تفسير سفر إرميا - الأصحاح 35 | تفسير انطونيوس فكري


العدد 1- 11:

الأيات 1-11 :- 1- الكلمة التي صارت الى ارميا من قبل الرب في ايام يهوياقيم بن يوشيا ملك يهوذا قائلة. 2- اذهب الى بيت الركابيين و كلمهم و ادخل بهم الى بيت الرب الى احد المخادع و اسقهم خمرا. 3- فاخذت يازنيا بن ارميا بن حبصينيا و اخوته و كل بنيه و كل بيت الركابيين. 4- و دخلت بهم الى بيت الرب الى مخدع بني حانان بن يجدليا رجل الله الذي بجانب مخدع الرؤساء الذي فوق مخدع معسيا بن شلوم حارس الباب. 5- و جعلت امام بني الركابيين طاسات ملانة خمرا و اقداحا و قلت لهم اشربوا خمرا. 6- فقالوا لا نشرب خمرا لان يوناداب بن ركاب ابانا اوصانا قائلا لا تشربوا خمرا انتم و لا بنوكم الى الابد. 7- و لا تبنوا بيتا و لا تزرعوا زرعا و لا تغرسوا كرما و لا تكن لكم بل اسكنوا في الخيام كل ايامكم لكي تحيوا اياما كثيرة على وجه الارض التي انتم متغربون فيها. 8- فسمعنا لصوت يوناداب بن ركاب ابينا في كل ما اوصانا به ان لا نشرب خمرا كل ايامنا نحن و نساؤنا و بنونا و بناتنا. 9- و ان لا نبني بيوتا لسكنانا و ان لا يكون لنا كرم و لا حقل و لا زرع. 10- فسكنا في الخيام و سمعنا و عملنا حسب كل ما اوصانا به يوناداب ابونا. 11- و لكن كان لما صعد نبوخذراصر ملك بابل الى الارض اننا قلنا هلم فندخل الى اورشليم من وجه جيش الكلدانيين و من وجه جيش الاراميين فسكنا في اورشليم.

هنا قصة مناقضة للغدر السابق (إستعادة العبيد ضد وصية الناموس) فهنا وفاء للأب أو الجد الكبير والإلتزام بوصيته. والركابيين كانوا قينيين وكانوا ينتسبون للمديانيين وكان يثرون حمو موسى منهم (قض11:4) وقد وقف حابر القينى وزوجته ياعيل بجانب إسرائيل فى حربهم مع الكنعانيين بزعامة سيسرا هذا الذى قتلته ياعيل حينما لجأ لخيمتها وفى (1أى55:2) نجد الركابيين معدودين من شعب يهوذا. ونجد يوناداب بن ركاب المشار إليه هنا فى (2مل15:10) وكان رَجُلاً معروفاً كرجل مكرس للعبادة كارهاً الوثنية محباً للرب وهو صاحب الوصية التى إلتزم بها الركابيين مع أن هذه الأحداث حدثت فى أواخر أيام يهوياقيم حين جاء جيش بابل على يهوذا أى بعد يوناداب بـ 300 سنة وكان يوناداب هذا عظيماً فى أيامه حتى أن الملك أركبهُ معهُ فى عربته الملكية ليظهر للشعب أن ملكهم ملك صالح فهو يُركب معه هذا الإنسان الورع الحكيم. ويوناداب طلب من أولاده وصايا بروح مسيحية وهى (1) لا يشربوا خمراً = أى يتركوا الأفراح العالمية ليفرحوا بالرب يبحثون وينشدون الفرح السماوى وليس فقط لا يشربوا خمراً بل حتى لا يزرعوا كروماً أى الإمتناع عن كل المحاولات للفرح العالمى. (2) يسكنوا خيام = أى الإحساس بالغربة كما نصلى فى القداس قائلين "ونحن الغرباء فى هذا العالم" ولا تبنوا بيتاً = حتى لا يكون لكم فى الأرض ما تتعلق به قلوبكم بل شهوتكم للسماء وكنزكم هناك أيضاً. وفى هذا شرط أكثر من النذير، لأنه يجب أن يزيد برنا عن الكتبة والفريسيين. ويوناداب لم يعطى هذه الوصايا لأولاده ليتحكم فيهم بل لأنه وجد طريق السعادة الحقيقية وأراد لهم أن لا يُخْدعوا بشهوة النظر وتعظم المعيشة ويقتنعوا بالقليل وأن يظل لهم فكر أبائهم. فلا يسقطوا من أفراح السماويات ويصبحوا شهوانيين. ويوناداب أعطى أولاده هذه الوصية حين رأى شكر أفرايم وإنحطاطهم فطلب من أولاده أن يعتزلوهم ولا يسكنوا معهم وهذا ليكون لهم راحة وسلام الفكر والذهن والقلب وتكون لهم أفراح حقيقية. بل أن حياة الغربة والتقشف تعطيهم إستعداداً للألم فإن جاءت فهم مستعدون لها. فإن كان لنا قليل لن نحزن عليه وهذا ما يطلبه الله منا أن نعتزل الشر والأفراح الدنيوية حتى نتمتع بأفراحه "من وَجَدَ نفسه يضيعها ومن أضاع نفسه من أجلى يجدها".
العدد 12- 19:
الأيات 12-19:- 12- ثم صارت كلمة الرب الى ارميا قائلة. 13- هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل اذهب و قل لرجال يهوذا و سكان اورشليم اما تقبلون تاديبا لتسمعوا كلامي يقول الرب. 14- قد اقيم كلام يوناداب بن ركاب الذي اوصى بنيه ان لا يشربوا خمرا فلم يشربوا الى هذا اليوم لانهم سمعوا وصية ابيهم و انا قد كلمتكم مبكرا و مكلما و لم تسمعوا لي. 15- و قد ارسلت اليكم كل عبيدي الانبياء مبكرا و مرسلا قائلا ارجعوا كل واحد عن طريقه الرديئة و اصلحوا اعمالكم و لا تذهبوا وراء الهة اخرى لتعبدوها فتسكنوا في الارض التي اعطيتكم و ابائكم فلم تميلوا اذنكم و لا سمعتم لي. 16- لان بني يوناداب بن ركاب قد اقاموا وصية ابيهم التي اوصاهم بها اما هذا الشعب فلم يسمع لي. 17- لذلك هكذا قال الرب اله الجنود اله اسرائيل هانذا اجلب على يهوذا و على كل سكان اورشليم كل الشر الذي تكلمت به عليهم لاني كلمتهم فلم يسمعوا و دعوتهم فلم يجيبوا. 18- و قال ارميا لبيت الركابيين هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل من اجل انكم سمعتم لوصية يوناداب ابيكم و حفظتم كل وصاياه و عملتم حسب كل ما اوصاكم به. 19- لذلك هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لا ينقطع ليوناداب بن ركاب انسان يقف امامي كل الايام.

ما ضاعف من خطية يهوذا أن الركابيين سمعوا كلام أبيهم وهو إنسان مثلهم. واليهود عصوا الله الأبدى الذى لهُ عليهم سلطة مطلقة كأب لأرواحهم. ويوناداب هذا مات ولكن الله حى للأبد ويرى أعمالهم. ويوناداب لم يُرسل لأولاده أنبياء يذكرهم بما أوصاهم بهِ مثلما فعل الله ومازال يفعل ويوناداب لم يترك أرضاً ولا خيرات لأولاده أما الله فأعطاهم أرضاً تفيض لبناً وعسلاً وهو قادر أن يبقيها لهم إن حافظوا على العهد والله لم يربط شعبه بوصايا صعبة كما فعل يوناداب. ومع كل هذا فأوامر يوناداب أطاعها أولاده واوامر الله لم يطعها شعبه. لذلك بارك الله شعب الركابيين بل وعدهم بأقصى بركة وأعظم بركة أنهم لن يعدمون من يقف أمام الرب دائماً. أى سيكونون مؤمنين بالله دائما. ولنلاحظ إعجاب الله بهؤلاء الذين أطاعوا أبائهم وخشوا من إدخال شىء غريب أو شىء حديث على العبادة القديمة التى تسَلموها من أبائهم. أليس هذا هو فكر الكنيسة الأرثوذكسية التى لا تسمح بتغيير أى شىء توارثته عن الأباء وما نسميه التقليد. وأليس هذا رداً كتابياً على من يلغى فكر التقليد من الكنيسة بدعوى أن التقليد لم يأتى فى الكتاب ولنلاحظ أن هؤلاء الركابيين نفذوا أوامر أبيهم دون تساؤلات هل هى صالحة أم لا.
أسفار الكتاب المقدس
أعلى