، لذلك فمن يصوم وهو مستمر في شهواته، أو دون أن يصلى فكأنه لم يصم. ولو كان هناك إنساناً مريضاً فان إفطاره لن يقلل من شأن حياته الروحية.


العدد 9:
آية 9 :- و لكن انظروا لئلا يصير سلطانكم هذا معثرة للضعفاء.

يصير سلطانكم = أي علمكم بأن صارت لكم حرية في المسيح أن تأكلوا أي شئ دون أن تتنجسوا، وهذا ما عَلّمَ به السيد المسيح أن ما يدخل الفم لا ينجسه، بل ما يخرج من الفم هو الذي ينجس. معثرة للضعفاء = الذين يمتنعون عن الأكل لأن ضمائرهم تحرمهم مما ذبح لوثن يعتقدون أنه إله، إذ هم سيعتقدون أنكم تعبدون إله آخر ويتشككون. وربما ذهبوا ليعبدوه.


العدد 10- 11:
آيات 10، 11 :- لأنه ان راك احد يا من له علم متكئا في هيكل وثن افلا يتقوى ضميره اذ هو ضعيف حتى ياكل ما ذبح للاوثان. فيهلك بسبب علمك الاخ الضعيف الذي مات المسيح من اجله.

يتقوى = يتجاسر. لأنه إذا حدث أن أحداً من ضعاف الإيمان (الذي لا يعرف ولا يفهم) رآك أنت يا من لك علم وأنت متكئ في أحد الهياكل الوثنية، وحيث أن هذا الإنسان يثق في علمك وفى معرفتك فإنه سوف يتقدم ليأكل هو أيضاً مما ذبح للأوثان، ولكنه سيأكله كما لو كان شيئاً مقدساً، وهكذا فإن ضعيف الإيمان سيغير نظرته من ناحية الوثن وسوف ينظر إليه نظرة مقدسة، ويمكن على ذلك أن ينحرف لتيار العبادة الوثنية وهكذا بسبب علمك يتعثر أخوك الضعيف. لذلك فالمحبة تمنعني من الأكل وتكون هذه المحبة التي تمنعني أهم من العلم الذي يبيح الأكل. وهذا معنى آية 1.
العدد 12:
آية 12 :- و هكذا اذ تخطئون الى الاخوة و تجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون الى المسيح.

وهكذا بتصرفك هذا تخطئ ويتعثر أخوك المؤمن، ويتعرض الإخوة الضعفاء إلى تبكيت الضمير بشدة أو الوسوسة أو سيمارسون حياة الخطية وبذلك فإنكم تخطئون إلى المسيح الذي مات لأجل خلاصهم. فمن يسئ للقطيع يهين الراعى.


العدد 13:
آية 13 :- لذلك ان كان طعام يعثر اخي فلن اكل لحما الى الابد لئلا اعثر اخي

ولذلك إذا كنت آكل شيئاً ما ويتسبب عن هذا الطعام عثرة لآخي، فلا يجب أن أتناول هذا الطعام مهما كان نوعه حتى لا يعثر أخي بتصرفي. ولكن هذه الآية تضع مبدءاً هاما في المسيحية ليس فقط في أكل اللحم. لكن على المسيحي أن لا يمتنع فقط عما يراه خطأ ولكن ما يجعل الآخر يتعثر، أي علىَّ أن أهتم بأن لا أعثر أحداً فأنا مسئول عن حياة الآخرين الروحية.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى